زادت إسرائيل مؤخرا وتيرة تهديداتها لسوريا وانتهاك سيادتها والاعتداء على أراضيها، حتى إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بات يلوّح، في تصريحات متكررة، باستعداده لحماية الأقليات في سوريا، كما بات يطالب بإخلاء محافظات الجنوب السوري (السويداء ودرعا والقنيطرة) من أي تواجد عسكري للجيش السوري، لضمان أمن إسرائيل.
أيضا، هذا يسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي، وجه تهديدا صريحا للرئيس أحمد الشرع، إبّان زيارة له لجبل الشيخ المحتل (13/3)، بأنه "عندما يفتح عينيه في القصر الرئاسي في دمشق كل صباح، سيرى أن الجيش الإسرائيلي يراقبه من قمة جبل الشيخ... وفي المنطقة العازلة جنوب سوريا، من أجل حماية أهالي الجولان، والجليل، من تهديداته"؛ مؤكدا أن إسرائيل مستعدة للبقاء في سوريا بشكل دائم.
في الواقع، فإن تهديدات إسرائيل، التي تحتل هضبة الجولان منذ 58 عاما، واعتداءاتها على سوريا، لا سيما منذ عام 2012، ليست جديدة، وكانت تركّز على مراكز البحوث، والمطارات، وقوافل التسلّح الآتية إلى لبنان (لصالح "حزب الله")، ومخازن السلاح، والقواعد العسكرية، التي تتواجد فيها قوات "الحرس الثوري الإيراني"، أو الميليشيات التي تتبع لها.
بيد إن أقسى الضربات وأكثرها تأثيرا، ربما، هي التي أتت إثر سقوط نظام الأسد، إذ وجهت إسرائيل ضربات مكثفة لقواعد الجيش السوري، ومستودعات أسلحته، بادعاء نزع خطر وقوعها في يد الحكم الجديد، وبعد ذلك باتت تقوم بالتوغل في المنطقة الحدودية العازلة، وإقامة نقاط عسكرية جديدة فيها، ثم تطور الأمر إلى حد السعي لفرض واقع جديد يمنع وجود أية قوات عسكرية بأسلحة ثقيلة في محافظات الجنوب، علما بأن ذات الأمر يحصل في لبنان.
أهداف إسرائيل
تستهدف إسرائيل من كل ما تفعله إعادة الاعتبار لجيشها، ولذاتها، كالقوة العسكرية الأقوى في الشرق الأوسط، بعد الضربة التي تعرض لها في "طوفان الأقصى"، وتاليا إيجاد حائط صدّ، أو عمق، أمني استراتيجي لها، يجنّبها "طوفان" أخر، مستقبلا، إضافة إلى محاولتها الاستثمار في المشكلات، أو التصدّعات، المجتمعية في سوريا ولبنان، واللعب فيها، لفرض استراتيجية قديمة لديها تتأسس على خلق مشرق عربي على شاكلتها، من جماعات متمحورة حول هوياتها الطائفية والإثنية، ما ينهي استثناءها باعتبارها دولة يهودية في المنطقة؛ بمعنى أنها في ذلك لا تطبّع ذاتها مع محيطها العربي، وإنما بالعكس، تطبّع المحيط العربي معها؛ أو تعمم خاصيتها في محيطها.
المشكلة أن إسرائيل تحاول أن تغطي هذه السياسة العدوانية بالترويج لعديد من الأكاذيب والادعاءات، وضمن ذلك المبالغة بالمخاطر المزعومة المتأتية من النظام الجديد في سوريا، علما بأن أركان هذا النظام يصرحون علنا بأن مهمتهم الأساسية هي إعادة بناء البلد، وعدم خوض حروب، مع أي طرف، وأن الوضع الاقتصادي والمعيشي في سوريا لا يحتمل حربا، بخاصة إن معظم مقدرات سوريا العسكرية باتت متقادمة، وأغلبها دمرته إسرائيل مؤخرا.