اتجه فنانو الكاريكاتور في سوريا إلى الخارج منذ ثمانينات القرن الماضي. ارتبط ذلك بفقدان الصحيفة وظيفتها السياسية، وتحول الإعلام إلى أداة خاضعة للرقابة التي فرضها النظام السوري البائد. لم يمنع القمع "الناعم" ظهور بعض الصور الناقدة أداء الحكومة، لكن السخرية اقتصرت على العلاقة بين المواطن والمسؤول، أو على القضايا الدولية والأيديولوجية التي كان يتبناها النظام السوري حينذاك.
أصبح التأويل والتلميح خاضعا لرؤى السلطة، فتحول الكاريكاتور إلى أداة تخدم أجندة سياسية محددة. ورغم ظهور بعض الرسومات ذات الرمزية المفرطة، فإنها كانت مجرد بديل للنقد المباشر، تستعيض عنه برمزية معقدة، وهو النهج الذي استخدمه فنانون سوريون بشكل أو بآخر في صحف سورية أو غيرها خوفا من العقاب.
منذ بداية انتفاضة 2011، ظهر الفن السوري عموما على نحو أكثف، مدفوعا بشعور غالب بين الفنانين بأن آليات القمع التقليدية بدأت بالتلاشي، وبأن مستقبل البلاد الفني قد يتغير جذريا. هذا التحول جاء نتيجة سنوات طويلة من التضييق على حرية التعبير، فشعر الفنانون السوريون بحاجة ملحة إلى استعادة أصواتهم، مدفوعة باندفاع عارم نحو التحرر والانتماء إلى حراك فني يعكس تطلعاتهم. وانخرط رسامو الكاريكاتور في الحدث السوري، تضادا مع التهميش الممنهج الذي سعى لتكميم الأفواه وتقييد المخيلة.
في بداية 2011، تعرض رسام الكاريكاتور علي فرزات لمحاولة كسر أصابعه في شارع عام، في حادثة وصفت بأنها رسالة تهديد واضحة بسبب آرائه السياسية ورسوماته الجريئة التي لم تسلم منها رموز الديكتاتورية ولا نظامها. لكن مع تطور الأحداث وعلو صوت الشارع السوري، عاودت الفنون ذات الطابع السياسي الظهور، مدفوعة بالحرية النسبية التي حظي بها في مواجهة النظام السوري من موقع ضدي لسردية المقتلة التي خلقها النظام.
حراك بصري
اقتحم الكاريكاتور المجال العام مثل المتظاهرين أنفسهم، ليصبح لغة بديلة وأكثر انتشارا. لم يعد مجرد شكل من أشكال التعبير، بل تحول إلى حاجة ملحة، خاصة أنه سرعان ما ارتبط بنطاق التمثيل الشخصي، أي أن السوريين تبنوا الصور بطريقة هائلة، وأصبحت الصورة توفر حرجا للنظام. وفي الوقت نفسه، استخدمت أداة لممارسة السخرية من السلطة، مما دفع النظام إلى معاقبة فناني الكاريكاتور وحتى المواطنين الذين أبدوا إعجابهم بهذه الرسومات أو شاركوها على صفحات التواصل الاجتماعي. هنا تحديدا، كانت اللحظة الحاسمة للفن، إذ لم يعد محصورا في المساحات المغلقة أو بين النخبة، بل انتقل إلى الفضاء العام ليصبح شاهدا على اللحظة السياسية والتاريخية، ومساحة للصراع بين السلطة والإبداع.