إيران و"تعمد" خلق الفوضى في الجنوب السوري

دور النافخ في بيت النار

أ.ف.ب
أ.ف.ب
تصاعد الدخان فوق قرية كويا السورية أثناء القصف الإسرائيلي، في 25 مارس

إيران و"تعمد" خلق الفوضى في الجنوب السوري

تجددت الهجمات الإسرائيلية على محافظة درعا صباح الثلاثاء 25 مارس، مستهدفة بلدة كويا غربي درعا، ما تسبب في مقتل سبعة مدنيين، وإصابة عدد من الأشخاص بجروح متفاوتة. ويأتي هذا القصف بعد أسبوع من هجمات مماثلة على محافظة درعا استهدف المنطقة ما بين اللواء 132 ومنطقة مساكن الضاحية غربي درعا. الجانب الإسرائيلي برر هجماته بأن قواته تعرضت لإطلاق نار من قبل مسلحين في بلدة كويا، دون وقوع إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي، بحسب ما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية.

وبحسب مصادر محلية تحدثت معها "المجلة"، فإن الأهالي في المنطقة سمعوا أصوات إطلاق نار في بلدة كويا، ليتبعه قصف مكثف من قبل الجانب الإسرائيلي، إلا أن المصادر أكدت أنها لم تتمكن من معرفة الجهة التي أطلقت الرصاص، هل هو رصاص إسرائيلي أم رصاص مسلحين في المنطقة. وأضافت المصادر أن خلايا الميليشيات الإيرانية يمكن لها أن تلعب دور النافخ في بيت النار، خصوصا وأن الاستقرار في المنطقة لا يخدم مخططاتها الساعية لخلق بيئة مواتية لإنشاء خلايا جديدة لها في الجنوب السوري.

وتبذل إيران في الآونة الأخيرة جهودا لإعادة مد خطوط التواصل والدعم مع مجموعات كانت تتبع لها وتعمل معها لسنوات في سوريا، وتحديدا في درعا وحوض اليرموك، والمنطقة القريبة من الحدود السورية العراقية والسورية اللبنانية، في الوقت الذي أكد فيه مسؤول في جهاز الأمن العام بدمشق لـ"المجلة" أن الحكومة السورية تدرك أن إيران لن تُسلم بخسارتها في سوريا، وأن الأمن العام بدأ بتشكيل فرق رصد ومتابعة في عدة مناطق سورية حيوية منها الجنوب السوري، في محاولة لمنع إيران من إعادة إنتاج مجموعات جديدة تتبع لها. وكان لافتا أن وكالات تابعة لإيران نشرت في الثالث من مارس/آذار الجاري أخبارا عن تشكيلٍ جديد يُسمى "المقاومة الإسلامية في سوريا- أولي البأس" حيث من المرجح أن يكون هذا التشكيل هو المظلة التي ستعتمدها الماكينة الإعلامية الإيرانية لزعزعة الواقع الأمني الهش في سوريا.

أموال إيرانية إلى درعا وتحضيرات تنظيمية

مصادر خاصة قالت لـ"المجلة" إن مجموعات صغيرة في منطقة اللجاة بدرعا وطفس وقرى أخرى تسلمت أموالا أتت من شخصيات مرتبطة بـ"حزب الله" اللبناني، بهدف إعادة تشكيل ولاءات جديدة لـ"الحزب" والمشروع الإيراني في الجنوب السوري، والترويج إلى أن هذه التشكيلات سيكون هدفها مواجهة التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري ومقاومته، وبحسب المصادر فإنه يتم إخبار "العناصر المحتملين" بأنه في الوقت الراهن لا توجد أي أوامر لبدء عمليات ضد الوجود الإسرائيلي، بل ستكون المرحلة متسمة بـ"الترقب والتنظيم، بانتظار الفرصة المناسبة لبدء التحرك الميداني".

وحصلت "المجلة" على معلومات من مصادر خاصة تُفيد بأنه ومنذ شهر ونصف تقريبا وصلت مبالغ كبيرة إلى درعا (تتجاوز 200 ألف دولار) إلى شخصيات متصلة بالميليشيات الإيرانية سابقا، موضحة أن هذه الشخصيات كانت تعمل مع كمال الحسين القيادي التابع لـ"حزب الله" اللبناني الذي قُتل على يد مجموعة محلية في شهر أغسطس/آب من العام الماضي في قرية الجسري بالقرب من اللجاة، ميليشيا لواء الهادي سابقا والتابعة لـ"حزب الله" اللبناني، وشخصيات أخرى كانت على صلة مباشرة بالحاج ولاء المسؤول عن "حزب الله" اللبناني في الجنوب السوري سابقا.

النفوذ الجديد الموالي لإيران في الجنوب ما زال في مرحلة الإنعاش، والمرحلة الحالية هي مرحلة "تشكيل المجموعات ليتم لاحقا استخدامها في تنفيذ عمليات أمنية تشمل اغتيالات وتفجيرات، بهدف إثارة الفوضى، ومحاولة التحضير لعمليات تستهدف الوجود الإسرائيلي في ريف القنيطرة وأطراف منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي لخلق توتر أكبر بين الحكومة الجديدة والجانب الإسرائيلي"، بحسب ما أفاد عنصر كان يتبع لميليشيا "الغيث" التابعة للفرقة الرابعة و"حزب الله" اللبناني في حديثه لـ"المجلة".

الحكومة السورية تدرك أن إيران لن تُسلم بخسارتها في سوريا، وأن الأمن العام بدأ بتشكيل فرق رصد ومتابعة في عدة مناطق سورية حيوية منها الجنوب السوري في محاولة لمنع إيران من إعادة إنتاج مجموعات جديدة تتبع لها

في مطلع مارس/آذار الجاري، تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو منسوبا لمجموعة في طفس توعدت باستهداف الوجود الإسرائيلي في الجنوب السوري، وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "المجلة" من مصدر حقوقي في درعا فإن هذه المجموعة غير مرتبطة بأي فصيل معارض في الجنوب السوري، ولا تتبع للجان المركزية أيضا، وتوقعت المصادر أن تكون هذه المجموعة عبارة عن "مجموعة أونلاين"، وهذا أسلوب اتبعته إيران وميليشياتها كثيرا لخلق مظلة محلية يتم تحميل النشاطات الإيرانية عليها، وشبّه المصدر هذه المجموعة ومجموعة "المقاومة الإسلامية في سوريا" بمجموعة نشطت على الفضاء الإلكتروني خلال السنة الماضية وهي "المقاومة الإسلامية في العراق" التي تبنت عمليات ضد المصالح الأميركية في العراق وسوريا، في حين أن الذي كان يُنفذ العمليات هي ميليشيات تابعة لإيران في سوريا والعراق (فاطميون، زينبيون في سوريا، كتائب حزب الله في العراق).

وبحسب المصدر الحقوقي، المتابع لنشاط الميليشيات الإيرانية في درعا منذ سنوات، فإنه "لا يزال هناك الكثير من العناصر المرتبطين بالنظام السابق والميليشيات الإيرانية في درعا، وهؤلاء يمثلون قنابل موقوتة يمكن أن تكون قادرة على إحداث فوضى كبيرة، والتسبب في تدخل إسرائيل بشكل واسع سواء بريا أو من خلال تنفيذ غارات جوية قد تستهدف مناطق مدنية"، مشيرا إلى أنه مساء 21 مارس "قامت القوات الإسرائيلية الموجودة في سرية الجزيرة قرب بلدة معرية بحوض اليرموك بإطلاق قنابل مضيئة في سماء حوض اليرموك، والمعلومات تشير إلى أنه كان هناك تخوف لدى إسرائيل من تسلل عناصر مجهولين قد يقومون بتنفيذ هجمات ضدها في المنطقة".

أ.ف.ب
تشييع جثمان ثلاثة أشخاص قُتلوا في غارات إسرائيلية في اليوم السابق، في مدينة درعا جنوب سوريا، في 18 مارس

دمشق تعتبر نفوذ إيران "تهديدا مباشرا للأمن القومي"

قيادي في وزارة الدفاع السوري بدرعا أكد أن الحكومة السورية تعتبر "أي ميليشيا تتبع لإيران هي تهديد للأمن القومي السوري، وأي مجموعة أو شخص يثبت تعامله أو تواطؤه مع إيران هو عميل وستتم محاسبته"، وأضاف في حديثه لـ"المجلة": "التعاطف مع إيران أصبح شبهة في الجنوب السوري، لأن النظام البائد ما كان ليوغل في الدم السوري لولا الدعم الذي قدمته له إيران، والكل يعلم أن الميليشيات الطائفية التابعة لإيران كانت تؤجج النعرات الطائفية وتنتهك الدم السوري، وحتى الآن نحن نحصد النتائج السلبية لأفعال هذه الميليشيات".

وبحسب القيادي فإنه "يتم اتخاذ خطوات عملية لمنع وجود أي بؤر تابعة لإيران، لأن وجود أي نفوذ إيراني في الجنوب سيكون وبالا على المنطقة، حيث يمكن أن تستغل إيران هذه البؤر لخلق صراعات بين الحكومة الجديدة وإسرائيل، أو إحداث فتن داخلية سورية كما حدث في الساحل"، وتابع: "التعويل الرئيس بالإضافة إلى قوة الحكومة الجديدة وخطواتها لمواجهة نفوذ إيران، هو على وعي الشعب السوري، كما أن هناك ملفات في الأمن العام تُعنى بمواجهة النفوذ الإيراني، وفي حال ورود أي معلومات عن وجود أشخاص يعملون مع إيران يتم التحري عنهم والتحرك فورا لإيقافهم".

لا يزال هناك الكثير من العناصر المرتبطين بالنظام السابق والميليشيات الإيرانية في درعا، وهؤلاء يمثلون قنابل موقوتة يمكن أن تكون قادرة على إحداث فوضى كبيرة

في السياق ذاته، قال مصدر مسؤول في الأمن العام بدمشق في حديث لـ"المجلة" إن الحكومة السورية الجديدة تولي اهتماما بالغا لمواجهة أي نفوذ إيراني في سوريا، على مستوى تهريب المخدرات وإنتاجها، وعلى المستوى العسكري المُتمثل في تشكيل خلايا جديدة أو دعم خلايا قديمة تابعة لها هدفها زعزعة جهود إرساء الاستقرار في سوريا.

وأكد المسؤول أن "جهاز الأمن العام قام بتشكيل فرق تحرٍ ورصدٍ معنية بمتابعة أي نشاطات إيرانية في سوريا، هذه المجموعات تجمع المعلومات وتراقب عن كثب أي محاولة إيرانية لإعادة نفوذها في سوريا، وقد قمنا خلال الأسابيع الماضية بأكثر من عملية اعتقال في درعا ودير الزور وحمص والساحل السوري لمجموعات وأفراد يعملون لخدمة المشروع الإيراني الهادف إلى نشر الفوضى في سوريا".

أ.ف.ب
جندي إسرائيلي يقف عند نقطة مراقبة في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل، المطلة على جنوب سوريا، في 25 مارس

إيران لإبقاء الحد الأدنى من النفوذ

بعد سقوط النظام السوري، بالتزامن مع انهيار قوة "حزب الله" اللبناني أمام الضربات الإسرائيلية التي أطاحت بقادة الصف الأول لـ"الحزب" في سوريا ولبنان وعلى رأسهم الأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله، تحاول إيران إبقاء نفوذٍ لها في ثلاث مناطق سورية حيوية، عند الحدود السورية العراقية، حيث تنتشر اليوم مجموعات تابعة لقوات "الحشد الشعبي" العراقي، و"كتائب حزب الله"، وبقايا الميليشيات الإيرانية التي كانت في دير الزور، والمنطقة الثانية هي الحدود السورية اللبنانية المُطلة على جبال القلمون وحمص والساحل السوري والتي ينتشر فيها "حزب الله" اللبناني وفلول النظام السابق، والمنطقة الجنوبية بالقرب من الحدود السورية-الإسرائيلية، والحدود السورية-الأردنية.

إيران تريد الحفاظ على الحد الأدنى من النفوذ حاليا في سوريا، لخدمة مصالحها الاقتصادية (المخدرات)، والعسكرية (تمرير السلاح إلى لبنان وإدارة مجموعات لتنفيذ مخططاتها في سوريا وإبقاء حالة الصراع مستمرة)، كما أن إيران ومن خلال تشكيل خلايا لها في سوريا يمكن أن تعيد نفسها إلى ساحة التفاوض مع الحكومة السورية والدول الإقليمية لتحصيل مكاسب اقتصادية وسياسية على مبدأ "الهدوء له ثمن".

font change

مقالات ذات صلة