محادثات الرياض خطوة مهمة لإنهاء حرب أوكرانيا... والطريق طويل

الزخم الميداني الذي اكتسبته روسيا في الآونة الأخيرة منحها هامشا من القدرة على "الصبر الاستراتيجي"

رويترز
رويترز
جندي من خفر السواحل الأوكراني على متن قارب دورية أثناء مرور سفينة شحن في البحر الأسود، 7 فبراير 2024

محادثات الرياض خطوة مهمة لإنهاء حرب أوكرانيا... والطريق طويل

كان التحدي الهائل المتمثل في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الصراع الأوكراني، جليا خلال الجولة الأخيرة من المفاوضات التي استضافتها الرياض، ولم يقترب الطرفان من تحقيق السلام المستقر. واضطر الرئيس دونالد ترمب، الذي استهل ولايته الثانية بتعهد جريء بحل النزاع خلال 24 ساعة من توليه المنصب، إلى إعادة تقييم توقعاته في وقت لاحق، واعدا هذه المرة، إزاء التعقيدات الميدانية المتزايدة، بتحقيق وقف لإطلاق النار بحلول عيد الفصح.

وقبيل انطلاق الجولة الجديدة من المباحثات يوم الاثنين في العاصمة السعودية، أبدى ستيف ويتكوف، المبعوث الشخصي لترمب إلى الشرق الأوسط، تفاؤلا بشأن فرص التوصل إلى اتفاق بحلول أحد الفصح، الموافق هذا العام للعشرين من أبريل/نيسان. وقال لقناة "فوكس نيوز" إن المسؤولين الأميركيين "يسدون الفجوة بين الطرفين،" وأن ترمب "يتوقع التوصل إلى نوع من الاتفاق في الأسابيع المقبلة".

في المقابل، سعت موسكو إلى كبح التطلعات، مشيرة إلى أن القمة في الرياض ليست سوى بداية لـ"مفاوضات شاقة"، فيما أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن وفده سيشارك "بروح بناءة تماما، ولكنه شدد في الوقت ذاته على أن بلاده ستطالب بوقف الهجمات الروسية على البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا.

وعلى الرغم من نجاح إدارة ترمب في إقناع أوكرانيا بقبول وقف لإطلاق النار لمدة ثلاثين يوما، كان لافتا أن روسيا لم تنقطع عن القيام بعملياتها العسكرية، واستهدفت مؤخرا خطوط السكك الحديدية، بل وأحد مستشفيات الأطفال.

وأظهرت صعوبة المفاوضات الأخيرة التي جرت هذا الأسبوع في الرياض مدى تعقيد مهمة التوصل إلى تسوية دائمة للنزاع، مع استمرار تعثر المفاوضين الأميركيين والروس والأوكرانيين في إيجاد أرضية مشتركة.

رغم أن المفاوضات كانت تدور بالدرجة الأولى بين روسيا والولايات المتحدة، فإن الوفد الأميركي حرص على إطلاع نظيره الأوكراني على مجريات النقاش بشكل مستمر

وقد انعقدت الجولة الثانية من المحادثات الرسمية بين المسؤولين الأميركيين والروس في العاصمة السعودية، عقب اتصال هاتفي جرى الأسبوع الماضي بين الرئيس دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. غير أن العقبات التي تعترض طريق العملية السلمية سرعان ما اتضحت، بعدما تأجل إصدار بيان مشترك بين الولايات المتحدة وروسيا حول نتائج المفاوضات، حين أوضح الجانبان أنهما في حاجة للتشاور مع عواصمهما قبل المضي قدما.

وتصدر جدولَ أعمال المحادثات مقترحٌ يهدف إلى التوصل لاتفاق بين موسكو وكييف بشأن الملاحة البحرية في البحر الأسود، إلى جانب قضايا أخرى ذات صلة. ورغم أن المفاوضات كانت تدور بالدرجة الأولى بين روسيا والولايات المتحدة، فإن الوفد الأميركي حرص على إطلاع نظيره الأوكراني على مجريات النقاش بشكل مستمر.

وعندما كُشف النقاب أخيرا عن الخطوط العريضة للاتفاق، تبين أنها لم تتجاوز كونها تفاهما محدود النطاق، وجل ما اتفق الطرفان الروسي والأوكراني عليه كان وقفا لإطلاق النار في البحر الأسود وتعليقا مؤقتا للضربات التي تستهدف البنية التحتية الحيوية للطاقة، دون أن يتطرق الاتفاق إلى بقية جوانب النزاع، ولا سيما القتال العنيف الدائر في شرق أوكرانيا.

وفي بيانين منفصلين، أكدت واشنطن أن الطرفين التزما بضمان "حرية الملاحة، والامتناع عن استخدام القوة، ومنع استخدام السفن التجارية لأغراض عسكرية في البحر الأسود". وتعهدت الولايات المتحدة بالمساعدة في إعادة فتح الممرات البحرية التجارية الروسية إلى الأسواق العالمية.

رويترز
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يتوسط وفدي واشنطن وموسكو في المحادثات الثنائية التي استضافتها الرياض، في 18 فبراير

غير أن الشكوك حول توقيت دخول الاتفاق حيز التنفيذ سرعان ما انتشرت، فأعلنت موسكو أنها لن تلتزم ببنوده ما لم تُرفع العقوبات المفروضة على البنك الزراعي الروسي وسائر المؤسسات المالية المنخرطة في تجارة المواد الغذائية الدولية. وناقض هذا الموقف الروسي بشكل مباشر تأكيد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ "فورا" وتهديده أنه في حال أخلت روسيا بالاتفاق، فإن بلاده ستطلب مزيدا من الأسلحة من إدارة ترمب.

بيد أن الكرملين أعلن، الثلاثاء، أن مصافي النفط وأنابيب النفط والغاز والمحطات النووية من بين الأهداف التي اتفقت روسيا وأوكرانيا على تعليق استهدافها مؤقتاً.

وتشمل القائمة أيضاً مرافق تخزين الوقود ومحطات الضخ والبنية التحتية لتوليد ونقل الكهرباء، مثل محطات الطاقة والمحطات الفرعية والمحولات والموزعات والسدود الكهرومائية.

وذكر الكرملين، في بيان، أن الوقف المؤقت للضربات التي تستهدف البنية التحتية للطاقة سيبدأ اعتباراً من 18 مارس/آذار، ويسري لمدة 30 يوماً، مع إمكان تمديده باتفاق متبادل.

وقال الكرملين إنه في حال انتهاك أحد الطرفين الاتفاق، يكون الطرف الآخر في حل من الالتزام به.

خلص تقرير أُعِد مؤخرا لصالح مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية إلى أن الزخم الميداني الذي اكتسبته روسيا في الآونة الأخيرة منحها هامشا من القدرة على "الصبر الاستراتيجي"

إنّ تأخر كل من موسكو وواشنطن في الإعلان عن تفاصيل الاتفاق يشير إلى عدم رضا الطرفين عن مخرجات المحادثات. فبينما قد تشهد العمليات القتالية في شبه جزيرة القرم تجميدا مؤقتا، من المرجح أن يستمر القتال في مناطق أخرى، ولا سيما في شرق أوكرانيا، حيث حققت القوات الروسية مؤخرا بعض المكاسب المحدودة.

وقد خلص تقرير أُعِد مؤخرا لصالح مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية إلى أن الزخم الميداني الذي اكتسبته روسيا في الآونة الأخيرة منحها هامشا من القدرة على "الصبر الاستراتيجي" في مفاوضات وقف إطلاق النار. ولكنه حذر من أن أي ضغط يُمارس على أوكرانيا للتنازل عن أراض أو تبني موقف الحياد من دون ضمانات أمنية قوية من الغرب، قد يؤدي إلى رد فعل داخلي سلبي ويزيد من احتمالات عدم الاستقرار في المستقبل.

قصارى القول إن المحادثات التي استضافتها السعودية هي بلا شك خطوة أولى مهمة على طريق وقف إطلاق نار مستدام، سوى أن الطريق نحو سلام شامل ودائم لا يزال طويلا ومليئا بالتحديات.

font change