لم يمض سوى بضعة أشهر على انتخاب نايجل فاراج المتمرد، زعيم "حزب الإصلاح" في المملكة المتحدة، عضوا في البرلمان، حتى بدأ تأثيره الهائل، هو وحزبه، على المشهد السياسي البريطاني يمتد ويتعاظم، بل قبل حصول فاراج على مقعد في البرلمان عن منطقة كلاكتون إسيكس، في الانتخابات العامة التي جرت العام الماضي، برز اسمه من خلال فترة عمله الطويلة كعضو في البرلمان الأوروبي، ممثلاً لـ"حزب استقلال المملكة المتحدة".
أسس فاراج، الذي كان من أبرز المدافعين عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، "حزب بريكسيت" في عام 2019 لضمان احترام الحكومة البريطانية لإرادة الأغلبية التي صوتت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016 المثير للجدل، قبل أن يغير الحزب اسمه ليغدو "حزب إصلاح المملكة المتحدة" في عام 2021، وتوجت مساعي فاراج الحثيثة من أجل انفصال نهائي عن الاتحاد الأوروبي بحصول الحزب على أول مقاعده البرلمانية في انتخابات عام 2024.
ثم جاء انتخابه للبرلمان، بعد أن خاض التنافس على مقاعد مختلفة في سبعة انتخابات عامة سابقة دون نجاح. ومع ذلك، ظل فاراج، طيلة ثلاثة عقود تقريبا، في صدارة متشككي المملكة المتحدة في جدوى الاتحاد مع أوروبا. كما تنقل بين السياسة والإعلام خلال مسيرته المهنية.
أما اليوم، ومع إقصاء "حزب المحافظين" عن المشهد السياسي بعد هزيمته الكارثية في انتخابات العام الماضي، ومع الخسارة الكبيرة لحكومة "حزب العمال" بقيادة السير كير ستارمر شعبيتها لدى الناخبين، تتزايد التكهنات بأن "حزب الإصلاح" قد يبرز كقوة مهيمنة في السياسة البريطانية، ومن المرجح أن يكون فاراج، بحلول الانتخابات المقبلة، منافسا جديا على منصب رئيس الوزراء.
وحسب ما تظهره أحدث الاستطلاعات من ارتفاع الأصوات المؤيدة لـ"حزب الإصلاح" في انتخابات المجالس المحلية بنسبة 9 في المئة منذ العام الماضي، ثمة احتمال حقيقي بأن يفوز حزب فاراج هذا، بمزيد من المقاعد في الجولة الانتخابية القادمة. بينما يتزايد القلق داخل "حزب العمال" الحاكم من أن يُلحق هذا الحزب هزيمةً مُذلة به في الانتخابات الفرعية المقبلة على مقاعد البرلمان.
أدى ظهور فاراج كشخصية شعبوية معادية للمؤسسة الحاكمة، إلى مقارنته بداهة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي تربطه به علاقة جيدة، إذ حل مرارا ضيفا على منتجع "مارآلاغو" الذي يملكه ترمب في فلوريدا.
حياة غير تقليدية
ولم يسلك فاراج- على غرار ترمب- حياة سياسية تقليدية، بل اختار بدلا من ذلك أن يصبح رجل أعمال ناجحا قبل أن يدخل عالم السياسة.
ولد فاراج في كينت عام 1964 لعائلة ميسورة الحال، فوالده كان يعمل سمسارا في البورصة، وتلقى تعليمه في كلية "دولويتش"، وهي مدرسة خاصة مرموقة جنوبي لندن. وفي سن الثامنة عشر، وبدلا من الالتحاق بالجامعة، أصبح تاجرا لبيع السلع الأساسية. وقد انضم في البداية إلى "حزب المحافظين"، ثم انضم إلى "حزب استقلال المملكة المتحدة"، عندما تأسس حديثا عام 1993، دعما لحملة الحزب المتشككة في الاتحاد الأوروبي، والداعية إلى انسحاب بريطانيا منه. وانتُخب لعضوية البرلمان الأوروبي عام 1999، وأعيد انتخابه عامي 2004 و2009.
وبعد تولي فاراج زعامة "حزب استقلال المملكة" عام 2006، خاض حملة لحثّ الحزب على التوقف عن التركيز على قضية واحدة، وإلى تطوير سياسات تتناول مجموعة واسعة من المسائل الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك مسألة الهجرة. وقد مكنته شخصيته المفعمة بالحيوية من ذلك، بينما جذبت سمعته كشخص يتحدى "الصواب السياسي"، الكثير من الناخبين.
بعد الانتخابات العامة لعام0201، عملفاراج على توسيع القاعدة المؤيدة لـ"حزب استقلال المملكة"، ولا سيما جذب المحافظين الذين لم يكونوا راضين عن أداء رئيس الوزراء آنذاك ديفيد كاميرون، وحكومته الائتلافية بقيادة المحافظين. وفي الانتخابات المحلية البريطانية عام 2012، حقق "حزب الاستقلال" مكاسب كبيرة في صناديق الاقتراع ، حيث ارتفعت حصته من الأصوات في إنجلترا إلى 14 في المئة تقريبا.
في مواجهة تزايد شعبية "حزب استقلال المملكة" بقيادة فاراج، وفي محاولة لكسب دعم الأعضاء المتشككين في الاتحاد الأوروبي من حزبه، اتخذ كاميرون في يناير/كانون الثاني 2013القرار المشؤوم بإجراء استفتاء على استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وحقق "حزب استقلال المملكة" نتائج أفضل في الانتخابات المحلية في مايو/أيار2013، حيث حصل على ما يقرب من ربع الأصوات في الدوائر التي خاض التنافس فيها. وحافظ الحزب على هذا الزخم في العام التالي، ففاز بأكثر من 160مقعدا في المجالس المحلية في مايو 2014. تلك الانتخابات التي تزامنت مع انتخابات البرلمان الأوروبي.
وكي يحقق "حزب الاستقلال" الهدف الذي وضعه فاراج، استغل موجةً من المشاعر المتشككة في الاتحاد الأوروبي، ليحقق إنجازا تاريخيا باحتلاله المركز الأول. فحصل الحزب على أكثر من 27في المئة من الأصوات الشعبية، فحصل بذلك على 24مقعدا. وكانت هذه النتيجة هي المرة الأولى، التي يفوز فيها حزب آخر غير "حزب العمال" أو "المحافظين" في انتخابات وطنية، منذ عام 1906.
وقد أكد فاراج قبيل التصويت على "خروج أو بقاء" بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، في 23يونيو/حزيران 2016، على أن أزمة المهاجرين المستمرة في أوروبا، والهجمات الإرهابية في كل من باريس وبروكسل كانت دليلا على ضرورة خروج بريطانيا من "الاتحاد".