في السودان، تواصل القوات المسلحة السودانية تقدمها العسكري في العاصمة الخرطوم، حيث تمكّنت في الحادي والعشرين من مارس/آذار 2025 من استعادة السيطرة على القصر الجمهوري، أحد أبرز رموز السيادة الوطنية في البلاد، بعد نحو عامين من خضوعه لسيطرة "قوات الدعم السريع" منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023.
استعادة القصر الجمهوري، رغم كونها لا تعني بعدُ نهاية المعركة في الخرطوم، تمثّل ضربة معنوية ورمزية بالغة الأهمية، فهي ليست فقط استعادة لموقع سيادي رفيع، بل جاءت بعد أيام قليلة من خطاب مصوّر لقائد "قوات الدعم السريع"، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في الخامس عشر من مارس الجاري، أعلن فيه تمسكه المعلن بالسيطرة على القصر ومنطقة المقرن الاستراتيجية، باعتبارهما رمزين لسطوته المزعومة على العاصمة. غير أن الواقع الميداني- في تناقضٍ صارخ مع الخطاب الدعائي- يشير إلى تراجع متسارع للميليشيا، وفقدانها السيطرة على عدد متزايد من المناطق داخل الخرطوم ومحيطها، مع تصاعد وتيرة الانهيارات في صفوفها.
لكن، وبالتزامن مع هزائمها العسكرية، صعّدت الميليشيا من جرائمها ضد السكان المدنيين، الذين لا يزال الآلاف منهم محاصرين في مناطق الاشتباك. ففي شرق النيل، ومع بدايات مارس الجاري، وأثناء انسحاب الميليشيا من عدد من الأحياء، شنّت عناصرها هجمات انتقامية ضد السكان، شملت اقتحام المنازل ونهب الممتلكات مجددا، في استمرار لنمط من العنف المنهجي، الذي دأبت عليه القوات المنفلتة منذ بداية الحرب.
وفي مشهد يجسد فظاعة ما يجري، أظهر تسجيل فيديو، نُسب إلى وكالة "أسوشييتد برس"، العثور على عدد كبير من الجثث، بينها جثث أطفال، ملقاة داخل آبار مياه في مناطق شرق النيل بعد تحريرها، وسبق ذلك الكشف عن مقابر جماعية شمال الخرطوم، قُدّر عدد الضحايا فيها بنحو 500 شخص، بينهم أطفال، قالت تقارير إنهم تعرّضوا للتعذيب والتجويع، قبل أن يُعدموا جماعيا، في واحدة من أبشع الجرائم الجماعية المرتكبة خلال النزاع.