لا بد أن منظمة "يونسكو" حين اختارت يوم 21 مارس/ آذار 1999 ليكون يوما عالميا للشعر، فكرت أن يكون للاحتفال به وليس فقط للتذكير . كان الهدف من تحديد يوم عالمي للشعر – بحسب بيان المنظمة – هو دعم التنوع اللغوي من خلال التعبير الشعري وزيادة الفرص لسماع اللغات المهددة بالاندثار، وهي بالطبع توصيات عامة ليس مطلوبا منها الإحاطة كليا بجدوى وجود الشعر وطبيعة انتشاره وطرائق كتابته وتلقيه ونشره. المهم هنا هو أن تحديد هذا اليوم صار عيدا سنويا يحتفل فيه بالشعر الذي هو في حالة احتفال دائم تقريبا. فالشعر لا يكاد يغيب، لا في حياة من يكتبونه ولا من يقرؤونه، ولا في حياة أناس عاديين اعتادوا أن يصفوا أي شيء فائق الجمال بأنه شعر أو قصيدة. قالوا ذلك عن منظر طبيعي، وعن جمال النساء وعيونهن، وقالوا ذلك عن فيلم وعن لوحة وعن مقطوعة موسيقية، وحتى عن رواية أو نص نثري، ولعل ذلك كان إشارة عفوية وغير متعمدة إلى أن النثر نفسه يمكن أن يكون لاحقا شعرا أو تنشأ عنه قصيدة ستسمى "قصيدة النثر"، ويمكننا أن نتذكر هنا أن أرسطو في كتابه "فن الشعر" لم يشترط أن يكتب الشعر بالشعر.
وفي تذكرنا أرسطو، نستعيد فكرة قدم الشعر، إذ وضع كتابه الشهير سنة 330 قبل الميلاد. سوف يذكرنا ذلك بكتاب آخر لهوراس كتب سنة 19 قبل الميلاد وحمل العنوان نفسه "فن الشعر"، وكان الكتاب في المناسبة قصيدة طويلة. ولعل هذه العودة إلى التاريخ ستعيدنا أيضا إلى الشعر الجاهلي أيضا، حيث برع العرب الأوائل في كتابة أشعار خلدها الزمن، ومنها "المعلقات السبع". ونتذكر هنا أيضا أن الآيات القرآنية الأولى التي نزلت على النبي وصفها المشككون في نبوته آنذاك أنها شعر أو شيء كالشعر! وهو وصف سيستثمر في أزمنة أحدث وتنشر أبحاث وكتب عن شعرية القرآن أو الشعرية في لغة القرآن. وسيكون الشاعر السوري أدونيس في مقدمة هؤلاء الباحثين والكتاب.
صوت الناس
القصد مجددا أن وجود الشعر قديم، وأن التنظير له قديم أيضا، وأنه كان حاضرا باستمرار، وأن الشعراء كانوا مقدرين في بيئاتهم ومجتمعاتهم ولغاتهم. وإذا أردنا قصر الحديث على الشعر العربي، فإن ولادة شاعر كانت حدثا في العصر الجاهلي، وكان الشاعر صوت القبيلة والمتحدث باسمها ومؤرخ أحوالها، وكان أحيانا حكيمها كحال الشاعر زهير بن أبي سلمى صاحب "سئمت تكاليف الحياة ومن يعش/ ثمانين حولا لا أبا لك يسأم"، وكان أحيانا أخرى صوتا خارجا عليها وعلى نمط عيشها، كما في قصائد الشعراء الصعاليك كالشنفرى وتأبط شرا وعروة بن الورد. ولا ننسى هنا أن المحاجات اللغوية المحكمة والاختلافات بين النحويين والمختصين في اللغة كان مرجعها – ولا يزال – هو الشعر الجاهلي والقرآن فقط.