سوريا... احتدام التنافس بين أجندات الخارج والداخل

ترمب يتوقع التقسيم وإسرائيل تريد "فيدرالية" وإيران تدفع إلى "التشظي"... والدول العربية تريد الاستقرار

سوريا... احتدام التنافس بين أجندات الخارج والداخل

الرئيس دونالد ترمب قال في جلسة مغلقة، إن سوريا "ماضية إلى التقسيم لثلاث مناطق". رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحدث علنا عن "حماية الدروز"، وروج آخرون في حكومته لسيناريو "الفيدرالية". الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يريد دعم "وحدة سوريا" و"محاربة الإرهاب" ومنع قيام كيان كردي.

إيران، من جهتها، لم تقبل الهزيمة الاستراتيجية في سوريا. امتصت الصدمة وقررت التحرك فيها عبر "ثلاث جبهات"، فيما قبلت روسيا بتقليل خسائرها والبحث مع دمشق عن علاقات جديدة تتضمن استمرار وجودها العسكري ونفوذها في البلاد والإقليم.

أما الدول العربية والأوروبية، فقررت الانخراط مع الإدارة السورية الجديدة، لأن "دعمها أقل كلفة من أي بديل آخر"، وهي تريد الاستثمار في المكاسب الجيوسياسية، المتعلقة بخسارة إيران وروسيا، لأن أمن سوريا يتعلق بأمنها واستقرار الإقليم.

خريطة لمناطق السيطرة والنفوذ في سوريا أعدها الخبير الفرنسي فابريس بالانش

هذه خلاصة تقديرات ومعلومات من مسؤولين غربيين تحدثوا إلى "المجلة" خلال الأيام الماضية.

أميركا: التقسيم

في الأيام الأخيرة لإدارة جو بايدن، فتحت بابا للحوار مع الإدارة السورية الجديدة بعد سقوط الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتقت المسؤولة في الخارجية باربرا ليف، رئيس الإدارة أحمد الشرع في دمشق، وواصلت اتصالات غير معلنة قام بها دبلوماسيون أميركيون مع وزير الخارجية أسعد الشيباني، كما خففت بعض العقوبات عن قطاعات سورية لمدة ستة أشهر.

منذ مجي إدارة دونالد ترمب، تشير المعلومات إلى وجود اتجاهين:

الأول، يرفض الانخراط مطلقا مع دمشق ويستند في موقفه إلى بُعد أيديولوجي يتعلق بـ"القاعدة"، أو تجارب شخصية تخص حرب العراق وهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 أو بسبب علاقة شخصية مع نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد مثل مديرة المخابرات الوطنية تولسي غابارد. كما يرفض أصحاب هذا الرأي العمل مع الجيش السوري الجديد لمحاربة "داعش" ضمن التحالف الدولي وقيادة عملية "العزم الصلب".

أ ف ب
دورية عسكرية أميركية في شمال شرقي سوريا في 3 سبتمبر 2024

الثاني، مستعد لـ"انخراط مشروط" وفق مقاربة "خطوة مقابل خطوة"، عبر إقدام دمشق على سلسلة من خطوات تشمل: تشكيل حكومة جامعة، تشكيل جيش مهني حرفي، إبعاد المقاتلين الأجانب، تدمير برنامج السلاح الكيماوي والتدمير الشامل، محاربة "داعش"، التمسك بإبعاد إيران خارج سوريا، قطع طريق الإمداد إلى "حزب الله"، عدم الموافقة على استمرار وجود القاعدتين العسكريتين الروسيتين.

بوتين أبلغ دمشق رسالة واضحة بأنه لن يسلم الأسد، لأنه "قال كلمته وقدم له لجوءا إنسانيا"، كما أنه لم يقبل فكرة أن "ينتحر الأسد على الطريقة الروسية"

في المقابل، تعرض واشنطن استعدادها لخطوات تشمل تخفيف العقوبات على قطاعات محددة في شكل تصاعدي وصولا إلى رفع كامل للعقوبات و"قانون قيصر" في نهاية المطاف بعد حوالي أربع سنوات، علما أن قائمة العقوبات الأميركية تشمل "قانون قيصر" و"قانون محاسبة سوريا" و"دعم الإرهاب"، ويعود بعضها إلى عام 1979، إضافة إلى عقوبات فردية ضد مسؤولين في النظام السابق وشخصيات حالية أخرى.

سوريا ليست أولوية على أجندة ترمب. وتجري حاليا مراجعة داخل المؤسسات الأميركية وصولا إلى سياسة موحدة إزاء سوريا. ونُقل عن ترمب قوله في اجتماع خاص إن سوريا ستقسم إلى ثلاث مناطق تابعة لقوى خارجية مثل إسرائيل وتركيا وغيرهما، وإنه لا بد من محاربة "الإرهاب"، مع تلميح إلى إمكانية الانسحاب من شمال شرقي سوريا، الأمر الذي دفع وزارة الدفاع (البنتاغون) إلى إعداد خطط للانسحاب في ستة أشهر، ودعمها بقوة لقائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي للوصول إلى حل تفاوضي مع الرئيس أحمد الشرع خلال ذلك.

إسرائيل: فيدرالية

يراهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على التأثير على ترمب وفريقه، بحيث تكون حسابات تل أبيب ذات أولوية في البيت الأبيض الذي لا يدرج سوريا ضمن أولوياته في الشرق الأوسط. بالفعل، جرت مناقشات بين أجهزة إسرائيلية وأخرى أميركية حول هذا الملف، مع ترجيح رأي تل أبيب في شؤون جارتها.

نتنياهو يعتبر سوريا أولوية له هي والأمن القومي وإبعاد ايران. فالجيش الإسرائيلي قام بمجرد سقوط الأسد بتدمير جميع الأصول العسكرية الاستراتيجية السورية، البرية والجوية والبحرية والبرامج العلمية والصاروخية. كما احتل المنطقة العازلة في الجولان بموجب اتفاق "فك الاشتباك" لعام 1974. وسيطر على قمة جبل الشيخ ومنابع المياه في المنطقة. وشن سلسلة غارات في جنوب سوريا ووسطها لمنع بناء أصول استراتيجية دفاعية سورية.

 أ ف ب
أمرأة تسير وسط الدمار بعد غارة إسرائيلية في درعا جنوب سوريا في 18 مارس 2025

إضافة إلى ذلك، تتخذ إسرائيل موقفا عدائيا ضد الحكم السوري الجديد، وهي تدفع باتجاه إقامة "فيدرالية" أو "لامركزية واسعة" في سوريا، تشمل إقليما جنوبيا يتضمن السويداء ودرعا، وشرقيا يشمل "قوات سوريا الديمقراطية"، وغربيا يتضمن إقليما علويا، بحيث يبقى الإقليم العربي-السني الأكبر معزولا عن جواره وفضاءات المياه الدافئة.

جرت اتصالات سرية حول هذه الأمور في واشنطن وعواصم إقليمية. ويدفع نتنياهو بقوة لإقناع ترمب وفريقه بهذا التصور، الذي هو موضع قلق عربي وتركي ومواكبة إيرانية غير مباشرة ومتابعة روسية، كما هو محل مواكبة أوروبية مع ترجيح للمقاربة البريطانية.

روسيا: تقليل الخسائر

عندما أدرك الرئيس فلاديمير بوتين قرب نهاية بشار الأسد الذي تمرد مرات عدة على طلباته- وكان آخرها رفضه لقاء الرئيس رجب طيب أردوغان بناء على مبادرة الكرملين- رتب مع نظيره التركي الانخراط في الأيام الأخيرة من نظام الأسد لتقليل الخسائر الروسية الاستراتيجية وتجنيب دمشق والموالين للنظام الخراب والانتقام.

بالفعل جرى الانتقال بأقل كلفة للمدن والبشر والموالين للنظام، ولم تتعرض القاعدتان الروسيتان، في حميميم وطرطوس، لأي هجمات من النظام السوري الجديد. كما صدرت تصريحات من المسؤولين السوريين الجدد تتحدث عن العلاقة القديمة مع روسيا واحترام مصالحها باعتبارها دولة كبرى.

الرئاسة السورية
الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وميخائيل بوغدانوف مبعوث الرئيس الروسي، في دمشق في 29 يناير 2025

زار ميخائيل بوغدانوف مبعوث الرئيس الروسي دمشق والتقى الرئيس الشرع الذي تلقى اتصالا معلنا من بوتين وآخر غير معلن. تتناول المحادثات السورية–الروسية نقاطا عدة: التزود بالسلاح الروسي، تسلم بشار الأسد وكبار المسؤولين المتهمين بجرائم حرب، مستقبل القاعدتين الروسيتين، المساهمة في إعمار سوريا، تقديم المساعدات والأموال السورية المطبوعة تعويضا عن مساهمة روسيا في قمع الشعب السوري، الديون الروسية لسوريا.

إيران تريد تعزيز وجودها في العراق بعد خسارات "الهلال" في بلاد الشام، وتريد استخدامه في الملعب السوري. أيضا، يجري تداول سيناريو عودة "داعش" للنشاط في الأنبار وغربي العراق والتوغل نحو البادية السورية

بوتين أبلغ دمشق رسالة واضحة بأنه لن يسلم الأسد إلى دمشق، لأنه "قال كلمته وقدم له لجوءا إنسانيا"، كما أنه لم يقبل فكرة أن "ينتحر الأسد على الطريقة الروسية"، لكن موسكو أبدت انفتاحا لتقديم السلاح والمساهمة في الإعمار وسحب قواتها "فورا إذا أرادت دمشق". كما أبدت دمشق انفتاحا لبحث وجود عسكري روسي في سوريا. والمفاوضات جارية وتتناول هذه البنود والمقايضات.

أ ف ب
دورية عسكرية روسية في شمال شرقي سوريا في 8 اكتوبر 2022

في هذا السياق، حصل تطوران: الأول، أن تل أبيب سعت لدى واشنطن لتأييد استمرار الوجود الروسي لـ"موازنة النفوذ التركي" في سوريا. والثاني، تمرد فلول النظام السوري في الساحل، حيث اتخذت موسكو موقفا يسمح لها باستخدام هذا التمرد ورقة ضغط على دمشق وورقة تسمح لها بترك الخيارات مفتوحة في حال أقيم إقليم علوي.

إيران: التشظي

لم تقبل طهران الواقع الجديد بفقدان سوريا بعد لبنان، فهي خسرت طريق الإمداد إلى "حزب الله"، والحديقة الخلفية للعراق، وأداة الضغط على إسرائيل عبر جبهتي لبنان وسوريا. كل المؤشرات تشير إلى تفضيل إيران خيار "التشظي السوري" والرهان على الوقت، لاستعادة موطئ قدم في سوريا. عليه، بدأت في الفترة الأخيرة بعد اجتماعات سرية عدة تحريك أوراقها لفتح ثلاث جبهات:

الأولى، استعادة علاقات مع مسؤولين في النظام السوري السابق كان بينهم العميد غياث دالا، الذي كان يقود "قوات الغيث" في "الفرقة الرابعة" بقيادة اللواء ماهر، شقيق بشار الأسد، وكان ضابط الارتباط مع "الحرس" الإيراني و"حزب الله". ماهر الأسد نفسه هرب مع قادة ميليشيات تابعة لإيران في 8 ديسمبر/كانون الأول إلى العراق، وقيل إنه انتقل إلى السليمانية في كردستان العراق. ومن غير المؤكد مكان وجوده الحالي. كانت أيادي إيران واضحة في تمرد الساحل الأخير، بالدعاية والتدريب والمعلومات.

الثانية، الضغط على "الحشد الشعبي" العراقي للتحرك نحو الحدود السورية. وإيران تريد تعزيز وجودها في العراق بعد خسارات "الهلال" في بلاد الشام، وتريد استخدامه في الملعب السوري. أيضا، يجري تداول سيناريو عودة "داعش" للنشاط في الأنبار وغربي العراق والتوغل نحو البادية السورية.

الثالثة، الضغط على "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وتحريك عشائر عربية شرق الفرات، للتنسيق والعمل العسكري ضد الإدارة السورية الجديدة. قائد "قسد" نفى ذلك في حديثه إلى "المجلة". وقال: "لن يكون هناك مستقبل لعلاقات مع إيران. ونحن حاليا نركز على أن نكون جزءا من الإدارة الجديدة وجزءا من المحادثات السياسية لا أن نكون معارضة كما يتهمنا البعض". كما وقع اتفاق مبادئ مع الرئيس الشرع في دمشق يوم 10 مارس/آذار بعد جهود أميركية وفرنسية مكثفة.

تركيا: مع الوحدة ضد كيان كردي

لم يكن أردوغان مرتاحا كثيرا لاتفاق الشرع-عبدي. الاتفاق كان موجودا على طاولتيهما منذ لقائهما في 29 ديسمبر، لكن تمرد الساحل والانتهاكات فيه من جهة، وحديث الأميركيين السري عن احتمال الانسحاب بعد ستة أشهر من جهة ثانية، وتفاهم زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبدالله أوجلان مع أنقرة من جهة ثالثة، دفعت الشرع وعبدي لتلبية جهود أميركية-فرنسية، وتوقيع اتفاق يحتاج تنفيذه إلى الكثير من التفاوض وخريطة طريق، هي في قبضة مساعديهما. مظلوم حق نجاحا بأنه "فتح باباً رئاسياً لمناقشة حقوق الأكراد لأول مرة في التاريخ". والشرع، فتح باباً سورياً لحياكة الخريطة السورية بعد أكثر من عقد من التآكل.

ما حصل في الساحل السوري بين 6 و10 مارس، كان بمثابة جرس إنذار. فقد أظهر أهمية المفاجأة التي حصلت في 8 ديسمبر، إذ سقط نظام الأسد دون كلف دموية كبيرة بفضل التزام "هيئة تحرير الشام" والفصائل الأخرى بتعليمات القيادة العليا

تركيا تدفع إلى تنفيذ مبادئ الشرع-عبدي، وهي: منع وجود "الإدارة الذاتية" وأي كيان كردي، وانضواء شمال شرقي سوريا ضمن سوريا الموحدة، وتفكيك البنية العسكرية الثقيلة لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية، وطرد قادة "حزب العمال الكردستاني" الموجودين في قيادة "الوحدات".

الرئاسة السورية
الرئيسان السوري أحمد الشرع والتركي رجب طيب اردوغان في انقرة في 4 فبراير 2025

وتسعى تركيا للإفادة من علاقتها مع "هيئة تحرير الشام" والشرع للدفع باتجاه تعزيز نفوذها في سوريا والإقليم في النواحي التجارية والعسكرية والسياسية والجيوسياسية. فسوريا تاريخيا بوابة تركيا إلى العالم العربي. لكن هذا النفوذ هو مصدر قلق لدول أخرى بينها دول عربية فاعلة.

الدول العربية: استقرار سوريا ووحدتها

منذ سقوط الأسد، بادرت دول عربية كبرى لدعم النظام الجديد وفتح صفحة جديدة معه، لأسباب عدة، بينها: البناء على الخسارة الاستراتيجية الأكبر لإيران منذ 1979. تخفيف اعتماد النظام السوري الجديد على تركيا. الحوار والانخراط والدعم لسوريا الجديدة وإعطائها الفرصة، لأن البديل سيئ جدا، والفوضى في سوريا مضرة والتقسيم خطير على الدول المجاورة والأمن الإقليمي العربي.

الجامعة العربية
الرئيس السوري أحمد الشرع في صورة جماعية في القمة العربية في القاهرة في 4 مارس 2025.

اكتشفت دول عربية حدود التحرك والدعم. لا يزال سيف العقوبات مسلطا. أميركا وافقت على تسهيل إمداد سوريا بالغاز لصالح توفير الكهرباء وسمحت بصفقة تتضمن مقايضة إعفاءات مقابل الوصول إلى السلاح الكيماوي السوري، لكنها لا تزال ترفض السماح بتحويلات مالية كبرى والانفتاح على النظام المصرفي السوري. هناك إصرار على ترك هامش الوقت لدمشق وتقديم النصيحة وليس الضغط والتحاور مع واشنطن ودول أوروبية لاعتماد أفضل الخيارات الواقعية حاليا في سوريا.

الأجندة السورية وجرس الإنذار

ما حصل في الساحل السوري بين 6 و10 مارس/آذار، سواء التمرد أو الانتهاكات الكبيرة، كان بمثابة جرس إنذار. فقد أظهر أهمية المفاجأة التي حصلت في 8 ديسمبر، إذ سقط نظام الأسد بعد 54 سنة من دون كلف دموية كبيرة بفضل التزام العناصر في "هيئة تحرير الشام" والفصائل الأخرى بتعليمات القيادة العليا.

لكنه أظهر في الوقت نفسه، أسئلة حول سلسلة القيادة من فوق إلى أدنى، ومدى التزام المقاتلين أو الفصائل بالتعليمات، وطرح أسئلة في عواصم أوروبية عن "حماية الأقليات"، ودفع باريس إلى تأجيل توجيه دعوة لزيارات رفيعة لمسؤولين سوريين وعواصم أخرى لتجميد إعادة فتح سفاراتها لأسباب أمنية. إضافة إلى ذلك، كان بمثابة ناقوس خطر لما يمكن أن يحصل في حال عمت الفوضى. فتشظي سوريا يعني تطاير الشظايا والجهاديين في الإقليم وما وراءه.

أجندة دمشق هي رفض التقسيم ورفض الفيدرالية والعمل على بناء جيش وطني وحكومة ومؤسسات دولة وتعميم السلم الأهلي

برزت مشكلة تسريح عناصر الجيش والأمن والشرطة وموظفي القطاع العام، وتوفير الخدمات والكهرباء. فأصبح الملف الاقتصادي الاجتماعي أولوية للحكم الجديد. فالعقوبات لم ترفع والمساعدات الدولية تراجعت والتوقعات الشعبية زادت. قد يكون أحد الحلول طبع أموال جديدة، وتنفيذ هذا في موسكو. قد يكون الرمق في مساعدات عاجلة، لكنها قليلة طالما أنها عينية مرتبطة بالنظام المصرفي الغربي. ولا تزال الجالية السورية وحلفاء دمشق العرب والإقليميون، يعملون لدى واشنطن لرفع العقوبات وتخفيف معاناة الناس، لأنه دون ذلك، فإن تأثير رفع العقوبات الأوروبية والبريطانية والكندية سيكون محدودا جدا.

وأظهر المؤتمر الدولي التاسع لدعم سوريا في بروكسل يوم 17 مارس/آذار، الدعم الأوروبي المستمر للسوريين، حيث أعلن عن تعهدات مالية بقيمة ستة مليارات دولار أميركي. فمنذ عام 2011، حشد الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء أكثر من 37 مليار يورو من المساعدات داخل البلاد وفي المنطقة.

لكن الأهم أن المؤتمر أظهر، أن دعم الحكم السوري الجديد سيكون أقل كلفة من أي خيار آخر، بما في ذلك خيار عزله. وواصلت فرنسا جهودها لحشد المجتمع الدولي، تماشيا مع مؤتمر باريس في 13 فبراير/شباط، لإيجاد حلول دائمة وتوفير الاحتياجات الأساسية. كما جددت رسالتها إلى السلطات السورية بضرورة محاكمة ومعاقبة المسؤولين عن العنف ضد الضحايا المدنيين في الأسابيع الأخيرة.

رويترز
الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي بعد توقيع اتفاق في دمشق في 10 مارس

مقابل الأجندات الخارجية، هناك أجندة سوريا وخيوط سورية. وباعتبار ما حدث في الساحل كان جرس إنذار واختبارا كبيرا، فإن الشرع رد عليه بسلسلة خطوات برغماتية انفتاحية تمثلت في تشكيل لجنة تحقيق ولجنة للسلم الأهلي وإعلان دستوري. هناك انقسام حول هذه الخطوات. البعض قابله بالترحيب، فيما شكك آخرون فيها وطرحوا أسئلة عن ضرورة أن تكون الخطوات جامعة وأن تكون الخطوط مفتوحة في الاتجاهين بين المركز والأطراف.

أجندة دمشق هي رفض التقسيم ورفض الفيدرالية والعمل على بناء جيش وطني وحكومة ومؤسسات دولة وتعميم السلم الأهلي. واتفاق الشرع–عبدي، كان يعني في أحد جوانبه، إعطاء أولوية للأجندة الوطنية. هناك خطوات منتظرة ومتبادلة بين المركز وجهات الجنوب والشمال والغرب، لقطع الطريق على الأجندات الخارجية المتنافسة. وهناك أجندات خارجية متنافسة على مستقبل سوريا. عمليا، يحتدم الصراع بين أجندات الخارج وأجندة الداخل، ولكل أدواته وتحالفاته وإمكاناته ومواقيته.

font change

مقالات ذات صلة