تساؤلات في الجزائر عن خلفية المناورات المغربية– الفرنسية

تشمل المناورات تدريبات عملية لوحدات ميدانية وجوية

أ ف ب
أ ف ب
موقع عسكري مغربي عند الحدود بين المغرب والجزائر في منطقة وجدة في 3 نوفمبر 2021

تساؤلات في الجزائر عن خلفية المناورات المغربية– الفرنسية

جاء خبر المناورات العسكرية المشتركة بين المغرب وفرنسا قرب حدود الجزائر ليصب المزيد من الزيت على نار الخلافات والصراعات المؤججة على محور الجزائر- باريس الذي يشهد أخطر أزمة دبلوماسية، وفق المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا الذي اعتبر أن "التوتر هذه المرة يبدو أعمق من أي وقت مضى"، ودل عليه "بغياب سفير الجزائر في باريس منذ عدة أشهر، وإغلاق قنوات التعاون التقليدية في مجالات الأمن أو الهجرة أو القضايا الثقافية، الأمر الذي لم يحدث من قبل على الإطلاق".

ومن المرتقب أن يجري المغرب وفرنسا مناورات عسكرية مشتركة في منطقة الرشيدية جنوب شرقي المغرب، وحسب موقع "العمق المغربي" "فقد عقد ممثلو الجيشين (الفرنسي والمغربي) اجتماعات تنسيقية للتحضير لهذه المناورات حيث سيتم تقسيم المناورات إلى مرحلتين رئيستين: المرحلة الأولى: تمرين القيادة والمحاكاة، وسيتم تنفيذ هذه المرحلة على مستوى مركز القيادة، إذ ستتم محاكاة السيناريوهات العملية لتحسين قدرات التخطيط واتخاذ القرارات المشتركة بين الأطراف"، أما المرحلة الثانية فهي عبارة عن "تمرين ميداني حي" سيتم خلاله إجراء تدريبات عملية تشمل وحدات ميدانية وجوية في بيئة عملياتية حقيقية بهدف اختبار جاهزية القتال وتعزيز التنسيق بين القوات".

وكشفت وثيقة رسمية سرية فرنسية عن تفاصيل المناورات العسكرية الفرنسية- المغربية، والتي جرى تسريبها إعلاميا، أرخت بتاريخ 25 مايو/أيار 2024 بمدينة مكناس المغربية (التي تقع على بعد 140 كلم شرقي العاصمة الرباط)، عن اجتماع انعقد في مدينة سلا المغربية بين قيادات فرنسية ومغربية للتحضير للتمرين العسكري الذي سيجرى يوم 22 سبتمبر/أيلول المقبل، وستنظم في المنطقة المخصصة للتدريبات في كل من "مركز تكوين المدفعية (CTM) "و"أفردو" بإقليم الرشيدية (على بعد أقل من 100 كم من بشار)، ويجري حاليا التنسيق بين ممثلين عن الجيش الفرنسي وعدد من المصالح العسكرية المغربية ويتعلق الأمر بالمكاتب (قيادات الأركان بحسب التقسيم الفرنسي): الثاني والثالث والرابع والخامس، وكذا تفتيشات المشاة وسلاح المدرعات والمدفعية والهندسة والنقل، إضافة إلى الاتصالات والصحة والقوات الفرنسية.

المناورات تأتي في الوقت الذي زادت فيه حدة التوتر بين الجزائر وفرنسا، بالإضافة إلى وجود قطيعة في العلاقات الدبلوماسية مع المغرب الذي اعتاد على القيام بمناورات عسكرية مع الولايات المتحدة

وكرد فعل، استدعت وزارة الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي لدى الجزائر ستيفان روماتي، وأبلغته اعتراضها على المناورات المقررة في سبتمبر المقبل، وبتعبير الخارجية الجزائرية، فإن هذه المناورات العسكرية تحت اسم "شرقي 2025" والتي تحمل الكثير من الدلالات، هي "عمل استفزازي ضد الجزائر"، واعتبرت الخارجية الجزائرية أن أي "تصرف من هذا القبيل سوف يسهم في تأجيج الأزمة التي تعيشها العلاقات الجزائرية- الفرنسية في المرحلة الراهنة، ويرفع كثيرا من منسوب التوتر بين البلدين إلى مستوى جديد من الخطورة".

دلالات ورسائل


وبرز الكثير من التساؤلات في الأوساط الأكاديمية والسياسية حول طبيعة المناورات وحتى تفاصيلها التقنية وما تخفيه من دلالات سياسية، وفي هذه الحالة تتجه معظم القراءات إلى أنه وبالنظر إلى السياق الإقليمي الذي برمج فيه التمرين يعتبر استفزازا صريحا ومباشرا وسيعمل على تصعيد الوضع على محور الجزائر- باريس- المغرب وقد يدفع بالعلاقات إلى القطيعة، ومن وجهة نظر تحليلية، يقول فؤاد جدو، أستاذ وباحث بقسم العلوم السياسية والإعلام بجامعة بسكرة في إفادة لـ"المجلة" إن "هذه المناورات تأتي في الوقت الذي زادت فيه حدة التوتر بين الجزائر وفرنسا، بالإضافة إلى وجود قطيعة في العلاقات الدبلوماسية مع المغرب الذي اعتاد على القيام بمناورات عسكرية مع الولايات المتحدة آخرها مناورات (الرعد الغامض) التي جرت بمشاركة أميركا وألمانيا. لكن مشروع التمرين العسكري المشترك بين فرنسا والمغرب يعتبر تهديدا مباشرا وإشارة غير مطمئنة، فالحدث لا يقتصر على بعده العسكري بل يحمل دلالات وسياقات سياسية وأمنية وجيواستراتيجية خطيرة وفكرة الأزمة ستكبر لا محالة بين الجزائر وفرنسا".

المؤكد حاليا هو تصاعد الأزمة بين الجزائر وفرنسا ودخولها منعطفا خطيرا ينذر بعواقب صعبة لا سيما بعدما انتقل التشنج من التصريحات والتصريحات المضادة إلى المستويات العسكرية

وللدلالة على هذا المعطى يقول فؤاد جدو إن "باريس بعثت رسائل مباشرة للغاية إلى الجزائر تنطوي على التهديد باستعمال القوة مع شركاء آخرين مثل المغرب الذي يعتبر حليفا تقليديا واستراتيجيا لفرنسا، ومعنى ذلك أيضا أن الجزائر موجودة حاليا في مرمى النار"، ولذلك يمكن القول إنه "تجاوز لكل الخطوط الحمراء ولكل المبادئ التي تقوم عليها منطقة البحر الأبيض المتوسط واتفاقية الشراكة الأورومتوسطية من أجل تعزيز الأمن والسلم والتي تهدف بالأساس إلى خلق الاستقرار في حوض البحر الأبيض المتوسط".
وينطوي عنوان هذا النشاط العسكري على دلالات متعددة، ويقول الدكتور أنيس بوقيدر، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية إن "اسم المناورات في حد ذاته يراد منه إيصال رسائل ذات مضامين متعددة سياسية وعسكرية في الدرجة الأولى أهمها أن التمرين يستهدف الصحراء الشرقية للجزائر والمغرب بأطماعه التوسعية لذلك استدعت الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي في البلاد ووصفت الحدث بالأمر الاستفزازي".
ومن الأهداف المخفية للمناورة أيضا "الصحراء الغربية"، ويشرح أنيس بوقيدر موجزا: "الجيش الفرنسي ينسق مع نظيره المغربي في مناورة تدريبية لاختبار جاهزية الجيش المغربي للقيام بعمليات عسكرية في الصحراء الغربية وفرنسا بمشاركتها في هذه المناورات تكون قد أكدت دعمها للمغرب لوجستيا وعسكريا".

أ ف ب
جنود في الجزائر العاصمة اثناء الاحتفالات بالذكرى الستين للاستقلال في 5 يوليو 2022

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب أمام البرلمان المغربي التأكيد على تأييد بلاده لسيادة المغرب على الصحراء الغربية، حتى إنه وعد باستثمارات فرنسية في الإقليم المتنازع عليه من بين حوالي 40 عقدا واتفاق استثمار بأكثر من 10 مليارات يورو في عدة مجالات تأكيدا لشراكة "استثنائية".
والمؤكد حاليا هو تصاعد الأزمة بين الجزائر وفرنسا ودخولها منعطفا خطيرا ينذر بعواقب صعبة لا سيما بعدما انتقل التشنج من التصريحات والتصريحات المضادة إلى المستويات العسكرية، ويقول في هذا المضمار أنيس بوقيدر إن "المناورات ستجرى على بعد 100 كلم عن الحدود الجزائرية وهو يوحي بتصعيد حدة العداء ضد الجزائر من طرف جهات تعمل على تعميق الفجوة بين الجزائر وفرنسا التي تعيش اليوم أزمة عميقة في شقها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي".

الجزائر وصفت المناورات بالعمل الاستفزازي بالنظر إلى العناصر التي رافقت الترويج لها، وهنا يمكن الاستدلال بتسمية المناورات (شرقي 2025) وإسقاطها على الخطاب المغربي الذي يحاول دائما استفزاز الجزائر

ويتفق معه في الطرح الأستاذ المختص في الشأن الأمني أحمد ميزاب، ويقول في حديث لـ"المجلة" إن "الجزائر وصفت المناورات بالعمل الاستفزازي بالنظر إلى العناصر التي رافقت الترويج لها، وهنا يمكن الاستدلال بتسمية المناورات (شرقي 2025) وإسقاطها على الخطاب المغربي الذي يحاول دائما استفزاز الجزائر".

فالتسمية تؤكد الخطاب السياسي الذي تزعمته أطراف سياسية مغربية حول ما يعرف بـ"الصحراء الشرقية" وهي جزء لا يتجزأ من الصحراء الجزائرية الغربية، وهنا تمكن الإشارة إلى تصريحات سابقة أدلى بها عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية الأسبق التي زعم فيها أن منطقة تندوف وأجزاء أخرى من الجزائر تنتمي تاريخيا للمغرب مثل تندوف وبشار وتوات في الجزائر، ومن بين الذين فاقموا الجدل الرئيس الأسبق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في المغرب أحمد الريسوني، الذي دعا عام 2022، إلى "الجهاد ضد الجزائر" و"الزحف إلى تندوف وضمها إلى المملكة المغربية لتحقيق حلم علال الفاسي" وهي التصريحات التي أثارت موجة غضب واسعة على الصعيدين السياسي والشعبي. واللافت أن الريسوني لم يستهدف الجزائر فقط بل زعم أن "موريتانيا والصحراء الغربية تابعتان للمغرب" وهو الأمر الذي خلف ردود فعل شبيهة في عدد من العواصم.

السيناريو نفسه تكرر في مارس/آذار 2023، بعد أن أدلت بهيجة سيمو وهي مديرة الوثائق الملكية بتصريحات تفيد فيها بمطالبة المغرب بأجزاء من الأراضي الجزائرية"، لتثبت هذه التصريحات مجلة "ماروك إيبدو" على غلافها إذ نشرت خريطة جديدة للبلدين ألحقت فيها أجزاء واسعة من التراب الجزائري بما يسمى "الصحراء الشرقية" وهي الخطوة التي ردت عليها وكالة الأنباء الجزائرية إذ نشرت مقالا مطولا قالت فيه إن "دواليب النظام المغربي أوعزت إلى أحد الدكاكين الإعلامية المقربة من القصر الملكي في الرباط والمعروفة بعدائها للجزائر، لنشر ملف دعائي، يفتقد لأية احترافية إعلامية، يعكس الأطماع التوسعية المغربية".

وذكرت الوكالة إن "هذه الخرجة لم تكن بالتأكيد اعتباطية، إذ جاءت أياما فقط بعد تصريح مديرة الوثائق الملكية، بهيجة سيمو، حول الموضوع نفسه، لتعيد إحياء نقاش عقيم حول موضوع تم الفصل فيه بموجب اتفاقيات مسجلة على مستوى منظمة الأمم المتحدة".

font change