اهتز المشهد السياسي التركي مع اعتقال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، فجر الأربعاء، في عملية شارك فيها نحو 400 عنصر من الشرطة، حيث جرى اقتياده من منزله مباشرة من غرفة نومه.
لم يكن هذا التطور مفاجئا تماما، إذ كانت الحكومة تمارس ضغوطا متزايدة على إمام أوغلو بوسائل مختلفة، في حين كان مكتب المدعي العام يحقق معه منذ فترة. وقد تصدرت مسألة صحة شهادته الجامعية المشهد، حيث أعلنت جامعة إسطنبول، الليلة الماضية، عن إلغائها، بعد مرور 31 عاما على تخرجه. ومع ذلك، لم يكن هذا هو سبب اعتقاله صباح اليوم، بل وُجهت إليه اتهامات تتعلق بقيادة منظمة إجرامية وتقديم الدعم لـ"حزب العمال الكردستاني" (PKK)، المصنف كمنظمة إرهابية.
إلى جانب إمام أوغلو، جرى اعتقال 106 أشخاص آخرين حتى الآن، مع توقعات بارتفاع العدد خلال الساعات المقبلة. وشملت قائمة المعتقلين أيضا رئيسي بلديتي شيشلي وبيليك دوزو في إسطنبول، وكلاهما ينتمي إلى "حزب الشعب الجمهوري" (CHP)، الذي يمثل المعارضة الرئيسة في البلاد. كما طالت حملة الاعتقالات الصحافي البارز إسماعيل صايماز، إضافة إلى المغني والملحن الشهير إرجان ساتشي، حيث يُعتقد أن التهم الموجهة إليهما تتعلق بتقديم الدعم لمحاولة الإطاحة بالحكومة.
خلفية الادعاءات حول شهادة إمام أوغلو الجامعية
التحق أكرم إمام أوغلو بجامعة جيرنا الأميركية (GAU) في جمهورية شمال قبرص التركية في 5 سبتمبر/أيلول 1988، حيث درس إدارة الأعمال باللغة الإنجليزية. وبعد عامين من الدراسة، انتقل إلى جامعة إسطنبول، وهو إجراء شائع في تركيا، إذ يتم الانتقال بين الجامعات بناء على معايير محددة، من بينها المعدل التراكمي. وفي حال استيفاء الطالب لهذه المعايير، يُسمح له بالانتقال إلى الجامعة الجديدة لإكمال دراسته.
قُبل طلب إمام أوغلو للانتقال إلى جامعة إسطنبول، واستكمل فيها دراسته، وتخرّج رسميا عام 1994 بشهادة جامعية معتمدة.
ظهرت الادعاءات حول "تزوير" شهادة إمام أوغلو بعد انتخابه رئيسا لبلدية إسطنبول الكبرى في الانتخابات المحلية عام 2019. وفي 15 فبراير/شباط 2020، قدّمت شكوى إلى مركز الاتصال الرئاسي (CİMER)، وهو نظام حكومي يتيح للمواطنين الأتراك تقديم الشكاوى والتعليقات، وزعمت الشكوى حينها عدم انتظام إجراءات انتقال إمام أوغلو من جامعة جيرنا الأميركية (GAU) إلى جامعة إسطنبول عام 1990.
وفي سبتمبر/أيلول 2024، قُدّم طلب آخر مشابه إلى مركز الاتصال الرئاسي، ما دفع مكتب المدعي العام في إسطنبول لفتح تحقيق رسمي بتاريخ 22 فبراير/شباط 2025، بتهمة "تزوير مستندات رسمية". واستند الادعاء إلى "تقرير بحثي" صادر عن مجلس الرقابة التابع لمجلس التعليم العالي (YÖK) بتاريخ 17 فبراير 2025، والذي أوضح أن إمام أوغلو استوفى بالفعل شروط الانتقال بين الجامعات. لكن التقرير أشار إلى أن جامعة جيرنا الأميركية لم تكن معترفا بها رسميا من مجلس التعليم العالي التركي في تلك الفترة.
قبل أيام قليلة، استقال أحمد كوسه، عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول، والذي سبق له تأكيد عدم وجود أي مخالفات في شهادة أكرم إمام أوغلو الجامعية.
وأرجع كوسه سبب استقالته إلى "الإرهاق الناجم عن الإدارة طويلة الأمد والتطورات الأخيرة". في المقابل، عزا زعيم "حزب الشعب الجمهوري" (CHP)، أوزغور أوزَل، استقالة كوسه إلى "الضغوط التي مارستها الحكومة عليه"، بهدف دفعه إلى التراجع عن تقريره السابق الذي يؤكد سلامة شهادة إمام أوغلو.
على مدى الأسابيع الماضية، شهدت تركيا حملة واسعة من التحقيقات والاعتقالات طالت شخصيات بارزة من مختلف قطاعات المجتمع، شملت رؤساء بلديات وأعضاء مجالس بلدية ومسؤولين في "حزب الشعب الجمهوري" (CHP)، إضافة إلى مديري وكالات فنية وصناعيين وصحافيين وقادة أحزاب سياسية.