طفرة الفوسفات في مصر: مورد استراتيجي يعزز الزراعة وينهض بالاقتصاد

من تصدير المادة خاما إلى تصنيعها... وبرنامج يحوّل البلاد إلى طرف فاعل في الأسواق العالمية

Shutterstock
Shutterstock
نهضة صناعة الأسمدة في مصر

طفرة الفوسفات في مصر: مورد استراتيجي يعزز الزراعة وينهض بالاقتصاد

يحظى الفوسفات باهتمام واسع في الأسواق الدولية، باعتباره مكونا أساسيا في قطاعي الزراعة والاستثمار الزراعي، مما يجعله ضرورة لضمان استمرار الإنتاج الزراعي والصناعي. لذا يشهد مع الأسمدة الزراعية طلبا متزايدا باعتبارها موردا أساسيا للدول التي تسعى إلى تعزيز إنتاجها الزراعي والدفاع عن أمنها الغذائي. وتُعَدّ مصر من البلدان العربية التي تتميز بتنوع ثرواتها المعدنية، مما يدعم اقتصادها الوطني في مجالات عدة. فهي تحتوي على كميات كبيرة من الفوسفات المستخدم في صناعة الأسمدة، في ظل اهتمام عالمي متزايد بهذه المادة في الأسواق، إلى جانب اليوريا والنيتروجين. وتواصل مصر جهودها لتصبح مركزا استراتيجيا للطاقة، بما في ذلك صناعة الأسمدة والفوسفات، على رغم التحديات التي تواجهها في هذا القطاع. وتهدف الى لعب دور رئيس في أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والاتحاد الأوروبي.

وهي تشجع العديد من الشركات الكبرى القادرة على تحقيق فارق إيجابي لصالح الاقتصاد المصري. وذلك ضمن استراتيجيا استدامة الصناعة، وضمان استغلال الموارد الطبيعية في شكل أمثل لتحقيق فائدة اقتصادية مستدامة، وزيادة القيمة المضافة للخامات المحلية، بما يساهم في تلبية احتياجات السوق المحلية والتصدير إلى الأسواق العالمية في ظل الطلب المتزايد على هذه المنتجات.

استراتيجيا مصرية لاستدامة الصناعة وتصديرها

تستهدف الحكومة المصرية تحويل قطاع التعدين إلى محرك رئيس لاقتصادها، وتسعى إلى تنمية قدراتها الاقتصادية في مختلف المجالات، إذ بدأت بالتوسع في الإنتاج واستخراج الخامات القيمة، بالتعاون مع دول أخرى قد تحصل على حقوق الامتياز، مما قد يتيح لمصر تصدر المشهد في هذا القطاع. فعند منح حقوق الامتياز، تستفيد الشركات التي تحصل عليها من استخراج الفوسفات، بينما تبيع الدولة جزءا منه مباشرة أو عبر الشركات المستكشفة التي تمتلك أسواقا خارجية مفتوحة، فيمكنها ذلك من الترويج للمنتج بأسعار تنافسية.

تسعى "شركة فوسفات مصر" حاليا إلى تطوير مجمع عالمي المستوى لإنتاج حامض الفوسفوريك وتنفيذه تحت اسم "الوادي لصناعة الفوسفات والأسمدة" (وافكو)، الذي سيقام في داخل منجم أبو طرطور للفوسفات

كذلك تتابع مصر عن كثب أسعار المعادن والمستخرجات في البورصات العالمية، بما في ذلك الفوسفات، لكن في حال حدوث اضطرابات سياسية في بعض المناطق، تركز على أسواق بديلة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأغذية والمحاصيل الزراعية عالميا. وتسعى مصر إلى زيادة صادراتها التعدينية إلى 10 مليارات دولار في حلول عام 2040، مقارنة بـ1.6 مليار دولار حاليا، وفق بيانات وزارة البترول المصرية.

التوسع في تصنيع الفوسفات

إلى جانب ذلك، يُعَدّ الفوسفات في مصر من أهم الرواسب المعدنية من الناحيتين التعدينية والاقتصادية، إذ كان ولا يزال يحتل مكانة بارزة في قطاع التعدين. ويعود ذلك إلى الانتشار الواسع لمكامن الفوسفات في البلاد، حيث يمتد حزام رواسب الفوسفات الى مسافة تبلغ نحو 750 كيلومترا من ساحل البحر الأحمر شرقا إلى الواحات الداخلة غربا. أما أهميته الاقتصادية، فتتجلى في تصديره بكميات كبيرة إلى الخارج، إضافة إلى تصنيع جزء منه إلى أسمدة كيميائية، تُصنَّف من ضمن فئة السوبر فوسفات.

غيتي
أحد مصانع الأسمدة في مصر

يذكر أن "شركة فوسفات مصر" واحدة من كبرى الشركات المنتجة لمركزات الفوسفات الصخري في البلاد، بطاقة إنتاجية تبلغ نحو خمسة ملايين طن سنويا. وتمتلك الشركة امتياز أحد أكبر احتياطيات الفوسفات في العالم، وهو حقل أبو طرطور، الذي يقع على بعد 50 كيلومترا غرب مدينة الخارجة، عاصمة محافظة الوادي الجديد في الجنوب الغربي لمصر. وقد حصلت الشركة على امتيازات وتراخيص للعمل في مناجم رئيسة، منها مناجم أبو طرطور والسباعية والبحر الأحمر، حيث تنتج درجات مختلفة من خام الفوسفات تلبي متطلبات أسواق التصدير العالمية.

وخلال السنوات القليلة المنصرمة، شهدت الشركة تحسنا ملحوظا في إنتاج أنواع مختلفة من خام الفوسفات وبيعها. ففي عام 2019، حصلت "شركة فوسفات مصر" بموجب مرسوم جمهوري، على رخصة تشغيل كاملة لمنجم أبو طرطور للفوسفات، الذي يمتد على مساحة 220 كيلومترا مربعا، لتعزيز الاستفادة من الموارد الفوسفاتية المصرية.

وتسعى "شركة فوسفات مصر" حاليا إلى تطوير مجمع عالمي المستوى لإنتاج حامض الفوسفوريك وتنفيذه تحت اسم "الوادي لصناعة الفوسفات والأسمدة" (وافكو)، الذي سيقام في قلب منجم أبو طرطور للفوسفات.

تحاول مصر حاليا ضبط استيراد الغاز، إذ تعتمد جزئيا على وارداتها من إسرائيل. وكانت مصر في السابق تستورد الغاز الإسرائيلي، ثم تعيد تسييله وتصديره إلى أوروبا بتكلفة أقل، مما سمح بسير دورة التصنيع بكفاءة

وتُعَدّ "شركة فوسفات مصر" المساهم الرئيس في المشروع بنسبة 25 في المئة، كما تؤدي دورا محوريا في بيع خام الفوسفات وتصديره إلى الأسواق الدولية، وهي من المساهمين الرئيسيين في "شركة تسويق الفوسفات والأسمدة المصرية" (EMPHCO) بحصة تبلغ 20 في المئة من رأس المال. ويضمن ذلك تلبية احتياجات السوقين المحلية والدولية بأسعار تنافسية. كما تزود الشركة السوق المحلية بدرجات عالية التركيز من الفوسفات تصل إلى 31 في المئة من P₂O₅، مما يمنحها ميزة تنافسية على مستوى الإنتاج العالمي. وتُعتبَر اليابان من أكبر مستوردي الفوسفات المصري.

تحديات عالمية وإقليمية مع الحرب الروسية الأوكرانية

شهدت سوق الفوسفات العالمية خلال العامين المنصرمين تقلبات حادة، أدت إلى ارتفاع أسعاره نتيجة عوامل عدة، أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية، التي تسببت في تراجع صادرات روسيا من الفوسفات الصخري والأسمدة. كذلك شهدت سوق الأسمدة العالمية اضطرابات في الإمدادات، إلى جانب ارتفاع أسعار الأسمدة بسبب النقص في إمدادات الغاز، مما دفع بعض مصانع الأسمدة في مصر إلى التوقف عن الإنتاج.

وتراجعت الصادرات المصرية خلال عام 2023 بسبب الأزمات الاقتصادية التي تعرضت إليها البلاد، بالتزامن مع توقف بعض مصادر إمداد الغاز الإقليمي، مما أثر سلبا في مخزون شبكة الغاز، وأدى إلى توقف العديد من شركات الصناعات المغذية والمكملة لصناعة الأسمدة.

Shutterstock
تحتل مصر مكانة عالمية بارزة في صناعة وتصدير الأسمدة المعدنية والمغذيات النباتية

وتأثرت شركات الكيماويات كلها بنقص الغاز، ولا سيما بعد ارتفاع أسعاره، فانعكس ذلك على الإنتاج المحلي وأدى إلى انخفاض نسب الصادرات، كما انعكس سلبا على حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي، نظرا إلى اعتماد البلاد على عوائد هذه الصادرات في دعم استقرار سوق العملات الأجنبية.

ومع تراجع الصادرات، انعكس ذلك أيضا على أداء الشركات في البورصة المصرية، إذ تراجع سهم "شركة مصر لإنتاج الأسمدة" (موبكو)، الذي كان يتداول عند 200 جنيه مصري (نحو أربعة دولارات)، إلى مستويات بين 33 و40 جنيها مصريا (أقل من 80 سنتا)، مما تسبب بخسائر فادحة للمستثمرين. وتحاول مصر حاليا ضبط استيراد الغاز، إذ تعتمد جزئيا على وارداتها من إسرائيل. وكانت مصر في السابق تستورد الغاز الإسرائيلي، ثم تعيد تسييله وتصديره إلى أوروبا بتكلفة أقل، مما سمح بسير دورة التصنيع بكفاءة.

تُعَد مصر لاعبا رئيسا في سوق الأسمدة العالمية، إذ تصدّر النيتروجين والفوسفات. وفي هذا الإطار، بدأت الحكومة المصرية فتح أبواب جديدة لاستغلال الثروات المعدنية عبر طرح مزاد عالمي للتنقيب عن خامات الفوسفات

لكن منذ عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تأثرت إمدادات الغاز المصري سلبا، مما أدى إلى خسائر كبيرة للشركات نتيجة انخفاض الإنتاج والتصدير، وتراجع أرباحها. ومع ذلك، بدأت مصر أخيرا في استعادة انتظام الإنتاج، في إطار سعيها نحو التحول إلى الطاقة الخضراء وتعزيز استدامة قطاع التعدين والأسمدة.

حق امتياز المناجم المنتجة للفوسفات

في هذا السياق، أشار الدكتور شريف الجبلي، رئيس مجلس إدارة غرفة الصناعات الكيماوية في اتحاد الصناعات المصرية ورئيس مجلس إدارة "شركة أبو زعبل للأسمدة والمواد الكيماوية"، في حديث إلى "المجلة"، إلى أن وزارة الصناعة تخطط حاليا لإقامة مشروعين جديدين في مجال صناعة الأسمدة الفوسفاتية. كذلك تسعى الشركة إلى تطوير عملياتها في المرحلة المقبلة، "من خلال استغلال خام الفوسفات لإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة، إذ تُعَد الشركة من أكبر منتجي الأسمدة الفوسفاتية في مصر".

Shutterstock
نمو مصانع الأسمدة المصرية

ولفت الجبلي إلى أن الغاز الطبيعي ليست له أي علاقة مباشرة بصناعة الفوسفات، موضحا أن الأسمدة تنقسم ثلاثة أنواع رئيسة: الأسمدة النيتروجينية مثل سماد اليوريا، والأسمدة الفوسفاتية التي تنتجها "شركة أبو زعبل للأسمدة والمواد الكيماوية"، والأسمدة البوتاسية التي تعتمد في شكل أساس على البوتاسيوم. وأوضح أن المشكلة الرئيسة في قطاع الأسمدة خلال الفترة الأخيرة كانت في صناعة الأسمدة النيتروجينية، بسبب نقص الغاز الطبيعي، "إلا أن الدولة سارعت إلى معالجة هذه الأزمة عبر استيراد الغاز الطبيعي من الخارج، مما ضمن استمرار عمل مصانع الأسمدة بانتظام".

وأكد الجبلي أن مصر تعاقدت خلال عامي 2024 و2025 على شحنات عدة من الغاز، مما أدى إلى استقرار إمداداته لمصانع الأسمدة، "وبالتالي لم تعد هناك أي مشاكل تتعلق بتوريد الغاز تعيق استمرار الإنتاج". وأضاف أن مصر تنتج خام الفوسفات منذ عام 1947، وتسعى حاليا إلى تعزيز القيمة المضافة من خلال تحويل الفوسفات إلى أسمدة ومنتجات نهائية بدلا من تصديره كخام، مما يعزز سلاسل القيمة ويطور قطاع صناعة الفوسفات.

توجه الحكومة نحو تعزيز قطاع التعدين

تُعَد مصر لاعبا رئيسا في سوق الأسمدة العالمية، إذ تصدّر النيتروجين والفوسفات. وفي هذا الإطار، بدأت الحكومة المصرية فتح أبواب جديدة لاستغلال الثروات المعدنية عبر طرح مزاد عالمي للتنقيب عن خامات الفوسفات، وفق نظام يشمل الإتاوة، والضرائب، ونسبة مشاركة مجانية للهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية في الإنتاج، وهو ما يُعَدّ أحد التحديات الرئيسة في القطاع. كذلك تعمل الحكومة على تكثيف جهودها لزيادة الاستثمارات الموجهة إلى قطاع التعدين، إذ تستهدف جذب استثمارات سنوية بقيمة مليار دولار بحلول عام 2030، وفقا لبيانات وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية.

إن مصر تمتلك أكثر من ثلاثة مليارات طن من الفوسفات، ولا سيما في مناطق ساحل البحر الأحمر، وسفاجا، والقصير، وقنا، وإدفو، وأبو طرطور، ويزيد إنتاج مصر السنوي من الأسمدة النيتروجينية على ثمانية ملايين طن

حسين عبد الرحمن أبو صدام، نقيب الفلاحين والخبير الزراعي

وتنتج مصر مختلف أنواع الأسمدة من خلال شركات عدة، من بينها: "شركة فوسفات مصر"، "شركة النصر للكيماويات الوسيطة" التابعة للقوات المسلحة، "الشركة المالية والصناعية المصرية"، "شركة أبو زعبل للأسمدة والمواد الكيماوية"، و"شركة أسوان للأسمدة والصناعات الكيماوية".

كذلك يتم تنفيذ مشاريع جديدة لتعزيز إنتاج الأسمدة الفوسفاتية، من بينها مشروع ضخم تنفذه "شركة فوسفات مصر" بالتعاون مع "شركة إندوراما" الإندونيسية، باستثمارات لا تقل عن 500 مليون دولار كحد أدنى. ومن المتوقع أن تساهم هذه المشاريع في إحداث طفرة قوية في صناعة الفوسفات المصرية، وتعزيز قدرتها التنافسية عالميا.

Shutterstock
صناعة الأسمدة الكيماوية إحدى أهم الصناعات الاستراتيجية في مصر

وتحتل مصر مكانة عالمية بارزة في صناعة وتصدير الأسمدة المعدنية والمغذيات النباتية، باعتبارها من البلدان الرائدة في إنتاج الأسمدة، فهي تحتل المركز الأول عربيا والخامس عالميا بين كبرى البلدان المنتجة لسماد اليوريا، بكمية تصل إلى أكثر من 7.6 مليون طن سنويا. ويُقدَّر إجمالي إنتاج مصر من الأسمدة النيتروجينية بنحو ثمانية ملايين طن سنويا، ومن الأسمدة الفوسفاتية بنحو أربعة ملايين طن سنويا.

وخلال عام 2024، شهد القطاع تحسنا ملحوظا، إذ بلغت صادرات مصر من صخور الفوسفات نحو 5.2 مليون طن، ومن المتوقع أن تصل إلى ستة ملايين طن خلال عام 2025. كذلك تسعى الحكومة المصرية إلى زيادة الاستثمارات الموجهة إلى قطاع التعدين، مستهدفة جذب مليار دولار سنويا في حلول عام 2030.

وقال نقيب الفلاحين والخبير الزراعي حسين عبد الرحمن أبو صدام لـ"المجلة"، إن مصر تمتلك أكثر من ثلاثة مليارات طن من الفوسفات، ولا سيما في مناطق ساحل البحر الأحمر، وسفاجا، والقصير، وقنا، وإدفو، وأبو طرطور، ويزيد إنتاج مصر السنوي من الأسمدة النيتروجينية على ثمانية ملايين طن، في حين يبلغ إنتاجها من الأسمدة الفوسفاتية نحو أربعة ملايين طن، "مما يجعل صناعة الأسمدة الكيماوية إحدى أهم الصناعات الاستراتيجية في مصر، نظرا إلى العوائد الاقتصادية المرتفعة من تصديرها، إلى جانب دورها في تنمية القطاع الزراعي المحلي".

وأشار أيضاً إلى أن البلدان العربية تمتلك أكبر احتياطات الفوسفات في العالم، إذ يستحوذ المغرب وحده على نحو 70 في المئة من الاحتياطي العالمي، بما يقرب من 50 مليار طن متري، بينما تمتلك مصر ثاني أكبر احتياطي عالمي، يُقدَّر بنحو ثلاثة مليارات طن متري. ولفت أبو صدام الى أهمية "استخدام الفوسفات في صناعة الأسمدة والأعلاف، فهو يُعَد مكونا أساسيا في نمو الحيوانات، لاحتوائه على الفوسفور والأوكسيجين، وهو عنصر مهم في الأمن الغذائي العالمي، نظرا إلى أهميته الكبيرة في صناعة الأسمدة الزراعية. وأشار الى أن صادرات مصر من الصناعات الكيماوية والأسمدة بلغت نحو 6.5 مليارات دولار خلال عام 2023، "مما يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذا القطاع في الاقتصاد المصري".

font change