ترمب وبوتين... و "فن الصفقة"

يهدف "فن عدم التوصل إلى اتفاق" الروسي إلى خلق شعور بأن أوكرانيا هي العقبة الرئيسة

 ا ف ب
ا ف ب
الرئيس الاميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين اثناء لقائهما في هلسنكي في 16 يوليو 2018

ترمب وبوتين... و "فن الصفقة"

على الرغم من إتقان الرئيس دونالد ترمب "فن الصفقة"، كما يشير عنوان كتابه، ثمة مؤشرات على أن الرئيس فلاديمير بوتين قد يستخدم براعته في "فن التهرب من إبرام الصفقات" لعرقلة جهود التوسط في اتفاق سلام في أوكرانيا. والارجح ان "فن الصفقة" ستبرز في المحادثات التي ستجري في المملكة العربية السعودية.

ويتمثل هدف روسيا في إبقاء الولايات المتحدة منخرطة، وإطالة أمد المفاوضات، وتصوير أوكرانيا على أنها الطرف الذي يحول دون التوصل إلى اتفاق، وإغراء ترمب بمواصلة الضغط على أوكرانيا، بل وحتى إضعاف أوروبا.

يشير الرد الروسي على مساعي ترمب للوساطة في وقف إطلاق النار إلى أن تلك هي بالفعل استراتيجية موسكو. فبدلا من رفض اتفاق وقف إطلاق نار لمدة ثلاثين يوما قدمته كل من أوكرانيا والولايات المتحدة عقب محادثات ناجحة في السعودية، قال الرئيس بوتين إنه قد يقتنع بذلك في حال استيفاء "شروط معينة".

وفي حين يبدو هذا الرد منطقيا، فإن تفاصيل تلك "الشروط" تشير إلى عدم جدية الكرملين. ففي اتصال هاتفي بين الرئيس ترمب والرئيس بوتين، أكد الرئيس الروسي مجددا مطلبه بأن يشمل وقف إطلاق النار "ضرورة وقف التعبئة الإلزامية في أوكرانيا ووقف إعادة تسليح القوات الأوكرانية". وهو ما يتسق مع التصريحات الروسية السابقة، التي تشير إلى أن الكرملين يريد من شريك أوكرانيا عدم إمدادها بالأسلحة، وكذلك إيقاف تدريب القوات الأوكرانية.

إن استخدام عبارة "ضرورة وقف التعبئة الإلزامية"– في إشارة إلى مزاعم بأن كييف "تجبر" الأوكرانيين على الالتحاق بالجيش– يدل على أن روسيا تطالب أوكرانيا بالتوقف عن تجنيد الجنود في صفوف جيشها. وهو ما يضع أوكرانيا في مهب الريح فيما لو استؤنفت الأعمال العدائية بعد 30 يوما، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة لكييف.

أما الشرط الثاني الذي أشار إليه بوتين والمسؤولون الروس فيتعلق بالإطار الأوسع لاتفاقية السلام بين البلدين. في الجوهر، تصر موسكو على أن يضع الجانبان "أرضية مشتركة" لدعم المفاوضات المستقبلية– أو على الأقل هكذا يقدمها الكرملين. وفي حين أن هذا قد يبدو معقولا ظاهريا، فإن الفحص الدقيق لما تصفه روسيا بـ"الأرضية المشتركة" يكشف خلاف ذلك.

ومن المرجح أن تشمل مطالب موسكو اعتراف كييف بالأراضي التي ضمتها روسيا– مع إمكانية توسيع الحدود الإدارية لتلك المناطق– بالإضافة إلى فرض قيود على القدرات العسكرية الأوكرانية. ولا ننسَ أيضا أن روسيا رفضت أكثر من مرة نشر أي قوات أجنبية لحفظ السلام داخل أوكرانيا، ما يشير إلى أنها تريد إبقاء الباب مفتوحا لمزيد من الهجمات.

التاريخ المشحون للتقارب

تنطوي محاولات التقارب الروسي الأميركي على تاريخ مشحون بالتوتر، ومحاولة ترمب إقامة علاقات ودية مع روسيا لا تعتبر الأولى التي تتبنى فيها الولايات المتحدة مثل هذه السياسة. فقد سعى الرئيس كلينتون إلى منح روسيا صوتا في حلف "الناتو" من خلال القانون التأسيسي للعلاقات المتبادلة بين "الناتو" وروسيا لعام 1997، فانتهى به الأمر إلى رؤية روسيا تشن حربا مدمرة في الشيشان.

وكذلك حاول الرئيس بوش تحسين العلاقات مع موسكو من خلال التركيز على مكافحة الإرهاب، إلا أن الرئيس بوتين فاجأ الزعماء الغربيين بانتقاده لما زعم أنه عالم أحادي القطب وعدوان أميركي. أما الرئيس أوباما فعمل جاهدا على ما عُرف وقتها بـ"إعادة تأسيس العلاقات"، وتكتسب الآن سمعة سيئة، إذ إنها انتهت بضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.

إن محاولة التهدئة مع روسيا هي مسار محفوف بالمخاطر، وهي حقيقة حاول الرئيس زيلينسكي التعبير عنها خلال اجتماع البيت الأبيض العاصف، ما أثار رد فعل غاضبا من الرئيس ونائبه جيه دي فانس. وزيلينسكي الذي وصل إلى سدة الحكم من منبر يدعو إلى بذل جهود متجددة للتعامل مع روسيا أدرك هذه الحقيقة جيدا عندما انتهت مساعيه برؤية روسيا تشن غزوا شاملا لبلاده.

وقد أثار الاجتماع العاصف في البيت الأبيض جدلا واسعا حول من بدأ يكيل الاتهامات للآخر وما إذا كان الاجتماع مجرد "فخ" مدبر لتبرير الإجراءات العقابية المستقبلية ضد أوكرانيا.

خلافات حقيقية بين أميركا وأوكرانيا

ثمة خلافات حقيقية بين واشنطن وكييف دون أدنى شك، وكانت تلك الخلافات مطروحة على الطاولة في ذلك اليوم حتى قبل وقوع المشادة المخزية. كان الزعيمان مجتمعين لتوقيع "صفقة معادن" مُفرغة من أي مضمون. صفقة حملت في طياتها فكرة أنه يجب على أوكرانيا أن "تدفع تعويضات" مقابل المساعدات العسكرية الأميركية التي حصلت عليها، إضافة إلى ضرورة الحصول على ضمانات أمنية أميركية لدعم أي اتفاق سلام قادم، والتأكد من أن روسيا لن تستأنف الحرب متى شاءت.

يبدو أن الرئيس ترمب ليس مستعدا لقبول فكرة عدم وجوب الثقة الضمنية بروسيا، وأن كييف بحاجة إلى ضمانات أشد وضوحا بأن موسكو لن تستأنف الحرب

في بداية الاجتماع، قال الرئيس ترمب إنه "ليس قلقا بشأن الأمن"، كما لو أنه يشير إلى أن مجرد وجود الشركات الأميركية في أوكرانيا سيُشكل ضمانا أمنيا. ولعل زيلينسكي تذكر أن من أوائل الإجراءات التي اتخذتها الإدارة السابقة، قبيل الهجوم الروسي الوشيك، كان إجلاء سفارتها في كييف والمغادرة.

 أ ف ب
ترمب ونظيره الاوكراني فولوديمير زيلينسكي اثناء اجتماع في البيت الابيض في واشنطن في 28 فبراير

ويبدو أن الرئيس ترمب ليس مستعدا لقبول فكرة عدم وجوب الثقة الضمنية بروسيا، وأن كييف بحاجة إلى ضمانات أشد وضوحا بأن موسكو لن تستأنف الحرب. وعلى الرغم من أن أوكرانيا والولايات المتحدة قد تمكنتا من وضع خلافاتهما جانبا خلال مفاوضات حساسة في جدة، فإن الفجوة بين كييف وواشنطن ما زالت حاضرة، على ما يبدو. 
واتفق الجانبان على بدء العملية بوقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يوما، وهو ما سيكون إجراء أوليا لبناء الثقة، ويهدف في الوقت نفسه إلى تقييم مدى جدية روسيا بالتوصل إلى اتفاق في المقام الأول. 
بيد أن إدارة ترمب واظبت على الإشارة إلى أنها لا تعتبر الضمانات الأمنية أمرا جوهريا لاتفاقية سلام مستقبلية. كما واصل المسؤولون الأميركيون في إدارة ترمب التأكيد على ثقتهم في الرئيس بوتين، حيث صرح المبعوث الخاص ستيف ويتكوف في مقابلة له بأنه يميل إلى "الاعتقاد بأن الرئيس بوتين يعمل بحسن نية"، مؤكدا أنه "يصدق كلامه"، ورغم أن الهدف قد يكون حمل روسيا للإبقاء على التزامها، فإن مثل هذه التصريحات لا تولي أي أهمية لغياب تنازلات حقيقية تقدمها روسيا حتى الآن.

اتفاق من أي نوع

ثمة انطباع راسخ اليوم بأن الرئيس الأميركي لا يسعى إلى الوصول لاتفاق طويل الأمد. يُعرَف الرئيس ترمب ببراعته في إبرام الصفقات، إلا أن نهجه الحالي أقرب إلى فن الوصول إلى اتفاق مهما كان شكله. بمعنى أن أي وثيقة، وأي وقف لإطلاق النار، سيكون جيدا بما فيه الكفاية. تُعد اتفاقيات مينسك، التي وُقعت بعد الغزو الروسي الأول لأوكرانيا عام 2014، والتي فشلت في منع غزوها الثاني عام 2022، شاهدا حيا على الشرك الذي قد يفضي إليه الوصول إلى اتفاق سيئ. تلك الاتفاقيات، التي تفاوض عليها الطرفان تحت وطأة السلاح، لم تحقق سلاما دائما، بل مهدت الطريق لتجدد العدوان الروسي.
وحتى دون النظر إلى السوابق التاريخية، فإن الهوة بين أوكرانيا وروسيا من السعة بحيث يصعب ردمها بسرعة. ثمة غياب لأي مؤشرات تدل على أن روسيا تخلت عن شروطها السابقة التي وضعتها مقابل أي اتفاق سلام أو وقف لإطلاق النار. وقد حددت المفاوضات التي جرت في إسطنبول في بداية الصراع ما تريده روسيا، التي لن تقبل بأقل من استسلام أوكرانيا. ومن أهم الاستنتاجات التي خلص إليها تحليل نشره معهد دراسات الحرب بشأن مسودة إسطنبول- التي مثلت إلى حد كبير النسخة الروسية من الاتفاق- أنها كانت "ستترك أوكرانيا عاجزة في مواجهة التهديدات أو أي عدوان روسي مستقبلي".
ويرجع ذلك إلى أن الاتفاق الذي كانت روسيا تضغط للوصول إليه يلغى فعليا أي سبيل أمام أوكرانيا في الحصول على ضمانات أمنية، وينهي طموحاتها في الانضمام إلى حلف "الناتو"، ويمنح روسيا حق النقض (الفيتو) على تنفيذ الضمانات الأمنية في حال تعرضها للهجوم، بل ويدعو إلى تقليص حجم الجيش والقوات الأمنية الأوكرانية بشكل كبير، مع وقف المساعدات الغربية لها. لقد أرادت روسيا محاولة إخضاع البلاد عن طريق الدبلوماسية بجعل أوكرانيا ترزح تحت وطأة التهديد المستمر، لكن محاولاتها تلك باءت بالفشل مثلما فشلت محاولات إخضاع أوكرانيا بالقوة.
بعد نجاح أوكرانيا في صد المحاولة الروسية للاستيلاء على عاصمتها في مارس/آذار 2022، لم يكن مفاجئا أن تنسحب الحكومة الأوكرانية من هذا الاتفاق. ومؤخرا، أثار تصريح ويتكوف بأن تلك المسودة يمكن أن تشكل "دليلا إرشاديا" للمفاوضات المقبلة وقلقا متزايدا في كييف. ورغم محاولة المبعوث الأميركي الخاص كيث كيلوغ لاحقا التخفيف من وقع تصريح ويتكوف، فإن كيلوغ نفسه قد هُمش منذ ذاك كما يبدو. وفاقم من مخاوف أوكرانيا أن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، سارع إلى الترحيب بالمبادرة على الفور.

الاتفاق الذي كانت روسيا تضغط للوصول إليه يلغى أي سبيل أمام أوكرانيا في الحصول على ضمانات أمنية، وينهي طموحاتها في الانضمام إلى "الناتو"، ويمنح روسيا حق "الفيتو" على تنفيذ الضمانات الأمنية في حال تعرضها لهجوم

على المستوى الاستراتيجي، تدل كافة المؤشرات على أن روسيا ستصر على تحييد أي ضمان جدي يمكن أن يقدمه شركاء أوكرانيا- إن وُجد أصلا. وعندما طرحت فرنسا وبريطانيا إمكانية نشر قوات، حذر وزير الخارجية الروسي لافروف من أن موسكو لن تقبل أي مساومة في هذا الشأن. وأوضح أن هذا يعني أن "الناتو" لن يخوض بعد الآن "حربا غير مباشرة" ضد روسيا (كما ترى موسكو)، بل سيكون منخرطا في حرب مباشرة.

أ ب
راجمة صواريخ روسية من طراز "غراد" تقصف مواقع اوكرانية في منطقة دونتسك الاوكرانية في صورة وزعتها وزارة الدفاع الروسية في 15 مارس

أما على المستوى التكتيكي، وفيما يتعلق باقتراح وقف إطلاق النار، فإن روسيا تتبنى أيضا نهج الموافقة المشروطة، وفق مبدأ "نعم، ولكن".  وردا على هذا الاقتراح، ثمة مزاعم بأن بوتين وافق على تعليق الهجمات على البنية التحتية للطاقة، بدلا من وقف إطلاق نار أوسع في السماء والبحر من شأنه أن يعلق جميع الهجمات الجوية. وهو ما يُناسب روسيا: فمع اقتراب فصل الشتاء من نهايته، لم تعد هجمات موسكو تُركز على منشآت الطاقة، بل أصبحت تستهدف المدن. وفي الوقت نفسه، أصبحت أوكرانيا أكثر كفاءة في استهداف البنية التحتية للطاقة الروسية، المُستخدمة لتصدير النفط والغاز، والتي أصبحت تمثل مشكلة حقيقية لروسيا.
ولعل هذا ما يثير التساؤل حول إمكانية التوصل إلى اتفاق في ظل هذه الظروف. في الفترة التي سبقت اتفاقيات مينسك، لعب التقدم العسكري الروسي وعدم استعداد كييف دورا حاسما في إجبار أوكرانيا على ما كان في جوهره اتفاقا سيئا. أما اليوم، فأوكرانيا في وضع أفضل. ورغم أن روسيا تتقدم ببطء، فإنها تبدو غير قادرة على الحفاظ على وتيرة هذا التقدم وتحمل تكلفته الباهظة.

تجاوز التأثير على اوكرانيا

ومع ذلك، يبدو أن استراتيجية الولايات المتحدة تدور حول إعادة خلق الظروف نفسها التي أفضت إلى اتفاقيات مينسك، وذلك بسحب الدعم عن أوكرانيا. وبعد تعليق المساعدات ووقف تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، ألمح مستشار الأمن القومي مايك والتز إلى أن ترمب لن يعيد النظر في موقفه إلا عند عقد المحادثات. وهذا سبب وجيه آخر كي تواظب روسيا على مماطلتها والتمسك بموقفها. يهدف "فن عدم التوصل إلى اتفاق" إلى خلق شعور بأن أوكرانيا هي العقبة الرئيسة أمام حل صراع بدأته روسيا. وسوف يساعد في الوقت نفسه في إقناع ترمب بضرورة المضي قدما في رفع العقوبات عن روسيا وتطبيع العلاقات معها.

أكثر ما تخشاه أوروبا في ظل التقارب الروسي الأميركي هو أن كلا الرئيسين ترمب وبوتين يتفقان على أن الوضع سيكون أفضل فيما لو وُجدت جهة أخرى مسؤولة عن أمن أوروبا

لا يقتصر التأثير على أوكرانيا، بل يمتد إلى أوروبا بأكملها. فمع استيقاظ قادة القارة العجوز عنوة من سباتهم، راحوا يتطلعون إلى بناء القدرات الدفاعية الأوروبية بسرعة، وتقديم ضمانات لأوكرانيا، لسد الفجوة التي خلفتها واشنطن.
ونتيجة لذلك قد تزعم موسكو بأن القادة الأوروبيين أصبحوا عقبة أمام الاتفاق الذي يرغب فيه ترمب- سواء كان اتفاق سلام في أوكرانيا أم إعادة ضبط للعلاقات الروسية الأميركية. وبذلك، سوف تتطلع روسيا إلى تحقيق نصر يتجاوز أوكرانيا. ولطالما كان واضحا أن موسكو ومن خلال مغامرتها في أوكرانيا كانت تصبو للوصول إلى أوروبا بقدر ما كان رهانها على أوكرانيا نفسها.
يتشارك ترمب وبوتين العديد من الرؤى المتوافقة أو المتشابهة فيما يتعلق بأوروبا. وينظر كلاهما إلى القارة العجوز بازدراء، وقد عبر عن هذه النظرة نائب الرئيس فانس مؤخرا في خطابه في ميونيخ. كما يميل كلٌ من بوتين وترمب إلى الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة أكثر من ميلهما للأحزاب الرئيسة الأخرى المؤيدة لفكرة الاتحاد الأوروبي. ويعتقد بوتين أن "أوروبا المؤلفة من مجموعة من الأمم والقوميين" (الذين لن يتمكنوا من التوحد) سيكون سهلا التفوق والتنمر عليها. وكذلك تبدي الشخصيات المحيطة بالرئيس ترمب انجذابا واضحا للأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تميل إلى اعتناق رؤى عالمية متشابهة.
إن أكثر ما تخشاه أوروبا في ظل التقارب الروسي الأميركي هو أن كلا الرئيسين ترمب وبوتين يتفقان على أن الوضع سيكون أفضل فيما لو وُجدت جهة أخرى مسؤولة عن أمن أوروبا. وفي حال غياب الاتفاق على هذه الجهة، فلن يقض مضجع الرئيس الأميركي ولا نظيره الروسي وجود فراغ يترك أوروبا بلا حول ولا قوة، وهو الحلم الذي طالما راود الرئيس بوتين حول أوكرانيا.

font change

مقالات ذات صلة