هكذا ابتلع الأسد أملاك السوريين... تشريع سرقة العقارات بهدف التغيير الديمغرافي (3 من 3)

لا أسهم أو أملاك للمعارضين والمهجرين

المجلة
المجلة

هكذا ابتلع الأسد أملاك السوريين... تشريع سرقة العقارات بهدف التغيير الديمغرافي (3 من 3)

من الهتافات وعلى وقع الاشتباكات بين جيش النظام المخلوع والجيش الحر في داريا والمزة وكفرسوسة قرب مقر رئاسة الوزراء، وإعلان الجيش الحر سيطرته على معسكر الصاعقة (مركز تجمع شبيحة النظام وقوات أمنه) خلف مشفى الرازي، مع قصف عنيف على مدينة داريا، يخرج الرئيس الهارب بشار الأسد بمشروع إحداث منطقتين تنظيميتين في نطاق محافظة دمشق، حملتا اسم "ماروتا سيتي" و"باسيليا سيتي"، وفق المرسوم 66.

اعتبره الحقوقيون من أخطر ما أصدر نظام الأسد من قوانين، ووصفته وزارة الخزانة الأميركية ﺑ"أكبر استثمار عقاري في سوريا بملايين الدولارات، يهدف إلى تغيير ديموغرافية المكان إلى ديموغرافية غنية وموالية للنظام".

لم ينس اللحظات الأولى التي تمت فيها عملية الإخلاء لأهالي الرازي، أبو محمود، وهو من سكان خلف الرازي يقول لـ"المجلة": "مدججون بالأسلحة وبباصاتهم الخضراء دخلوا علينا ليخرجونا من بيوتنا، بعد أن قتلوا ابن جيراننا معاذ عباس بين حضن أُمه وكان عريسا جديدا والسبب أنه كان ناشطا على فيسبوك".

المظاهرات التي خرجت وقتها، أرعبت نظام الأسد، فشبح إسقاطه بات على أبواب القصر، يضيف أبو محمود: "نعلم أنهم أرادوا تنظيم المنطقة بسبب المظاهرات التي خرجت حينها، ولا سبيل لديهم للتخلص من الأهالي المتظاهرين إلا بمخطط تنظيمي يبعدهم عن القصر الجمهوري".

يوافقه محمود رجب، وهو من سكان بساتين الرازي أيضا، ويضيف أن هذا الوضع جعل أكثر من ضابط يقول حينها "أريد أن أقف من عند الرازي وأرى داريا كلها"، يتابع رجب لـ"المجلة": "فعلا بدأت الجرافات عملها من المتحلق الجنوبي إلى الرازي".

يؤكد رجب على مشروع النظام الساقط في التغيير الديموغرافي وإبعاد سكان الرازي عن أرضهم خلافا لما جاء به المرسوم: "أعطوا سكان خلف الرازي بدل سكن في المتحلق الجنوبي بباسيليا، وبذلك أبعدونا عن أراضينا التي ورثناها أبا عن جد".

فظاعة المرسوم 66 تكمن في أنه شرعن سرقة أراضي وأملاك السوريين، فاستثنى هاتين المنطقتين من أي قانون وحكم كانت تخضع له سابقا من قوانين العمران وتنظيم المدن وفقا للمادة 2 منه.

جعل ملكية العقارات "مشتركة على الشيوع" بين أصحاب الحقوق وفقا للمادة 3.

حقوقيون يرون أن النظام استملك المنطقة بأكملها وجعلها عقارا واحدا يملكه الجميع، وفقا للمادة السابقة، في محاولة منه للعب على المصطلحات وتفادي ذكر "الاستملاك" الذي أثقل السوريين. ليس هذا فحسب، بل جعل اقتطاع الأراضي اللازمة لبناء الطرق والمراكز العامة والمشيدات العامة والمعابد ومراكز تحويل الكهرباء ومحطات الصرف الصحي وضخ مياه الشرب وغيرها "مجانية" دون بدل أو تعويض، فلم يعد استملاكا لأن الاستملاك يكون بتعويض، فهو محض استيلاء. وأسقط بندا كان موجودا في قانون التطوير والاستثمار العقاري 15، الذي أعطى الحق للشاغلين ضمن العشوائيات والمخالفات بالسكن البديل وفق المادة 20 منه، في حين أن المرسوم 66 وفق مادته 43 نص على عدم استحقاق الشاغلين للأبنية المخالفة أي تعويض عدا تعويض بدل الإيجار، أما الشاغلون لأبنية مخالفة على أملاك الدولة "فلهم حق أخذ أنقاض أبنيتهم ولا يعترف لهم بأي حق سوى ذلك".

أي إن مئات السوريين باتوا في الشارع مشردين بلا منزل تحت ذريعة تنظيم العشوائيات والمخالفات والتي لم تأت على مخالفات وعشوائيات أخرى مجاورة!

تشير تقارير إلى أنه من بين 7500 عائلة أخليت من بيوتها في هاتين المنطقتين، استحقت 5500 عائلة مساكن بديلة، وبقيت 2000 دون سكن بديل أو بدل إيجار. 30 يوما فقط المدة الزمنية التي حددها المرسوم لتصريح أصحاب الحقوق بحقوقهم، وطلبت محافظة دمشق من أصحاب العقارات، وبشكل اجتهادي خارج عن المرسوم، بيان حركة من الهجرة والجوازات.

خرج عن تلك المدة من لم يستطع إثبات ملكيته، إما لتعذر وجوده وإما لخوفه من تهم الإرهاب (تزامن إصدار قانون الإرهاب قبل 3 أشهر من المرسوم 66)، أو صعوبة توكيله في هذه العقارات، فالموافقات الأمنية حاضرة أيضا، مما حرم الكثير من السكان عن التصريح بأملاكهم.

يقول رجب: "هناك مواطنون كان عندهم أسهم وبيوت وراحت بيوتهم لأنهم كانوا ضد النظام، ومن قتل منهم حُرم ورثته من حقوقهم، وكانت الخلفية الأمنية حاضرة، حتى إن عائلة الشاب معاذ عباس وعوائل أخرى حُرموا وذهبت أسهمهم لأنهم معارضون، والذين كانوا من الجيش الحر بداريا، ونهر عيشة، ومن مع الأيام انتسب للجيش الحر كمان راحت ممتلكاتهم".

لمزيد من الاستيلاء، اتبع نظام الأسد وموالوه آليات فادحة في تطبيق المرسوم 66، ولأنه معهود بالكذب والمماطلة لكسب الوقت في تحقيق أكبر قدر ممكن من المنفعة المطلوبة، كانت تلك المماطلة آلية اعتمدها نظام الأسد لاغتصاب أكبر عدد ممكن من العقارات والحقوق.

كذبة السكن البديل، كانت من أبرز آليات السرقة، فالمادة 45 من المرسوم 66 نصت على أن محافظة دمشق تلتزم "بتأمين السكن البديل للشاغلين المستحقين لمدة لا تزيد على أربع سنوات"

عبد الجليل شربجي، من سكان كفرسوسة وخبير بالمخططات التنظيمية يقول لـ"المجلة": "القضية ليست تنظيم وإنما سرقة بطريقة قانونية، أول ظلم ارتكبوه أنه لما طالعوا الناس من بيوتهم ما قبضوها سلف، وتأخر التقبيض لأكثر من ستة أشهر، وفي هذه الفترة كان كل شيء بالبلد عم يرتفع سعره، فما عدلوا التقييم ولا رضوا يعدلوه، حتى باسيليا ما عملوا تقييم لعام 2021".

نص المرسوم على أن التعويض فيما يعادل القيمة الحقيقية قبل صدور المرسوم، وأسقط أي ارتفاع طارئ فيما بعد، وفق المادة 10.

كذبة السكن البديل، كانت من أبرز آليات السرقة، فالمادة 45 من المرسوم 66 نصت على أن محافظة دمشق تلتزم "بتأمين السكن البديل للشاغلين المستحقين لمدة لا تزيد على أربع سنوات".

ولكن الواقع مختلف، فالكثير من المستحقين لم يتم تأمين سكن بديل لهم.

ميادة دحبور، معلمة من منطقة الرازي تفاجأت بعد عودتها من المدرسة بقدوم شركة الكهرباء وقيامها بتقطيع كابلات الكهرباء.

تقول لـ"المجلة": "كنا بشهر رمضان وعلى أساس نخلي بعد العيد، فاتوا علينا وجبرونا على الإخلاء بعام 2017، وقالوا لنا 4 سنين بالكثير ونرجع لمنطقتنا، وأنا هلق ساكنة بجديدة عرطوز صرلي أكثر من 7 سنين".

الكثير من الأهالي اضطروا إلى بيع أسهمهم أو دفاتر السكن البديل.

أ.ف.ب
جنود سوريون يرددون شعارات مؤيدة لنظام الأسد، يجلسون في الجزء الخلفي من شاحنة عسكرية في 10 أغسطس 2011 أثناء انسحابهم من مدينة حماة بعد عملية عسكرية استمرت عشرة أيام لقمع الاحتجاجات المؤيدة للثورة

وتضيف دحبور: "الأغلبية باعوا، لأن ما عاد قدروا على الإيجار والقصة طولت، حتى الإيجار رمزي، يعني أنا أخدت 400 ألف بدل إيجار لسنة، وفي ناس أخذت 700 ألف بالسنة، وما عدلوه، وبقينا 8 سنين على هالرقم، ما عم أفهم كيف 400 ألف ليرة بدن يكفوني بدل إيجار لسنة والدنيا عم ترتفع أسعارها، حتى بالأرياف ما بتكفي إيجار".

عدم وجود خطة زمنية لتنفيذ المشروع كانت آلية ظالمة لإيهام مستحقي السكن البديل بأن المشروع بعيد المنال، وبالتالي طريقة غير مباشرة لإخضاعهم وإرغامهم على البيع.

بعد انتظار لأكثر من 4 سنوات وعدم قدرتها على تحمل الإيجار، اضطرت ميادة لبيع جزء من أسهمها، وكلما تذهب للتوقيع تبكي والسبب كما تقول: "ما بدي أطلع من المزة، هي منطقتي وهون أهلي وناسي، هون جدودنا هون نشأنا، عطونا دفاتر للسكن البديل بباسيليا سيتي وهي مو أراضينا هي أراضي أهالي داريا، لأنهم عرفانين أنه بماروتا ما رح نقدر نسكن لخدماتها الغالية يلي قرروا يعملوها".

توقف مشروع ماروتا وجمدوه حوالي السنتين، يعود ويتابع رجب: "باعت ناس كثير ببخس الثمن عبر رجال أعمال موالين للأسد، فبعد ما حرثوا الأرض، بلشت لعبة الكبار (حمشو والفوز والقاطرجي) والناس عم تحكي بيطلع المشروع ولا لاء، وكانت التقييمات بربع ليرة ونص ليرة و30 قرش للسهم الواحد، وكتير ناس باعت على هذا الرقم واشترت بالجديدة والمعضمية لأن شافوها شغلة طويلة أقل من السوق، ولهلق طالع شي 20 بناية بالماروتا من لما بلشوا بعام 2018 وبعد عشر سنين ولا شقة مسكونة بالماروتا".

الدفعة الأولى من آليات إكراه الناس على البيع أيضا، تتابع ميادة لـ"المجلة": "كتير ناس باعت لأن ما معها أول دفعة يلي هي بالملايين، يعني أخذوا أرضنا بتراب المصاري، ولزمونا ندفع دفعة أولى وعم ندفع قسط كل شهر هي صارت جمعية ما سكن بديل، وأرضنا راحت ببلاش".

ومن آليات النصب على أملاك الناس كانت "صفر أرض"، حيث يوضح الخبير شربجي ذلك بقوله لـ"المجلة": "النصب في التالي: أنا أملك 1000 أرض زراعية، بالتنظيم أخذوا الأرض وعوضوني 1000 أو أقل منها كأمتار طابقية مثلا، علما أن الأرض تعمر آلاف الأمتار".

إن هذين التنظيمين يثبتان وبشكل فج كيف استخدم نظام الأسد القانون كغطاء لاستيلاء حكومته ورجالاته على أملاك السكان، وإقصاء المعارضين والمهجرين والمعتقلين فذهبت أسهمهم دون أي تعويض.

* قانون التخطيط وعمران المدن رقم 23 لعام 2015:

عند المقارنة بين هذا القانون والمرسوم 66، يتضح أن هذا القانون جاء حلقة ثانية تتبع مرسوم الأب الروحي 66 لمسلسل الاستحواذ على أراضي السوريين عبر اقتطاعها مجانا من قبل الوحدات الإدارية (المادة-4)، معتبرا أن الخدمات التي يُفترض أن تقدمها الدولة للشعب هي بمثابة بدل تعويضي.

جعل أملاك أصحاب الحقوق، كالمرسوم 66، ملكا على الشيوع تماما وفق المادة 14 بعد أن كان ملكا مستقلا، وبحجة ما وصفه قانون التخطيط وعمران المدن ﺑ"مخططات تنظيمية".

صرح القانون علانية بأن هذا التنظيم ينطبق على جميع المناطق التي تتعرض للكوارث الطبيعية أو الزلازل أو الحروب، ما يعني أنه أعطى الضوء الأخضر لاحتلال ما يقرر من المناطق التي شهدت معارك حربية وإخضاعها ضمن التنظيم وفقا للمادة 5.

بعد أن تم لنظام الأسد تدمير ثلث المساكن في سوريا منتصف عام 2017، أصدر الأسد القانون رقم 10 الذي هز الرأي العام الدولي نحو الانتهاكات التي شرعنها وتنال من حقوق الملكيات

القانون 23 أعطى صلاحيات واسعة للجان المتشكلة في التحكم بمصير أسهم المالكين وتوزيعها. ما يعني إقصاء كل من يخالف موافقتهم ودراساتهم الأمنية، بالإضافة إلى أنه حصر اختيار أي تمثيل للمالكين فيمن تختاره اللجان ممثلا عنهم، أي لا خروج عن عباءتهم السلطوية!

استخف القانون بشكل فاضح بحق المواطن في الاعتراض، على مبدأ "نفذ ثم اعترض"، فبعد أن صرح بحقه في الطعن على القيمة التقديرية التي أقرتها اللجنة، نص أن الطعن لا يوقف إجراءات التنفيذ وفق المادة 25.

منح الجهة الإدارية مدة 10 أيام، لإحصاء أسماء أصحاب العقارات وجميع الأشخاص الذين لهم حقوق عقارية وفقا للمادة 19، في ظل غياب عدد كبير من المالكين بين اللجوء والاعتقال والتهجير ومن هم مطلوبون أمنيا، الأمر الذي يجعل تقديم هؤلاء أو وكلائهم لأوراق ملكياتهم أمرا مستحيلا.

ساوى القانون الجائر بين جميع المناطق السليمة والمتضررة والمخالفة والمنظمة على حد سواء، وفرض خصما نسبته 40-50 في المئة من أسهم المالك الأساسية لقاء دخول عقاره في التنظيم.

في حين سكت عن حقوق المخالفين فوق أراضي الدولة وحصر حقهم في الأنقاض في ظل الظروف التي كانت تعيشها سوريا والسوريون على حد سواء، في مخالفة لنص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

بعد كل هذا يخرج معاون وزير الإسكان والتنمية العمرانية في ذلك الوقت ويصرح بأن "قانون التخطيط وعمران المدن الجديد يتوافق مع أحكام الدستور الجديد، ويركز على تحقيق العدالة بين المواطنين وضمان الحقوق العامة"!

* القانون رقم 10 لعام 2018 "تعميم أحكام المرسوم رقم 66":

عقب إحكام قبضة نظام الأسد على داريا عام 2016، وبعد أن ضحت بأكثر من 2900 سوري منذ بدء الثورة السورية، واعتقال 51 ألفا و935 معتقلا سياسيا.

وبعد أن تم لنظام الأسد تدمير ثلث المساكن في سوريا منتصف عام 2017، أصدر الأسد القانون رقم 10 الذي هز الرأي العام الدولي نحو الانتهاكات التي شرعنها وتنال من حقوق الملكيات.

"هيومان رايتس ووتش" وصفت هذا القانون بأنه مصادرة لممتلكات السكان وإعادة الإعمار، ويشكل عقبة رئيسة أمام عودة النازحين إلى ديارهم دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة أو التعويض.

رويترز
صورة ممزقة للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد بعد الاطاحة بنظامه، في القامشلي، سوريا، 8 ديسمبر 2024

لا يمكن الخروج عن الواقع الجيوسياسي في سوريا لتوقيت إصدار قانون 10، وفق بُعدين. البعد الداخلي: نظام الأسد أراد أن يستمر في محاربة الناس في ممتلكاتهم لمزيد من مصادرات أكبر. والخارجي: رسم صورة أمام العالم بأنه انتصر ودخل في مرحلة إعادة الإعمار، وذلك بالتزامن وتوقف العمليات العسكرية مع المعارضة آنذاك.

أتى القانون 10 معدلا عن المرسوم 66 لعام 2012، بنسبة تعديل تجاوزت اﻟ46 في المئة، حيث شمل تعديل ما عدده 29 مادة من مواد المرسوم 66 والبالغ عددها 63 مادة.

وسع القانون 10 من خطط التنظيمات العقارية التي خصصها المرسوم 66 (ماروتا وباسيليا في دمشق) ليشمل جميع الأراضي السورية، وهنا مكمن نفوذ الاحتلال العقاري.

عكس قوننة المركزية الشديدة بموجب المادة 1 وفق قرار إنشاء تلك المناطق التنظيمية بمرسوم صادر عن شخص الرئيس. أي إن الوحدات الإدارية (المحافظات) تنفذ فقط، ولا دور لها ولا للمجتمع المحلي ولا المالكين في أي قرار، وفقا لما ذكرته مبادرة الإصلاح العربي.

كرر ترسيخ "الإبادة الملكية العقارية" بالاقتطاع المجاني، وفق المادة 21 منه، اللازمة لتنفيذ المشيدات العامة ودون بدل أو تعويض، وهو ما يتنافى مع حماية الحقوق الملكية ومع نص دستور 2012 وفق المادة 15 والتي سمحت بالمصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة لقاء تعويض عادل!

ألزم القانون إجراء مسح اجتماعي للسكان في المناطق التنظيمية، وحدد مدة 30 يوما لإثبات الملكية، وإلا فإن الملكية ستذهب إلى الدولة.

تطبيق ذلك وفقا للمشرعين يعني "استغلال عملية التشريع لتمرير أحكام لمآرب خاصة خلسة"، وبالتالي إعادة هيكلة ديموغرافية لسكان تلك المناطق وحرمان آلاف المعارضين والمهجرين لحضور الموافقة "اللعينة" الأمنية وقانون الإرهاب.

المرسوم 19 أعطى الحق لشركة "دمشق القابضة" وفي سابقة خطيرة، باستيفاء الرسوم والأقساط، ومنح التراخيص، والتعاقد مع شركات أخرى بشكل مستقل، إضافة إلى تولي مهام صناديق المناطق التنظيمية المُحدَثة، وتحصيل الأقساط، ومتابعة سداد القروض وفوائدها

عند تعديل القانون 10 بالقانون 42، ووفقا للمادة 2 منه، خالف مبدأ استقلال القضاء دستوريا، في منحه للجنة حل النزاعات والخلافات صلاحية قضائية في الادعاءات أو المنازعات العينية العقارية، وهي لجنة إدارية تنفيذية (محافظة، بلديات) لا قضائية، وبالتالي أثبت عنجهية النظام لمبدأ الفصل بين السلطات، وسلب حق المالك من التقاضي المنصوص عليه دستوريا.

المادة 22 منه نصت على أن المنطقة التنظيمية "شخصية اعتبارية تحل محل جميع المالكين وأصحاب الحقوق فيها". ما يعني تحويل الأملاك العقارية إلى أسهم شائعة تخضع للتوزيع الإجباري، مع تجميد مؤقت للملكية السهمية وفق المادة 30. أي منع المالكين من أي شكل من أشكال حق التصرف وبشكل قولب فيه القانون المدني وفق ما يريد، بموجب المادة 768 من القانون المدني: "لمالك الشيء وحده في حدود القانون حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه".

حتى هذه الأسهم التنظيمية قيد القانون تسجيلها باسم مالكيها بمدة زمنية 6 أشهر، وضمن أحد ثلاثة شروط مجحفة ومستندة على أحكام المرسوم التشريعي 66: التخاصص بمقسم تنظيمي، أو المساهمة في تأسيس شركة مساهمة (وفق قانون الشركات أو قانون التطوير والاستثمار العقاري)، أو البيع بالمزاد العلني في حال لم يقدم المالك على الخيارين السابقين فإن الوحدة الإدارية تبيع أسهمه بالمزاد العلني.

يتفرع عن ذلك، حصر تلك الشركات المساهمة ضمن جماعة الأسد وحدهم، وبالقانون، ما يعني إقصاء أي مستفيد آخر. وذلك لأن بشار الأسد كان قد أصدر مرسوما تشريعيا رقم 19 لعام 2015، ينص وفق المادة 1 على "جواز إحداث شركة سورية قابضة مساهمة مغفلة لإدارة واستثمار أملاك الوحدة الإدارية، وتملك الوحدة الإدارية المذكورة جميع أسهمها وللشركة القابضة المحدثة وفق أحكام هذا المرسوم التشريعي تأسيس أو المساهمة في شركات أموال تابعة أو مساهم بها وإدارتها". ولما كانت الوحدة الإدارية هي الشخصية الاعتبارية وفقا للقانون 10 المادة 22 منه: "تمارس الصلاحيات التي تكفل تنفيذ المخطط التنظيمي وتصفية أملاك المنطقة وحقوقها". ما يعني أن الوحدة الإدارية لها صلاحيات التنفيذ وحدها من بنى تحتية ومنح تراخيص وإجازات سكن وفرز الأقسام وتحصيل الغرامات لصالحها، ثم لهذه الوحدات الإدارية أملاك، يحق استثمارها من قبل الشركة القابضة، والأخيرة أوتوماتيكيا تعود أسهمها للوحدة الإدارية (المحافظة)، وهكذا يقوم الأسد بعمليات لف ودوران قانونية ليعود إلى المربع الأول "دولة الأسد". كما أنه منع إلقاء الحجز على أصول الشركات القابضة أو الشركات التابعة لها أو المساهم بها إلا بحكم قضائي وفق المادة 5 من المرسوم التشريعي 19.

وفعلا، بعد مرور عام على المرسوم 19، وفي عام 2016، أعلنت محافظة دمشق عن إطلاق شركة قابضة مساهمة باسم "دمشق الشام القابضة" تتولى إدارة وبناء واستثمار المنطقة التنظيمية الأولى الواقعة في المزة خلف مشفى الرازي، لاستثمار أملاك وخدمات الوحدة الإدارية (أملاك المحافظة) من خلال تأسيس شركات تابعة أو مساهم بها للقيام بالمشاريع التجارية والاقتصادية والاستثمارية، ونقلت لها ملكية المقاسم الخمسين للمحافظة في المنطقة التنظيمية "ماروتا سيتي".

"نموذج ملكية عقارية تابعة لشركة دمشق الشام القابضة"

وهكذا نجد أن المرسوم 19 أعطى الحق لشركة "دمشق القابضة" وفي سابقة خطيرة، باستيفاء الرسوم والأقساط، ومنح التراخيص، والتعاقد مع شركات أخرى بشكل مستقل، إضافة إلى تولي مهام صناديق المناطق التنظيمية المُحدَثة، وتحصيل الأقساط، ومتابعة سداد القروض وفوائدها.

ويبدو أن نظام الأسد استشعر المركزية العنيفة في تنفيذ "مشروع ماروتا"، فعمد الرئيس الهارب (الأسد) إلى إصدار القانون رقم 5 عام 2016، حول التشاركية بين القطاع العام والخاص، فجاء ليوائم بين الشركات القابضة الخاصة (نظريا) والمحافظة، ويمكّن القطاع الخاص من المشاركة في المشاريع العائدة ملكيتها إلى القطاع العام، والحق في حيازة أكثر من 51 في المئة من أسهم أي مشروع شراكة مع القطاع العام.

جاء القانون 10 وتعديلاته متعاميا عن واقع النزوح والتشريد والاغتراب، قافزا فوق العهود والمواثيق الدولية وحتى الدستور السوري، بلا رقيب ولا محاسبة دستورية

بيد أن هذا القانون لا يخرج عن كونه حبرا على ورق، حيث أعاد إلى الواجهة الاستثمارية تكرار هيمنة رجالات الأسد وملوك الفساد على القطاع الخاص، في صور طبق الأصل عن نظام الأسد في الاستئثار والاحتكار واللعب على الإكراه.

والدليل على ذلك، أنه في عام 2017 أُنشئت شركة "أمان دمشق" برأسمال 18.9 مليون دولار، بالشراكة بين ثلاث شركات: شركة "دمشق القابضة" متمثلة في القطاع العام، وشركة "أمان القابضة المغفلة المساهمة"، العائدة لسامر وزهير وعامر الفوز بالتساوي، وشركة "فوز التجارية" العائدة لرجل الأعمال سامر فوز، لقاء استثمار 3 أبراج و5 مقاسم تنظيمية سكنية!

وقبل أن يغضب الأسد على ابن خاله رامي مخلوف، الذي خصخص أهم أصول اقتصاد البلد لصالح الأسد بنسبة 60 في المئة من اقتصاد سوريا، ويقرر الحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة أواخر عام 2019، بعد أن قُدرت ثروته بما يقارب 30 مليار دولار "وفقا لتقرير مجلة فوربس" عام 2017، كان لمخلوف حصة من الاستثمار في "ماروتا" عبر شركتي "روافد"، و"راماك"، لتنفيذ واستثمار مقسمين سكنيين.

صورة لـ"المجلة" توضح بعض الملكيات العقارية السابقة التي تعود إلى رامي مخلوف

إذن جاء القانون 10 وتعديلاته 42 في العام ذاته متعاميا عن واقع النزوح والتشريد والاغتراب، قافزا فوق العهود والمواثيق الدولية وحتى الدستور السوري، بلا رقيب ولا محاسبة دستورية.

وما الهدف إلا مزيد استيلاء واحتلال لتفريغ المناطق ممن لا يرغب في وجودهم وتعزيز توسيع مستوطنة الأسد، منحيا كل معارض أو وكيله في سوريا.

* مرسوم تنظيم قابون وحرستا رقم 237 لعام 2021:

واستمر مسلسل المرسوم 66 بعرض حلقاته، والدور الاقتطاعي "باسم التنظيم" وصل إلى مناطق القابون وحرستا.

وجاء إعلان سيطرة النظام على حي القابون في دمشق عام 2017، فيما عرف ﺑ"تسوية" وما نتج من حالات اعتقال وتهجير للأهالي متزامنة مع عمليات تفجير في القابون وجوبر لأنفاق ومخلفات المسلحين حسب زعمه، وبعد عامين وثلاثة أشهر تم فيهما هدم وتنظيم أكثر من 70 في المئة من مساحة القابون، والباقي من مساحة حرستا، ما يعني تهيئة أرضية لتمرير مخططات السلب العقارية.

"المجلة" تمكنت من حصر عدد العقارات التابعة لحزب "البعث" كبيان ملكية خاص في محافظتي دمشق وريفها

المرسوم 237 جاء مقتضبا في مادة واحدة على مبدأ "كثف تكسب"، تنص على "إحداث منطقة لتنظيم مدخل دمشق الشمالي (القابون وحرستا) في محافظة دمشق، استنادا إلى المخطط التنظيمي التفصيلي رقم 104 الصادر والمصدق، وإلى دراسة الجدوى الاقتصادية المعتمدة".

لم يوضح هذا المرسوم أية أمور لا من ناحية الحقوق العقارية ولا الملكيات ولا حتى الاقتطاع المجاني ولم يأت على ذكر أي اعتماد في مواده من مواد المراسيم السابقة، هل قانون التخطيط وعمران المدن 23 لعام 2015، أم قانون 10 لعام 2018، أم مرسوم 66 لعام 2012، أم إنه جاء ليجمع كل ما شُرع خلال السنوات الماضية والفائتة من عهد الأب إلى وقته؟!

حالة من العبثية التشريعية وشهية مفجعة للسلب غير المشروع، يعكسها هذا المرسوم، حيث ترك باب التقديرات والتخوفات مفتوحا أمام الأهالي بشكل يؤثر عليهم سلبا، ناهيك عن تسببه في إيقاف المعامل الصناعية في القابون عن العمل وقطع أرزاق الناس.

نظام الأسد يستحل الأوقاف

حتى "ملك الله" لم يسلم من قانون حكومة الأسد في الإبادة والسرقة العقارية، فجاء القانون رقم 31 لعام 2018 الناظم لعمل الأوقاف.

هذا القانون تلاعب بالأحكام الوقفية واستحل بيع العقارات الوقفية أو رهنها أو استبدال عقار وقفي بعقار آخر وفقا للمادة 52 منه، بشكل يخالف مبدأ الأوقاف الذي يحظر البيع والتصرف بالأموال الوقفية خارج نطاق الغاية التي وُجد لأجلها، ليستفيد منها اليتامى والفقراء وطلبة العلم وعابرو السبيل وغيرهم.

بموجب المادة 58: "تنتقل ملكية الأوقاف حكما إلى الوزارة، وتسجل باسم الإدارة الوقفية التي تتبعها مكانيا". أي أصبحت جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة والعقارات الموقوفة والأوقاف الخيرية كالجوامع والتكايا ودور التوحيد والمدارس وغيرها من الأوقاف ملكا قانونيا للوازرة.

جاء هذا القانون بعد سلسلة إعلانات مزادات علنية وتنازلات قدمتها وزارة الأوقاف من وقفها لصالح حكومة الأسد.

صورة من موقع مديرية أوقاف دمشق وريفها

صورة من موقع مديرية أوقاف دمشق وريفها

ومن تنازلات الوقفية: في عام 2017 وبتوجيه من الأسد تنازلت وزارة الأوقاف عن عقارات بمساحة 341 ألف متر مربع في منطقة الرميلة في اللاذقية، لصالح وزارة الإدارة المحلية والبيئة، بهدف حل مشكلة اجتماعية لم تتم معالجتها منذ 40 عاما، والمقصود العشوائيات. ولكن هذا التنازل جاء طبقيا، لصالح "أسر الشهداء والجرحى" فقط على أنه "وفاء للدماء"!

استغل نظام الأسد أوقاف سوريا في خدمة مصالحه وكسب ولاء مواليه، أما المعارضون فتأكل حقوقهم القوانين الإقصائية الاغتصابية كما تقدم.

أملاك "البعث"... حرم مقدس

إحصاء أملاك الشعب السوري أو تقدير ثروة الأسد وحاشيته، أهون من حصر وتقدير ثروة حزب "البعث" وممتلكاته.

"المجلة" تمكنت من حصر عدد العقارات التابعة لحزب "البعث" كبيان ملكية خاص في محافظتي دمشق وريفها. وفي ظل فقدان السوريين لأغلب ممتلكاتهم إبان الثورة السورية، وصلت عقارات حزب "البعث" الساقط إلى 45 عقارا في دمشق، و97 عقارا في ريف دمشق.

إذا كان نظام "البعث الأسدي" قد حمل على رأسه "الاشتراكية" ودار بها على رؤوس الشعب ليضع حدا للإقطاعيين الأوليين واحتكارهم وظلمهم وفق رأيه، فإنه قطعهم بأشواط متطرفة

الكثير من القوانين والتشريعات ساهمت في تضخيم ملكية "البعث"، كما رأينا في قانون الاستملاك 20 لعام 1983، والقانون رقم 10 لعام 2018، وغيرهما، على حساب مكليات السوريين ولصالح الدولة التي هي واقعيا دولة "البعث" من وزارات ومؤسسات عامة وقطاعات اقتصادية.

من تلك المراسيم التي صدرت، المرسوم التشريعي رقم 308 لعام 1969، الذي أجاز منح البلديات قيادات الحزب وفروعه والمنظمات الشعبية، أراضي مجانية لإقامة منشآت عليها.

صورة المرسوم التشريعي 308 لعام 1969

صورة المرسوم التشريعي 308 لعام 1969

مصدر من داخل المصالح العقارية فضل عدم الكشف عن اسمه يقول لـ"المجلة": "عندما حل الاتحاد العام النسائي عام 2017، كمنظمات شعبية ووفقا للمرسوم من المفترض أن تعود ملكياته وعقاراته إلى البلدية، ولكن أراد الاتحاد أن يبيض وجهه أمام الحزب فتبرع بأملاكه إلى الحزب".

الاتحاد العام النسائي، واتحاد الطلبة وطلائع "البعث" هي منظمات شعبية تعود إلى حزب "البعث" وقيادته ولها ملكيات وعقارات لا تعد، وحول ذلك يتابع المصدر: "بالنتيجة ليست مخالفة كبيرة، لأن الأملاك ستعود إلى البلديات والوحدات الإدارية والتي بالمحصلة هي بعثية".

أضف إلى ذلك، أغلبية قيادات البعث ووزراؤه وكبار ضباطه وأعضاء مجلسه (مجلس الشعب) يزرحون في أرقى المساكن في أحياء العاصمة دمشق، من المزة فيلات غربية، إلى أبي رمانة والمالكي ومشروع دمر، حيث تقدر أسعار تلك المنازل بملايين الدولارات، وحكما لا يُسأل حُكام "البعث": من أين هذا؟!

الراسخ في نظام الأسد الساقط أنه كان نظاما إقصائيا إحلاليا مغلفا بإصدارات قانونية تبرر جرائمه إن في القتل والإبادات وإن بالمصادرات والاستيلاءات.

ولما كانت سيادة القانون أساس السلم والأمن والاستقرار السياسي، مساهمة في حماية حقوق الناس وحرياتهم، وكبح الفساد، والحد من إساءة استخدام السلطة، وإرساء عقد اجتماعي بين الناس والدولة وفقا للأمم المتحدة. فإن الحالة القانونية التي اخترعها نظام الأسد، تشعرك وكأنه استحدث لجنة فنية، متخصصة في التفنن القانوني لقهر الشعب وسلبه حقوقه، وتضمن له انتهاج سياسة ملكية سادية على حساب ملكيات الشعب، ظاهرها التطوير والتنظيم العقاري وتأمين السكن، وباطنها هيمنة واحتكار تلك الملكيات بالاستعباد والفساد والمحسوبيات.

وإذا كان نظام "البعث الأسدي" قد حمل على رأسه "الاشتراكية" ودار بها على رؤوس الشعب ليضع حدا للإقطاعيين الأوليين واحتكارهم وظلمهم وفق رأيه، فإنه قطعهم بأشواط متطرفة إن في الإقطاع والاقتطاع وإن في الاستعباد والاضطهاد.

هذا تحقيق يبرز كيف أوصل "حكم الأسد" سوريا إلى رايخ عصري، هابطا بالبلاد إلى أشد دركات الفساد "المرتبة الثانية عالميا في الفساد لعام 2023". مستخفيا بشعارات البعث، من الاشتراكية الشعبية إلى "من مَلكَ امتلك".

لا "بعث" بعد اليوم، لا شعارات أسدية، نكست راية "البعث"، راية استحلال دماء واستيلاء أراض واغتصاب أعراض.

font change

مقالات ذات صلة