إذا تأملنا واقع الفنون البصرية اليوم في العالم العربي، نجد أنفسنا أمام أعمال فنية عربية ستظل خالدة. لا لأن بعض هذه الأعمال التشكيلية بيعت بملايين الدولارات أو لأن نماذج كثيرة من الأفلام السينمائية عرضت داخل صالات سينمائية كبيرة وبمهرجانات من الدرجة الأولى، وبالتالي حصلت على جوائز عالمية كثيرة، وإنما بحكم ما تركته بعض الأعمال من أثر بيّن وواضح في تاريخ الثقافة العربية الحديثة منها والمعاصرة. وقد شهدت الفنون البصرية منذ بدايات ما يعرف بـ"الربيع العربي" إلى اليوم، تحولا أنطولوجيا كبيرا، لم يتوقف عند حدود الشكل والأسلوب والمادة، بقدر ما اقتحم العديد من الفنانين التشكيليين والمخرجين السينمائيين براديغم الواقع وجعلوا منه مادة للتفكير ووسيلة لإدانة التاريخ وجرحه.
الفن بما هو فكر
يكتشف متأمل المختبر الفني العربي الحديث أن اللوحة العربية ليست مجرد وسيلة لمحاكاة التجربة الفنية الغربية، وإنما أضحت مستقلة عن منابعها الأولى، أي أن الفنانين العرب أصبحت لهم القدرة على إنجاز وإبداع وإنتاج أعمال تشكيلية تضاهي بجمالياتها ما أنتجه الغرب خلال الحقبة المعاصرة. ولا شك أن تجارب فنية متنوعة من قبيل فريد بلكاهية ولؤي كيالي وإيتل عدنان وحسن فتحي وزها حديد، قادرة على أن تتحدى بأفكارها ومواقفها ما أنتجته تجارب غربية، وذلك لكونها تطرح أفقا بصريا حداثيا له ما يميزه على مستوى الشكل والمضمون. كما أن هذه الأعمال الفنية نفسها، لا تقدم الفن كبضاعة ترفيهية غايتها الاستهلاك، بل تفكر في واقعها من خلال المعمار واللوحة والمنحوتة، أيْ أنها تنتج فكرا يتبلور عبر الفن. فهذا الأخير، له القدرة على أن يضمر مجموعة من الأفكار والمفاهيم والنظريات انطلاقا من العمل الفني. وقد حرص جملة من الفنانين العرب على تلمس البعد الفكري والحدث التاريخي في أعمالهم، بعدما تحول العديد من اللوحات المسندية إلى مساحات خاصة للتفكير في العديد من القضايا والإشكالات التي تطال الواقع العربي.