من الهتافات وعلى وقع الاشتباكات بين جيش النظام المخلوع والجيش الحر في داريا والمزة وكفرسوسة قرب مقر رئاسة الوزراء، وإعلان الجيش الحر سيطرته على معسكر الصاعقة (مركز تجمع شبيحة النظام وقوات أمنه) خلف مشفى الرازي، مع قصف عنيف على مدينة داريا، يخرج الرئيس الهارب بشار الأسد بمشروع إحداث منطقتين تنظيميتين في نطاق محافظة دمشق، حملتا اسم "ماروتا سيتي" و"باسيليا سيتي"، وفق المرسوم 66.
اعتبره الحقوقيون من أخطر ما أصدر نظام الأسد من قوانين، ووصفته وزارة الخزانة الأميركية ﺑ"أكبر استثمار عقاري في سوريا بملايين الدولارات، يهدف إلى تغيير ديموغرافية المكان إلى ديموغرافية غنية وموالية للنظام".
لم ينس اللحظات الأولى التي تمت فيها عملية الإخلاء لأهالي الرازي، أبو محمود، وهو من سكان خلف الرازي يقول لـ"المجلة": "مدججون بالأسلحة وبباصاتهم الخضراء دخلوا علينا ليخرجونا من بيوتنا، بعد أن قتلوا ابن جيراننا معاذ عباس بين حضن أُمه وكان عريسا جديدا والسبب أنه كان ناشطا على فيسبوك".
المظاهرات التي خرجت وقتها، أرعبت نظام الأسد، فشبح إسقاطه بات على أبواب القصر، يضيف أبو محمود: "نعلم أنهم أرادوا تنظيم المنطقة بسبب المظاهرات التي خرجت حينها، ولا سبيل لديهم للتخلص من الأهالي المتظاهرين إلا بمخطط تنظيمي يبعدهم عن القصر الجمهوري".
يوافقه محمود رجب، وهو من سكان بساتين الرازي أيضا، ويضيف أن هذا الوضع جعل أكثر من ضابط يقول حينها "أريد أن أقف من عند الرازي وأرى داريا كلها"، يتابع رجب لـ"المجلة": "فعلا بدأت الجرافات عملها من المتحلق الجنوبي إلى الرازي".
يؤكد رجب على مشروع النظام الساقط في التغيير الديموغرافي وإبعاد سكان الرازي عن أرضهم خلافا لما جاء به المرسوم: "أعطوا سكان خلف الرازي بدل سكن في المتحلق الجنوبي بباسيليا، وبذلك أبعدونا عن أراضينا التي ورثناها أبا عن جد".
فظاعة المرسوم 66 تكمن في أنه شرعن سرقة أراضي وأملاك السوريين، فاستثنى هاتين المنطقتين من أي قانون وحكم كانت تخضع له سابقا من قوانين العمران وتنظيم المدن وفقا للمادة 2 منه.
جعل ملكية العقارات "مشتركة على الشيوع" بين أصحاب الحقوق وفقا للمادة 3.
حقوقيون يرون أن النظام استملك المنطقة بأكملها وجعلها عقارا واحدا يملكه الجميع، وفقا للمادة السابقة، في محاولة منه للعب على المصطلحات وتفادي ذكر "الاستملاك" الذي أثقل السوريين. ليس هذا فحسب، بل جعل اقتطاع الأراضي اللازمة لبناء الطرق والمراكز العامة والمشيدات العامة والمعابد ومراكز تحويل الكهرباء ومحطات الصرف الصحي وضخ مياه الشرب وغيرها "مجانية" دون بدل أو تعويض، فلم يعد استملاكا لأن الاستملاك يكون بتعويض، فهو محض استيلاء. وأسقط بندا كان موجودا في قانون التطوير والاستثمار العقاري 15، الذي أعطى الحق للشاغلين ضمن العشوائيات والمخالفات بالسكن البديل وفق المادة 20 منه، في حين أن المرسوم 66 وفق مادته 43 نص على عدم استحقاق الشاغلين للأبنية المخالفة أي تعويض عدا تعويض بدل الإيجار، أما الشاغلون لأبنية مخالفة على أملاك الدولة "فلهم حق أخذ أنقاض أبنيتهم ولا يعترف لهم بأي حق سوى ذلك".
أي إن مئات السوريين باتوا في الشارع مشردين بلا منزل تحت ذريعة تنظيم العشوائيات والمخالفات والتي لم تأت على مخالفات وعشوائيات أخرى مجاورة!
تشير تقارير إلى أنه من بين 7500 عائلة أخليت من بيوتها في هاتين المنطقتين، استحقت 5500 عائلة مساكن بديلة، وبقيت 2000 دون سكن بديل أو بدل إيجار. 30 يوما فقط المدة الزمنية التي حددها المرسوم لتصريح أصحاب الحقوق بحقوقهم، وطلبت محافظة دمشق من أصحاب العقارات، وبشكل اجتهادي خارج عن المرسوم، بيان حركة من الهجرة والجوازات.
خرج عن تلك المدة من لم يستطع إثبات ملكيته، إما لتعذر وجوده وإما لخوفه من تهم الإرهاب (تزامن إصدار قانون الإرهاب قبل 3 أشهر من المرسوم 66)، أو صعوبة توكيله في هذه العقارات، فالموافقات الأمنية حاضرة أيضا، مما حرم الكثير من السكان عن التصريح بأملاكهم.
يقول رجب: "هناك مواطنون كان عندهم أسهم وبيوت وراحت بيوتهم لأنهم كانوا ضد النظام، ومن قتل منهم حُرم ورثته من حقوقهم، وكانت الخلفية الأمنية حاضرة، حتى إن عائلة الشاب معاذ عباس وعوائل أخرى حُرموا وذهبت أسهمهم لأنهم معارضون، والذين كانوا من الجيش الحر بداريا، ونهر عيشة، ومن مع الأيام انتسب للجيش الحر كمان راحت ممتلكاتهم".
لمزيد من الاستيلاء، اتبع نظام الأسد وموالوه آليات فادحة في تطبيق المرسوم 66، ولأنه معهود بالكذب والمماطلة لكسب الوقت في تحقيق أكبر قدر ممكن من المنفعة المطلوبة، كانت تلك المماطلة آلية اعتمدها نظام الأسد لاغتصاب أكبر عدد ممكن من العقارات والحقوق.