ترمب والحوثيون... هل اقترب وقت زوال الجماعة؟

لا نية عند واشنطن لغزو بري لليمن

رويترز
رويترز
الرئيس الاميركي دونالد ترمب يتابع الضربات العسكرية ضد الحوثيين في صورة وزعها البيت الابيض في 15 مارس

ترمب والحوثيون... هل اقترب وقت زوال الجماعة؟

لا أحد من اليمنيين، جلهم تقريبا، سوف يكون سعيدا بسماع المزيد من دوي الانفجارات الضخمة التي تهز مدنا ومناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن، أو برؤية مشاهد الدمار الواسع الذي تلحقه الضربات الجوية الأميركية بمنشآت ومؤسسات مدنية هي في الأصل ملك للشعب اليمني كله وليس للحوثيين، حتى وإن حاول هؤلاء استخدامها لأغراضهم الخاصة الأمنية والعسكرية.

ولكن ما العمل مع جماعة مسلحة لا تشكل خطرا عالميا فحسب، لكنها تمثل قبل ذلك تهديدا أكثر خطورة داخل اليمن نفسه، خصوصا لجهة عدم تمكن اليمنيين طوال عشر سنوات من الحرب من دحر هذه الجماعة واستعادة دولتهم وتأمين مصالح الداخل بالتلازم مع الخارج أيضا.

كثيرٌ من اليمنيين لا يريد أن يرى نهاية لجماعة الحوثيين على يد الولايات المتحدة وبريطانيا بل بأيديهم، سلما أو حربا. فهذا في رأيهم أكبر جدوى وأقل كلفة على الجميع في الداخل والإقليم والعالم.

حساسية اليمنيين عالية إزاء تدخل اسرائيل في مجرى هذا الصراع، أو أن تنوب عنها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا.

ما أهداف الحملة الجارية؟

تركز واشنطن غاراتها الحالية على ما تقول إنها ترسانة الحوثيين العسكرية بما فيها من ورش تصنيع ومنصات لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة ومشاغل لصناعة الألغام الأرضية والبحرية، والرادارات ومعسكرات التدريب وغير ذلك من أصول عسكرية.

 أ ف ب
عمود من الدخان يتصاعد من العاصمة اليمنية صنعاء اثناء القصف الاميركي في 16 مارس

ومن خلال قصفها الجوي لمبان في المربع الأمني للجماعة في كل من حي "الجِراف" ومنطقة "شعوب"، يتضح أن الجيش الأميركي وجهاز الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) يركزان الآن على استهداف واغتيال المستويات الاولى والثانية وحتى الثالثة من قيادة جماعة الحوثيين.

حي "الجِراف" يحتضن مقر المكتب السياسي للجماعة، ويقع فيه مقر قناة وشبكة "المسيرة" الواجهة الاعلامية للجماعة، كما تقطن في هذا الحي قيادات في الجماعة، وسبق أن كان الحي الواقع شمال صنعاء ساحة لأنشطة واسعة للحوثيين، كما كان أول أحياء المدينة التي أسقطها مسلحو الجماعة عند اجتياحهم صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول عام 2014.

لا يمثل الحوثيون أكثر من 10 في المئة من الشعب اليمني البالغ تعداده نحو أربعين مليون نسمة، ولا تمتلك جماعة الحوثي أي تفويض لاتخاذ "قرار حرب" مع أي جهة في الداخل أو الخارج

شبكة "سي إن إن" الأميركية نقلت عن مصدر مطلع في واشنطن أنه "لا نية لغزو أو توغل بري في ‫اليمن‬، ولكن سوف تكون هناك سلسلة هجمات استراتيجية موجهة ومستمرة" على حد قوله.‬‬‬
بنك الأهداف العسكرية في مناطق سيطرة الحوثيين كان قد بدأ في العام الأخير من ولاية الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، عندما طلب من "البنتاغون" إعداد قائمة بأسماء القادة الحوثيين الذين ينبغي استهدافهم، وحين وجه أجهزة الاستخبارات الأميركية لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن أماكن وجودهم وحركتهم وأرقام هواتفهم وهواتف مرافقيهم والأشخاص المتصلين بهم، لكن تفعيل هذه الخطة تأخر بسبب الانشغالات الانتخابية لبايدن في عامه الأخير بالبيت الأبيض، وهو الأمر الذي وصفه خلفه دونالد ترمب بـ"المثير للشفقة" وعدم الحزم.

من هم الحوثيون؟ وما قدرتهم على المواجهة؟


لا يمثل الحوثيون أكثر من 10 في المئة من الشعب اليمني البالغ تعداده نحو أربعين مليون نسمة في البلاد وخارجها، ولا تمتلك جماعة الحوثي أي تفويض لاتخاذ "قرار حرب" مع أي جهة في الداخل أو الخارج.
لكن في حكم المؤكد، أنهم لا يشبهون حركة "حماس" او "حزب الله" اللبناني، فهم يسيطرون على نطاق جغرافي اوسع مساحة وتضاريس معقدة من قطاع غزة وجنوب لبنان معا، وليسوا في تماس بري أو بحري مع الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل.
كما أن الجغرافيا الاجتماعية للحوثيين في مناطق سيطرتهم تسمح لهم بقدر أكبر من المناورة وكسب الوقت وتعويض ما قد يفقدونه، سواء من مقدرات عسكرية أو مادية أو بشرية على مستوى القيادات المستهدفة.
لكن قدرة الحوثيين على مواجهة الولايات المتحدة تبدو مستحيلة، فهم كما وصفهم أحد الساسة اليمنيين "أشبه بذبابة تحاول أن تقاتل فيلا ضخما" لا تقوى حليفتهم إيران ذاتها على مواجهته.

من المسؤول عن التصعيد؟


الحوثيون ومن ورائهم إيران هم، في نظر كثير من اليمنيين والأميركيين من قرر التصعيد في هذا الوقت وليست واشنطن، فقد أعطى زعيم الجماعة ما قال إنها "مهلة لأربعة أيام" لإسرائيل لفتح معابر غزة أمام المساعدات الإنسانية، وأنه ما لم يتم ذلك فسوف يعود إلى استهداف إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

أخطر تبعات العمليات العسكرية الأميركية في اليمن أنها تؤجل المواجهة المباشرة مع إيران رغم حتميتها، وأنها تمنح طهران مزيدا من الوقت والفرص لتسريع تخصيبها اليورانيوم واقترابها من صنع السلاح النووي

ماذا عن إيران؟


مع هذا فإن الإيرانيين الذين قدموا كامل الدعم للحوثي قد يحاولون تبادل الأدوار مع الأخير، بالتظاهر بأنهم لا يملكون تأثيرا على الحوثي الذي سيعمد إلى التظاهر باستقلالية قراره، وهذا ما حمل مسؤولين أميركيين على القول لصحيفة "واشنطن بوست" إن الحوثي ربما لن يستجيب لـ"تعليمات" طهران لوقف هجماتهم البحرية، لكن مسؤولين أميركيين آخرين قالوا إن "الضربات على اليمن هي رسالة لطهران مؤداها أن إيران قد تكون التالية" وهي على الأرجح ستكون كذلك.

موقف الحوثيين


وصف المتحدث باسم جماعة الحوثيين، محمد عبدالسلام، الغارات الأميركية بأنها عدوان سافر على "دولة مستقلة وتشجيع لكيان العدو الإسرائيلي على مواصلة حصاره الجائر على غزة". واعتبر القيادي الحوثي المدرج على القائمة الأميركية للإرهاب أن ما سماه "الحظر البحري المعلن من قبل اليمن إسنادا لغزة يقتصر فقط على الملاحة الإسرائيلية حتى يتم إدخال المساعدات الإنسانية لأهالي غزة حسب اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية وكيان العدو، وقد جاء الحظر اليمني بعد مهلة أربعة أيام للوسطاء".

رأي الداخل اليمني


قطاعٌ واسع من اليمنيين يرى أن العمل المطلوب لاستتباب الأمن في كامل المنطقة لا يجب ان يقتصر فقط على حماية ممرات الملاحة الدولية في البحار المحيطة ما لم يعالج جذر المشكلة المتمثلة في بقاء جماعة الحوثيين.
موجات الضربات الأميركية للحوثيين، من وجهة نظر ساسة وخبراء عسكريين، لن تجدي نفعا في وقف الأذى الذي تسببت فيه هذه الجماعة لأمن وسلامة الملاحة الدولية في المياه الدولية المحيطة باليمن.

انطلاق صاروخ من سفينة اميركية تشارك في الهجوم على الحوثيين من موقع غير محدد في صورة وزعتها القيادة المركزية الاميركية في 15 مارس رويترز

ومن وجهة النظر ذاتها فإن جماعة الحوثيين تتخبط في عمى سياسي غير مسبوق، منقاد بلا هوية لمصلحة غير وطنية، بل إيرانية محضة، يقابلها في واشنطن تفكير متعجل، أو تكتيك خاطئ وغير صحيح.

تبعات الحملة العسكرية ضد الحوثيين


قد يكون من المبكر جدا تقييم نتائج العمليات العسكرية الأميركية الواسعة في عموم المناطق الخاضعة لهيمنة الحوثيين.
غير أن أخطر تبعات العمليات العسكرية الأميركية في اليمن أمران، أولهما أنها تؤجل المواجهة المباشرة مع إيران رغم حتميتها عاجلا أم آجلا، وثانيهما أنها تمنح طهران مزيدا من الوقت والفرص لتسريع تخصيبها اليورانيوم واقترابها من صنع السلاح النووي الذي تحلم بأن يعيد تعديل ميزان القوى في المنطقة وخصوصا مع إسرائيل.

تقول واشنطن إن هدف حملتها العسكرية الجارية هو توجيه رسالة إلى إيران عبر استهداف الذراع الأخيرة المتبقية لها في اليمن، غير أن كثيرين في الغرب وإسرائيل يعتقدون أنه بدون قطع "رأس الأفعى" في طهران فما من معنى لأن تنشغل واشنطن والغرب عموما بمثل هكذا حملات جوية لا يوجد لها ما يسندها على الأرض.

الأثر الاقتصادي


ما يجعل الأمر أكثر سوءا على الحوثيين وعامة اليمنيين في كامل البلاد أن التحرك عسكريا ضدهم تزامن مع بدء تفعيل واشنطن تصنيفها للحوثيين كمنظمة ارهابية أجنبية، وفرضها عقوبات مالية واقتصادية بالغة القسوة، حيث اضطر معها الكثير من البنوك وشركات الصرافة إلى نقل مقارها من صنعاء العاصمة إلى عدن العاصمة "المؤقتة" لتجنب تعرضها لخسائر جراء تلك العقوبات.
ومن المتوقع أن تشهد مناطق الحوثيين أزمة وقود حادة عند بدء سريان حظر استيراد النفط إلى ميناء الحديدة غربي اليمن، الذي تسيطر عليه الجماعة، في الثاني من أبريل/نيسان المقبل.
ومن المعروف أن اليمن يواجه منذ أكثر من عام أزمة معيشية طاحنة جراء ارتفاع الأسعار بعد أن أدت الهجمات الحوثية على خطوط الملاحة البحرية إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين على السفن المتوجهة إلى المدن اليمنية كافة.

واشنطن وموسكو


قرار العقوبات الأميركي على الحوثيين حدد أسماء قيادات حوثية، متهما إياها بعقد صفقات مع شركات سلاح روسية، ولهذا فإن الاتصال الأميركي بالروس لإعلامهم بالهجوم على الحوثيين كان على ما يبدو بهدف الحؤول دون إقحام الملف اليمني في سياق الجهود التي تبذلها واشنطن للتوصل إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا.

هل اقتربت نهاية الحوثيين؟


الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وإسرائيل لا تريد في نظر يمنيين كثيرين وضع نهاية لسلطة الحوثيين، فقد تحتاج إلى إبقائهم "فزاعة" إلى حين، لابتزاز عدد من دول المنطقة.

font change