5 مسلسلات مصرية تستكشف قضايا الحب والصداقة واليتم وأزمات الهوية

رؤى بصرية وسردية مختلفة تغوص في الراهن الاجتماعي

AlMajalla
AlMajalla

5 مسلسلات مصرية تستكشف قضايا الحب والصداقة واليتم وأزمات الهوية

يحمل عدد من المسلسلات المصرية خلال الموسم الرمضاني الحالي طموحات واسعة من حيث تعدد مواضيعه وخياراته الفنية والإخراجية وبناؤه الدرامي. فيستعرض مسلسل "إخواتي" عوالم النساء وصراعاتهن للحصول على حد أدنى من الأحلام، ويحاور "قلبي ومفتاحه" تاريخ السينما العربية برومانسية عصرية، ويغوص "ولاد الشمس" في عالم اليتم و"صداقة الغلابة"، ويفتح "الشرنقة" عوالم المرض النفسي في طغيان الرأسمالية، ويستلهم "النص" مرحلة أساسية من تاريخ مصر المعاصر والنضال ضد الاستعمار البريطاني.

"إخواتي"... كوميديا سوداء

يقدم المخرج محمد شاكر خضير عملا يطرح تعقيدات قصوى منذ حلقته الأولى، التي غالبا ما توظّف لتقديم الإطار العام للعمل والتمهيد له. حلم غريب تراه نجلاء (جيهان الشماشرجي) حول مقتل زوجها بشكل معين، ترويه علنا وتطلب من شيخ يظهر على إحدى القنوات التلفزيونية تفسيره، قبل أن يتحقق على أرض الواقع وتظهر جثة الزوج ربيع (أحمد حاتم) كما رأتها في الحلم حرفيا على باب الشقة.

انطلاق الأحداث من جثة يجب إخفاؤها، يضع البنية العامة مباشرة في مواجهة حدود قصوى تتعلق بكيفية إدارة الحياة في ظل وجود جثة في البيت يجب التخلص منها والاستمرار في ممارسة الحياة بشكل اعتيادي وكأنها غير موجودة. في تلك اللحظة، يشرع المسلسل في عرض عالم العلاقات الدافئة بين الأخوات الأربع سهى (نيللي كريم) وأحلام (روبي)، وناهد (كندة علوش)، ونجلاء (جيهان الشماشرجي).

تحمل كل واحدة من الأخوات قصة، وتمتلك حلما مكسورا يحرص المسلسل على عرضه، وكأن الجميع عالق في قصة كبرى تشكل كل قصة خاصة فيها خطا فرعيا داخل سردية أوسع تمثلها الأعراف الاجتماعية والظروف الاقتصادية والانتماءات الطبقية. معركة الخروج من أسر هذا الواقع، تستجلب الحدود القصوى وردود الأفعال الحادة التي يتبين أنها دفاعية فحسب. فالعنف الذي يصدر عن أولئك النساء، لا يستبطن رغبة في إيقاع الأذى بالآخرين بقدر ما يشير إلى هشاشة حادة تبحث عن ترميم.

كأن الجميع عالق في قصة كبرى تشكل كل قصة فيها خطا فرعيا داخل سردية أوسع تمثلها الأعراف والظروف الاقتصادية والانتماءات الطبقية

رغبات النساء التي تبدو بسيطة وعادية، يظهرها المسلسل شبه مستحيلة، لكنه لا يذهب إلى معالجة ميلودرامية، بل يضعها في إطار التشويق والإثارة والكوميديا الاجتماعية السوداء، التي تجعل السلوكيات المنطوية على درجة قصوى من اليأس والمرارة تثير ابتسامات متعاطفة ومتفهمة، تُقدَّم على خلفية خيارات صوتية وغنائية مختارة بعناية، تحضر فيها أم كلثوم وشيرين عبد الوهاب والموسيقى الشعبية، مما يساهم في إدخال الشخصيات إلى قلوب المشاهدين دون الوقوع في فخ الابتذال.

نجمات مسلسل "إخواتي"

خلق صناع العمل توازنا دقيقا بين الواقع والفانتازيا، يعتمد على تقديم مشاهد ذات طابع بصري قوي تجعل المشاهد شريكا في شعور الشخصيات بالضيق والتوتر، كما يوظف العبثية في سياق التوتر السيكولوجي المتعدد الدلالات.

قدم جميع الممثلين أداء متقنا. نيللي كريم قدمت شخصية قوية تحمل عقدة من شكلها تجعلها مدفوعة بشكل هستيري للقيام بعملية تكبير الصدر، بينما تألقت روبي في دور الباحثة عن المكانة والأمان، مُظهرة تناقضات شخصيتها دون مبالغة. وقدمت كندة علوش أداء بارزا لشخصية امرأة محرومة من الأمومة وباحثة عن الرومانسية والود، في حين شكلت جيهان الشماشرجي مفاجأة العمل بأدائها شخصية الزوجة المعنفة التي تجد نفسها عالقة في وضع خطير. أما حاتم صلاح فمنح المسلسل بعدا كوميديا لافتا بشخصية الحشاش المتلاعب، وظهور محمد ممدوح كضيف شرف منح المسلسل قوة وتماسكا وخصوصية، أما أحمد حاتم، وعلى الرغم من ظهوره المحدود، فتمكن من جعل شخصية الزوج القاسي والمتسلط تدفع في اتجاه تحول مقتله المفاجئ إلى تفريج درامي يتيح تدفق القصة على نحو تصاعدي.

"النص"... قوة المهمشين

يعود أحمد أمين إلى الموسم الرمضاني بمسلسل يعتمد على وصفة نجاح مضمونة، إذ يخاطب المصريين من باب الحنين، مستعيدا ذاكرة النضال ضد الاحتلال البريطاني عبر إحياء مشهدية تلك الحقبة بأبنيتها وأزقتها وأزيائها وظروفها. لا يتوقف المسلسل عند استحضار الماضي، بل يعيد تشكيله على نحو يبرز الصراعات الاجتماعية والطبقية، ويكشف تداخل الحياة اليومية مع السياسة، وكيف نشأت المقاومة في زوايا غير متوقعة من بين المهمشين والمنبوذين والمطاردين الذين وجدوا في الحيلة والذكاء وسائل للبقاء، ثم تحولوا بفعل الظروف إلى أبطال دون أن يتخلوا عن طبيعتهم الأصلية.

يعتمد المسلسل على كتاب "مذكرات نشال" لأيمن عثمان، الذي يروي سيرة عبد العزيز النص، كبير النشالين الذي يتحول إلى مناضل ضد الاستعمار البريطاني، ويرتكز على أحداث حقيقية، من بينها تأسيس أول نقابة للنشالين، التي كانت أشبه بتنظيم قائم بذاته له مواثيق وقوانين داخلية. وهي فكرة لم يفرد لها المسلسل مساحة كبيرة، لكنه أوحى بها في الخلفية كجزء من البناء الاجتماعي الذي نشأ فيه "النص" ورفاقه.

لا يتوقف المسلسل عند استحضار الماضي، بل يعيد تشكيله على نحو يبرز الصراعات الاجتماعية والطبقية، ويكشف تداخل الحياة اليومية مع السياسة

في هذا السياق، لا يقدم المسلسل النشالين بوصفهم أبطالا شعبيين منذ البداية، بل يعرضهم كما هم، هامشيين يحاولون النجاة، ويجدون في مهنتهم حماية من القهر الاجتماعي، قبل أن تتحول هذه المهارة ذاتها إلى سلاح سياسي. وتعكس قصة تكوين العصابة أن فكرة النشل كمهارة عامة اتخذت سياقا مهنيا واجتماعيا وعاطفيا، وحد بين مجموعة متنافرة من الأشخاص، ومنحهم بديلا من التهميش والإقصاء الذي يواجههم به المجتمع.

مسلسل "النص"، بطولة النجم الكوميدي أحمد أمين

يقدم أحمد أمين شخصية "النص" بأسلوب يجمع بين الخفة والحضور الدرامي، معتمدا على إمكاناته كممثل يمتلك وعيا بالحركة والأداء الجسدي، فينقل شخصيته بين مواقف الكوميديا والتوتر والدراما بسلاسة. أما حمزة العيلي فيقدم شخصية درويش الذي يتميز بحس فكاهي طفولي يعكس البراءة وسط عالم محكوم بالخديعة والمكر. وتجسد أسماء أبو اليزيد في دور رسمية، شخصية المغوية التي لا تقع في التنميط، بل تمنح الشخصية أبعادا تجعلها أكثر تعقيدا.

تظهر التناقضات في بناء الشخصيات، خصوصا شخصية الضابط المصري (صدقي صخر)، الذي يرتبط بعلاقة قرابة بطبقة أريستقراطية قريبة من الإنكليز. جسده المتصلب، نظرته المتوترة، طريقته في المشي والجلوس، تعكس محاولته المستمرة لإخفاء تناقضاته.

لا تستخدم الموسيقى في "النص" مجرد خلفية، بل إنها جزء أساسي من بنائه، حيث استعان العمل بأغان تعود الى تلك الحقبة لا توظف لإعطاء العمل طابعا زمنيا دقيقا فحسب، بل لتعكس المزاج الشعبي العام آنذاك.

إضافة إلى البعدين البصري والسردي، يتمتع المسلسل ببعد تثقيفي، إذ ينهي العديد من الحلقات بمقاطع تعريفية عن حقائق من تلك الفترة، مثل العملات المستخدمة، وأسماء الشوارع التي تغيرت، وحتى ذكر وجود مدرسة لتعليم النشل في ثلاثينات القرن الماضي.

"الشرنقة"... الذات المتبددة في ظل الرأسمالية

يغوص مسلسل "الشرنقة"، من تأليف عمرو سمير عاطف وإخراج محمود عبد التواب، في عالم المرض النفسي والجريمة والرأسمالية المفرطة، التي تسيطر على الوجود المعاصر، وتطبع علاقاته وقيمه، وتحدد أنماط السلوك التي يتبادلها الناس في إطار تحكمه المصالح والرغبات، ولا تمتلك فيه الأخلاق سلطة أو تشكل رادعا.

في مثل هذا العالم، يبني المخرج شخصية حازم (أحمد داود)، ويختار لها مرضا دقيقا ومناسبا، يبدو آلية التكيف الوحيدة الممكنة مع ما تبثه الرأسمالية المطلقة من أمراض، وهو اضطراب الهوية الانفصالي، الذي يتميز بوجود هويات متصارعة داخل الفرد، تفرز كل واحدة منها سلوكا خاصا منفصلا عن الأخرى.

لقطة من مسلسل "الشرنقة"

يتسبب هذا المرض أيضا بحالات فقدان ذاكرة مؤقتة، وعدم القدرة على تحديد الهوية الشخصية، وقد يشعر البعض أنهم يراقبون ما يجري في دواخلهم من خارج أجسادهم. إلى جانب أحمد داود، يشارك في العمل صبري فواز في دور المدير الفاسد، بينما يجسد علي الطيب شخصية الضابط الذي يسعى إلى كشف الفساد، فيما تؤدي مريم الخشت وسارة أبي كنعان دورين يضيفان بعدا إنسانيا للصراع.

يوظف العمل أبعاد هذا المرض ويدمجها مع بنية درامية غير خطية، ومع الحكايات المتشظية التي تبدو للوهلة الأولى أوهاما أو بنى حلمية، قبل أن يرد تشابكها وتعددها إلى شخصية واحدة مضطربة، لموظف حسابات بسيط تحاصره هموم الحياة اليومية.

يوظف العمل أبعاد هذا المرض ويدمجها مع بنية درامية غير خطية، ومع الحكايات المتشظية التي تبدو للوهلة الأولى أوهاما أو بنى حلمية

تحت سطوة هذه الظروف، يبدو سلوك درب الفساد بمثابة الطريق الملكي إلى ترميم الذات وتحقيق المكانة والسطوة، وتصعب مقاومة إغوائه، لأن الفرد لا يواجه نفسه وأخلاقه ومجموعة قيم اجتماعية رافضة، بل يجد نفسه خاضعا لإغواء مجتمع طبع مع الفساد وتبناه. وبذلك، فإن الرادع الأخلاقي اختفى بشكل كبير، وبات الخيار أسهل، لأنه يدخل من يتبناه في علاقات قوة، تجعل من الصعب النيل منه، بمعنى أنه يصبح صانعا للنظام ومؤثرا فيه.

يسرد المسلسل تحول المحاسب حازم إلى إيساف، تاجر المخدرات الكبير، ويعرض شبكات الصراعات والعلاقات التي تنشأ من هذه الرحلة. ما يحاول حازم الدفاع عنه هو عالم الأسرة، ويمثل الذات وهويتها المتماسكة، التي يستعد في سبيلها للتضحية بكل شيء. يطرح المسلسل هذه الثيمة، عارضا مسألة تبييض الأموال، وكيف تعمل عصابات المخدرات على تدمير أذهان الناس وهوياتهم، عبر تركيب مواد مخدرة لا توفر حالة انتشاء، بل تجعل الناس فاقدين الهوية والذات.

بدا أحمد داود مقنعا في تقديم أداء جسدي ينسجم مع تحولات الشخصية، فظهر التباين واضحا في لغة جسد حازم المنكفئة الدفاعية، في مقابل لغة جسد إيساف المتباهية والمغرورة. وبرع صبري فواز في تجسيد شخصية المدير الفاسد، المسكون بثقة باردة وشيطانية، وكذلك برز علي الطيب في دور الضابط المختص في قضايا تبييض الأموال، أما محمود عبده، فتألق في دور أنور، كانعكاس للشرير القاسي الحزين، والباحث عن الحب.

وكان للشخصيات النسائية حضور بارز في المسلسل، إذ قدمت مريم الخشت في دور زوجة حازم، أداء متماسكا، بينما قدمت سارة أبي كنعان دور الأنتلجنسيا العلمية، التي لا تجد فرصة للترقي من خلال الطرق المشروعة.

المسلسل، في توظيفه مختلف العناصر الفنية، بما فيها الموسيقى والديكور، محاولة تجمع بين البوليسي والنفسي، بصبغة إخراجية تستعير تقنيات السينما الحديثة التي تعتمد على اللعب بالزمن والهوية والإدراك المتشظي، وتحاول تمصيرها بشكل يعكس إيجابية في تمثل تحولات الإنتاج البصري في العالم ومزاجه وتقنياته، دون أن تفقد هويتها المحلية.

"قلبي ومفتاحه"... الرومانسية في مواجهة الصفقات

يرصد "قلبي ومفتاحه" سياقات اجتماعية استقرت فيها الأمور على بناء يقوم على الصفقات والتسويات، التي خرجت من كونها طريقة لإدارة شؤون العمل وعلاقات التبادل التجارية والمصلحية، لتصبح نسقا مطلقا يحتوي العواطف والرغبات.

يقدم المسلسل بطليه الرئيسين عزت (آسر ياسين)، وميار (مي عز الدين)، بوصفهما شخصيتين محاصرتين بصفقات تعتقدان أنهما تستطيعان عبر الخضوع لها متابعة حياتهما وحمايتهما وضمان استقرارهما، وتجنب الأذى.

لقطة من مسلسل "قلبي ومفتاحه"

يحمل عزت انكسارات حادة، بعد خسارته شركته إثر أزمة كوفيد19 وقلة الموارد، مما دفعه، وهو الحائز شهادة عليا في الفيزياء، الى العمل سائق "أوبر". ترسم ملامحه كشخصية هادئة وباردة، تحمل قدرا كبيرا من الأمية العاطفية والنفسية، مما يجعله مفتقدا الحنان، ميالا للقبول بالصفقات على حساب نفسه، وجاهزا لتبني علاقة مدبرة وزواج تقليدي لمجرد أن ترضى والدته، التي لا يزال يقيم معها على الرغم من بلوغه الأربعين.

علاقة لا تلبث أن تصير جدية، يغامر كل واحد منهما فيها بتدمير نظام الصفقة الذي يخضعان له، واكتشاف أفق الحرية والحب

نسق الفراغ الداخلي والشعور بالدونية، الذي ترسم من خلاله شخصية عزت، يعزز مفهوم الصفقة كنسق يسيطر على نظرة الأشخاص الى أنفسهم، ومحاولتهم الانسجام مع معايير قاسية، تجعلهم يعتقدون أنهم لا يستحقون أكثر من ذلك.

أما ميار فتعقد صفقة مماثلة مع طليقها البلطجي أسعد (دياب)، وهو يعمل في تبييض الأموال وتجارة العملة. بعد أن يطلقها للمرة الثالثة، يصبح محتاجا إلى "محلل"، فيفرض عليها إيجاده في ظرف أسبوع، وحل المسألة، والعودة إليه، وإلا سيحرمها من حضانة ابنها منه.

تنشأ علاقة بينهما تكون في بدايتها تنفيذا لشروط صفقة، ولكنها لا تلبث أن تتحول إلى علاقة جدية، يغامر كل واحد منهما فيها بتدمير نظام الصفقة الذي يخضعان له، واكتشاف أفق الحرية والحب، والإيمان بأن كليهما يستحق أن يكون محبوبا وسعيدا. ولكن مع كسر عالم الصفقة، ينشأ الخطر. وهنا، يذهب بنا المسلسل إلى فكرة أن الثورة على النظام مخاطرة كبرى، لكنها تستحق العناء. وتعزز المسارات القصصية الموازية ذلك التوجه.

مارس صناع العمل لعبة التماهي البصري مع الفكرة العامة للعمل، عبر جولات عامة في شوارع القاهرة، والأحياء الشعبية والفنادق المتوسطة. ولم يبالغ في تصوير بهرجة الغنى، بل حرص في لعبة ذكية على إظهار الإيحاء بالفراغ والوحدة في مقابل اللمة والتجمع.

قدم ممثلو العمل أدوارهم ببراعة، ومن دون مبالغة، وخصوصا في اللقطات القائمة على تعابير الوجه ونبرات الصوت. فاستخدم آسر ياسين طبقة صوت خافتة ورتيبة في المراحل الأولى، قبل أن تشتد، وتصبح أكثر عمقا وصلابة ورقة في القسم الثاني. وينطبق هذا التوصيف على أداء مي عز الدين التي قدمت تعابير منكفئة وصاخبة ومنطوية، ترق وتتخلص من التشنج، بعد لقاء عزت.

لا شك أن عنوان المسلسل، المأخوذ من عنوان أغنية فريد الأطرش الشهيرة، أضفى عليه سياقا رمزيا، فما إن تُعرض الأغنية، حتى يتبدد زمان الشر والقسوة والعنف، ويجد الحبيبان زمنهما. لذا، كان توظيف الموسيقى أعمق من استخدامها كخلفية للأحداث، بل استخدمت بوصفها تعبيرا عن المسار والوجهة المشتهاة.

وقد اختار صناع العمل الإحالة في كل حلقة إلى أحد أفلام السينما العربية البارزة، مثل "الزوجة الثانية" و"اللعب مع الكبار" و"موعد على العشاء"، في احتفاء بالتراث السينمائي المصري. كما حرص على تقديم شخصية "المحلل"، خارج الإطار الكوميدي السطحي، الذي سبق تناوله دراميا، ليدخله في تركيبة رومانسية اجتماعية، تخدم بنية المسلسل، وتعطيه روحا مختلفة.

لقطة من مسلسل "ولاد الشمس"

"ولاد الشمس"... صداقة تداوي جراح اليتم

يقتحم المخرج شادي عبد السلام حلبة السباق الرمضاني بدراما اجتماعية مؤثرة حول عالم الأيتام داخل دار تدعى "ولاد الشمس"، يترأسها مدير استبدادي قاس وفاسد يجبر الأطفال على ممارسة تجارة المخدرات ويسيطر عليهم بالترهيب والترغيب والابتزاز العاطفي.

تتجلى في المسلسل الشخصيات الأربع التي يرسم من خلالها خطوطه السردية وعالم المواجهة، الذي يشكل البناء الرئيس في مقابل خطوط متوازية. الشبان الأربعة تجاوزوا السن القانونية للبقاء في الدار، لكنهم يحرصون على الاستمرار في العيش فيها لحماية الأطفال الباقين الذين يسمونهم إخوتهم. يقيمون شبكة تسويات مع مدير الدار ماجد مقابل رفع الظلم عن إخوتهم وإتاحة الفرصة لهم للتمتع بمستقبل أفضل.

يضع المسلسل قضية الأيتام في دائرة التداول العام، مطالبا بالاهتمام بها من دون الغرق في الوعظ

يتصف كل واحد بصفات خاصة ومميزة. ولعة، يؤدي دوره أحمد مالك، اندفاعي، قتالي، وجريء إلى حد التهور. مفتاح، يؤدي دوره طه دسوقي، منضبط، عاقل، وحسابي. قطايف، يؤدي دوره معتز هشام، عاطفي ومثقف. أما ألمظ، الذي يؤدي دوره مغني الراب خالد إبراهيم المعروف بـفليكس، فهو وفي وصاحب مواقف.

يرسم المسلسل بناءه الدرامي من الصراع الذي يجري بين الشبان الأربعة، ولعة (أحمد مالك) ومفتاح (طه دسوقي) وقطايف (معتز هاشم) وألمظ (خالد إبراهيم) من جهة، وبين ماجد (محمود حميدة)، من جهة أخرى، حيث يمارس هذا الأخير شرا لا يبدو في البداية أنه يتجاوز حدود الابتزاز وتأمين شبكة مصالح مادية، لكن طموحاته تتجاوز ذلك إلى السيطرة على حياة الجميع ومستقبلهم، كما يخفي أسرارا تتصل بتاريخهم.

يتكثف الصراع مع اكتشاف الشباب للعالم الخارجي ومحاولتهم بناء حياة متماسكة وعلاقات عاطفية وشخصية. لكن كل شيء يبدو مستحيلا بسبب المكائد التي يدبرها لهم ماجد والتي تحطم كل أحلامهم. مع ذلك، تبقى الأمور في حالة تسوية ممكنة قبل أن يقتل ماجد الشاب قطايف الذي كان سرق ملفا مهما يحوي أسرارا خطيرة، بعد أن أغرته صحافية كانت تتابع قضية الفساد في الدار وتحاول دعم قصتها بأدلة حاسمة.

تلك لحظة الانفجار الكبرى التي تقضي على إمكان التسوية وتدفع الشبان إلى حبس ماجد في غرفة سفلية في الدار، كان يستخدمها لمعاقبة من يخالفه. لكن المؤامرات التي كان نسجها، تنجح في تدمير العلاقات بين الأصدقاء، ليكون ذلك بمثابة القتل الرمزي.

يمضي المسلسل إلى إطلاق جملة رسائل حادة، عبر مشاهد مؤثرة. ولعل التضاد البصري بين عالم السجن الداخلي والعالم الخارجي الرحب، لعب دورا في تحديد طبيعة المكان بوصفه سجنا، وأظهر الأطفال كأنهم يقومون بنوع من أعمال العبودية. وكان لاستخدام أغاني الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، أثر بارز في تعزيز مفهوم التوق إلى الحرية وإبراز فعل الغناء بوصفه اعتراضا على حالة السجن وثورة عليها، وخصوصا اختيار أغنية "إذا الشمس غرقت"، إضافة إلى توظيف أغاني مصطفى رزق، وموسيقى المهرجانات، وأغاني بهاء سلطان، واستخدامها في مشاهد تحرص على بث روح الحميمية التي تطبع علاقات الأيتام بعضهم ببعض.

يستعرض المسلسل عالم الطاقات المهدورة، وما كان يمكن أن يصبح عليه كل نزلاء دار الأيتام، وخصوصا الشخصيات الأربع، فالمجتمع خسر بطلا رياضيا ومفكرا وإداريا لامعا وإمكانات كثيرة كامنة في الأطفال الذين حوصروا في الدار ودفنت مواهبهم. ويضع المسلسل قضية الأيتام في دائرة التداول العام، مطالبا بالاهتمام بها من دون الغرق في الوعظ. ويقدم، بعد نهاية الحلقات، فيلما تسجيليا حقيقيا قصيرا، يتحدث فيه أبطال "ولاد الشمس" الحقيقيون، ويروون معاناتهم، وكيف تغلبوا على "بابا ماجد" الفعلي، الذي كان يؤذيهم، ليصلوا إلى تحقيق ذواتهم وإطلاق طاقاتهم الكامنة.

font change