سوريا... انطلاق العجلة

سوريا... انطلاق العجلة

تتسارع الأحداث في سوريا بسرعة كبيرة، وفي كل يوم ثمة شيء جديد. فتنة في الساحل ظنها البعض بداية مشروع تقسيم سوريا وتفتيتها، وبينما الجميع يراقب ويترقب ما يحصل في جبال الساحل السوري ومدنه، فإذا بالرئيس السوري أحمد الشرع يستقبل في قصر الشعب، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي ويوقعان اتفاقا وصف بالتاريخي.

اتفاق أنهى مشروع فتنة عربية-كردية، تم دون قتال، ووحد سوريا عمليا، وقضى على مشروع راهن عليه الكثيرون في الخارج والداخل لتقسيم سوريا وتفتيتها.

أهم ما في الاتفاق، والذي يحتاج تنفيذ بنوده إلى آخر العام الحالي، هو وحدة الدولة السورية وعاصمتها دمشق، وللدولة جيش واحد لا جيشان، واعتراف رئيس الجمهورية السورية بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من سوريا.

إذن لا تقسيم ولا إقصاء، ولكن لم تنته القصة هنا. فبينما كان السوريون يحتفلون بتوقيع الاتفاق كانت الأنباء تتوالى عن قرب التوصل إلى تفاهم، مع محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.

وصحيح أن تفاهمات مبدئية تمت مع عدة فصائل وجهات سياسية في المحافظة، إلا أن الوضع في السويداء ليس كالوضع في المناطق التي تسيطر عليها "قسد". ففي السويداء هناك عدة جهات، وليست هناك "قيادة" موحدة، فإن تم التفاهم مع جهة اعترضت جهة أخرى، وبعض هذه الاعتراضات يرتبط بمن يرى نفسه "الأحق" بتمثيل المحافظة وتمثيل الموحدين الدروز في سوريا، فهناك طموح "الزعامة" ولا يستخف أحد بما قد يفعله مثل هذا الطموح في عقول البعض.

ذهب شيخ العقل حكمت الهجري بتهديداته للدولة السورية، لم يبد أي اكتراث حقيقي بـ"الدولة الوطنية" التي استخدمها ذريعة منذ اليوم الأول، لسقوط نظام بشار الأسد، واستلام أحمد الشرع زمام الأمور، فتحول خطابه إلى خطاب طائفي تقسيمي بامتياز، ولم تغب إسرائيل عن المشهد، فكانت زيارة بعض مشايخ العقل في القرى الحدودية إلى إسرائيل. ولكن من أجل كل ذلك، على الشرع والقيادة في دمشق الاستمرار في التواصل مع عقلاء الطائفة والوطنيين، ولا تسمح لفئة أن تهمش فئات في السويداء وغيرها.

أهم ما في الاتفاق والذي يحتاج تنفيذ بنوده إلى آخر العام الحالي هو وحدة الدولة السورية وعاصمتها دمشق، وللدولة جيش واحد لا جيشان، واعتراف رئيس الجمهورية السورية بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من سوريا

بين هذا وذاك صدر الإعلان الدستوري، وهو إعلان تسبب في حالة اعتراض عند الكثيرين، فرأوا فيه مشروع قيام ديكتاتورية جديدة في سوريا، تنحصر معظم الصلاحيات فيها بيد رئيس الجمهورية. فيما رأى آخرون أن المرحلة الاستثنائية التي تمر بها سوريا، تحتاج إلى نظام رئاسي تتركز فيه الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية، فلا تدخل البلاد في رحلة التعطيل خلال المرحلة الانتقالية، كما حصل في بعض الدول بعد تجارب الربيع العربي.

لقد عانى السوريون كثيرا طيلة سنوات حكم "البعث" والأسدين، ودفعوا أثمانا باهظة جدا ليتحرروا من الديكتاتورية، ومن الطبيعي أن يكون اليوم "عامل الثقة" هو الأضعف، وخصوصا إذا ما راقبنا اليوم الانقسام الحاصل، حيث لم يعد الانقسام بين ثورة ونظام، بل بين من يريد العدالة ومن يطالب بالتسامح، من يريد دولة المواطنة والمساواة ومن يريد دولة تحكمها الشريعة والأكثرية التي همشت طيلة 54 عاما، بين من يريد سوريا موحدة، ومن يلوح بالانفصال والتقسيم، لابتزاز السلطة في دمشق عند كل مفترق، بين من يريدها علمانية خالصة ومن طالب بالفقه مصدرا للتشريع ومن يطالب بالشريعة.

في سوريا الكثير من الألغام ولكن هناك اليوم أيضا الكثير من الفرص

في سوريا الكثير من الألغام، ولكن هناك اليوم أيضا الكثير من الفرص، والفرصة الأهم هي بتحاور السوريين ليصلوا إلى أكبر حيز من المشتركات بين بعضهم البعض، وقد تكون فكرة مؤتمر الحوار الدائم، فكرة تقلص من حجم الانقسامات، بعد إعادة التأكيد على ما اتفق عليه، "سوريا دولة موحدة يتساوى فيها الجميع".

الألغام ما زالت مزروعة بكثرة في سوريا، وتفكيكها قبل أن تبدأ بالانفجار مجددا يحتاج إلى جهود الجميع، واليوم سوريا بحاجة إلى انطلاق مسار إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، بحاجة إلى رفع العقوبات، وهذا إن حصل سينزع فتيل الكثير من الألغام، وسيسحب من بين أيادي المخربين الخارجين ورقة يستخدمونها في الداخل.

ولنتذكر أنه وقبل أشهر من اليوم، كانت طائرات جيش نظام بشار الأسد، تلقي البراميل المتفجرة فوق رؤوس السوريين، وها هي مروحيات الجيش اليوم تلقي الورود على المحتفلين بعيد الثورة، وهذا ليس تفصيلا، هذا الإنجاز الذي تحقق بدماء وتضحيات الملايين، يجب أن نتمسك به جميعا للعبور إلى سوريا التي نريد.

font change