تشهد معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية عام 1979، والتي تحل الذكرى السادسة والأربعون لتوقيعها خلال هذه الأيام، اختبارا وجوديا في ضوء التطورات الإقليمية وتصاعد التوترات العسكرية، خاصة في قطاع غزة وعلى الحدود مع مصر بين عامي 2023-2024 نتيجة عملية طوفان الأقصى وما أعقبها من حرب على غزة والتي ألقت بظلالها على جميع دول منطقة الشرق الأوسط.
ولعل أخطر أشكال هذا الاختبار الجدل المُثار حول إعادة تقييم بعض بنود هذه المعاهدة ومدى إمكانية تعديل نصوصها، أو إيقاف العمل بها، أو حتى الانسحاب منها، وهو ما يثير تساؤلات قانونية وسياسية معقدة، إذ إن أي تحرك قانوني في هذا الإطار يجب أن يخضع لقواعد القانون الدولي، التي تُقيّد التعديل أو الإيقاف أو الانسحاب بشروط محددة.
التعريف بمعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية مارس 1979
وُقعت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس/آذار 1979 بين كل من الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيغين في العاصمة الأميركية بوساطة ورعاية وإشراف شخصي من الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر بعد مبادرة السلام المصرية وزيارة الرئيس السادات للكنيست عام 1977، وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978. وتتكون معاهدة السلام من وثيقة نص المعاهدة الأساسية وتشمل ديباجة و9 مواد، ملحقا بها عدة ملحقات تفصيلية مُكملة لنصوص المعاهدة وهي:
1) البروتوكول الخاص بالانسحاب الإسرائيلي وترتيبات الأمن، ويتكون من 9 مواد مفصلة، متبوعا بملحق مكون من 8 مواد مفصلة، مرفقا به أربع خرائط ونقاط إحداثيات محددة.
2) بروتوكول بشأن العلاقات بين الطرفين، يتكون من 8 مواد مفصلة، ومحضر إجرائي محدد فيه طبيعة هذه العلاقات الدبلوماسية ومستوياتها.
3) عدد 9 رسائل متبادلة بين أطراف المعاهدة خلال مدة المفاوضات.
4) مذكرتا تفاهم بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بشأن الضمانات، والتي تحفظت مصر على إحداها ولم تعترف بها.
آليات التسوية السلمية للخلافات أو النزاعات القانونية
كان من الأسباب الرئيسة لإبرام معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية، والتي أصبحت نقطة تحول جذري في مسار الصراع العربي-الإسرائيلي، أن تتم تسوية الخلافات والنزاعات بالطرق السلمية بدلا من النزاعات المسلحة، ويُقصد بالخلاف أو النزاع وفقا لأحكام القانون الدولي "التضارب أو عدم الاتفاق حول مسألة من الواقع أو من القانون يؤدي إلى تعارض في المصالح بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي". ولذلك نصت المادة السابعة من نص الوثيقة الأساسية للمعاهدة على أن تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق المفاوضة، فإذا لم يتيسر ذلك، فتحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم.
ويقصد "بالمفاوضة": الالتقاء المباشر من جانب الأطراف المنازعة لحل وتسوية النزاعات سلميا، دون تدخل طرف ثالث. بينما يقصد "بالتوفيق": إحالة النزاع إلى هيئة أو لجنة خاصة (أو شخص واحد في بعض الأحيان)، يُعهد إليها بمهمة بحث موضوع النزاع من مختلف جوانبه، توطئة لتقديم تقرير يتضمن اقتراحاتها لتسوية هذا النزاع، دون أن يكون لهذه الاقتراحات أية قيمة إلزامية في مواجهة الأطراف المتنازعة". في حين يقصد "بالتحكيم": إجراء قانوني مُنظَّم تتم بموجبه إحالة النزاع الدولي إلى هيئة تحكيم خاصة مُكونة من أعضاء (قضاة) يختارهم أطراف النزاع أنفسهم، تتولى الفصل في النزاع وفقا لقواعد وشروط وإجراءات يتفق عليها أطراف النزاع مسبقا وفقا لقواعد القانون الدولي، وتُصدِر حكما مُلزِما للأطراف بناء على موافقتهم المسبقة على الالتزام به.