الدراما اليمنية تكاد تنعدم طوال السنة ولكنها تزدهر في رمضان. حيث إن هذا الشهر هو الشهر الذي تجتمع فيه العائلة أمام الشاشة لمشاهدة الأعمال الفنية. ورغم التنافس الكبير حيث إن هناك مسلسلات عربية أكثر جودة، فإن الكثير من المشاهدين اليمنيين- خاصة من المغتربين- يحرصون على مشاهدة المسلسلات اليمنية التي تمثل لهم الرابط العاطفي الذي يربطهم بوطنهم الذي يشتاقون إليه. قد تتشابه المواضيع التي تتم مناقشتها بسبب القيود التي تُفرض على هذه الأعمال الفنية، ولكن هذا العام كان مختلفا حيث تمت مناقشة مواضيع لم تسبق مناقشتها من قبل، مما أثار الكثير من ردود الفعل عند المشاهدين اليمنيين الذين لم يألفوا أن يشاهدوا هذه المواضيع في مسلسل يمني رغم أنهم لا يمانعون مشاهدتها في مسلسلات عربية.
بعكس المسلسلات العربية التي غالبا ما تكون متاحة فقط في تطبيقات مدفوعة الثمن أو قنوات تلفزيونية معينة، فالمسلسلات اليمنية متاحة عبر "يوتيوب" للجميع، ونسبة المشاهدات فيها عالية. حيث إن جميع المسلسلات تتجاوز مشاهداتها مليوني مشاهدة. وتتنوع المواضيع في هذه المسلسلات؛ فهناك مسلسلات كوميدية، وأخرى درامية، وهناك مسلسلات تتحدث عن حقبة لا أحد يعرف متى أو أين، وتبدو كأنها من صنع الخيال فقط لتسلية المشاهد. يلاحظ في هذه المسلسلات تجنب المواضيع السياسية، إلا أنها في بعض المرات النادرة تعكس الوضع السياسي بأسلوب رمزي.
يتعمد صانعو هذه المسلسلات عدم التطرق للوضع السياسي الحالي لعدة أسباب، منها الانقسام الحاد بين المواطنين في توجههم السياسي. أيضا الصعوبات الأمنية التي قد تجعل تصوير وإنتاج المسلسل في اليمن صعبا، أو حتى لو تم تصويره في الخارج الخوف من المخاطر الأمنية قد يجعل خروجه للنور مستحيلا.
لذلك تركز هذه المسلسلات على الترفيه في كثير من الأحيان، وأيضا على مناقشة قضايا مجتمعية تهم الجميع مع مراعاة حساسية المجتمع. ويُلاحظ أن هذا العام كانت هناك جرأة نوعا ما في مناقشة قضايا لم تتم مناقشتها مسبقا.
ومن المسلسلات التي أثارت ضجة بسبب مناقشتها لقضية حساسة مسلسل "درة"، وحصلت الحلقة الأولى من المسلسل على نسبة مشاهدة تقارب المليونين ونصف المليون مشاهدة. وهذا المسلسل يناقش قضايا جديدة مثل الابتزاز الإلكتروني، وقضايا القتل بحجة حماية الشرف. ويصور المسلسل موقفا مؤثرا حين نشاهد الأب الذي يقرر قتل ابنته البريئة من هذه التهم، ونشاهد بكاءها واستعطافها له بأن يصدقها إلا أنه لا يصدقها ويقرر قتلها.
جريمة الشرف تعتبر مبررة للأسف في مجتمع أغلبه قبلي مثل المجتمع اليمني، حيث إن المجتمع لا يتسامح مع المرأة التي تمارس الجنس خارج إطار الزواج، أو حتى مجرد التعرف على شاب، رغم أنه يتسامح بشكل كبير مع الرجل. لذلك لم يناقش المسلسل الفكرة بطريقة جريئة مثل الفيلم المصري "الحرام"، ولكنه اختار تناول سيناريو يراعي المجتمع اليمني المحافظ، وفي الوقت نفسه يوعي بخطورة الابتزاز الإلكتروني الذي انتشر مؤخرا.
يحتاج الفن لكثير من الحرية، وإلى أن يكون سقفه عاليا لكي يتطور ويبدع، ويجب أن تكون كل المواضيع دون استثناء قابلة للمناقشة، هذا إن أردنا أن نلتحق بركب الحضارة
أثارت اهتمامي أيضا الحملة التي واجهتها عدة مسلسلات لأسباب يرى المجتمع أنها دخيلة عليه. مثال على ذلك وجود الممثل مع الممثلة في سرير واحد، حيث إن هناك كثيرين كتبوا على وسائل التواصل معبرين عن غضبهم واعتبروا أن هذا انتهاك للعادات اليمنية. وأيضا رفضهم لأي مواقف رومانسية مثل مسك اليد أو الجلوس بجانب الحبيبة. ففي أحد المسلسلات الذي تعرض لحملة رفض كبيرة كان سبب هذه الحملة الشرسة أن المسلسل تحدث عن علاقة بين شاب وفتاة في الجامعة، وللأسف هناك شخصيات تأثيرها سلبي على الوعي العام حرضت وكتبت أن "عليكم أن تمنعوا بناتكم من الجامعة لأن هذا ما يحدث فيها".
للفن قيمة عالية، وتُعتبر التوعية من أهم أهداف الفنـ بالإضافة إلى الترفيه. وفي مجتمع محافظ جدا مثل المجتمع اليمني يصبح التحدث عن القضايا الاجتماعية، أو حتى التعبير عن العواطف الرومانسية موضوعا شائكا جدا، وقد يسبب الهجوم وحملات كبيرة قد تشوه المغزى الحقيقي للعمل الفني.
يحتاج الفن لكثير من الحرية، وإلى أن يكون سقفه عاليا لكي يتطور ويبدع، ويجب أن تكون كل المواضيع دون استثناء قابلة للمناقشة، هذا إن أردنا أن نلتحق بركب الحضارة. وفي بلد يعاني من حروب وعدم استقرار يصبح الفن هو المتنفس الوحيد، وهذه القيود الكثيرة ستجعل الفن اليمني يراوح مكانه، ويعيد ويزيد في نفس المواضيع لدرجة الملل.
كأفراد واعين بأهمية الفن في تطور البلد حضاريا، علينا أن نشجع الفن بكل أشكاله، وأن نشجع هذا التطور الذي يحدث، ولو أنه بسيط إلا أن له أثرا كبيرا خاصة وأنه يحاول أن ينمو في وضع اقتصادي وسياسي صعب. فشكرا لكل من ينتجون هذه الأعمال الفنية في هذا الوقت الصعب، ويواجهون كل هذه التحديات.