عبد الحميد بعلبكي بين مأساة فلسطين وركام جنوب لبنان

معرض تكريمي في "متحف سرسق" البيروتي

Christopher Baaklini
Christopher Baaklini
تحية لعبد الحميد بعلبكي

عبد الحميد بعلبكي بين مأساة فلسطين وركام جنوب لبنان

يقيم متحف سرسق البيروتي معرضا تكريميا للفنان التشكيلي اللبناني الجنوبي الراحل عبد الحميد بعلبكي (1940- 2013)، فيستعيد المتوفر من لوحاته وأعماله التي فقد الكثير منها تحت ركام منزله في بلدته الجنوبية الحدودية عديسة، بعدما حولتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان أرض خراب وعدم.

افتتح المعرض مطلع مارس/ آذار 2025 ويستمر حتى سبتمبر/ أيلول المقبل. وكان بعلبكي انصرف منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي إلى تشييد منزله ذاك بالتدريج ليكون مستقر ميله إلى الهدوء والعزلة والتأمل والرسم والقراءة، وليجمع فيه مقتنياته الفنية والحرفية ومكتبته الضخمة التي تضم آلاف الكتب وبعض المخطوطات التراثية النادرة، وليحوله تاليا منتدى للنشاطات الثقافية والفنية في قريته.

المكاري والمغنية أسمهان

لا يستعيد المعرض التكريمي بعض أعمال بعلبكي التشكيلية فحسب، بل يعرض القليل المتوفر من مقتنياته، ومقتطفات ومحطات من سيرة حياته. وهي تبدأ منذ كان واثنان من إخوته فتيانا وغادروا وحدهم دون أهلهم قريتهم الحدودية، بعد سنتين على انقطاع صلتها وسواها من أمثالها في الجنوب اللبناني بفلسطين سنة 1948، فور نشوء إسرائيل الاستعمارية الاستيطانية على أنقاض حياة الفلسطينيين القتلى والمطرودين من ديارهم إلى التشرد والضياع.

وفي مناسبة معرض والده، روى الرسام أسامة بعلبكي أن جدّه لوالده كان يعمل مكاريا في عديسة، فينقل على بغله سلعا تناسب أعمال ذلك الوقت (ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين) وتجارته التقليدية القائمة على المبادلة والمقايضة في أسواق بلدية ومحلية في جنوب لبنان وشمال فلسطين، ومنها سوق الخالصة في الحولة.

ظلّ عبد الحميد بعلبكي لصيقا بالتراث الثقافي العاملي في جنوب لبنان، ومنه يستوحي مناخات لوحاته في الفن التشكيلي

ومن الحكايات الشائعة في عديسة أن المكاري بعلبكي (أبو العبد) نقل مرة على بغله المغنية أسمهان من مكان ما على الحدود اللبنانية إلى داخل فلسطين، ربما إلى القدس أو حيفا، مطالع أربعينات القرن الماضي، فأهدت اليه المغنية المصرية والسورية المنبت في السويداء مع شقيقها فريد الأطرش، عودا كان من أشياء أو متاع رحلتها. وعلى رف في معرض عبد الحميد بعلبكي بمتحف سرسق نشاهد رأس والده كما نحته من حجر، وعثرت عليه ابنته مرميا قرب ركام منزله، في أول زيارة لها إلى عديسة بعد توقف الحرب الإسرائيلية على لبنان في ديسمبر/ كانون الأول 2024.

Christopher Baaklini
تحية لعبد الحميد بعلبكي

عديسة، النبطية، بيروت

ولما غادر الإخوة بعلبكي الفتيان - بل الأطفال الثلاثة- قريتهم الجنوبية الحدودية في نهايات الأربعينات، كانت وجهتهم مدينة النبطية، عاصمة جبل عامل، طلبا لتحصيل العلم في واحدة من مدارسها، بعدما تعلموا في مدرسة الكتاب البدائية في عديسة التي لم تكن تتوفر فيها بعد مدرسة للتعليم المعاصر. أمضوا سنوات في النبطية. كبيرهم عبد المجيد عمل بائعا متجولا في سوقها وأحيائها. وأخواه عبد الحميد وفوزي عملا أعمالا متقطعة، إلى جانب تحصيلهما العلم في مدرسة النبطية الرسمية. ومن قريتهم الجنوبية كانوا حملوا ذكريات قسوة العيش وشظفه، ممزوجا بمشاعر عاطفية مكتومة ولا تجد تصريفها إلا في ميل عبد الحميد وفوزي إلى نحت الحجر والخشب، والذي تحول في النبطية ميلا إلى هواية فن الخط العربي، الذي ربما نقل الأخوين من الفطرة الطبيعية إلى شيء من التجريد الفني.

بعد نيل عبد الحميد الشهادة المتوسطة في مدرسة النبطية، انتقل وشقيقه فوزي إلى ضاحية بيروت الشرقية، فسكنا في برج حمود الأرمنية الشعبية. وكان أن فاز عبد الحميد في امتحانات الدخول إلى دار المعلمين والمعلمات للمرحلة الابتدائية في بيروت، حيث بدأ يتفتح ميله إلى الفن التشكيلي. إلى جانب المنحة الدراسية الشهرية الضئيلة بدار المعلمين، كان يعلم في مدارس خاصة لتأمين حاجاته ومتطلبات سكنه. ومنذ الـ19 من عمره بدأ ينشر قصائده الشعرية في مجلتي "الآداب" و"الأديب" البيروتيتين في الستينات التي شهدت نهضة الشعر العربي الحديث في بيروت وبغداد، على وجه الخصوص، وبرز فيه نجومه الكبار بدر شاكر السياب ونزار قباني وأدونيس وسواهم.

هذا الجمع والتداخل بين المجازر التي نزلت بالفلسطينيين وبين المشاهد العاشورائية لم يكن عابرا في ذائقة بعلبكي الفنية والثقافية

لكن عبد الحميد بعلبكي ظل لصيقا بالتراث الثقافي العاملي في جنوب لبنان، ومنه يستوحي مناخات لوحاته في الفن التشكيلي، بعد التحاقه بمعهد الفنون - الجامعة اللبنانية في أواسط الستينات، وتخرجه منه العام 1971 بتفوق مكنه من الحصول على منحة لدراسة الفن التشكيلي في معهد الفنون الجميلة بالعاصمة الفرنسية.

فلسطين وعاشوراء جبل عامل

كانت حركة المقاومة الفلسطينية في أوج شهرتها العربية والدولية، وأوج نشاطها من جنوب لبنان العام 1972، عندما رسم عبد الحميد بعلبكي لوحته أو جداريته التشكيلية التي تمثل مجزرة دير ياسين الشهيرة، والتي ارتكبتها المنظمات العسكرية الصهيونية في 1948. وكان بعلبكي، لما رسم تلك اللوحة، أنهى دراسته بمعهد الفنون البيروتي. وحمله التصاقه بالتراث العاملي اللبناني على أن يستدخل في لوحته "دير ياسين" ملامح من مشهديات كربلاء العاشورائية التي كان يشاهدها في فتوته تمثل في مناسباتها السنوية تمثيلا حيا في ساحة النبطية.

Oussama Baalbaki
عبد الحميد بعلبكي

هذا الجمع والتداخل بين المجازر التي نزلت بالفلسطينيين وبين المشاهد العاشورائية المستعادة في جبل عامل اللبناني من كربلاء، لم يكن عابرا في ذائقة بعلبكي الفنية والثقافية. فبعد لوحته عن مجزرة دير ياسين، وضع "تحفته" الأولى التي سماها "عاشوراء". وهي جدارية تخرجه من معهد الفنون البيروتي العام 1971. وهو يقول عن تلك الجدارية إنها تعبر عن ارتباطه بـ"التراث الشعبي"، لأنه من "منشأ شعبي ومتمسك بهذا الانتماء". وهذا إلى جانب أنها "مثلت الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة الذين احتلوا أرضهم".

بين لوحتي "دير ياسين" و"عاشوراء" صلة فنية وتشكيلية ومعنوية واضحة. والثانية رسمت على قماشة مقاسها 210× 360 سم. ومنحتها اللجنة الفاحصة في معهد الفنون البيروتي علامة غير مسبوقة في تاريخه (19/20)، ونال بعلبكي على أساسها منحته الدراسية لمدة 3 سنوات في باريس. وقد علقت نسختها الأصلية إلى جانب أمثالها من مشاريع التخرج من المعهد في مبناه القديم قرب السرايا الحكومية ببيروت. وسرقت اللوحة كسواها في حرب السنتين (1975-1976) التي دمّرت وسط العاصمة اللبنانية.

أخرج من لوحاته العنصر السحري والرمزي، وأخذ يستلهم أعماله من الواقع الحي المعيش في بيروت وضواحيها الشعبية

أما اللوحة المعروضة في متحف سرسق فهي صورة للأصلية، ملتقطة ومعالجة بدقة متناهية من الأنثروبولوجي الفرنسي إدوار كاش المتخصص في المونتاج، وقد التقاه بعلبكي العام 1977 في باريس. وتتميز اللوحة الملحمية بتأليفها المسطح، وبتجذرها تكوينيا في تراث الرسم العربي الذي يخلو من الأبعاد، ويوظف مقدمة اللوحة وخلفيتها مسطحين، ويستدخل فيها الخط العربي والأسلوب الشرقي والمضمون الرمزي. وهناك من يرى أن هذه الجدارية تشكل معلما بارزا في تاريخ الفن اللبناني الحديث، بجمعها بين حس ملحمي وبعث تقليد عربي يتداخلان بما يشبه الواقعية السحرية.

قسوة الواقعية الشعبية الحنونة

بعد عودته من باريس وبدئه التدريس في معهد الفنون بالجامعة اللبنانية في بيروت العام 1975، ذهب عبد الحميد بعلبكي بواقعيته الشعبية مذهبا جديدا: أخرج من لوحاته التشكيلية العنصر السحري والرمزي، وأخذ يستلهم أعماله من الواقع الحي المعيش في بيروت وضواحيها الشعبية. حتى لوحته التي تجسد مشهدا لعودة الحجاج من الديار المقدسة في مكة إلى أحيائهم وأهلهم، نجدها مرسومة بمنتهى الواقعية التجسيدية المرئية في الواقع الحي.

Christopher Baaklini
تحية لعبد الحميد بعلبكي

كان بعلبكي تزوج عام 1967، أي فيما كان يدرس بمعهد الفنون، حيث تأثر بقوة أو أثر فيه مدرسه الفنان البيروتي رشيد وهبة (1917- 1993) الذي انصرف إلى التدريس في المعهد منذ تأسيسه العام 1965. وقد تعود واقعية بعلبكي الفنية الجديدة إلى انغراسه الشغوف في مشاهد الحياة اليومية، حيث أمضى حياته منذ شبابه البيروتي مقيما في الأحياء الشعبية من ضاحية بيروت الشرقية في النبعة وبرج حمود، إلى الشياح بحي مارون مسك، حيث أقام وأسرته في ضاحيتها الجنوبية. وعن مزايا هذه الواقعية يقول ابنه الرسام أسامة بعلبكي إنها تجسد القسوة بعاطفية وحنان يصعب إخراجهما إلا بقالب يستمد تعبيريته من تراكمات بصرية ونفسية معيشة في الواقع الحي.

ويعيد بعض النقاد التشكيليين واقعية بعلبكي الشعبية هذه إلى رغبته في تحدي النظرة السائدة إلى الفن التشكيلي في لبنان، بوصفه "نشاطا بورجوازيا" يجسد رغبة في إيجاد معادل ثقافي للثراء والمرتبة الاجتماعية، ويواكب "تقلبات السوق الفنية ونزوات زبائنه".

ويرى بعلبكي أن المدينة ليست عالم الأغنياء فحسب، بل هي الأحياء الشعبية أيضا، حيث صخب الحياة وقوة نشاطها وفوضاها. وهو استمد بعض ملامح أعماله الاجتماعية الطابع من مصادر متنوعة لدى فنانين محليين، مثل مصطفى فروخ الذي حضرت في أعماله السخرية، كما في لوحات بعلبكي "المرحوم" و"القبضاي" و"غيفارا". وهاتان الأخيرتان تجسدان شخصيات معروفة في الحياة المحلية، قبل زمن الحرب وفي أثنائها.

يعيد بعض النقاد واقعية بعلبكي الشعبية هذه إلى رغبته في تحدي النظرة السائدة إلى الفن التشكيلي في لبنان، بوصفه "نشاطا بورجوازيا"

فالقبضاي المحلي يناصر الضعفاء لقاء حصوله على ولائهم وطاعتهم في الأحياء الشعبية المدينية. وكانت ميليشيات الحرب الأهلية قضت على قبضايات الأحياء أو استتبعت بعضهم وألحقتهم بها. أما غيفارا فيجسد في لوحة بعلبكي شخصا حملته الإحباطات الاجتماعية على نشاط سياسي يساري، سرعان ما تناسل إحباطا نضاليا، إذ لم يجلب له حلمه الثوري الرومانسي سوى الحزن والخيبة. ويعترف بعلبكي أنه استوحى هذه الشخصية الكثيرة التردد في زمن الحرب اللبنانية، من تجربة شقيقه فوزي.

وإذا كانت السخرية حاضرة في مثل هاتين اللوحتين، فإنها لا تحضر في لوحات واقعية الحياة اليومية الأخرى، مثل "الحي" و"المقهى"، "في غياب الست"، "السيدة الصغيرة"، و"بائع البطيخ". وهذه يقول صاحبها إنها "غارقة في الحياة اليومية. فحيثما نظرت في محيطي السكني، أقع على موضوعات كثيرة. وقد أصورها فوتوغرافيا، وأحيانا أضع لها تخطيطات سريعة، ثم أضيف عليها عناصر جديدة أثناء تنفيذ اللوحة التشكيلية".

Christopher Baaklini
تحية لعبد الحميد بعلبكي

والحق أن لوحات بعلبكي المدينية والاجتماعية هذه، إنما تسلط الضوء على طبقات محددة من الفئات العاملة المهمشة اجتماعيا، كالإسكافي والعاملات المنزليات والباعة الجوالين. وهناك أيضا اللوحات التي تستوحي أحوال الفئات الشعبية في الشيخوخة وأثناء المرض.

جدارية الحرب الأهلية

في 1977 تفرغ بعلبكي للعمل على الجدارية الملحمية الرمزية التي أنجزها عن الحرب الأهلية في لبنان. وهي تخللت أعماله الكثيرة التي التزمت الواقعية الشعبية المستلة من الحياة اليومية.

وكانت الحياة الثقافية في بيروت انشغلت بقوة بالحديث والنظريات حول وظيفة الفن، فاعليته ودوره، بعد حرب السنتين (1975 – 1976). وشاع آنذاك شعاران محوريان يفترض أنهما متناقضان: "كل فن جميل هو فن ثوري"، و"الفن الثوري هو فن جميل". وراج أيضا الحديث عن "الثقافة الوطنية" و"الثقافة الانعزالية".

كان "تحرير" مدينة الدامور بين بيروت وصيدا من أهلها المسيحيين بمجزرة، في مقابل مجازر "تحرير" النبعة ومخيم تل الزعتر من سكانهما المسلمين والفلسطينيين في بيروت الشرقية المسيحية، ملهم بعلبكي في تأليفه "جدارية الحرب". وعلى خلاف لوحة عاشوراء في تجسيدها حدثا وشخصيات راسخة في ذاكرة جماعة دينية، لا ترتبط "جدارية الحرب" بأي حدث محدد أو مكان أو شخصيات، بل هي استدعت ملحمية أسطورية ورمزية متخيلة لتجسيد حال الناس في ارتدادهم إلى التوحش في زمن الحرب ومقاتلها التي تبدو وكأنها لعنة قدرية أصابت البشر. وليس في الجدارية الضخمة الحجم (208× 370 سم) أي ملمح محلي مستل من يوميات اللبنانيين في حروبهم.

لم تبق إرادة المحق والإبادة الإسرائيلية من ذاك المنزل ومن بلدة عديسة كلها سوى الركام والعدم

فالحرب في هذه اللوحة أسطورية، كالتي رسمت عن حروب القرون الوسطى. وقال بعلبكي إنه يشعر أن ما استدعاه من رموز إلى لوحته هذه، حاضر في داخلنا، في حكايات الطفولة عن الشر، في الأمثال الشعبية، في الشعر التراثي الكلاسيكي منه والمعاصر. وهو ذكر في هذا السياق "بومة" الشاعر خليل حاوي.

Christopher Baaklini
تحية لعبد الحميد بعلبكي

منزل حياة لا تكتمل

في أواسط الثمانينات وحتى وفاته العام 2013، صرف عبد الحميد بعلبكي شطرا وافرا من جهده إلى تشييد منزله بالتدريج في بلدته عديسة.

وعلى الرغم من أن هذا الانصراف من عادات معظم اللبنانيين المقتدرين على ذلك - تشييد المهاجرين في ديار الاغتراب والمقيمين في بيروت، منازل لهم في مساقطهم وديار أهلهم، واعتبارهم تلك المنازل حصنهم الأخير ومستقر طمأنينتهم ودعتهم واجتماع شملهم الأهلي والعائلي - فإن بعلبكي  أضاف إلى هذا كله نازعا فرديا أو شخصيا، فنيا وثقافيا: ميله إلى العزلة والتأمل، السكون في الطبيعة الريفية، مساكنة الفراغ، لملمة شتات الذاكرة، جمع مقتنياته الفنية والوثائقية، كتبه ومخطوطاته التي أدمن هواية جمعها منذ بدايات شبابه.

ومثلما مارس هذه الهواية على مدى زمني طويل، انصرف إلى تشييد ذاك المنزل بالتدريج على ربوة في قريته، كأنه يؤلف لوحة معمارية لحياته الآتية والموعودة، وفي حسباته أنها تكتمل بذلك المنزل. وهذه من سنن البشر الوهمية عن حياتهم التي تصير مستحيلة بدونها. وهل يمكن حياة أي من البشر أن تكتمل أصلا، ما دام النقصان سرها الأبدي؟

وعندما توفيت زوجة بعلبكي بحادث مفجع، جعل مدفنها في فسحة قرب منزله غير المكتمل. وروى ابنه أسامة أن والده كان ينشئ المنزل وفق أهوائه وأمزجته المتغيرة، يضيف إليه غرفة أو جدارا، ويغير وجهة استعمال بعض غرفه. كأنه في هذا كان مهندس حياته، أو بستانيها. وهذا أيضا ليس إلا من الأوهام.

عبد الحميد بعلبكي فنان تشكيلي عاملي وجنوبي الهوى والذاكرة واللهجة طوال حياته التي بنى لها في عديسة منزلا، استنزف، مثل الكتب، الكثير من جهده ووقته وماله، وفيه أمضى السنوات الأخيرة من عمره حتى وافته المنية قبل أن يحقق أمنيته في جعله مكتبة عامة وناديا ثقافيا في بلدة حدودية ومهددة دائما بالحرب التي تهدد الديار اللبنانية كلها أيضا. ولم تبق إرادة المحق والإبادة الإسرائيلية من ذاك المنزل، ومن بلدة عديسة كلها سوى الركام والعدم.

font change