في أحد التقارير المرسلة من السفارة الأميركية بدمشق إلى وزارة الخارجية في واشنطن بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول 1946، يقول الدبلوماسي "ماتيسون" إنه اجتمع بوزير الداخلية صبري العسلي للوقوف على إشاعة سمعها، بأن أهالي جبل الدروز يريدون "الانفصال عن سوريا". كان ذلك بعد خمسة أشهر من جلاء القوات الفرنسية عن سوريا، وبعد أربع سنوات من إعادة جبل الدروز- بشكل نهائي- إلى أراضي الجمهورية السورية.
قضية الجبل ليست جديدة إذن، وهي أقدم من عمر الدولة السورية الحديثة ذاتها، وها هي تعود اليوم إلى الصدارة بعد تصريحات إسرائيل الأخيرة، حول عزمها حماية الدروز، وبعد وصول الدروز إلى اتفاق مع الدولة السورية الجديدة، بمباركة من الرئيس الروحي للطائفة الشيخ حكمت الهجري. كانت مدينة السويداء هي آخر معقل للثورة السورية، بعد تدمير بقية المعاقل، وسحق أهاليها منذ سنة 2011، فقد أعادت الوحدة إلى السوريين، يوم انتفضت من جديد سنة 2023، في وقت كان الكثير منهم قد فقد الأمل بسقوط نظام بشار الأسد.
مؤخرا، مع رفض الدروز تسليم سلاحهم، ورفع علم الدولة الدرزية فوق أحد المباني، عاد الكلام عن إمكانية انفصال الدروز، أو خلق جيب لهم على غرار النموذج الكردي، ولكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح مع اتفاقية 12 مارس/آذار 2025. ولكن لهذه المسألة جذورها الضاربة في التاريخ، لخّصها المؤرخ البريطاني ألبرت حوراني عند زيارته لجبل الدروز سنة 1946، وهو يحضر لكتابه المرجعي عن أقليات الشرق الأوسط. كتب يومها أن للدروز "خصوصيتهم" لأنهم لم يتفقوا يوما مع حاكم، لا مع إبراهيم باشا المصري، في ثلاثينات القرن التاسع عشر، ولا مع العثمانيين أو الفرنسيين. حتى في مرحلة الاستقلال، كانت لهم خلافات كبيرة مع الرؤساء شكري القوتلي وأديب الشيشكلي.