خطر إسرائيل الداهم... تفتيت أو تقسيم سوريا

إسرائيل مستعدة للبقاء في سوريا بشكل دائم

أ.ف.ب
أ.ف.ب
جندي إسرائيلي يقف عند نقطة مراقبة في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل، المطلة على جنوب سوريا، في 25 مارس

خطر إسرائيل الداهم... تفتيت أو تقسيم سوريا

زادت إسرائيل مؤخرا وتيرة تهديداتها لسوريا وانتهاك سيادتها والاعتداء على أراضيها، حتى إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بات يلوّح، في تصريحات متكررة، باستعداده لحماية الأقليات في سوريا، كما بات يطالب بإخلاء محافظات الجنوب السوري (السويداء ودرعا والقنيطرة) من أي تواجد عسكري للجيش السوري، لضمان أمن إسرائيل.

أيضا، هذا يسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي، وجه تهديدا صريحا للرئيس أحمد الشرع، إبّان زيارة له لجبل الشيخ المحتل (13/3)، بأنه "عندما يفتح عينيه في القصر الرئاسي في دمشق كل صباح، سيرى أن الجيش الإسرائيلي يراقبه من قمة جبل الشيخ... وفي المنطقة العازلة جنوب سوريا، من أجل حماية أهالي الجولان، والجليل، من تهديداته"؛ مؤكدا أن إسرائيل مستعدة للبقاء في سوريا بشكل دائم.

في الواقع، فإن تهديدات إسرائيل، التي تحتل هضبة الجولان منذ 58 عاما، واعتداءاتها على سوريا، لا سيما منذ عام 2012، ليست جديدة، وكانت تركّز على مراكز البحوث، والمطارات، وقوافل التسلّح الآتية إلى لبنان (لصالح "حزب الله")، ومخازن السلاح، والقواعد العسكرية، التي تتواجد فيها قوات "الحرس الثوري الإيراني"، أو الميليشيات التي تتبع لها.

بيد إن أقسى الضربات وأكثرها تأثيرا، ربما، هي التي أتت إثر سقوط نظام الأسد، إذ وجهت إسرائيل ضربات مكثفة لقواعد الجيش السوري، ومستودعات أسلحته، بادعاء نزع خطر وقوعها في يد الحكم الجديد، وبعد ذلك باتت تقوم بالتوغل في المنطقة الحدودية العازلة، وإقامة نقاط عسكرية جديدة فيها، ثم تطور الأمر إلى حد السعي لفرض واقع جديد يمنع وجود أية قوات عسكرية بأسلحة ثقيلة في محافظات الجنوب، علما بأن ذات الأمر يحصل في لبنان.

أهداف إسرائيل

تستهدف إسرائيل من كل ما تفعله إعادة الاعتبار لجيشها، ولذاتها، كالقوة العسكرية الأقوى في الشرق الأوسط، بعد الضربة التي تعرض لها في "طوفان الأقصى"، وتاليا إيجاد حائط صدّ، أو عمق، أمني استراتيجي لها، يجنّبها "طوفان" أخر، مستقبلا، إضافة إلى محاولتها الاستثمار في المشكلات، أو التصدّعات، المجتمعية في سوريا ولبنان، واللعب فيها، لفرض استراتيجية قديمة لديها تتأسس على خلق مشرق عربي على شاكلتها، من جماعات متمحورة حول هوياتها الطائفية والإثنية، ما ينهي استثناءها باعتبارها دولة يهودية في المنطقة؛ بمعنى أنها في ذلك لا تطبّع ذاتها مع محيطها العربي، وإنما بالعكس، تطبّع المحيط العربي معها؛ أو تعمم خاصيتها في محيطها.

المشكلة أن إسرائيل تحاول أن تغطي هذه السياسة العدوانية بالترويج لعديد من الأكاذيب والادعاءات، وضمن ذلك المبالغة بالمخاطر المزعومة المتأتية من النظام الجديد في سوريا، علما بأن أركان هذا النظام يصرحون علنا بأن مهمتهم الأساسية هي إعادة بناء البلد، وعدم خوض حروب، مع أي طرف، وأن الوضع الاقتصادي والمعيشي في سوريا لا يحتمل حربا، بخاصة إن معظم مقدرات سوريا العسكرية باتت متقادمة، وأغلبها دمرته إسرائيل مؤخرا.

ترى إسرائيل في الإقليم الدرزي وسكانه عنصرا لها التزام تجاهه...إسرائيل تفكر بالسماح لدروز السويداء بالعمل في البلاد

في سعيها ترويج الأكاذيب، لتبرير، ولتغطية، اعتداءاتها على سوريا ولبنان، والتوغل في أراضيهما، تحاول إسرائيل، الربط بين الحكم الجديد في دمشق والمنظمات الإرهابية الجهادية، وضمنها "حماس" والجهاد" الفلسطينيتين، وأيضا، التعبير عن خشيتها من سيطرة تركيا على سوريا، ما يفسر دعوتها الولايات المتحدة للبقاء في شرقي الفرات، بدعوى حماية "قسد" (أو السيطرة الكردية)، وإبقاء الوجود العسكري الروسي في الساحل السوري، بدعوى حماية الطائفة العلوية، وذلك باعتبارها مدخلين لها لإيجاد مبرر لوجودها العسكري، وغير العسكري ربما، في الجنوب السوري، بدعوى حماية الطائفة الدرزية، باعتبار كل ذلك يخدم استراتيجيتها، في شأن إضعاف سوريا، وتقسيمها، علما بأن لا أحد في سوريا، ولا في لبنان، دعا إسرائيل إلى ذلك، ولا من أي طائفة، باستثناء أفراد لا يمثلون حيزا مهما أو كبيرا.

الدجل الإسرائيلي

مثال على ذلك الكذب في التقرير الذي كتبه رون بن يشاي، ورأى فيه بأن "الجهاديين"  الذين استولوا على الحكم في سوريا "يحاولون تسويق صورة معتدلة ومستقرة... وجعل سوريا جزءا لا يتجزأ... من الإمبراطورية العثمانية... أحد التهديدات... يحدق من جانب حركتي "حماس" و"الجهاد" الفلسطينيتين والرغبة في العمل من سوريا ضد بلدات حدود إسرائيلية في الجولان... ثمة مصدر ثالث، سكان جنوب سوريا السُنة، ممن تأثر الكثيرون منهم بـ "داعش"...إسرائيل لا ترغب في وجود تركي على الحدود في الجولان، ولا رؤية خليط مركب من الجهاديين..." في مواجهة ذلك تقوم إسرائيل بحسب بن يشاي: "بإقناع رجال ترمب بإبقاء الجنود الأميركيين في سوريا... كي لا تكون فريسة للأتراك... والروس، الذين يريدون الاحتفاظ بقواعدهم جنوبي اللاذقية العلوية وميناء طرطوس... في ضوء هذه التهديدات، تعتزم إسرائيل تصميم واقع جديد في المنطقة بجوار حدودها جنوبي دمشق... بخلق منظومة دفاعية من ثلاث مناطق أو مقاطع جغرافية... المقطع القريب من إسرائيل هو منطقة الفصل، كما تقررت في اتفاقات فصل القوات في 1974... خارج منطقة الفصل منطقة للحراسة (المناطق العازلة)، وفيها قرى سورية كثيرة، والجيش الإسرائيلي دخل إليها موضعيا ليمنع التسلح... القاطع يتيح رقابة ونارا لمسافات بعيدة...ما وراء منطقة الحراسة "منطقة النفوذ"، التي تحاذي طريق دمشق – السويداء. عرضها 65 كيلومترا، وتتضمن تجمعات الدروز وعربا سُنة معنيين بالعلاقة مع إسرائيل... ترى إسرائيل في الإقليم الدرزي وسكانه عنصرا لها التزام تجاهه...إسرائيل تفكر بالسماح لدروز السويداء بالعمل في البلاد." (يديعوت، 11/3/2025)

تقسيم الأرض والشعب

على ذلك فإن إسرائيل تتوخّى العمل في اتجاهين متوازيين، الأول، إيجاد منطقة استراتيجية آمنة، خالية من الجيش والسلاح، في عمق الجغرافيا السورية، ما يشمل محافظات درعا والسويداء والقنيطرة إلى حدود محافظة دمشق. يقول آفي أشكينازي، في مقال عنوانه: "إسرائيل تغيّر قواعد اللعب في الشرق الأوسط"، إسرائيل "حددت، من خلال الأفعال، منطقة بعمق 80 كيلومترا مربعا على الحدود داخل الأراضي السورية، خالية من سلاح النظام السوري والميليشيات والتنظيمات "الإرهابية"، وفي طليعتها "حماس" و"حزب الله". (معاريف 13/3/2025). أما الاتجاه الثاني، فيتأسس على محاولة تقسيم سوريا الأرض والشعب، بشكل مباشر أو غير مباشر، تحت هيمنة أربعة قوى دولية وإقليمية، إذ إسرائيل في الجنوب، بحجة حماية "الدروز"، وروسيا في الغرب في الساحل بدعوى حماية "العلويين"، والولايات المتحدة شرقي الفرات بدعوى حماية "الكورد"، وتركيا في الشمال ومدن الوسط، كحليف للحكم الجديد؛ علما بأنه لا يوجد أي جماعة سورية، طائفية أو إثنية، تسند هذا الادعاء، ولا أي نزعة للتخلي عن وحدة أرض سوريا، أو التنكر للمواطنة السورية، أو محاباة ما تريده إسرائيل.

سوريا تواجه تحديات عديدة ملحة، سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، لكن كل تلك التحديات، على أهميتها، مرهونة بمقدرة الحكم الجديد على استعادة الدولة

وكدلالة على ذلك توقيع اتفاقية، قبل أيام، بين الحكم الجديد في دمشق من قبل الرئيس أحمد الشرع، وقائد قوات "قسد" مظلوم عبدي، وهو ما يمكن أن يحصل مثله مع أطراف روحية وعسكرية ومدنية درزية، إضافة إلى أن الحكم الجديد يحاول جسر الفجوة أو الجفوة، وأن يضمد الجراح الكبيرة النازفة في الساحل، نتيجة الانتهاكات الحاصلة، وضمن ذلك الاعتذار للضحايا، وتشكيل هيئة لتقصي الحقائق والمحاسبة، وأخرى لتعزيز السلم الأهلي.

وفي السياق ذاته، يمكن الحديث عن نوع من إجماع عربي وإقليمي ودولي على إضفاء الشرعية على الحكم الجديد في سوريا، وتقديم الدعم له، في كل المجالات، وضمن ذلك تأكيد وحدة سوريا وسيادتها على أراضيها، وهو ما تمثل بمشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في مؤتمر القمة العربي الطارئ (27/2، القاهرة)، وفي اجتماع وزراء الخارجية والدفاع ومدراء المخابرات في دول الأردن والعراق ولبنان وتركيا وسوريا (عمان، 12/3)، بل إن مجلس الأمن الدولي، الذي اجتمع مؤخرا، بدعوة مشتركة من الولايات المتحدة وروسيا، زاد على ذلك بمطالبته كل الأطراف الامتناع عن أي أعمال قد تؤدي إلى زعزعة استقرار سوريا، بل إن الاتفاق مع "قسد" ما كان له أن يتم لولا دعم ورضى الولايات المتحدة، وتركيا.

أ.ف.ب
دبابة للجيش الإسرائيلي تتخذ موقعا في بلدة مدينة البعث السورية، في المنطقة العازلة التي تحرسها الأمم المتحدة في مرتفعات الجولان، في 20 ديسمبر 2024

سوريا في مهبّ العاصفة

عمليا لا يكفي الاتكاء فقط على عجز إسرائيل عن إحداث اختراقات كبيرة لصالح مخططاتها في سوريا، أو القيام بتوقيع اتفاقات ترضية مع هذه الجماعة أو تلك، أو القول بوحدة أرض سوريا، فإضافة إلى كل ذلك مطلوب تحصين المجتمع، وترسيخ وحدته وإدراكه لذاته كشعب، إزاء الدولة والقانون والبلد، دون أي تمييز، فهذا أقوى وأرسخ وأهم سلاح للدولة من أي سلاح أخر، ما يتطلب مراجعة نقدية، جادة ومسؤولة، لمسيرة الثلاثة أشهر الماضية.

من كل ما تقدم واضح أن سوريا تواجه تحديات عديدة ملحة، سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، لكن كل تلك التحديات، على أهميتها، مرهونة بمقدرة الحكم الجديد على استعادة الدولة، باعتبارها دولة مؤسسات وقانون ومواطنين، وتعزيز رؤية السوريين لذاتهم بوصفهم شعبا، من مواطنين أحرار ومستقلين ومتساوين، فهذا وذاك ما يجب أن يكونا في مركز إدراكات القيادة السورية الجديدة، باعتبارهما بمثابة الشرط الشارط لبناء سوريا الجديدة، إذ هما، أيضا الشرط الشارط للرد على إسرائيل، وتفويت سعيها تفتيت أو تقسيم أو إضعاف سوريا.

font change