إدلب... كيف نهضت من بين الأنقاض وتحت القصفhttps://www.majalla.com/node/324876/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A5%D8%AF%D9%84%D8%A8-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B6-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D9%81
إدلب- تمتد المساحات المنبسطة المحيطة بعاصمة هذه المحافظة السورية قبل أن تتدرج في الغرب والشمال إلى تضاريس وعرة وجبال شاهقة بمحاذاة الحدود التركية. لطالما شكلت هذه التكوينات الطبيعية عوائق أمام الحركة، لكنها في الوقت ذاته كانت ملاذا لمن لجأ إليها.
على مدى سنوات، وفرت الأنفاق ملجأ من القصف المستمر الذي شنه النظام السابق والقوات الروسية. لكن اليوم، "لم تعد هناك حاجة إليها"، كما قال شاب مقاتل لم يتجاوز العشرين من العمر، في حديث لـ"المجلة" أواخر فبراير/شباط. كان يجلس على بساط مهترئ يغطيه الغبار في بلدة صغيرة، يتصفح هاتفه المحمول، مستعرضا صور أصدقائه الذين قضوا– رفاقه "الشهداء"– بينما كان ينتظر تقديم الشاي. كان أحد عناصر قوات "العصائب الحمراء" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام"، ولكنه الآن لا يبتغي سوى تحقيق أمنيتين بسيطتين: زيارة جدته، التي تعيش في مخيم للنازحين داخليا مع نساء أرامل، وإكمال تعليمه.
ظلت إدلب لسنوات طويلة شبه معزولة عن باقي أنحاء سوريا والعالم، لكنها تحولت إلى المعقل الذي انطلقت منه العملية التي قادتها "هيئة تحرير الشام"، وأدت في النهاية إلى إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول. ومنذ ذلك الحين، اكتسبت المحافظة مكانة أشبه بالأسطورة، رغم استمرار الحذر من الفصائل المسلحة التي نشأت فيها، وهي جماعات انخرط أفرادها لسنوات في حركات إسلامية متشددة.
"هيئة تحرير الشام" وجماعات معارضة أخرى شكلت حكومة الإنقاذ السورية في أواخر عام 2017، وسيطرت على جزء كبير من شمال غربي سوريا وعاصمتها إدلب
ويزعم آخرون عارضوا "هيئة تحرير الشام" وسابقاتها أنهم لا يستطيعون إلا الاعتراف بأن الجماعة كان لها شأن "بطولي" في القتال الذي دار ضد نظام ديكتاتوري خلف مئات الآلاف من القتلى والمفقودين وأجبر الملايين على الفرار من البلاد. وعلى الرغم من أن إدلب كانت موضع اتهامات في السنوات الماضية بأنها "موبوءة بالإرهابيين،" فإنها كانت ولا تزال مكانا للجوء لكثير من الناس. ويكتظ ملايين السوريين النازحين من مناطق أخرى في المحافظة، حيث بُنيت بلدات فعلية في مكان المخيمات السابقة التي آوت عشرات الآلاف من المهجرين، في حين تُواصل الخيام المعرضة للبرد القارس والمطر إيواء أولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف سكن أكثر متانة. ولا يملك الملايين مكانا آخر يذهبون إليه، وحتى لو كان لديهم مكان، فأنى لهم بالوسائل التي تُتيح وصولهم إلى هناك.
ويشكو النازحون داخليا من قلة المساعدات التي تُقدم لهم، في حين يتفق الجميع على أن فرص العمل لا تزال محدودة، ويُلقي كثيرون باللوم على العقوبات والبيروقراطية المفرطة.
محافظ إدلب: النظام السابق "حاول إبادة السكان"
اصطحب مسؤولون مهذبون ومدفوعون بالفضول صحيفة "المجلة" إلى مكتب محافظ إدلب الذي يقع تحت الأرض في الثاني من مارس/آذار.
كان محمد عبد الرحمن، الذي يشغل منصب محافظ إدلب منذ شهر ونصف الشهر، يرتدي قميصا وسترة، وكان مكتبه مزينا بزخارف المكاتب الحكومية النموذجية على الطراز العربي: مقاعد فخمة، والكثير من الزهور الاصطناعية، ولوحات اسمية لامعة. وكانت الجدران حديثة الطلاء، وكان البلاط الرخامي اللامع يغطي أرضية الغرفة.
خلال جنازة تسعة من عناصر قوات الأمن السورية في سلقين بمحافظة إدلب، سوريا، 13 مارس
وعبد الرحمن من أبناء المحافظة وخريج الأكاديمية العسكرية في حمص، وكان قد شغل منصب وزير الداخلية السوري "لمدة أربعين يوما في حكومة تصريف الأعمال بعد تحرير سوريا". وقبل ذلك، شغل منصب وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ السورية لمدة ثلاث سنوات.
وكانت "هيئة تحرير الشام" وجماعات معارضة أخرى شكلت حكومة الإنقاذ السورية في أواخر عام 2017، وسيطرت على جزء كبير من شمال غربي سوريا وعاصمتها إدلب، ويبلغ عدد سكانها حوالي 4 ملايين نسمة.
وكانت عمليات ترحيل جماعي متعددة من مناطق أخرى في سوريا قبل تشكيل حكومة الإنقاذ السورية قد أجبرت عشرات الآلاف من الأشخاص بالحافلات إلى إدلب من الغوطة التي تقع في ضواحي دمشق، والتي دُمرت بالكامل تقريبا، في أوائل عام 2018 بعد أن حوصرت وقُصفت على مدار سنوات. واستمرت القنابل في ملاحقة النازحين حتى بعد وصولهم إلى هذه المنطقة الشمالية الغربية من البلاد، وهو الأمر الذي زاد من الدمار الهائل الذي أحدثته هجمات النظام السابق بدءا من عام 2011.
هناك افتتاح مصانع في المدينة الصناعية بمنطقة باب الهوى، وأصحاب المصانع هم مستثمرون خاصون يطلبون تراخيص من وزارة الاقتصاد
وأكد عبد الرحمن أن "ريف إدلب مدمر بالكامل"، وسرد أسماء القرى والمدن التي تعرضت المناطق المحيطة بها لقصف متواصل من النظام السابق وحلفائه عندما كانت المناطق تحت سيطرة قوات المعارضة السابقة التي تسيطر حاليا على دمشق.
وتابع قائلا إن أرياف معرة النعمان، سراقب، وجبل الزاوية، كلها كانت عرضة للقصف، موضحا أن إدلب، على وجه الخصوص، كانت هدفا رئيسا بسبب العدد الكبير من النازحين الذين لجأوا إليها من محافظات أخرى، حيث تم استهدافها، على حد تعبيره، "لإبادة من احتمى بها".
وبحسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في مارس/آذار 2024، نزح 3.4 مليون شخص في شمال غربي سوريا: وهو ارتفاع عن العدد الذي بلغ 2.9 مليون شخص في العام السابق.
وأوضح عبد الرحمن أن "أولوياتنا تتمثل في إعادة الإعمار، وإعادة تأهيل المدارس، وإعادة تجهيز المراكز الطبية والمستشفيات، وإعادة تفعيل محطات المياه، وإعادة تشغيل مرافق الكهرباء، وإصلاح الطرق".
وأشار المحافظ إلى أنه "لا يزال لدينا نحو أربعة ملايين شخص" في إدلب، منهم "1.8 مليون شخص يعيشون في مخيمات يعانون من برد الشتاء في خيام متداعية". وأكد أن "إعادة الإعمار تتطلب بالطبع المال والوقت، لكن الأمر الذي يؤثر اليوم أكثر على الشعب السوري هو العقوبات المفروضة عليه". وأضاف أن المدارس والمرافق الطبية التي استهدفها النظام السابق لفترة تزيد على عقد من الزمن لن يكون من الممكن إعادة بنائها ما لم "تُقدم المساعدة وتُرفع العقوبات".
يتسوق الناس في مركز تجاري ببلدة الدانا، قرب سرمدا، في محافظة إدلب شمال سوريا، في 13 ديسمبر
الوضع "أفضل بكثير من مناطق النظام السابق"
تُعتبر خدمات المياه والكهرباء والإنترنت أكثر موثوقية في إدلب مقارنة بالمناطق التي كانت تحت سيطرة النظام سابقا– أو على الأقل خارج المخيمات.
وفي معظم الأماكن، تُقبل الليرة التركية والدولار فحسب، في حين أن بعض أصحاب المتاجر يسحبون الآلات الحاسبة لمعرفة أسعار الصرف الحالية إذا كان لدى العملاء الليرة السورية فحسب. وتشهد تجارة السيارات نشاطا ملحوظا، ويبدو أن ثمة وفرة في البضائع بشكل عام، بما في ذلك البضائع المستوردة، في الكثير من المحلات التجارية.
وأشار المحافظ في حديثه لـ"المجلة" إلى أن المحافظة شهدت "استثمارا وتجارة حتى قبل التحرير، وحاليا هناك المزيد من المصانع التي تفتح أبوابها"، نظرا للقدرة الجديدة على التنقل بحرية بين المحافظات. وأضاف: "نشهد افتتاح مصانع في المدينة الصناعية بمنطقة باب الهوى"، و"أصحاب المصانع هم مستثمرون خاصون يطلبون تراخيص من وزارة الاقتصاد".
من جانبه، أخبر رجل الأعمال والخبير الاقتصادي محمود طرن، الذي درس في المملكة المتحدة ولكنه وُلد في سوريا وعاد إلى دمشق بعد 8 ديسمبر/كانون الأول، أخبر "المجلة" في 10 مارس/آذار أن حكومة الإنقاذ السورية "تمكنت من استعادة الأمن والاستقرار، وهو الأمر الذي أدى إلى التنمية الاقتصادية" في إدلب.
وأشار إلى أنها "نجحت في ربط النظام المالي مع تركيا من خلال إنشاء بعض الفروع للبنوك التركية الحكومية ومكاتب البريد مثل بنك زراعات وبنك البريد والبرق والهاتف". وأصبح الناس قادرين على إرسال واستقبال الأموال، في ظل "تدفق الاستثمارات من السوريين المقيمين عبر الحدود".
حوالي 80 إلى 85 في المئة من نسبة تمويل الرعاية الصحية في إدلب مصدره المنظمات الدولية أو الدول المانحة، بينما توفر حكومة الإنقاذ والمجتمعات المحلية النسبة المتبقية
وأكد طرن أن إدارة حكومة الإنقاذ السورية تعني أن "الأوضاع في إدلب كانت أفضل بكثير من مناطق النظام باستثناء الوصول إلى العالم الخارجي، وهو الأمر الذي لم يتحقق أبدا".
وأضاف أن الأمر المهم هو أن حكومة الإنقاذ السورية "نجحت في تأمين الكهرباء على مدار الساعة من تركيا ومن الإنتاج المحلي"، وأن "ظروف المعيشة في المحافظة كانت مقبولة" نظرا للظروف، على الرغم من المشاكل المتعلقة بالبيروقراطية المفرطة في الواردات.
وأردف قائلا: "لم يكن ثمة نقص في السلع الأساسية" خلال سنوات سيطرة حكومة الإنقاذ السورية على المحافظة، وكانت إدلب "بمنزلة نقطة الدخول لجميع الواردات الرئيسة مثل السيارات" وغيرها من السلع إلى البلاد في السنوات الأخيرة.
ولكنه لاحظ أن "الأمر الذي لم تتمكن الحكومة من القيام به بشكل جيد للأسف هو نظام الرعاية الصحية. وعلى الرغم من أنها تمكنت من إعادة تأهيل عدة مستشفيات، فإنها لم تتمكن من تقديم خدمات رعاية صحية مهنية".
استهداف المرافق الصحية على مدار سنوات
وأشار محافظ إدلب عبد الرحمن إلى أن الأمر التنفيذي الذي أصدرته إدارة ترمب القاضي بتجميد تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية خلف أثرا مدمرا على قطاع الرعاية الصحية الذي يعاني بالفعل في المحافظة. وأوضح لـ"المجلة"، على سبيل المثال، أن الجمعية الطبية الأميركية السورية (سامز) تدعم حوالي 24 أو 25 مركزا طبيا ومستشفى في إدلب.
وأخبر الدكتور دريد الرحمن، منسق مجموعة الصحة التابعة لمنظمة الصحة العالمية في شمال غربي سوريا، "المجلة" في 10 مارس/آذار أن "التمويل الأجنبي يشكل الغالبية العظمى من الدعم المالي لقطاع الرعاية الصحية في إدلب، مشيرا إلى أن "حوالي 80 إلى 85 في المئة من نسبة تمويل الرعاية الصحية في إدلب مصدره المنظمات الدولية أو الدول المانحة، بينما توفر حكومة الإنقاذ والمجتمعات المحلية النسبة المتبقية".
وكتب الدكتور الرحمن ردا على أسئلة كتابية وُجِهت إليه: "خلف تجميد الأموال من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تأثيرا سلبيا كبيرا على الرعاية الصحية في إدلب، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض تمويل المراكز الصحية، ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية، كما خلف تأثيرا ملحوظا على تدريب الكوادر الطبية، وتأخرا في دعم خدمات الرعاية الصحية للنازحين. ونظرا لاعتماد المنطقة بشكل كبير على المساعدات الخارجية، فإن هذا التجميد يمثل تحديا كبيرا في الحفاظ على استمرارية وجودة خدمات الرعاية الصحية في المنطقة. وقد تسبب في إغلاق ما يصل إلى 14 مركزا صحيا وتوقف كلي أو جزئي لأكثر من 9 مستشفيات، بالإضافة إلى إلغاء برامج التدريب التخصصي المخطط لها".
وأضاف الدكتور الرحمن: "أحرزت حكومة الإنقاذ السورية، بالتعاون الوثيق مع مديرية الصحة والمنظمات العاملة في شمال غربي سوريا، تقدما كبيرا في قطاع الرعاية الصحية، ولا سيما في مجال الرعاية الصحية الأولية. وارتفع عدد المراكز الصحية بشكل ملحوظ بفضل هذه الجهود المشتركة ليصل إلى 115 مركزا صحيا بنهاية عام 2024. وتُقدم هذه المراكز الصحية خدمات رعاية صحية شاملة وتقدم الخدمة لما يزيد على 4 ملايين شخص في مناطق شمال غربي سوريا. ومع ذلك، تمثلت التحديات الرئيسة خلال هذه الفترة في استهداف قوات النظام للمرافق الصحية بشكل منهجي".
قطاع التعليم في إدلب، تحت إدارة حكومة الإنقاذ السورية، واجه تحديات كبيرة أثرت على تطوره واستدامته. ويمثل انخفاض الدعم المالي من المنظمات الدولية أبرز هذه التحديات
وأضاف أن هناك "تدميرا للبنية التحتية في الكثير من المرافق التي كانت تحتلها قوات النظام سابقا في الريف الجنوبي للمحافظة".
وعلاوة على ذلك، أضاف قائلا: "ثمة تدمير للبنية التحتية في الكثير من المرافق التي كانت تحتلها قوات النظام سابقا في الريف الجنوبي للمحافظة. وهذا ما تعمل الحكومة السورية الجديدة على معالجته حاليا، ويمكن اعتباره أولوية قصوى".
الشرطة والتعليم
وأشار محافظ إدلب إلى حقيقة أنه فيما يتعلق بالشرطة في المحافظة، "ليس ثمة تدريب خارجي". وكل التدريبات هي تدريبات داخلية يقوم بها قادة مجتهدون هم بمنزلة ثوار شرفاء"، من دون أي تدريب من دول أجنبية.
وأضاف وزير الداخلية السابق قائلا: "أُنشئت مراكز تدريبية ومرافق تعليمية في إدلب. وأُسست كلية للشرطة، ويُدرب المجندون فيها. وتلقى الضباط وأفراد الشرطة الآخرون تدريبا في علوم الشرطة، والعلوم الجنائية، والعلوم العسكرية، وعلوم الأمن".
ووفاقا لمقال نشرته صحيفة "ليفانت 24" في سبتمبر/أيلول 2023 حول افتتاح كلية الشرطة، فقد "استغرق المشروع عاما من التخطيط للإعداد، ويغطي المنهج مجموعة واسعة من التخصصات القانونية والأكاديمية والتدريب شبه العسكري الضروري لإنفاذ القانون الحديث. وتُدرس الشريعة الإسلامية والأحكام جنبا إلى جنب مع آليات المؤسسات القانونية في المناطق المحررة".
ونقلت وسائل الإعلام المحلية عن مدير المعهد قوله إن اليوم النموذجي "يبدأ بتدريبات اللياقة البدنية قبل الفجر" وأن "اليوم الذي يستمر 17 ساعة يمتد من حوالي الساعة 5 صباحا حتى 10 مساء".
خلال إحياء الذكرى الرابعة عشر للثورة السورية لأول مرة منذ الإطاحة بنظام الأسد، في ساحة الأمويين بوسط دمشق في 15 مارس
وأشار المحافظ في مقابلة أجريت مع "المجلة" في مارس/آذار بمكتبه إلى أن "ثمة معايير محددة للانضمام إلى الشرطة، ويُجند المجندون عن طريق الاختيار من بين الذين يستجيبون لإعلانات دورات أفراد الشرطة. ويخضع المجندون لاختبارات أمام لجان"، ثم "تختار اللجان العدد المطلوب من المجندين ويُنقلون إلى كلية الشرطة"، حيث تستمر دورات الدراسة "لمدة لا تقل عن ثلاثة إلى أربعة أشهر".
وأضاف المحافظ أن "الرواتب تختلف حسب الوظيفة، ولكنها تبدأ من مئة دولار".
واعترف بأن الحكومة تدرك أن "مئة دولار أو حتى مئة وخمسين دولارا ليست كافية للوضع الحالي. ومع ذلك، هذا كل ما يمكننا فعله في الوقت الحالي بإمكاناتنا الحالية".
وأشار إلى أنه "لا يمكن الانضمام إلى القوات الأمنية من دون شهادة تعليمية. أما بالنسبة إلى العمل العسكري، فهذا من اختصاص وزارة الدفاع. وهناك معايير ودورات، ويجري العمل على هذا الأمر هناك حاليا".
وكما كتب إدوارد بيجبيدر، المدير الإقليمي لليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في بيان صدر في 18 ديسمبر/كانون الأول: يوجد في سوريا بالإجمال، أكثر من "2.4 مليون طفل لا يرتادون المدارس، إضافة لوجود مليون طفل آخر معرض لخطر التسرب من المدارس. وهذا يزيد من خطر تعرضهم لعمالة الأطفال، وزواج الأطفال، والإتجار بهم، وتجنيد واستخدام أطراف النزاع لهم. إن إعطاء الأولوية للتعليم، وتمكين المعلمين، وتعزيز نظام التعليم هي أمور ضرورية لتعزيز التماسك الاجتماعي، والتسامح، والسلام".
وقالت جميلة الزير التي تعمل في قطاع التعليم في منظمة غير حكومية بإدلب لـ"المجلة" إن "قطاع التعليم في إدلب، تحت إدارة حكومة الإنقاذ السورية، واجه تحديات كبيرة أثرت على تطوره واستدامته. ويمثل انخفاض الدعم المالي من المنظمات الدولية أبرز هذه التحديات، إذ امتنع المانحون عن تقديم الدعم أو قللوا منه إلى درجة كبيرة" مع مرور الزمن.
كان لدى "هيئة تحرير الشام" في أوائل ديسمبر نحو 30 ألف مقاتل، في حين بلغ إجمالي عدد مقاتلي جماعات المعارضة الأخرى نحو 80 ألف مقاتل
وعلاوة على ذلك، قالت إن الكثير من المدارس لا تمتلك حتى "تجهيزات التدفئة أو صيانة المباني، وهو الأمر الذي أثر على جودة البيئة التي يتلقى فيها الأطفال تعليمهم".
ومع ذلك، زعمت أن حكومة الإنقاذ السورية "عملت على دعم التعليم المهني والفني" وأطلقت حملات توعية حول أهمية التعليم.
بالإضافة إلى ذلك، قالت إنه "خلال العامين الماضيين، مُنحت حوافز مالية للعاملين في المدارس الذين لا تحصل مدارسهم على دعم من المنظمات، وهو الأمر الذي رفع من جودة التعليم في المدارس غير المدعومة من المنظمات".
مقتل مئات الشباب من إدلب في المنطقة الساحلية
كانت إدلب مسقط رأس عدد كبير من أفراد قوات الأمن الذين قُتلوا في وقت سابق من هذا الشهر بعد هجمات منسقة في المنطقة الساحلية من البلاد قادتها قوات مرتبطة بالنظام السابق، إذ قُتل أكثر من 100 شخص من إدلب وحدها وفقا لبعض التقارير، وأُعدم الكثير منهم في كمائن بدأت في 6 مارس/آذار.
وانتشرت صور لجثث شابة ملطخة بالدماء ببزاتهم العسكرية ممددة على الطرقات. وهرعت قوات وأفراد مسلحون من جميع أنحاء البلاد لضمان إفشال أي محاولة لاستعادة الأراضي بمساعدة خارجية. وتلت ذلك عمليات قتل انتقامية ضد أفراد من المجتمع المحلي، وإن لم يتضح من نفذها، وكم عدد المدنيين من بين مئات القتلى.
وسارعت الحكومة إلى تشكيل لجنة تحقيق وتعهدت بمحاسبة المسؤولين عن عمليات القتل. ويزعم البعض أن المقاتلين القادمين من إدلب نفسها كانوا أقل عرضة لارتكاب الانتهاكات بسبب سنوات من الانضباط تحت قيادة "هيئة تحرير الشام".
وبحسب بيان صادر عن مجموعة الأزمات الدولية في 10 مارس/آذار، كان لدى "هيئة تحرير الشام" في أوائل ديسمبر/كانون الأول نحو 30 ألف مقاتل، في حين بلغ إجمالي عدد مقاتلي جماعات المعارضة الأخرى نحو 80 ألف مقاتل.
وسواء كان الجنود المدربون في إدلب والذين قضوا سنوات في صفوف "هيئة تحرير الشام" هم الذين يقفون وراء عمليات القتل الانتقامية خارج نطاق القضاء أم لا، فإن الطريقة التي تتعامل بها الحكومة التي شحذت مهاراتها في الزاوية الشمالية الغربية من البلاد مع الوضع الحالي بعد أن وصلت إلى دمشق سوف تؤثر على الكثير من الأمور الأخرى داخل البلاد وخارجها.
وفي غضون ذلك، يُواصل المسؤولون هنا التأكيد على أن الكثير من الأمور الأخرى ستتحسن إذا رُفعت العقوبات، وإذا لم يحدث ذلك، فقد تصبح الأمور غاية في الصعوبة في وقت قريب جدا.