ماذا تخبئ سنة 2025 للاقتصاد الروسي؟

ما هي مستجداته وأرقامه بعد ثلاث سنوات من غزو أوكرانيا، الإيجابيات والسلبيات الحالية والمنتظرة

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
معاناة الروبل الروسي في مقابل الدولار الأميركي في الميزان بعد ثلاث سنوات من الحرب على أوكرانيا

ماذا تخبئ سنة 2025 للاقتصاد الروسي؟

في اجتماع متلفز مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين متباهيا في فبراير/شباط المنصرم: "يمكن القول إن اقتصاد بلدنا تعامل بنجاح مع الضغوط غير المسبوقة المتعلقة بالعقوبات، خلافا لكثير من الدول التي فرضت علينا تلك العقوبات". وقدم عرضا للإنجازات الاقتصادية التي تحققت في سنة 2024، إذ نما الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 4.1 في المئة، متجاوزا التوقعات الرسمية بمقدار 0.2 نقطة مئوية. وتأكيدا على أن البلاد لم تتأثر بالعقوبات التي فرضت في أوقات مختلفة منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، قال ميشوستين إن دائرة الإحصاءات الحكومية الاتحادية أعادت النظر في البيانات الاقتصادية للسنوات السابقة أيضا.

وأضاف: "إن نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي في سنة 2023 لم يبلغ 3.6 في المئة كما أفيد في الأصل، بل بلغ في الواقع 4.1 في المئة"، مشيرا إلى تصحيح الرقم بعد نشر التقارير السنوية من قطاع الأعمال، والتقارير المحاسبية من الهيئات الحكومية، وسواها.

مثل هذه الاجتماعات الرفيعة المستوى، هو مشهد شائع على التلفزيون الروسي، حيث يظهر فيها الرئيس بوتين فيما يبدو نقاشا رسميا متكلفا وغير عادي مع مسؤول حكومي، ويخضع مضمونه بطبيعة الحال للتدقيق المسبق من قبل الكرملين، ويعني ذلك أن على مشاهدي التلفزيون الروسي ألا يتوقعوا سماع أخبار سيئة في هذه البرامج. فهل حقق الاقتصاد الروسي أداء جيدا بعد ثلاث سنوات من غزو أوكرانيا، أم أن سنة 2025 تحمل مخاطر قد تهز ثقة بوتين وميشوستين وبقية القيادة الروسية؟

هل أسباب التفاؤل مع عودة ترمب في مكانها؟

كان نمو الاقتصاد الروسي مدفوعا بزيادة إنفاق الدولة وإعادة توجيه إنتاجها الصناعي لتلبية احتياجاتها في زمن الحرب. وقد ظهرت في أواخر سنة 2024 بعض المؤشرات على أن الاقتصاد قد بلغ حدود طاقته القصوى، لكن عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض وجهوده لإعادة بناء العلاقات مع روسيا أثارت شعورا بالتفاؤل الحذر في الكرملين.

تلقى القطاع الخاص الروسي بالترحاب المحادثة الهاتفية التي أجراها ترمب مع بوتين، وتجنبه توجيه اللوم المباشر إلى الكرملين بشأن الحرب في أوكرانيا، ونقاشه الكارثي مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي

وقد تلقف القطاع الخاص الروسي بالترحاب المحادثة الهاتفية التي أجراها ترمب مع فلاديمير بوتين، وتجنبه توجيه اللوم المباشر إلى الكرملين بشأن الحرب في أوكرانيا، ونقاشه الكارثي مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي في المكتب البيضاوي، والأنباء عن أن فريقه ربما يضع خطة لتخفيف العقوبات المفروضة على الشركات الروسية. فارتفعت سوق الأسهم الروسية بنسبة 11.1في المئة منذ بداية السنة. وبعد انخفاض سعر صرف الروبل الروسي إلى 113.72 مقابل الدولار الأميركي في 1 يناير/كانون الثاني، فإنه عاود الارتفاع منذ ذلك الحين وبلغ نحو 89 مقابل الدولار في أوائل مارس/آذار.

وبعدما كانت نسبة البطالة في البلاد 2.5 في المئة فحسب طوال معظم سنة 2024، فإنها انخفضت دون ذلك إلى 2.3 في المئة في مارس/آذار 2025، وفقا لدائرة الإحصاءات الحكومية الاتحادية "روستات". وقال ميخائيل ميشوستين إن الروس العاديين أصبح لديهم الآن مزيدا من الدخل المتاح للإنفاق، إذ ارتفعت المداخيل بنسبة 8.4 في المئة والأجور الحقيقية بنسبة 8.7 في المئة في سنة 2024.

أوروبا لم تستطع التخلي عن الغاز الروسي

وعلى الرغم من كل الحديث عن تخلي أوروبا عن الطاقة الروسية، والعقوبات المفروضة عليها، فإن القارة لم تتمكن من الاستغناء عنها تماما حتى الآن. وقد أظهر التقرير السنوي عن حالة اتحاد الطاقة في الاتحاد الأوروبي أن روسيا ما تزال ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي السائل في أوروبا، وأنها تلبي 18 في المئة من احتياجات القارة. ونشرت منظمة مستقلة تدعى "مركز بحوث الطاقة والهواء النظيف" بيانات في مارس/آذار 2025 تفيد بأن مشتريات الاتحاد الأوروبي من أنواع الوقود الأحفوري الروسي، بما في ذلك النفط والفحم والغاز، زادت على 205 مليارات يورو منذ بدء الغزو الواسع النطاق في سنة 2022. وربما تكون تلك البيانات ما استند إليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب عندما قال للكونغرس في وقت سابق من ذلك الأسبوع: "إن أوروبا أنفقت للأسف على شراء النفط والغاز الروسي أكثر بكثير مما أنفقته على الدفاع عن أوكرانيا".

أ.ف.ب.

لكن ربما لا تكون سنة 2025 سنة وردية للاقتصاد الروسي، لأن كثيرا من التحديات الكبيرة ما تزال تلوح في الأفق.

ما تأثير العقوبات الأوروبية في الاقتصاد الروسي؟

ربما كانت تعليمات دونالد ترمب بوضع خطة لتخفيف العقوبات مجرد تكتيك، بعرض حافز أمام موسكو قبل بدء المفاوضات بشأن أوكرانيا في المملكة العربية السعودية. لكن حتى إذا خففت العقوبات الأميركية، فإن ذلك قد لا يقدم دفعة كبيرة للاقتصاد الروسي في القريب العاجل. ففي سنة 2021، أي قبل غزو أوكرانيا، شكلت حصة الولايات المتحدة 3.6 في المئة فقط من الصادرات الإجمالية لروسيا، وكانت مصدر 5.9 في المئة فقط من وارداتها.

بلغ التضخم 9.5% في سنة 2024، وشهدت أسعار المواد الغذائية الأساسية ارتفاعا يزيد على 10%. وفي محاولة لمواجهة ذلك، حافظ البنك المركزي على سعر الفائدة عند 21%، وهو أحد أعلى الأسعار في العالم

يبقى الجانب الأكبر من التأثير المتوقع للعقوبات متوقفا على أوروبا، إذ لا يزال معظم قادتها على ما يبدو يميلون إلى إبقاء العقوبات على روسيا بل تشديدها أيضا. فقد كانت أوروبا مصدر نحو 40 في المئة من واردات روسيا قبل سنة 2022، بما في ذلك المكونات المهمة للصناعات الرئيسية. على سبيل المثال، أوقفت شركة "إس 7 إيرلاينز" في روسيا 31 طائرة من طراز "إير باص أ320" من أصل 39 طائرة في نهاية سنة 2024 لأنها لم تعد قادرة على شراء قطع غيار من أوروبا.

في غضون ذلك، انخفضت الأسعار العالمية للمعادن والفحم، ما تسبب في خسائر حقيقية للصناعات الروسية الرئيسية. فهناك أكثر من نصف مليون روسي يعملون في مناجم المدن الصغيرة ومصافيها، وربما تحدث الخسائر المالية في هذا القطاع أزمات اقتصادية في المقاطعات الروسية وتؤدي إلى استياء اجتماعي وسياسي.

أ.ف.ب.

وتمسك الشركات الأوروبية بمفتاح أي عودة محتملة للشركات الغربية إلى روسيا. ويعني استمرار "بنك رايفايزن" النمسوي في العمل في روسيا أن هناك مزيدا من الاحتمالات لإلحاق الضرر بالأداء الاقتصادي للكرملين، إذا قرر القادة الأوروبيون المضي في هذا الاتجاه. وفي 6 مارس/آذار، خاطب الرئيس إيمانويل ماكرون الفرنسيين واصفا روسيا بأنها "تهديد لأوروبا". وفي غياب التزام أميركي قوي بشأن أوكرانيا، اضطلعت فرنسا والمملكة المتحدة بدور قيادي يمكن أن يؤدي إلى مزيد من المشكلات الاقتصادية لروسيا.

تحديات داخلية: التضخم وموازنة الدفاع وسعر الفائدة

مع أن الاقتصاد الروسي أثبت قدرته على الصمود في مواجهة العقوبات حتى الآن، فإن سنة 2025 قد تحمل سلسلة من المشكلات والمفآجات الرئيسية للبلاد.

فقد بلغ التضخم 9.5 في المئة في سنة 2024، وشهدت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الزبدة والبيض والخضراوات ارتفاعا يزيد على 10 في المئة. وفي محاولة لمواجهة ذلك، حافظ البنك المركزي على سعر الفائدة عند 21 في المئة، وهو أحد أعلى الأسعار في العالم، في حين واصل التحذير من أن التضخم قد يظل عند 7-8 في المئة في العام المقبل. وارتفعت المعاشات التقاعدية، وأطلقت برامج القروض التي تدعمها الحكومة، ما ساهم في ارتفاع معدل التضخم.

كان الاقتصاد الروسي في العامين المنصرمين يعمل كعداء ماراثون على المنشطات المالية – وأخذت هذه المنشطات بالتلاشي الآن، وقد يضعف الزخم الحالي في غضون عام من دون إدخال تصحيحات كبيرة على المسار

ألكسندرا بروكوبنكو، الباحثة غير المقيمة في "مركز كارنيغي روسيا وأوراسيا

في هذه الأثناء، وفقا لبعض التحليلات، يستعد الكرملين لإنفاق ما يزيد على 40 في المئة من موازنة 2025 على الدفاع، وتحرص الحكومة على استخدام خيارات إنفاق أخرى لدرء الشعور بتكاليف الحرب عن مواطنيها.

ثمة وجه آخر لانخفاض رقم البطالة الذي يفترض ألا يحمل الحكومة الروسية على الفخر - نقص في المواهب المتاحة للتوظيف في البلاد. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون روسي من ذوي المهارات غادروا البلاد منذ الغزو، وجنّد نحو 500 ألف آخرين في المجهود الحربي.

73 في المئة نقص العمالة في الصناعة

ومن المتوقع أن تثير الأجور المرتفعة التي تدفع لمن يقاتلون في أوكرانيا مشكلات جديدة على المدى المتوسط والطويل، إذا دعت الحاجة إلى استيعاب هذه القوة العاملة في أماكن أخرى في الاقتصاد بعد وقف إطلاق النار المحتمل. وتفيد وسائل الإعلام الروسية بأن 73 في المئة من الصناعات تشكو من نقص في العمالة، مع أن هناك 1.6 مليون وظيفة شاغرة.

أ.ف.ب.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتفقد سيارة" لادا نيفا" الكهربائية روسية الصنع، في مدينة تولياتي 28 يناير 2025

تؤثر هذه العوامل بلا شك على التوقعات الاقتصادية للبلاد. وكان رئيس الوزراء ميشوستين صريحا في اجتماعه المتلفز مع الرئيس بوتين عندما أشار إلى أن الاقتصاد الروسي سيتباطأ في سنة 2025، ولكن ذلك ضروري "لضمان نمو اقتصادي طويل الأمد قائم على بيئة اقتصاد كلي مستقرة".

تقدم ألكسندرا بروكوبنكو، الباحثة غير المقيمة في "مركز كارنيغي روسيا وأوراسيا"، تشخيصا أكثر تشاؤما بكثير. فقد كتبت في صحيفة "موسكو تايمز": "كان الاقتصاد الروسي في العامين الماضيين يعمل كعداء ماراثون على المنشطات المالية – وأخذت هذه المنشطات بالتلاشي الآن... وقد يضعف الزخم الحالي في غضون عام من دون إدخال تصحيحات كبيرة على المسار. ويمكن أن تتحول التحديات المالية والاجتماعية التي تلوح في الأفق الآن إلى أزمة كاملة في سنتي 2026-2027".

إن الشركات الأميركية التي انسحبت من روسيا لن تسرع في العودة إليها على الفور. فروسيا لم تعد اللاعب الفاعل الكبير في سوق النفط الدولية كما كانت في السابق. وقد عززت أميركا إنتاجها من النفط وحلت محلها في الأسواق الأكثر ربحية

إلينا ريباكوفا، الزميلة الأولى في "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي

هناك سبب لعدم الاحتفال في الكرملين، حتى عندما يقول دونالد ترمب إنه يجد التعامل مع روسيا أسهل من التعامل مع أوكرانيا. فالتحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد خطيرة، والتخفيف المحتمل للعقوبات من قبل الولايات المتحدة ليس علاجا شاملا يجلب الفرج على الفور.

رويترز
أبراج موسكو، 17 سبتمبر 2024

تقول إلينا ريباكوفا، الزميلة الأولى في "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي"، إن الشركات الأميركية التي انسحبت من روسيا لن تسرع في العودة إليها على الفور. فروسيا لم تعد اللاعب الفاعل الكبير في سوق النفط الدولية كما كانت في السابق. وقد عززت الولايات المتحدة إنتاجها من النفط وحلت محلها في الأسواق الأكثر ربحية. بل إن ترمب لن يتخلى عن هذا الموقف في أي وقت قريب حتى لو طور علاقات دافئة مع بوتين.

على الرغم من استمرار وجود كثير من العوامل المتغيرة التي ستتضح في سنة 2025، فإن لدى ميشوستين وبوتين كل الأسباب التي تدعوهما لالتزام جانب الحذر. فربما لا يترافق وقف إطلاق النار، أو حتى التوصل إلى اتفاق سلام، مع أوكرانيا مع رفع جميع العقوبات. ويواجه الكرملين مهمة شاقة لإبقاء التحديات الاقتصادية المقبلة تحت السيطرة.

font change