مسرحيون عرب يتحدثون لـ"المجلة" عن آمالهم وطموحاتهم في يوم المسرح العالمي

لا يزال الأقدر على تقديم تجربة تفاعلية فريدة

 © Ahmed Bousnina
© Ahmed Bousnina
جانب من عرض metamorphosis 2

مسرحيون عرب يتحدثون لـ"المجلة" عن آمالهم وطموحاتهم في يوم المسرح العالمي

يكاد المسرح يكون الغريب الشاذ في زمن يطالب بالسرعة والكفاءة والإلهاء. فليس في وسع المسرح المنافسة على الإعجاب من خلال مقطع ساخر أو شاب يؤدي مشهدا على "تيك توك"، ولا أن يجاري عشر ثوان من مأساة تبتلعها الخوارزميات. لطالما نجا هذا الفن من الرقابة، من السجن، من المنفى، ومن الوباء. في يوم المسرح العالمي، يشارك عدد من صانعي المسرح العرب "المجلة" رؤاهم وانحيازهم إلى هذا الفن الجميل الهش والخطير في زمن الحروب والانهيارات الاقتصادية وهيمنة الشاشات، فهم يحبون المسرح ليس لأنه سهل، ولا لأنه مربح طبعا، بل لأن شيئا في داخلهم يرفض أن يتركه يموت.

ليلى سليمان: ما لا يمكن أن يفعله فن آخر

حين سألنا المخرجة المصرية ليلى سليمان: ماذا لو اختفى المسرح بين ليلة وضحاها؟ من سينتبه لغياب الخشبة سوى المسرحيين أنفسهم؟ استحضرت أزمة كوفيد19، قائلة: "حينها انتشر المسرح المعتمد على الواقع الافتراضي، لكنه لم يكن بديلا ولا مساويا في تكثيف اللحظة الحية المعيشة التي تخلقها الخشبة الفعلية". وتشير إلى "جنوب العالم"، حيث "لا يزال جمهور المسرح يفضل الشكل التقليدي منه"، وإلى "أماكن كثيرة لا يزال الذهاب إلى المسرح فيها فعلا مهما".

أما الأشكال الأخرى المرتبطة بفعل المشاهدة اليوم، فهي في رأيها "أدائية، لكنها ليست بديلا من المسرح، فهو الشكل الحي الوحيد الذي لم يستطع أي وسيط حتى الآن أن يحل محله بشكل كامل. هذه القدرة على المشاركة المباشرة بين المتلقي والمؤدي، أو التفاعلية أحيانا بين الجمهور والعرض، لا تزال مستحيلة الاستبدال. فالمسرح يدمج بين المباشرة والواقعية والشعرية في آن واحد، ولا بديل يمكنه مضاهاة قدرة المسرح على مخاطبة العقل والقلب والحواس والمشاعر بالدرجة والطريقة نفسها".

لا بديل يمكنه مضاهاة قدرة المسرح على مخاطبة العقل والقلب والحواس والمشاعر بالدرجة والطريقة نفسها

ليلى سليمان

منذ عشرين عاما، بدأت سليمان مسيرتها المسرحية متنقلة بين الوثائقي والتخييلي والخطاب المباشر والشعري، تقول: "ليس لدي حلم محدد، لكني أشعر أن المسرح شيء متغير، وحلمي مثله متطور في علاقته بالعالم والمجال العام". وتضيف: "هناك خطوات كنت أتمناها وحققتها، وأخرى جديدة أطمح إليها. مع الوقت، تصبح الأحلام أكثر تكثيفا، متعلقة بتقدير الهشاشة، وتأكيد الحميمية، والبحث عن تلك العناصر التي تميز المسرح وتجعله إنسانيا ومؤثرا".

حاليا، تعمل سليمان على عرض راقص يستكشف ثنائية النور والظل في علاقة المرأة بالخصوبة: "أحلم بأن تكون هناك حرية في المكان الذي أعيش فيه، خاصة في مصر، حرية في التجريب، وأحلم بألا يكون هناك تضييق أو محاربة، بل أن يتمكن عرض مسرحي من المشاركة في فضاء عام بسلاسة ومن دون رقابة. كما أتمنى أن تكون الفرص متاحة بعيدا من الشللية والاعتبارات السياسية. أحلامي متعلقة بالسياسات الثقافية في المنطقة".

روود خيلنز روود خيلنز
مشهد من عرض زج زج، نص وإخراج ليلى سليمان

محمد بني هاني: مسؤولياتنا كمسرحيين مستقلين

يسمي المخرج الأردني محمد بني هاني التظاهرات المسرحية الموسمية بـ"محميات مهرجانية"، فهي "مدعومة رسميا، وتتحكم في توجهات المسرح ومخرجاته، مما أفقده جوهره الجمالي والفكري، وحوله إلى أداة بروباغندا استهلاكية. لم تعكس هذه الفضاءات المسرح الحقيقي، بل أصبحت بيئة طاردة لكل تجربة ترفض الامتثال لقواعد السوق الرسمية. النتيجة؟ مشهد مسرحي معزول فقد جمهوره".

يرى بني هاني أن "فنا أصيلا كالمسرح لا يختزل في هذه النماذج البائسة. وما سمي أبا الفنون عبثا، إلا لأنه قادر على دمج الفنون المختلفة وإعادة تشكيلها ضمن بوتقته". ولكن من يحتاج المسرح اليوم؟ يجيب: "كلنا نحتاج إليه. فهو يروي قصصنا وحكاياتنا، ويرسم آمالنا، ويجسد خيبات راكمتها أجسادنا، وقصص حب شكلتنا وأسست لعوالم من شعر وعاطفة وجمال، رغم كل ما يحيط بنا من قبح".

المسرح يروي قصصنا وحكاياتنا، ويرسم آمالنا، ويجسد خيبات راكمتها أجسادنا، وقصص حب شكلتنا 

محمد بني هاني

يكمل بني هاني، الذي عرضت مسرحيته "قصة الحب التي لم ترو بعد" أخيرا في العاصمة الأردنية عمان: "يجب أن نتحمل مسؤولياتنا كمسرحيين مستقلين. بدلا من لوم غياب التمويل أو المنتجين، يجب أن نبحث عن بدائل فنية وتقنية. لا بد أن نطور أساليبنا في إدارة المشاريع، وإنشاء فضاءات عرض حرة ومستقلة فعلا، لا مجرد ادعاء، فضاءات تنحاز للطرح الفني الجمالي المتقن والمجرب والمتجدد. الجمهور موجود، وهو متعطش لمسرح حقيقي، تماما كما نحن متعطشون للقائه. المسرح في العالم العربي يحتاج إلى التحرر من قيوده، لا إلى نفي أهميته. التحدي كبير، لكن المحاولة تجدي نفعا".

عن المشهد المسرحي في الأردن، يرى بني هاني أنه "يعاني من ضبابية واستقرار هش، ويواجه معوقات تعطل نموه وتطوره وتؤثر في انتشاره وتأسيس قاعدة جماهيرية داعمة له. ما زلنا نواجه صراعا وجوديا يمتد من حرية الطرح والسؤال والمخيلة، وصولا إلى قوانين وأنظمة معطلة تطرد المبدعين وتستقطب المنفذين الذين يفتقرون إلى الأدوات والأسئلة الإبداعية".

ويكمل: "وقعنا جميعا في فخ المهرجانات المسرحية، ودافعنا عن بقائها واستمرارها، إلا أننا كنا نأمل في استقلالها وتحررها من الأطر القانونية التي تقيدها. كنا نحلم بأن يأتي يوم يحمل تغييرا حقيقيا في فهم الفن المسرحي، وأن تكون دور العرض والمسارح مخصصة لخدمة رؤية الفنان وعمله الإبداعي، وليس العكس. تنمية المسرح وتمكينه لا يقتصران على الدعم المالي الشحيح الذي أصبح أداة للاقصاء والاستقطاب، بل يجب أن يشمل توفير البنية التحتية من قاعات تدريب ومسارح مجهزة تقنيا وفنيا، مع فتح أبوابها لجميع المشاريع المسرحية الفنية الجمالية".

مشهد من مسرحية غيمة، نص عبد الله الشهري وفهد الشهري وإخراج سالم باحميش

رغم الإحباط الظاهر في حديث المخرج الذي يقيم في سويسرا حاليا، إلا أنه يؤكد وجود "الطاقات الفنية الشبابية المبدعة التي تحتاج إلى صقل مهاراتها وتوفير مساحات آمنة للتعبير يقدمون فيها رؤاهم، ويختبرون أدواتهم الفنية، ويشاركون أحلامهم وتطلعاتهم. وتحقق لهم اكتفاء معيشيا مقبولا".

سالم باحميش: علاقة مستدامة مع الجمهور

يرى المخرج السعودي سالم باحميش أن المسرح "الذي عاش عبر العصور والقرون الماضية إلى أن وصل إلينا، يقدم تجربة حية وفورية لا يمكن أي شاشة سينما أو تلفزيون أو منصة رقمية أن تعوضها. فهو يخلق التفاعل المباشر بين الممثلين والجمهور ويولد طاقة خاصة ومشاركة وجدانية تجعل كل عرض تجربة مختلفة عن الأخرى. هذه العلاقة تمنح المسرح سحره الخاص، وتجعله وسيلة تعبير قادرة على لمس الجمهور بطرق لا تستطيعها الوسائط المسجلة".

التحدي هو ان يبني المسرح علاقة مستدامة وثقة مع الجمهور، عبر تقديم تجارب غامرة تدمج أساليب المسرح التقليدية بالتكنولوجيا المعاصرة، وتجعله جزءا من نمط الحياة اليومية 

سالم باحميش

ولا يرى باحميش فيه وسيلة ترفيه فحسب، بل "مساحة للتفكير النقدي واستكشاف القضايا الاجتماعية والإنسانية بشكل مباشر. وأتاحت هذه المباشرة لأعمال مسرحية أن تنجح في مقاربة مواضيع معقدة بطرق لا تقدر عليها وسائل الإعلام الأخرى، حيث يتيح المسرح للجمهور التفاعل مع الأفكار دون فواصل أو شاشات. ولكن هل ينتمي هذا الشكل من التعبير الى اللحظة الراهنة؟"، عن ذلك يعلق باحميش: "لا يمكن القول إن المسرح لا ينتمي إلى اللحظة الراهنة بقدر ما أنه فن يتكيف مع الزمن، وربما يكمن التحدي الأكبر في كيفية دمج التقنيات الحديثة مع المسرح دون فقدان جوهره الحي والتفاعلي".

بالنسبة إلى المسرح السعودي، فإن التحدي الذي يواجهه، وفقا لباحميش، كامن في "أن يبني علاقة مستدامة وثقة مع الجمهور، وذلك يتحقق عبر تقديم تجارب غامرة تدمج أساليب المسرح التقليدية بالتكنولوجيا المعاصرة، وتجعله جزءا من نمط الحياة اليومية. من خلال المزج بين الهوية المحلية والابتكار الفني، يمكن المسرح أن يصبح عنصرا أساسيا في المشهد الثقافي والترفيهي في المملكة".

روود خيلينز روود خيلينز
مشهد من عرض زج زج، نص وإخراج ليلى سليمان

يضيف مخرج مسرحية "الملكة شقيلة"، أن وزارة الثقافة وهيئة المسرح توفران الدعم والمبادرات والتمويل، مما يتيح إنتاجات أكثر جرأة واحترافية مستقبلا. كما سعت الوزارة، ممثلة في هيئة المسرح والفنون الأدائية، إلى إطلاق "مهرجان الرياض للمسرح"، الذي ساعد في تعزيز صناعته وترويج ثقافة ارتياده. رغم ذلك، "ما زلنا في حاجة إلى مزيد من المسارح المجهزة بشكل احترافي في مختلف المدن، ورفع مستوى الإنتاج لضمان جودة العروض".

آسيا الجعايبي: تهجين المسرح والرقمي

لطالما كان المسرح التونسي متأثرا برؤى جيل والديها فاضل الجعايبي وجليلة بكار، جيل تحدى الرقابة وبنى السلطة والتابوهات الاجتماعية. فهل ورث جيل المخرجة آسيا الجعايبي هذه القضايا رغم كل التغيرات الظاهرية؟ تجيب: "كنت شاهدة على التزام عائلتي مواجهة الرقابة وتناول المواضيع المحرمة. هذا الإرث شكل رؤيتي للمسرح، لكن جيلي يخوض تجربته ويطور أدواته الخاصة".

ما زلت أؤمن بأن للمسرح مكانة أساسية في نقل الحكايات، بوصفه فضاء للتجربة الجماعية والنقد المجتمعي والسياسي 

آسيا الجعايبي

لا شك أن المسرح التونسي بعد 2011 تغير، متيحا حريات جديدة، لكنه حمل أيضا تحديات جديدة، تقول آسيا: "ظهرت مساحات أخرى للمقاومة والتعبير، وأصبح المسرح في منافسة مع أشكال تعبير أخرى، لا سيما الرقمية. هذا التحول غير علاقتنا بالسياسة وبالالتزام الفني والثقافي، وعملي جزء من هذه التحولات". كيف يمكن أن يمارس المسرح اليوم؟ سؤال طرحته الجعايبي في عرضيها Métamorphose #1 و Métamorphose #2، مستكشفة إمكانات التهجين بين المسرح والرقمي. توضح: "العرض الثاني هو لقاء بين الأجيال، وأداء يتساءل حول إرث والدتي (بكار) وكيف نتموضع تجاه هذا الميراث الفني والسياسي. لا تقوم مقاربتي على المواجهة المباشرة أو الخطاب التنديدي فحسب، بل تعتمد على تفكيك السرديات، ووضع الواقع في توتر مع الخيال".

© Pol Guillard © Pol Guillard
آسيا الجعايبي

بحسب الجعايبي، فإن الوسائط الرقمية تغير طريقة سرد القصص وتفاعل المسرحيين مع الجمهور وتصورهما للزمن. مع ذلك، تضيف: "ما زلت أؤمن بأن للمسرح مكانة أساسية في نقل الحكايات، بوصفه فضاء للتجربة الجماعية والنقد المجتمعي والسياسي". لقاء المسرح بالرقمي أمر حتمي اليوم، وفقا لآسيا، التي لا ترى في الوسائط الرقمية خصما، بل أرضية للتجريب. يتيح العالم الرقمي في نظرها طرقا مختلفة للأرشفة، ويمنح العمل امتدادا يتجاوز زمن العرض المسرحي. تقول: "السؤال الذي يشغلني منذ سنوات ولا يزال: كيف يمكننا استخدام رموز العالم الرقمي دون أن نفقد جوهر المسرح – الحضور، العمق، العلاقة المباشرة، والتجربة الجماعية؟".

لا يثير المسرح اهتمام الجعايبي بوصفه "مساحة لليقين، بل كمجال للاضطراب. وهنا تكمن سياسيته: ليس في تقديم حقائق جاهزة، بل في فتح ثغرات، وخلق توترات تستمر في الصدى بعد انتهاء العرض. المسرح أيضا فعل جماعي. في صناعته، كما في نشره وتقاسمه. لا يصنع المسرح وحيدا. إنه عملية تستلزم طاقات ورؤى وأجسادا وتوترات. هو تشارك الزمن والمكان والمشاعر والتساؤلات. إنه من الأماكن القليلة التي يمكننا أن نكون فيها معا دون تشتيت، دون وساطة شاشة، دون فلترة. إنه فضاء نقبل فيه أن نرى ونُرى. وربما هذا هو أقوى ما فيه اليوم".

© Pol Guillard © Pol Guillard
مشهد من عرض metamorphosis 2

عمر أبي عازر: وضع المسرح أفضل من وضع البلد

تأسست "فرقة زقاق" المسرحية في لبنان في السنة نفسها التي اندلعت فيها حرب يوليو/ تموز 2006. كان أعضاؤها (عمر أبي عازر، لميا أبي عازر، جنيد سري الدين، مايا زبيب، محمد حمدان) متخرجين جددا، معظمهم من مواليد أواخر الثمانينات، أي أواخر الحرب الأهلية. يقول أبي عازر: "كنا نعتقد أننا نؤسس فرقة مسرح كأي فرقة عربية أو أوروبية، نقدم عروضنا وربما نصوصا كلاسيكية، ثم جاءت الحرب". وبعد الحرب، كان لبنان يواجه أزمة، ثم انهيارا، ثم حربا إقليمية، "هكذا كان الوضع منذ ولدنا".

في بلد تميزه الهشاشة، ويعيش حالة من إعادة الإعمار والهدم منذ عقود، استمرت "زقاق". فكيف يحدث ذلك؟ يجيب: "طريقة تنظيمنا وطريقة شغلنا في قلب هذه الجدلية، نتساءل لماذا ما زلنا هنا. كان في إمكان معظمنا أن يغادر ويكمل دراسته ومهنته في الخارج، لكننا أدركنا أن المسرح وما يعنيه بالنسبة إلينا لا يمكن أن يكون موجودا إلا في لبنان. نحن أبناء حرب، ومسرحنا مسرح أزمات وانهيارات، لا يمكنه أن ينوجد في مكان آخر".

أدركنا أن المسرح وما يعنيه بالنسبة إلينا لا يمكن أن يكون موجودا إلا في لبنان. نحن أبناء حرب، ومسرحنا مسرح أزمات وانهيارات 

عمر أبي عازر

يكمل: "علاقتنا مع المهنة علاقة مستمرة مع الأزمة والتاريخ الذي نوجد في قلبه، في قلب هذه المنطقة من العالم. وفي هذه اللحظة التي نمر فيها، نحن وجها لوجه مع التاريخ الذي ينبني. إذا ذهبنا إلى بلد أوروبي أو إلى الغرب، فسنفقد رغبتنا أصلا في صناعة المسرح، لأن مهنتنا هي الطريقة التي نمارس فيها مواطنتنا. ليست مقاومة، بل مواطنة. لسنا نعمل ضد الحرب والانهيارات فقط، بل في وجه الثقافة التي نعيش فيها والتي تشن حربا علينا، من الثقافة المؤسساتية والطائفية والدينية والاجتماعية. إنها مواطنة لموطن نحلم به. في مسرحنا، نعمر الوطن الذي نحلم فيه، أو ما نعتقد أنه المجتمع المثالي الذي نريد أن نعيش فيه، ونعيش فيه لأننا قادرون على ممارسة المسرح".

راندا ميرزا راندا ميرزا
مشهد من هاملت ماكينة لفرقة زقاق

وعن المسرح اللبناني اليوم، يوضح أبي عازر: "كمية المسرحيات التي تقدم في لبنان حاليا تشعرك أن وضع الثقافة والمسرح في لبنان أفضل من وضع البلد. هناك مسرح لبلد ليس موجودا تقريبا، أو بلد خرج للتو من الحرب ونصفه مدمر وما زلنا ننعى قتلانا". يتابع: "حاولنا حجز مسرح، فوجدنا المسارح محجوزة لسنة ونصف السنة من الآن. المسرح في لبنان مزدهر اليوم بشكل لافت، متشعب بالأنواع المسرحية، هناك تقليدي وملتزم وتجريبي وتفاعلي وفي كل المدن".

يدعو أبي عازر المؤسسات الثقافية الرسمية إلى أن تستفيد من خبرات المسرحيين والفنانين المستقلين، خاصة أنها "المرة الأولى لدينا وزير ثقافة له علاقة بالثقافة ولديه رغبة في أن يفعل شيئا، فيمكن هذه اللحظة أن توظف وتستغل كفرصة ننطلق منها إلى نقلة نوعية في طريقة التفكير الثقافي، إن كان في لبنان أو في المنطقة، فلطالما أثرت الثقافة في لبنان على الساحات الثقافية في العالم العربي".

رفاييل خوري: ذلك الشيء الذي ضاع منا

يتحدث المسرحي الأردني رفاييل خوري، المقيم في ألمانيا، عن الفنان العربي المهاجر، قائلا: "هناك نوع من الفيتشية لدى الألمان تتعلق برغبتهم في أن يتحدث المسرحي العربي عن تجاربه السيئة المرتبطة بكونه عربيا"، ويضيف: "في ألمانيا، لا يمكنك أن تكون ندا للمسرحي الألماني الأبيض مهما قدمت من نصوص ممتازة. هناك هرمية، وأنت غير موجود إلا إذا قدمت وجهة نظرك كمهاجر".

في ألمانيا، لا يمكنك أن تكون ندا للمسرحي الألماني الأبيض مهما قدمت من نصوص ممتازة. هناك هرمية، وأنت غير موجود إلا إذا قدمت وجهة نظرك كمهاجر 

رفاييل خوري

منذ فترة، يبحث خوري في جذور المسرح الغربي المستمدة من المسرح الإغريقي والمصري القديم، ويوضح: "للمسرح جذور دينية. في مصر القديمة، نشأ المسرح من عبادة أوزيريس، وفي اليونان من عبادة باخوس أو ديونيسوس. كان الغرض من هذه الطقوس أن تلتئم المدينة كلها في احتفالية كبيرة تستمر ستة أيام، يشارك فيها الجميع: أغنياء وفقراء، صغار وكبار. كانت الفكرة توحيد المجتمع، مما جعل الطقس نفسه يحمل رسالة سياسية ودينية راديكالية. عملي يتحدث عن ذلك الشيء الذي ضاع منا: المسرح كان وسيلة لجمع الكل معا، لمساواتهم ولو للحظات، لجعل المدينة كلها كيانا واحدا".

 إلين بلير إلين بلير
الفنانة اليونانية ميرتو ستامبولو في عرض كان فردوسا مع الأسف للمخرج الأردني رفاييل خوري

يتابع: "الطريقة التي وصل بها المسرح إلى حاله اليوم ظهرت في عصر النهضة، حين بدأ الأمراء والأثرياء في بناء المسارح والتنافس في فخامتها. اختفت الرسالة الراديكالية التي كانت تؤكد أننا ننتمي إلى شيء واحد. أعتقد أن المسرح اليوم في أزمة لأنه فقد هذا البعد، وأصبح أكثر ارتباطا بالمؤلف والفرد على حساب الجماعي والجمعي. إلى أي حد يمكن ذلك أن ينمو ويتطور؟ أشعر أنه يشبه سيارة بلا وقود، نحاول تشغيلها لكنها لا تتحرك من مكانها".

هشام هشام: ملصقات ومسرحيات جديدة في الظلام

يعمل المخرج اللبناني هشام هشام حاليا على تجربة مسرحية عن الحرب الأخيرة، تحت عنوان "أربعون حجرا من ركام الضاحية". عن الحرب والمسرح، يقول: "بدأت كتابة العمل في الأشهر الأخيرة من الحرب. بالنسبة إلي، لا يمكن أن يتوقف المسرح، حتى في أحلك الأوقات، فهو ملاذ للخيال والإبداع، وهما ليسا مجرد أدوات مقاومة، بل أيضا أدوات للحياة والأمل والاستمرار. الاستمرار موقف سياسي".

لا يمكن أن يتوقف المسرح، حتى في أحلك الأوقات، فهو ملاذ للخيال والإبداع، وهما ليسا مجرد أدوات مقاومة، بل أيضا أدوات للحياة والأمل 

هشام هشام

يضيف: "في منطقتنا، العنف ليس مجرد حدث عابر، سواء في فلسطين أو سوريا أو العراق أو اليمن، بل تمارسه أيضا حكوماتنا ومجتمعاتنا. والمسرح، تاريخيا، كان دائما وسيلة للمقاومة والصمود. هناك مسرح يوثق، ومسرح يسلي، ومسرح يتحدى، ومسرح يفعل كل ذلك في آن واحد. أجمل ما في المسرح أنه مستمر. في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، إذا استثنينا الحرب الأهلية، لم تكن لدينا مؤسسة رسمية تكترث بالمسرح أو تدعمه أو تمول إنتاجاته، ولم تحظ كلية الفنون في الجامعة اللبنانية بما تستحقه من اهتمام. رغم ذلك، واصل المسرحيون العمل. حين غرقت بيروت في الظلام بسبب انقطاع الكهرباء، كنت أرى ملصقات جديدة تعلن عن أعمال جديدة على مسارح بيروت، وكان ذلك يطمئنني. كنت أشعر أن المدينة لا تزال على قيد الحياة، لأن المسرح لا يزال حيا".

مشهد من مسرحية موقوف رقم 80، نص عباس الحايك وإخراج عبدالله باعقيل

عبد الله باعقيل: مدرسة في الجمال واللغة والتعبير

يرى المخرج السعودي عبد الله باعقيل، رئيس جمعية "ضو للمسرح والفنون الأدائية"، أن المسرح "مؤسسة فريدة تسعى إلى بناء الإنسان وتنميته، حيث توفر خشبته ونصوصه مساحة للبحث عن الجمال بين الحقيقة وما وراءها، وبين الخيال وما يتبعه من إبداع. إنه عالم متداخل، حيث تتلاقى الرؤى، فتؤثر وتتأثر بما حولها، كما نجرب حيوات آخرين ونستقصي أبعادها، ثم نعود لنفهم أنفسنا أكثر ونقف أمام ذواتنا وطبيعتنا".

بالمسرح تنهض الدول، وتتثاقف الشعوب، وتتعزز القيم، ويتشكل السلوك الإيجابي، ونصبح أكثر انفتاحا على العالم بأسلوب حضاري ومتسامح 

عبدالله باعقيل

ويضيف: "بالمسرح تنهض الدول، وتتثاقف الشعوب، وتتعزز القيم، ويتشكل السلوك الإيجابي، ونصبح أكثر انفتاحا على العالم بأسلوب حضاري ومتسامح".

يقدم باعقيل مسرحا "لكل فئات المجتمع، ابتداء من مسرح الطفل وحتى الكبار"، ويرى أنه يمثل حالة تعليمية متكاملة، حيث يعلمنا "كيفية التعبير عن أفكارنا بوضوح، وكيف نكون مؤثرين في مجتمعنا، كما يساعدنا في تعلم مواجهة الجمهور، وإعادة اختبار أنفسنا في التعامل مع اللغة العربية. في المسرح، نتعلم أيضا الانضباط والالتزام، ويرتفع لدينا حس المسؤولية الوطنية والاجتماعية".

font change