لا زالت واقعة اغتيال الرئيس الأميركي الخامس والثلاثين جون كينيدي محاطة بالغموض وتثير الكثير من التساؤلات رغم مرور أكثر من 62 عاما على الحادثة. وبدأت الإدارات المتعاقبة منذ ولاية دونالد ترمب الأولى في الكشف عن مئات الآلاف من الوثائق التي ظلت مصنفة سرية لعقود إلى أن سمح الكونغرس عام 1992 بالكشف عنها تباعا بعد 25 عاما من ذاك التاريخ. لكن نشرها تأخر بسبب الكثير من التدقيق والتنقيح. وخضعت الوثائق لعمليات حذف وطمس عديدة حيث دفعت الـ "سي آي إيه" و"إف بي آي" إلى الزعم بأن نزع السرية عنها بالكامل قد يشكل تهديدا للأمن القومي.
وتحتفظ السجلات الوطنية الأميركية، التي تعد المستودع الرسمي للتاريخ الأميركي، بأكثر من 6 ملايين وثيقة مكتوبة ومرئية وصوتية تؤرخ للحادث الذي أودى بحياة كينيدي وهو في العام الثاني من ولايته ولم يكن قد تجاوز السادسة والأربعين من عمره. وتشير السجلات الوطنية إلى أنه تم حتى الآن إماطة اللثام عن الجانب الأعظم من هذه الوثائق.
رغم أن كل وثائق الاستخبارات الأميركية المتعلقة بالحادث لم تجب عن جميع الأسئلة التي أثارها الاغتيال، فإن الحزمة الجديدة من المعلومات والتي تقع في 68 ألف صفحة تكشف عن جوانب خفية في عالم التجسس والعلاقات بين أجهزة الاستخبارات الأميركية والسلطات الأخرى وكيفية تمرير المعلومات بين أروقة الأجهزة السرية.
ويلفت التضارب بين إعلان الرئيس ترمب عن الإفراج عن جميع الوثائق الباقية الخاصة باغتيال كينيدي والتي قدرها بنحو 80 ألف صفحة وبين ماتم الإفصاح عنه فعليا إلى أن هناك الكثير مايزال خفيا وأن وزارة العدل وأجهزة الاستخبارات لازالت تتكتم على معلومات إما لأنها تفضح تصرفاتها أو تكشف عن عملائها أو تؤكد بعضا من نظريات المؤامرة التي اتهمت الـ "سي آي إيه" بالضلوع في اغتيال كينيدي. ونشرت إدارتا ترمب وبايدن الكثير من الوثائق لكن تم طمس أجزاء منها فيما حجبت أخرى.
العميل كوستيكوف
وتلقي الوثائق المزيد من الضوء على تعقب الـ "سي آي إيه" لـ لي هارفي أوزوالد، الجندي السابق في مشاة البحرية الأميركية الذي انشق في وقت من الأوقات إلى روسيا، للتأكد من أنه ليس مجندا من قبل المخابرات السوفياتية وذلك قبل اغتيال كينيدي. وسجلت الـ "سي آي إيه" ثلاث مكالمات لأزوالد مع حراس للسفارة السوفياتية في مكسيكو سيتي في سبتمبر من نفس العام ولم يكشف فيها عن هويته سوى في مكالمة واحدة.
وكان أوزوالد قد تخلى عن جنسيته الأميركية واتجه إلى الاتحاد السوفياتي عام 59 حيث عاش هناك ثلاث سنوات وتزوج امرأة سوفياتية تدعى مارينا وعاد إلى أمريكا معها عام 1962، مما أثار الشكوك حول ما إذا كان قد ارسل في مهمة خطيرة كعميل سوفياتي. وراقبته المخابرات الأميركية ورصدت زياراته للسفارتين السوفياتية والكوبية في مكسيكو سيتي عام 1963، قبل شهرين من اغتيال كنيدي. ووجدت الـ "سي آي إيه" أنه تواصل مع عميل سوفياتي خدم في بيروت والعاصمة المكسيكية يدعى فاليري كوستيكوف.
وتشير إحدى الوثائق إلى محاولة المخابرات المركزية الربط بين كوستيكوف، عميل المخابرات السوفياتية "كي جي بي"، الذي التقى أوزوالد في مكسيكو سيتي قبل شهرين من اغتيال كينيدي، وبين الهجمات التي استهدفت المصالح الأميركية والسفارات الغربية في العاصمة اللبنانية بيروت التي انتقل للعمل بها عام 1978. وطلبت المذكرة من المعنيين داخل المخابرات الأميركية مراجعة ملفات عملاء الـ "كي جي بي" في المنطقة وما إذا كانوا يقفون وراء هذه الهجمات مستخدمين عناصر سورية. كما طالبت المذكرة بتقصي أي معلومات عن كوستيكوف وأنشطته في المكسيك ولبنان، فضلا عن التأكد من وجود أي عناصر أخرى في بيروت ودمشق قد يكون لها أي يد في هذه الاعتداءات. واعتبرت المذكرة أن كوستيكوف هو من أخطر ضباط المخابرات السوفياتية، فضلا عن أنه عديم الأخلاق ومتهور.
وكانت وثيقة سابقة قد كشفت عن تعقب المخابرات المركزية لنشاط كوستيكوف في مكسيكو سيتي التي عمل فيها نائبا للقنصل السوفياتية لمدة عامين من 1961 إلى 1963. وكان آنذاك هو ضابط الـ "كي جي بي" المكلف بملف أوزوالد باعتباره شخصا محل اشتباه، ليس لأنه قد يكون عميلا للمخابرات المركزية بل تحسبا لاحتمال قيامه بعمل ما.