بعد اطلاعه بالخطأ على خطط عسكرية سرية لترمب... هذا نص رواية رئيس تحرير "ذي أتلانتيك"

إدارة ترمب تدعو رئيس تحرير المجلة الأميركية عن طريق الخطأ الى مجموعة دردشة على تطبيق "سغنال"

بعد اطلاعه بالخطأ على خطط عسكرية سرية لترمب... هذا نص رواية رئيس تحرير "ذي أتلانتيك"

تنشر "المجلة" مقال رئيس تحرير مجلة "ذي أتلانتيك" بالكامل، حول إضافته بالخطأ إلى مجموعة دردشة تتبادل معلومات حساسة تتعلق بالأمن القومي وخطط الحرب للإدارة الأميركية الراهنة. ويأتي قرار النشر في ضوء الاهتمام العام الذي أحاط بالحادثة، حيث يثير أسئلة مهمة حول الخصوصية وأمن المعلومات. ومن خلال عرض رؤى رئيس تحرير المجلة الأميركية، تهدف "المجلة" إلى تعزيز نقاش أوسع حول الآثار المترتبة على مثل هذه الانتهاكات والمشهد المتطور للأمن القومي في العصر الرقمي.

وإليكم النص كاملا:

قام مسؤولو الأمن القومي الأميركي بإضافتي إلى مجموعة دردشة تتعلق بضربات عسكرية وشيكة في اليمن. لم أصدّق الأمر في البداية، إلى أن بدأت القنابل تتساقط.

بقلم: جيفري غولدبرغ

24 مارس/آذار 2025، الساعة 12:06 مساء بتوقيت الساحل الشرقي

علم العالم، قبيل الساعة الثانية بعد الظهر بتوقيت الساحل الشرقي في 15 مارس/آذار، أن الولايات المتحدة بدأت في قصف أهداف تابعة للحوثيين في مختلف أنحاء اليمن. أما أنا، فعلمت بالأمر قبل نحو ساعتين، أي قبل سقوط أول قنبلة. والسبب أن بيت هيغسيث، وزير الدفاع، بعث إليّ رسالة نصية عند الساعة 11:44 صباحا، تتضمن خطة الحرب. كانت الرسالة تحوى معلومات دقيقة عن حزم الأسلحة، والأهداف، وتوقيت الضربات.

هذا الأمر يتطلّب بعض الشرح.

تبدأ القصة، فعليا، بعد وقت قصير من اجتياح حركة "حماس" لجنوب إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2023. إذ شنّ الحوثيون، وهم منظمة إرهابية مدعومة من إيران تتبنى شعار "الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام"، هجمات على إسرائيل وعلى حركة الشحن الدولية، ما أحدث فوضى في التجارة العالمية. وخلال عام 2024، أخفقت إدارة بايدن في التصدي بفعالية لهذه الهجمات الحوثية، فيما وعدت إدارة ترمب المقبلة باتباع نهج أكثر تشددا.

وهنا يأتي دوري أنا وبيت هيغسيث.

في يوم الثلاثاء، 11 مارس/آذار، تلقيتُ طلب اتصال عبر تطبيق "سيغنال" من مستخدم يعرّف نفسه باسم مايكل والتز.

"سيغنال" هو تطبيق مراسلة مشفّر ومفتوح المصدر، يحظى بشعبية بين الصحافيين وغيرهم ممن يسعون إلى قدر أكبر من الخصوصية مقارنة بتطبيقات المراسلة النصية الأخرى. افترضت أن مايكل والتز المقصود هو مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترمب، لكنني لم أعتقد أن الطلب جاء فعلا من مايكل والتز الحقيقي. كنت قد التقيته في السابق، ولم يكن مستبعدا تماما أن يقرر التواصل معي، غير أنني استغربت الأمر قليلا نظرا للعلاقة المتوترة بين إدارة ترمب والصحافيين، وبيني وبين ترمب تحديدا، حيث اعتاد أن يركز عليّ من حين لآخر.

فكرت على الفور في احتمال أن يكون أحدهم قد انتحل شخصية والتز بهدف استدراجي. فليس من غير المألوف هذه الأيام أن يحاول بعض الأشخاص الخبيثين الإيقاع بالصحافيين ودفعهم إلى مشاركة معلومات قد تُستخدم ضدهم.

ومع ذلك، قبلتُ طلب الاتصال، على أمل أن يكون مستشار الأمن القومي الحقيقي، وأنه يرغب في الحديث عن أوكرانيا أو إيران أو أي مسألة مهمة أخرى.

بعد يومين، يوم الخميس، وعند الساعة 4:28 مساء، تلقيت إشعارا يفيد بأنه قد جرى ضمي إلى مجموعة دردشة عبر "سيغنال". كانت المجموعة تحمل اسم ""Houthi PC small group، أى "مجموعة كبار المسؤولين المصغرة المتعلقة بالحوثيين".

وجاء في رسالة إلى المجموعة من "مايكل والتز" ما يلي: "الفريق، نقوم بتشكيل لجنة مبادئ [هكذا وردت، والصحيح: لجنة كبار المسؤولين principals committee]] لتنسيق الجهود المتعلقة بالحوثيين، لا سيما خلال الساعات الاثنتين والسبعين المقبلة. نائبي أليكس وونغ يُشكّل فريقا خاصا [Tiger Team] على مستوى نواب الوزراء ورؤساء موظفي الوكالات لمتابعة نتائج اجتماع غرفة العمليات الذي عُقد صباح اليوم، وسيرسل التفاصيل لاحقا هذا المساء".

وتابعت الرسالة: "يرجى تزويدنا بأفضل نقطة اتصال من طاقمكم للتنسيق معنا خلال اليومين المقبلين وعطلة نهاية الأسبوع. شكرا".

عادة ما تشير عبارة "principals committee"، أي "لجنة كبار المسؤولين"، إلى لجنة تضم أرفع مسؤولي الأمن القومي، بمن فيهم وزراء الدفاع والخارجية والخزانة، بالإضافة إلى مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA). ومن البديهي، لكنني سأوضّحه على أي حال، أنني لم أتلقَ يوما دعوة لحضور أي اجتماع من اجتماعات "لجنة كبار المسؤولين" في البيت الأبيض. وعلى مدار سنوات طويلة من تغطيتي لملفات الأمن القومي، لم أسمع قط عن عقد اجتماع من هذا النوع عبر تطبيق مراسلة تجاري.

يوم الخميس، وعند الساعة 4:28 مساء، تلقيت إشعارا يفيد بأنه قد جرى ضمي إلى مجموعة دردشة عبر "سيغنال". كانت المجموعة تحمل اسم ""Houthi PC small group، أي مجموعة كبار المسؤولين المصغرة المتعلقة بالحوثيين

بعد دقيقة واحدة، كتب شخص مُعرّف فقط باسم ""MAR، ويُعتقد أنه وزير الخارجية ماركو أنطونيو روبيو، قائلا: "مايك نيدهام عن وزارة الخارجية"، في إشارة على ما يبدو إلى أن المستشار الحالي للوزارة سيكون ممثلها في المجموعة.

وفي اللحظة ذاتها، كتب مستخدم آخر على "سيغنال" يعرّف نفسه باسم جاي دي فانس: "آندي بيكر عن نائب الرئيس".

وبعد دقيقة، كتبت ""TG، التى يُرجّح أنها تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية، أو شخص ينتحل شخصيتها: "جو كينت عن الاستخبارات الوطنية".

بعد تسع دقائق، كتب "سكوت بي، ويُرجّح أنه وزير الخزانة سكوت بيسنت أو شخص ينتحل هويته، قائلا:
"دان كاتس عن وزارة الخزانة".

وفي الساعة 4:53 مساء، كتب مستخدم يُدعى "بيت هيغسيث: "دان كالدويل لوزارة الدفاع".

وفي الساعة 6:34 مساء، كتب شخص يُدعى براين: "براين ماكورماك عن مجلس الأمن القومي".

كما ورد أيضا رد من شخص آخر، إذ كتب جون راتكليف، في الساعة 5:24 مساء اسم مسؤول في وكالة الاستخبارات المركزية ليُدرج في المجموعة. ولن أنشر هذا الاسم، لأنه ضابط استخبارات فعّال.

يبدو أن كبار المسؤولين قد اجتمعوا بالفعل. بلغ عدد أعضاء هذه المجموعة 18 شخصا، من بينهم مسؤولون في مجلس الأمن القومي، والمفاوض الرئاسي لشؤون الشرق الأوسط وأوكرانيا ستيف ويتكوف، ورئيسة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز، وشخص عُرّف فقط بالأحرف ""S M، وقد افترضتُ أنه ستيفن ميلر. أما أنا، فقد ظهر اسمي على الشاشة تحت الأحرف ""J G. وهكذا انتهت سلسلة الرسائل النصية ليوم الخميس.

بعد أن تلقيت رسالة والتز المتعلقة بمجموعة "لجنة كبار المسؤولين المصغرة بشأن الحوثيين"، تواصلت مع عدد من الزملاء. ناقشنا احتمال أن تكون هذه الرسائل جزءا من حملة تضليل إعلامي، تقف وراءها ربما جهة استخباراتية أجنبية، أو، وهو الأرجح، إحدى الجهات الإعلامية المشاكسة التي تسعى إلى وضع الصحافيين في مواقف محرجة، وغالبا ما تنجح في ذلك.

كانت لدي شكوك قوية للغاية في أن تكون هذه المجموعة حقيقية، إذ لم أستطع تصديق أن القيادة الأمنية للولايات المتحدة قد تتبادل رسائل حول خطط حرب وشيكة عبر تطبيق "سيغنال". كما لم أستطع تصديق أن مستشار الأمن القومي للرئيس يمكن أن يكون متهورا إلى هذا الحد، فيضيف رئيس تحرير مجلة "ذا أتلانتيك" إلى محادثة تضم مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، من بينهم نائب الرئيس.

يبدو أن كبار المسؤولين قد اجتمعوا بالفعل. بلغ عدد أعضاء هذه المجموعة 18 شخصا، بينهم مسؤولون في مجلس الأمن القومي، والمفاوض الرئاسي لشؤون الشرق الأوسط وأوكرانيا ستيف ويتكوف، ورئيسة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز، وشخص عُرّف فقط بالأحرف ""S M، وقد افترضتُ أنه ستيفن ميلر. أما أنا، فقد ظهر اسمي على الشاشة تحت الأحرف ""J G.

ازدادت الأمور غرابة

في اليوم التالي، ازدادت الأمور غرابة. في تمام الساعة 8:05 صباحا من يوم الجمعة، 14 مارس/آذار، كتب مايكل والتز إلى المجموعة: "أيها الفريق، ينبغي أن تكون لديكم الآن نسخة من بيان الاستنتاجات مع المهام المقررة وفقا لتوجيهات الرئيس هذا الصباح، في صناديق بريدكم على النظام العالي الأمان".

(المقصود بـ"النظام العالي الأمان" في لغة الحكومة هو أنظمة الحواسيب والاتصالات المصنفة والسرية).

ثم أضاف: "بالنسبة لوزارة الخارجية والبنتاغون، أعددنا قوائم إخطار مقترحة للحلفاء والشركاء الإقليميين. سترسل هيئة الأركان المشتركة هذا الصباح تسلسلا أكثر تفصيلا للأحداث المتوقعة خلال الأيام المقبلة، وسنعمل مع وزارة الدفاع لضمان إحاطة رئيس الأركان ونائب الرئيس والرئيس".

في هذه اللحظة، بدأ نقاش سياسي مثير للاهتمام.
رد الحساب المُعنون باسم "جاي دي فانس" في الساعة 8:16 صباحا قائلا: "فريق، سأكون خارج مكتبي اليوم بسبب فعالية اقتصادية في ميشيغن. لكنني أعتقد أننا نرتكب خطأ".

(وكان فانس بالفعل في ميشيغن في ذلك اليوم).

وتابع حساب فانس قائلا: "3 في المئة فقط من التجارة الأميركية تمر عبر قناة السويس، بينما تمر 40 في المئة من التجارة الأوروبية من خلالها. هناك خطر حقيقي بأن الرأي العام لا يدرك هذه الحقيقة أو سبب ضرورة هذا التحرك. السبب الأقوى للقيام بذلك، كما قال الرئيس، هو إيصال رسالة".

ثم تابع الحساب ليُدلي بتصريح لافت، خاصة أن نائب الرئيس لم يُعرف عنه أنه خالف موقف ترمب علنا في أي قضية تقريبا. كتب: "لستُ متأكدا مما إذا كان الرئيس مدركا لمدى تعارض هذا الأمر مع رسالته الحالية بشأن أوروبا. هناك أيضا خطر إضافي بأن نشهد ارتفاعا متوسطا إلى حاد في أسعار النفط. أنا مستعد لدعم إجماع الفريق وأن أحتفظ بهذه المخاوف لنفسي. لكن هناك حجة قوية لتأجيل هذا الأمر شهرا، والعمل على الرسائل التوضيحية التي تشرح سبب أهميته، ومراقبة وضع الاقتصاد، وما إلى ذلك".

بعد ذلك، كتب شخص مُعرّف في "سيغنال" باسم "جو كينت" (مرشح ترمب لرئاسة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب يُدعى جو كينت)، في تمام الساعة 8:22 صباحا: "لا يوجد ما يستدعي العجلة في الجدول الزمني. ستكون أمامنا الخيارات نفسها بعد شهر".

ثم، في الساعة 8:26 صباحا، وصلتني رسالة على تطبيق "سيغنال" من المستخدم "جون راتكليف". كانت الرسالة تتضمن معلومات قد تُفسّر على أنها مرتبطة بعمليات استخباراتية فعلية وجارية.

في الساعة 8:27 صباحا، وصلت رسالة من حساب "بيت هيغسيث: "نائب الرئيس: أفهم مخاوفك، وأدعم تماما أن تطرحها على الرئيس. إنها اعتبارات مهمة، معظمها يصعب التنبؤ بنتائجها (الاقتصاد، السلام في أوكرانيا، غزة، إلخ). أعتقد أن عملية إيصال الرسالة ستكون صعبة في كل الأحوال، فلا أحد يعرف من هم الحوثيون، ولهذا السبب ينبغي أن نُبقي تركيزنا على: 1) بايدن فشل. و2) إيران تموّل".

وتابع هيغسيث قائلا: "الانتظار بضعة أسابيع أو شهرا لن يغيّر جوهر الحسابات. هناك خطران فوريان من التأجيل: 1) تسرّب الخطة، فنبدو مترددين. 2) أن تتخذ إسرائيل إجراء أولا- أو أن تنهار الهدنة في غزة- فلا نتمكن من بدء العملية وفق شروطنا. يمكننا التعامل مع كلا الأمرين. نحن مستعدون للتنفيذ، ولو كنت صاحب القرار النهائي في المضي أو التراجع، لقلت إن علينا التنفيذ. هذا الأمر لا يتعلق بالحوثيين. فالمسألة برأيي تتعلق بأمرين: 1) استعادة حرية الملاحة، وهي مصلحة وطنية جوهرية. و2) إعادة ترسيخ سياسة الردع، التي دمّرها بايدن. ومع ذلك، يمكننا التوقف بسهولة، وإذا فعلنا، فسأبذل كل ما في وسعي لتطبيق أمن العمليات بنسبة 100 في المئة. أرحب بأي آراء أخرى".

بعد بضع دقائق، نشر حساب "مايكل والتز" ملاحظة طويلة تناول فيها أرقام التجارة والقدرات المحدودة للبحريات الأوروبية. فكتب: "سواء جرى التحرك الآن أو بعد عدة أسابيع، سيتعين على الولايات المتحدة إعادة فتح ممرات الشحن هذه. وبناء على طلب الرئيس، نعمل مع وزارتي الدفاع والخارجية لتحديد كيفية حساب التكاليف المرتبطة بذلك وتحميلها للأوروبيين".

وجّه الحساب المُعرف باسم "جاي دي فانس" رسالة عند الساعة 8:45 إلى بيت هيغسيث قال فيها: "إذا كنتَ ترى أن علينا تنفيذ العملية، فلنمضِ قدما. أنا فقط أمقت فكرة إنقاذ أوروبا مرة أخرى".

رويترز
الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مكتبه في البيت الأبيض

(تجدر الإشارة إلى أن الإدارة دافعت عن موقفها بالقول إن حلفاءها الأوروبيين يحققون مكاسب اقتصادية بفضل حماية البحرية الأميركية لممرات الشحن الدولية).

ورد عليه هيغسيث بعد ثلاث دقائق قائلا: "سيدي نائب الرئيس، أشاركك تماما اشمئزازك من اتكالية الأوروبيين. إنه أمر مثير للشفقة. لكن مايك محق، نحن الجهة الوحيدة على هذا الكوكب القادرة على تنفيذ هذه المهمة. لا أحد يقترب حتى من قدراتنا. السؤال هو التوقيت. أشعر أن الوقت الحالي مناسب بقدر أي وقت آخر، خاصة في ضوء توجيهات الرئيس بإعادة فتح ممرات الشحن. أعتقد أننا يجب أن ننفذ؛ لكن الرئيس لا يزال يملك نافذة قرار مدتها 24 ساعة".

وفي هذه اللحظة، انضم ""SM، الذي التزم الصمت حتى الآن، إلى المحادثة، فكتب: "كما فهمت، الرئيس كان واضحا، فقد أعطانا الضوء الأخضر، لكننا سنوضح قريبا لمصر وأوروبا ما الذي نتوقعه منهم في المقابل. كما أننا بحاجة إلى إيجاد طريقة لفرض هذا الشرط. على سبيل المثال، إذا لم تدفع أوروبا، فماذا نفعل؟ إذا نجحت الولايات المتحدة في استعادة حرية الملاحة بتكلفة باهظة، فلا بد أن يُستخرج مقابل اقتصادي إضافي".

وقد أنهت الرسالة التي كتبها ""SM، والمرجح أنه ستيفن ميلر، المستشار المقرّب من ترمب ونائب رئيس موظفي البيت الأبيض، أو شخص ينتحل شخصيته، عملية الحوار القائم. أما آخر رسالة في ذلك اليوم، فقد وردت من "بيت هيغسيث" عند الساعة 9:46 صباحا، كتب فيها: "موافق".

لن أقتبس من هذا التحديث، ولا من بعض الرسائل اللاحقة الأخرى. فالمعلومات الواردة فيها، لو وصلت إلى جهة معادية للولايات المتحدة، لكان من الممكن استغلالها لإلحاق الضرر بعناصر الجيش والمخابرات الأميركيين، خصوصا في الشرق الأوسط الأوسع، وهي منطقة تقع ضمن مسؤوليات القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)

بعد قراءتي لسلسلة الرسائل هذه، أدركت أن المحادثة تنطوي على درجة عالية من المصداقية. فالنصوص، من حيث اختيار الكلمات والحجج المطروحة، بدت وكأنها كُتبت فعلا من قِبل الأشخاص الذين نُسبت إليهم، أو من قِبل مولد ذكي للنصوص يعتمد على الذكاء الاصطناعي ويتمتع بكفاءة فائقة.

ورغم ذلك، ظللت قلقا من احتمال أن تكون هذه عملية تضليل إعلامي أو نوعا من المحاكاة. وازددت حيرة من حقيقة أن أحدا في المجموعة لم يُبدِ أي ملاحظة أو استغراب بشأن وجودي ضمن الدردشة.

لكن إن كانت خدعة، فقد كانت مذهلة في إتقانها للأسلوب، وعلى مستوى رفيع من الإلمام بالشؤون السياسية والخارجية.

ثم جاء صباح اليوم التالي، السبت 15 مارس/آذار، ليجعل هذه القصة أكثر غرابة.

في تمام الساعة 11:44 صباحا، نشر الحساب المسمى "بيت هيغسيث" رسالة بعنوان "تحديث للفريق" (TEAM UPDATE)  على "سيغنال".

لن أقتبس من هذا التحديث، ولا من بعض الرسائل اللاحقة الأخرى. إذ إن المعلومات الواردة فيها، لو وصلت إلى جهة معادية للولايات المتحدة، لكان من الممكن استغلالها لإلحاق الضرر بعناصر الجيش والمخابرات الأميركيين، خصوصا في الشرق الأوسط الأوسع، وهي منطقة تقع ضمن مسؤوليات القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM).

ما يمكنني قوله، لتوضيح مدى الاستهتار الصادم الذي اتسمت به محادثة "سيغنال" هذه، هو أن منشور هيغسيث احتوى على تفاصيل عملياتية حول الضربات الأميركية المقبلة على اليمن، بما في ذلك معلومات عن الأهداف، والأسلحة التي ستُستخدم، وتسلسل تنفيذ الهجمات.

وكان الشخص الوحيد الذي رد على هذا التحديث هو المستخدم المُعرف كنائب الرئيس، إذ كتب فانس: "سأرفع الدعاء من أجل النصر". (أضاف مستخدمان آخران لاحقا رموزا تعبيرية على شكل يدَي دعاء).

ووفقا للرسالة المطوّلة التي أرسلها هيغسيث، كان أول التفجيرات في اليمن سيُسمع بعد ساعتين، أي عند الساعة 1:45 بعد الظهر بتوقيت الساحل الشرقي. لذا، جلست في سيارتي في موقف سيارات أحد المتاجر الكبرى وانتظرت. فإذا كانت دردشة "سيغنال" تلك حقيقية، ستتعرّض الأهداف الحوثية للقصف قريبا. قرابة الساعة 1:55، فتحت منصة "إكس" وبحثت عن "اليمن"، كانت الانفجارات قد بدأت تُسمع في أرجاء صنعاء، العاصمة.

عدتُ إلى قناة "سيغنال". في الساعة 1:48، قدّم "مايكل والتز" تحديثا للمجموعة. لن أقتبس من هذه الرسالة، لكن أشير فقط إلى أنه وصف العملية بأنها "عمل مذهل".

بعد دقائق قليلة، كتب جون راتكليف: "بداية جيدة". ليرد والتز بعد ذلك باستخدام ثلاثة رموز تعبيرية: قبضة يد، علم الولايات المتحدة، ونار. وسرعان ما انضم آخرون، بمن فيهم "MAR" الذي كتب: "عمل ممتاز بيت وفريقك!!"
وكتبت سوزي وايلز: "أحسنتم جميعا– وخاصة أولئك في الميدان والقيادة المركزية! عمل رائع فعلا. حفظكم الله". ثم رد "ستيف ويتكوف" بخمسة رموز تعبيرية: يدان مرفوعتان للدعاء، ذراع مشدودة العضلات، وعلمان أميركيان.
أما "TG" فكتبت: "عمل رائع ونتائج فعّالة".

وشملت المناقشات بعد الهجوم تقييمات للأضرار، من بينها مقتل فرد محدد يُعتقد أنه كان الهدف الأساسي. وقد أعلنت وزارة الصحة اليمنية التابعة للحوثيين أن الهجمات أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 53 شخصا، إلا أن هذا الرقم لم يجر التحقق منه من مصدر مستقل.

في اليوم التالي، يوم الأحد، ظهر مايكل والتز في برنامج "This Week" على قناة "ABC"، وقارن الضربات بنهج إدارة بايدن، الذى وصفه بالتردد. فقال: "لم تكن هذه ضربات محدودة وردود فعل متبادلة، من ذلك النوع الذي تبيّن في نهاية المطاف أنه بلا جدوى". وتابع قائلا: "بل كانت ضربة ساحقة استهدفت عددا من القادة الحوثيين وأطاحت بهم".

خلصتُ في النهاية إلى أن مجموعة الدردشة على تطبيق "سيغنال" كانت، على الأرجح، حقيقية. وبعد أن وصلت إلى هذه القناعة، وهي قناعة كانت تبدو مستحيلة تقريبا قبل ساعات قليلة، قمت بإزالة نفسي من المجموعة، مدركا أن هذا الإجراء سيؤدي تلقائيا إلى إشعار مُنشئ المجموعة، "مايكل والتز"، بأنني غادرت.

لم يبدُ أن أحدا في المجموعة قد لاحظ وجودي من الأساس، ولم أتلقَ لاحقا أي استفسار عن سبب مغادرتي، أو، وهو الأهم، عن هويتي.

في وقت سابق من اليوم، أرسلت رسالة إلكترونية إلى والتز، وأتبعتها برسالة عبر حسابه على "سيغنال". كما كتبت أيضا إلى بيت هيغسيث، وجون راتكليف، وتولسي غابارد، وعدد من المسؤولين الآخرين. وفي البريد الإلكتروني، عرضت بعض أسئلتي:

هل مجموعة "مجموعة كبار المسؤولين المصغرة المتعلقة بالحوثيين" هي محادثة حقيقية على "سيغنال"؟

هل كانوا على علم بأنني كنت ضمن هذه المجموعة؟

هل أُدرجت (ولو احتمالا) عمدا؟ وإن لم يكن كذلك، فمن كانوا يعتقدونني؟

هل لاحظ أحد هويتي عندما أُضفت إلى المجموعة أو حين غادرتها؟

هل يستخدم كبار مسؤولي إدارة ترمب تطبيق "سيغنال" بانتظام في نقاشاتهم الحساسة؟ وهل يدرك هؤلاء المسؤولون أن استخدام قناة كهذه قد يعرّض أفرادا من الجيش أو أجهزة الاستخبارات الأميركية للخطر؟

براين هيوز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، ردّ بعد ساعتين، مؤكدا صحة المجموعة. إذ كتب:
"تبدو هذه سلسلة رسائل حقيقية، ونحن بصدد مراجعة كيفية إدراج رقم عن طريق الخطأ ضمن هذه المحادثة. هذه السلسلة تُمثل نموذجا للتنسيق السياسي العميق والمدروس بين كبار المسؤولين. أما نجاح العملية ضد الحوثيين، فهو دليل على أن القوات أو الأمن القومي لم يتعرضا لأي تهديد".

أما ويليام مارتن، المتحدث باسم نائب الرئيس فانس، فقال إن نائب الرئيس ملتزم بالكامل بخط الرئيس، رغم الانطباع الذي قد توحي به الرسائل. حيث قال: "أولوية نائب الرئيس القصوى هي ضمان أن يحصل الرئيس على الإحاطات الكاملة بشأن فحوى النقاشات الداخلية بين مستشاريه". وأضاف: "يدعم نائب الرئيس فانس بشكل لا لبس فيه سياسة الإدارة الخارجية، وقد ناقش الرئيس ونائبه هذا الموضوع لاحقا وهما على توافق تام بشأنه".

لم يسبق لي أن شهدت خرقا كهذا من قبل. صحيح أن مسؤولي الأمن القومي يستخدمون تطبيق "سيغنال" أحيانا، لكن استخدامه يقتصر غالبا على تنسيق المواعيد والمسائل اللوجستية، وليس للتداول في تفاصيل دقيقة وسرية تتعلق بعمل عسكري وشيك. وبطبيعة الحال، لم أسمع يوما عن حادثة يُدرج فيها صحافي ضمن محادثة كهذه.

من المحتمل أن يكون مايكل والتز، من خلال تنسيقه لعملية متصلة بالأمن القومي عبر "سيغنال"، قد خالف عددا من مواد قانون التجسس الأميركي، الذي ينظّم التعامل مع المعلومات المرتبطة بـ"الدفاع الوطني"، وذلك بحسب عدد من المحامين المختصين في شؤون الأمن القومي ممن قابلهم زميلي شين هاريس في سياق هذا التقرير.
وقد طلب هاريس من هؤلاء المحامين التعليق على سيناريو افتراضي، مفاده أن مسؤولا أميركيا رفيعا أنشأ محادثة عبر "سيغنال" خصيصا لتبادل معلومات مع أعضاء الحكومة بشأن عملية عسكرية جارية. ولم يُطلعهم على الرسائل الحقيقية أو يخبرهم بتفاصيل ما حصل بالفعل.

أجمع هؤلاء المحامون على أنه لا ينبغي لأي مسؤول أميركي أن يُنشئ محادثة على "سيغنال" أصلا في مثل هذا السياق. فالمعلومات المتعلقة بعملية عسكرية نشطة تندرج، على الأرجح، ضمن تعريف "معلومات الدفاع الوطني" في القانون.

وتطبيق "سيغنال"، بطبيعة الحال، ليس ضمن التطبيقات المعتمدة لدى الحكومة الأميركية لتبادل المعلومات المصنفة. فالحكومة لديها أنظمتها الخاصة لهذا الغرض. وإذا أراد المسؤولون مناقشة تحركات عسكرية، فعليهم أن يفعلوا ذلك من داخل منشأة مصممة خصيصا تُعرف باسم منشأة المعلومات الحساسة المقسّمة (SCIF)، وهي مساحة آمنة مزودة بإجراءات حماية مشددة، وغالبا ما تكون موجودة في منازل كبار مسؤولي الأمن القومي. كما يمكنهم استخدام تجهيزات حكومية معتمدة فقط، حسبما أوضح المحامون.

لم يسبق لي أن شاهدت خرقا كهذا من قبل. صحيح أن مسؤولي الأمن القومي يستخدمون تطبيق "سيغنال" أحيانا، لكن استخدامه يقتصر غالبا على تنسيق المواعيد والمسائل اللوجستية، وليس للتداول في تفاصيل دقيقة وسرية تتعلق بعمل عسكري وشيك. وبطبيعة الحال، لم أسمع يوما عن حادثة يُدرج فيها صحافي ضمن محادثة كهذه

وفي العادة، يُمنع إدخال الهواتف المحمولة إلى منشآت "SCIF"، ما يشير إلى أن هؤلاء المسؤولين كانوا، على الأرجح، يتحركون في أماكن عامة أثناء مشاركتهم في تبادل معلومات تتعلق بعملية عسكرية نشطة. ولو فُقدت هواتفهم أو سُرقت، لكان الخطر على الأمن القومي الأميركي كبيرا.

من الناحية النظرية، يُفترض أن بيت هيغسيث، وجون راتكليف، وغيرهما من المسؤولين على مستوى مجلس الوزراء، يمتلكون صلاحية رفع السرية عن المعلومات. وقد أشار عدد من المحامين المختصين في الأمن القومي إلى أن المسؤولين المفترضين المشاركين في سلسلة "سيغنال" قد يدّعون أنهم قاموا برفع السرية عن المعلومات التي تبادلوها. لكن هذا الادعاء، كما حذّروا، يفتقر إلى الأساس القانوني، لأن "سيغنال" ليس منصة معتمدة لتداول معلومات بهذا المستوى من الحساسية، سواء كانت تحمل ختم "سري للغاية" أم لا.

وكان هناك إشكال محتمل آخر، فمايكل والتز قام بضبط بعض الرسائل داخل مجموعة "سيغنال" لتُحذف تلقائيا بعد أسبوع، وأخرى بعد أربعة أسابيع. وهذا يثير تساؤلات بشأن انتهاك محتمل لقانون السجلات الفيدرالي، إذ تُعد الرسائل النصية التي تتعلق بأفعال رسمية سجلات ينبغي الحفاظ عليها.

كما أوضح جيسون آر. بارون، أستاذ بجامعة ميريلاند والمدير السابق لقسم التقاضي في إدارة المحفوظات الوطنية الأميركية، لزميلي شين هاريس: "بموجب قوانين السجلات التي تنطبق على البيت الأبيض والوكالات الفيدرالية، يُحظر على جميع موظفي الحكومة استخدام تطبيقات الرسائل الإلكترونية مثل "سيغنال" في الأعمال الرسمية، ما لم يتم فورا إعادة توجيه تلك الرسائل أو نسخها إلى حساب حكومي رسمي".

أضاف بارون: "تُعد الانتهاكات المتعمدة لهذه المتطلبات أساسا لاتخاذ إجراءات تأديبية. كما أن وكالات مثل وزارة الدفاع تقيّد تبادل الرسائل الإلكترونية التي تحتوي على معلومات سرية بالشبكات الحكومية السرية، أو بالشبكات التي تحتوي على خصائص تشفير معتمدة من الحكومة".

PA
طائرة حربية في طريقها للمشاركة في الضربة عسكرية أميركية-بريطانية ضد الحوثيين في اليمن

وقد أخبر عدد من المسؤولين الأميركيين السابقين كلا من هاريس ولي، أنهما استخدما تطبيق "سيغنال" لتبادل معلومات غير سرية ولمناقشة أمور روتينية، خاصة عند السفر خارج البلاد، حيث قد لا يكون لديهم وصول مباشر إلى الأنظمة الحكومية الأميركية. لكنهم كانوا يعلمون تماما أنه لا يجوز أبدا تبادل معلومات سرية أو حساسة عبر هذا التطبيق، لأن أجهزتهم قد تكون معرضة للاختراق من قبل أجهزة استخبارات أجنبية، ما يُمكّنها من الاطلاع على محتوى الرسائل.

ومن الجدير بالذكر أن دونالد ترمب، سواء كمرشح رئاسي أو خلال رئاسته، دأب بصوت عال ومتكرر على المطالبة بسجن هيلاري كلينتون لاستخدامها خادم بريد إلكتروني خاص في أعمال رسمية عندما كانت وزيرة للخارجية.
(ومن اللافت أيضا أن ترمب وُجّهت إليه لائحة اتهام في عام 2023 بسبب إساءة التعامل مع وثائق سرية، لكن التهم أُسقطت بعد انتخابه.)

كان والتز، ومعه باقي المسؤولين على مستوى مجلس الوزراء، قد خرقوا على الأرجح السياسات الحكومية والقانون بمجرد تبادل الرسائل النصية بشأن العملية العسكرية. لكن حين أضاف والتز، على ما يبدو عن طريق الخطأ، صحافيا إلى لجنة كبار المسؤولين التابعة له، فقد خلق مشكلات أمنية وقانونية جديدة. إذ أصبحت المجموعة في تلك اللحظة تنقل معلومات إلى شخص غير مصرح له بالاطلاع عليها، وهذا يُعد تعريفا كلاسيكيا للتسريب، حتى لو كان غير مقصود، وحتى لو أن المُتلقّي لم يُدرك أنه تسريب إلا عندما بدأت الضربات الأميركية على اليمن.

وكان أعضاء مجموعة "سيغنال" مدركين، طوال الوقت، لحساسية الموضوع وضرورة الحفاظ على سرية العمليات. ففي رسالته التي تضمّنت تفاصيل عن الضربات المرتقبة على أهداف حوثية، كتب هيغسيث للمجموعة، والتي كنتُ ما أزال ضمنها في ذلك الوقت": نحن حاليا نظيفون من ناحية أمن العمليات-OPSEC".

ساهم شين هاريس في إعداد هذا التقرير.

عن الكاتب جيفري غولدبرغ
يشغل جيفري غولدبرغ منصب رئيس التحرير في مجلة "ذا أتلانتيك"، وهو أيضا مقدم برنامج "أسبوع واشنطن مع ذا أتلانتيك".

font change