لم تكن عملية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على مستوطنة المطلة يوم السبت الماضي مستغربة، لكن في الوقت نفسه من الصعب جدا الإحاطة بكل دوافعها ومدلولاتها بالنظر إلى الحسابات المعقدة لكل الأطراف المعنية، خصوصا أنه لم يعد من الممكن تفسير أي حدث محلي بمعزل عن التطورات الإقليمية. هذا مع العلم أن عملية إطلاق الصواريخ تلك لا يمكن اعتبارها حدثا محليا، أو أن أحد الأسئلة المطروحة هي نسب الدوافع الداخلية والإقليمية فيها، أي ماذا أراد "حزب الله" منها وما هي حسابات طهران إزاءها؟
بداية يفترض التوقف عند الطابع الأمني للعملية، أي إنها عملية أمنية أكثر منها عسكرية، وهو ما يجعل تخمين الجهة التي تقف وراءها أقرب إلى تفكيك لغز، تماما كما سائر العمليات الأمنية في لبنان بما فيها الاغتيالات السياسية. بالتالي أمام هذا النوع من العمليات يصبح نفي "حزب الله" إطلاقه الصواريخ جزءا من العملية الأمنية ولا يمكن اعتباره البتة حسما لمسألة وقوف الحزب وراء العملية من عدمه.
كذلك فإن الكلام الذي صدر عن مسؤولين لبنانيين بأن جهات تريد جرّ لبنان إلى الحرب تقف وراء إطلاق الصواريخ هو بأقل تقدير غير دقيق أو أنه أشبه باللغة الدبلوماسية التي تخفي أكثر مما تكشف، فيعدو ما تخفيه أهم مما تبينه. والمهم هنا هو أن افتراض أن إسرائيل تتحين الفرصة لشن عدوان جديد على لبنان هو افتراض لا يستند إلى حجة قوية، بل على العكس تماما، حيث إن ميل إسرائيل إلى استمرار الستاتيكو الحالي أعلى بكثير من ميلها إلى تجديد الحرب مع "حزب الله".
وهذا ما يزيد من دوافع اعتبار أن "حزب الله" هو من يقف فعلا وراء هذه العملية، أي إن الحزب يقدّر جيدا أن إسرائيل ليست في وارد شن حرب جديدة ضده لمجرد إطلاق خمسة صواريخ بدائية ضدها، بل إن طريقة إطلاق هذه الصواريخ وعدم تبني أي جهة إطلاقها وبالأخص نفي الحزب الوقوف وراءها، يبعث برسالة لإسرائيل بأن "حزب الله" لا يريد تجديد الحرب بالرغم من الخروقات الإسرائيلية المتواصلة لاتفاق وقف إطلاق النار، وبالرغم من مواصلة إسرائيل استهداف كوادره، في ظل الكلام عن سعي إسرائيلي لتصفية كوادر الصف الثالث في الحزب بعد تصفية الصفين الأول والثاني.