كنت قد أحجمت عن الكتابة عن سوريا منذ السادس من ديسمبر/كانون الأول 2024، أي قبل يومين من دخول "هيئة تحرير الشام" إلى دمشق والإطاحة بحكم الأسد. في ذلك الوقت، بينتُ أنه من واجب الدول العربية أن لا تسمح بانهيار الدولة السورية والإمساك بزمام المبادرة وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وأوضحتُ كذلك أنه، على الرغم من أن القرار "اعتُمد في عام 2015، عندما كانت الظروف مختلفة اختلافا كليا، فإنه يبقى الإطار المتفق عليه دوليا للوصول إلى تسوية ما وأنه يحتاج إلى خطة عمل لتسهيل تطبيق بنوده الأساسية المتمثلة في الانتقال السياسي، وإعادة الإعمار، وعودة اللاجئين، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة". كما بينتُ أيضا أن هذا الأمر من شأنه أن "يخلق الظروف المناسبة لوضع حد للتدخل الأجنبي في سوريا".
ومنذ ذلك الحين، وأنا أراقب الأحداث التي راحت تتكشف في كافة أنحاء سوريا. تابعتُ التطورات بمزيج من الأمل والقلق، بل وربما ببعض الأسى أحيانا. الأمل في مستقبل أفضل للشعب السوري الذي رزح طويلا تحت وطأة نظام متعنت عجز عن ممارسة المرونة والابتكار، وحشد الإرادة السياسية لتلبية تطلعات شعبه. كنت مفعما بالأمل لأن أخلاقيات العمل المُثلى، والمثابرة، وروح الإبداع، والفطنة الريادية التي يتمتع بها أبناء الشعب السوري، كفيلةٌ بجعله قادرا على رسم مستقبل أفضل لبلاده.
أما القلق فسببه تعقيد المعضلة السورية، بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية، التي تتطلب قيادة استثنائية قادرة على اجتراح الحلول لإنجاز الانتقال السياسي وصولا إلى نظام حكم "ذي مصداقية وتعددي وغير طائفي" كما ينص القرار 2254.
غير أن الذكرى السنوية الرابعة عشر للانتفاضة السورية، مقترنة بالتطورات التي شهدتها الأيام القليلة الماضية، ساعدتني في التغلب على ترددي في مشاركة آرائي حول الوضع الراهن، وكلي أمل أن تساعد مساهمتي الشعب السوري على تحقيق تطلعاته في الحرية والكرامة والازدهار.
وعلى الرغم من أن هذه التطورات ما زالت تندرج ضمن إطار الأمل والقلق، فإنها عززت قناعتي بأنه لا ينبغي ترك سوريا لتبحر وحيدة في المياه الغادرة للانتقال السياسي. إذ يقع على عاتق المجتمع الدولي، وفي مقدمته الأمم المتحدة، والدول العربية أولا، واجب، بل مسؤولية، مساعدة الشعب السوري على تجاوز صعوبات الانتقال السياسي.
لنسلط الضوء أولا على مؤتمر الحوار الوطني. كان بيانه الختامي خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن العملية المتسرعة، فضلا عن قصر مدتها المؤسف، تركت الكثير من السوريين، وكذلك عددا غير قليل من المراقبين الدوليين، متشككين في مصداقيتها. والأمر الذي يلقي بظلاله هو إذا ما استُخدمت الأساليب نفسها التي اعتُمدت في تنظيم المؤتمر عند تشكيل الحكومة الانتقالية، وصياغة الدستور، والسعي لتحقيق العدالة الانتقالية، والتحضير للانتخابات الوطنية، وغيرها من القضايا الحساسة، فلا شك أن هذا سوف يترك المزيد من السوريين في حالة من اليأس بشأن مستقبلهم.