ربما يحمل عنوان المقال نبرة تهكم على التعريف العام للسياسة بأنها "فن الممكن"، وربما أيضا يحاكي عنوان المرجع الأهم في علم السياسة لعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر في كتابه "العلم والسياسة بوصفهما حرفة". وبما أن السياسة في العراق بعيده عن المفهوم والممارسة العلمية، فهي قريبة من المهاترات والثرثرة والخطابات الحماسية الأيديولوجية.
وفي شهر رمضان يتحول قادة الأحزاب والشخصيات الحكومية والسياسية إلى نجوم شاشة، إذ يكونون ضيوفا على البرامج الحوارية السياسية التي تبدأ بها السهرات الرمضانية في بعض القنوات الفضائية. وكالعادة تتحول اللقاءات إلى استعراضات بالمواقف التي تتحدث عن الإنجازات الكبرى التي حققها هؤلاء، وعن المؤامرات الكبرى التي يحيكها أعداء العراق والمذهب والقومية، وعن تحديد معايير جديدة لما هو وطني ومن هو عميل للأجنبي. وعن المعارك التي تتم التهيئة لها بين الأصدقاء-الأعداء استعدادا للانتخابات القادمة.
وبالعودة إلى المقاربات النظرية في علم السياسة، نجد أن فيبر في كتابه "العلم والسياسة بوصفهما حرفة" يُميز بين طريقتين يمكن بهما جعل السياسة حرفة: الأولى، إما أن يعيش المرء "لأجل" السياسة. والثانية، أن يعيش "من" السياسة. والفرق يتعلق بالجانب الاقتصادي، فمن يعتبر السياسة وظيفة يعتاش منها هو الذي يسعى إلى أن يجعل منها مصدر دخل دائم له. أما من يحيا من "أجل" السياسة فهو يجعل منها، بالمعنى الأعمق للكلمة، "هدف حياته"، فهو إما يلتذ بالسلطة التي يمارسها بمجرد امتلاكه لها، أو لأنها تؤمّن له توازنه الداخلي أو تعبر عن قيمة شخصية، إذ يعني أنه قد جعل نفسه في خدمة قضية تعطي حياته معنى.
نموذج رجل السياسة في العراق يجمع بين الطريقتين، فهو يعتقد أن أقصر الطرق نحو الثروة وحياة الرفاهية هي العمل السياسي، وكذلك تعاظم الثروة المالية والحفاظ عليها يتم من خلال النفوذ السياسي. وأيضا، الطريق نحو الشعور بالسطوة والمكانة الاجتماعية وتعظيم الذات يتم من خلال المكانة السياسية. ولذلك يقدم السياسيون العراقيون أنفسهم باعتبارهم حاملي لواء الدفاع عن المكون المذهبي أو القومي، ونجدهم عندما يتحدثون بخطاب يوحي بأنهم يمثلون الطائفة وغيرهم لا، وأنهم يمثلون العراق، وغيرهم لا!