في أواخر ستينات القرن الماضي، عرضت المسرحية الكوميدية الشهيرة "هاللو شلبي"، بطولة الفنان القدير عبد المنعم مدبولي وإخراج سعد أردش، الذي كان يدرّس آنذاك في المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان من عادته، الاستعانة ببعض الطلاب المتفوقين في أدوار صغيرة وهامشية، ربما لا تتجاوز منظرا واحدا. فوقع اختياره حينها على طالبين أحدهما في السنة النهائية هو محمد صبحي والآخر لا يزال في عامه الأول أو الثاني على غالب تقدير. لم يكن ذلك الشاب سوى الفنان أحمد زكي "فتى السينما الأسمر" كما سيُطلق عليه لاحقا، الذي تصادف اليوم الذكرى العشرون لرحيله المبكر عام 2005 عن عمر لم يتجاوز 56 سنة، بعد صراع استمر قرابة العام مع سرطان الرئة.
بحصيلة سبعين فيلما وعدد محدود من المسرحيات والأعمال الدرامية، انضم أحمد زكي إلى سجل المبدعين الذين تركوا بصمة كبرى، لذلك لم يكن مستغربا أن تحظى أعماله بالتقدير الجماهيري والنقدي على حد سواء، بما في ذلك التجارية منها، التي تشكل النصف تقريبا، إلا أن هذا لم يمنعه من العزف منفردا داخل سيناريو متواضع أو إخراج هزيل، كما لم يمنع ذلك المخرج والباحث السينمائي محمد كامل القليوبي من اعتباره "أهم ممثل في تاريخ السينما المصرية". حتى أن ناقدا حادا مثل سامي السلاموني يقول عنه في معرض قراءته فيلم "البيه البواب" (1987): "الميزة الأولى في هذا الفيلم هي التمثيل العبقري لأحمد زكي الذي يعيش كل شخصية تماما وأيا كانت أبعادها، فهو أكثر ممثلي مصر اكتمالا وصدقا وتوهجا الآن". وبرغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على كلمات السلاموني ورحيل زكي نفسه، فإن ما قاله لا يزال صادقا حتى اليوم وكأن الزمن لم يجد بديلا يعيد صياغة هذا الحكم.
مريض بالفن
ولد أحمد زكي في 18 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1949 بمدينة الزقازيق التابعة لمحافظة الشرقية، إحدى محافظات مصر في شرق دلتا النيل. مات أبوه قبل أن يبلغ عامه الأول وتزوجت أمه في العام التالي نزولا عند عرف الجماعة. لينتقل إلى العيش مع جده ثم مرتحلا بين رعاية أعمامه وأخواله، ويتربى لديه شعور بعدم الانتماء الذي سيرافقه طيلة حياته. ربما كان هذا دافعه الأول نحو التفوق الدراسي كمن يسعى لإثبات ذاته وانتزاع اهتمام من حوله عن استحقاق. رغم ذلك، ورغم حصوله على مجموع مرتفع في المرحلة الإعدادية، لم يلتحق بالثانوية العامة، مفضلا المدرسة الصناعية كي يبقى بصحبة مجموعة من الأصدقاء ارتبط بهم منذ طفولته، لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق معدلات عالية تؤهلهم للمسار نفسه.