مارتا كاوكونين لـ"المجلة": الناس يتعاطفون مع الشرير أكثر مما مع ضحاياه

ثقافتها السينمائية دافع وراء مسيرتها الروائية

Otto Virtanen
Otto Virtanen
الكاتبة والناقدة السينمائية الفنلندية مارتا كاوكونين

مارتا كاوكونين لـ"المجلة": الناس يتعاطفون مع الشرير أكثر مما مع ضحاياه

ولدت الكاتبة والناقدة السينمائية الفنلندية مارتا كاوكونين عام 1976. وقدمت مساهمات كبيرة في الأدب والنقد السينمائي الفنلندي. حصلت على درجة الماجستير في دراسات السينما والتلفزيون من جامعة توركو. تكتب مقالات نقد سينمائي لمطبوعات عدة. نشرت روايتها الأولى "المعالجة النفسية للقاتلة المتسلسلة" عام 2021 التي دخلت ضمن القائمة القصيرة لجائزة سافونيا الأدبية. صدرت روايتها الثانية "في ظلك" عام 2022، وتلتها روايتها الثالثة "في الهواء" عام 2023. ترجمت أعمالها إلى أكثر من تسع لغات من بينها الإنكليزية والعربية. هنا حوار معها.

  • حدثينا عن رحلتك كروائية، وما الذي ألهمك البدء في هذه الرحلة؟

لم أتخيل يوما أني سأصبح روائية. بصفتي ناقدة سينمائية، كنت أعلم أن الكتابة الإبداعية صعبة. واعتقدت أنني لا أستطيع كتابة حبكة مثيرة للاهتمام تستمر لمدة 400 صفحة، أو شخصيات تبدو حقيقية أو منعطفات مفاجئة وما إلى ذلك. ولكن في إحدى الأمسيات عندما كنت مستلقية على السرير في انتظار النوم، سمعت صوتا في رأسي يتحدث السطور الأولى من كتابي. نهضت وأمليت تلك السطور على هاتفي وفي صباح اليوم التالي بدأت في كتابة روايتي الأولى "المعالجة النفسية للقاتلة المتسلسلة". بالطبع كنت أعرف كيف سأبدأ كتابة الرواية لأن الصوت أخبرني بذلك، وعندما بدأت الكتابة أدركت كيف سينتهي الكتاب، ولكن لم تكن لدي أي فكرة على الإطلاق عن كيفية الانتقال من البداية إلى النهاية. ولكن بعد ذلك أخذتني من يدي الشخصية الرئيسة في كتابي، إيدا، وهي قاتلة متسلسلة تبلغ من العمر 20 عاما، وقادتني في رحلة الكتابة من البداية إلى النهاية.

  • ترجمت الرواية إلى لغات عدة، وحولت إلى مسلسل تلفزيوني. ما رأيك في النجاح العالمي الذي حققته؟

لأكون صادقة، أنا مندهشة بعض الشيء. إنها حقيقة معروفة في علم النفس أنه حتى الأمور الإيجابية يمكن أن تتسبب بالتوتر. لقد حدث كل شيء بسرعة كبيرة الى درجة أنه من الصعب مواكبته. كان الأمر سورياليا. شعرت أن كل شيء حدث لشخص آخر، لرواية كاتب آخر.

أردت كتابة رواية لنفسي، رواية لطالما رغبت في قراءتها. والآن أرى الناس في جميع أنحاء العالم يقبلون على قراءتها

أردت كتابة رواية لنفسي، رواية لطالما رغبت في قراءتها. والآن أرى الناس في جميع أنحاء العالم يقبلون على قراءتها. استغرق الأمر مني وقتا طويلا لأدرك أن الكتاب الذي يحبه الجميع هو كتابي. أحد الأشياء التي أستمتع بها بشكل خاص، هو مدى اختلاف رؤية الناس للكتاب. بالنسبة إلى بعض القراء، إنه مجرد إثارة نفسية، ولكن بالنسبة إلى الكثيرين هو أكثر من ذلك. الآن أتلقى رسائل من قراء في جميع أنحاء العالم يخبرونني أن الكتاب ساعدهم حقا في التعامل مع صدمتهم. يتعاطف الناس مع إيدا. لا يمكنني أن أكون أكثر سعادة.

تأثير السينما

  •  تعملين ناقدة سينمائية. كيف أثرت خلفيتك في النقد السينمائي على أسلوبك في الكتابة وتقنيات السرد؟

شاهدت أفلاما أكثر مما قد يظن الإنسان أنه من الصحي أن يشاهدها في حياته. لذا عندما كتبت الرواية لم يكن عليّ أن أفكر بوعي في كتابة فيلم إثارة نفسية لأن الشكل والبنية وكل الأساليب السردية لهذا النوع جاءت إليّ تلقائيا. لذا، أنا مدينة بكل شيء للسينما وخاصة لأفلام الجريمة والغموض المفضلة لدي.

غلاف الترجمة العربية لرواية "المعالجة النفسية للقاتلة المتسلسلة"

  •  حدثينا عن عملية الكتابة الخاصة بك؟ هل لديك روتين معين يساعدك في مواصلة الإنتاج؟

أشعر دائما بالذنب لعدم الكتابة بما فيه الكفاية. غالبا ما أشعر بأنني لم أفعل شيئا أو أنني لا أعرف ما كنت أفعله طوال اليوم. لا أريد الكتابة لساعات متواصلة. بدلا من ذلك أحب التنزه أو زيارة المكتبة أو أي شيء آخر حتى لا أضطر إلى الكتابة. ولكن بطريقة ما، نشرت أربعة كتب في أربع سنوات، لذا يبدو أني أفعل شيئا صحيحا. دائما ما تكون مفاجأة سارة عندما تخبرني محررتي أنها تعتقد أن الكتاب جاهز للنشر.

علم النفس

  •  غالبا ما تتناول رواياتك موضوعات نفسية. ما الذي يجذبك إلى هذه الموضوعات، وكيف تتعاملين مع الكتابة عنها؟

كانت والدتي طبيبة نفسية، وهذا سبب اهتمامي الشديد بعلم النفس. حتى أنني فكرت في البدء في دراسة علم النفس في الجامعة، ولكن عندما رأيت أول كتاب امتحان مادة علم النفس غيرت رأيي. كان كتابا يقع في 1000 صفحة عن بنية الدماغ. لذلك بدأت في دراسة السينما لأنني كنت مهتمة بها، حتى إنني أقصد السينما ثلاث مرات في الأسبوع. لطالما كنت مهتمة بما يسمّى علم نفس الشر.

أنا مدينة بكل شيء للسينما وخاصة لأفلام الجريمة والغموض المفضلة لديّ

قرأت العديد من الكتب حول هذا الموضوع إلى درجة أنني عندما بدأت في كتابة الرواية لم أضطر إلى إجراء أي بحث. لست مهتمة كثيرا بكيفية تحول الناس إلى أشرار، بل بكيفية محاولة الناس عدم رؤية الشر وكيف يحاولون تفسيره. تقول المعالجة النفسية كلاريسا في كتابي: "يتعاطف الناس مع الشخص الشرير أكثر مما مع ضحاياه".

  •  ما الجانب الأكثر تحديا في مسيرتك الإبداعية حتى الآن، وكيف تغلبت عليه؟

أن أكتب روايتي الأولى! لم أكن أعلم ما إذا كان كتابي سينشر أم لا، لذا كان الأمر مرهقا للغاية أثناء الكتابة، وكنت خائفة من أن ينتهي الأمر بالمخطوطة إلى القمامة. كنت أفكر باستمرار "ماذا لو لم يعجب أي ناشر بروايتي؟". حاولت التركيز على الكتابة، لكن الأمر كان صعبا لأن هذا السؤال كان يقرع في رأسي. ثم عرضت المسودة الأولى من الرواية على محرر في دار نشر كبيرة في فنلندا، أبدى اهتماما بالنص. صحيح أنني لم أتمكن من الحصول على عقد النشر على الفور، لكن كان ذلك دافعا قويا لمواصلة الكتابة.

Martta  Kaukonen/instagram Martta Kaukonen/instagram
الكاتبة والناقدة السينمائية الفنلندية مارتا كاوكونين

  •  هل هناك مؤلفون أو كتب أثروا في أسلوبك السردي؟

هناك الكثير من الكتب. كل ما كتبه جيلان فلين بالطبع. تامي كوهين، وبولا هوكينز، وجوليا هيبرلين، والكثير غيرهم. أقرأ فقط روايات الإثارة النفسية الأميركية والبريطانية. أول رواية إثارة نفسية قرأتها كانت "الموت لأجله" للكاتبة جويس ماينارد. تحكي الرواية قصة حقيقية عن معلمة تسيء معاملة تلميذتها المراهقة. قرأتها قبل 30 عاما عندما كنت طالبة. قرأتها مرة أخرى عندما نشرت كتابي الأول، وأدركت أنه حتى لو استغرق الأمر عقودا قبل أن أكتب، فإن كتابي الأول لا يزال يحمل الكثير من هذه الرواية الفارقة. يجب أن أذكر النسخة السينمائية الرائعة التي أخرجها غاس فان سانت، كما أن نيكول كيدمان ووواكين فينيكس مذهلان في دور المعلمة والتلميذة.

مستقبل السينما الفنلندية أصبح في أيدي النساء الآن، بعد أن تراكم لديهن زخم هائل

  •  شهدت صناعة السينما الفنلندية انتعاشا في السنوات الأخيرة، واكتسب عدد من الأفلام شهرة دولية. بصفتك ناقدة سينمائية، ما الذي ساهم في هذا الانتعاش، وكيف ترين مستقبل السينما الفنلندية؟

ليس من قبيل المصادفة أن نجد في الوقت نفسه الذي شهدنا فيه هذا الانتعاش، أن المخرجات السينمائيات حصلن على تمويل لمشاريعهن أكثر من أي وقت مضى. كان هناك تفاوت على مدى عقود طويلة، إذ لم تتمكن النساء من الحصول على تمويل لأفلامهن بالقدر الذي يحصل عليه الرجال. وأعتقد أن مستقبل السينما الفنلندية أصبح في أيدي النساء الآن، بعد أن تراكم لديهن زخم هائل. والأمر نفسه ينطبق على مصر في المناسبة: فالنساء يصنعن أكثر الأفلام إثارة للاهتمام في الوقت الحالي. أقول للمبدعات في كل مكان، حتى وإن واجهت عدم المساواة، فإنك تمتلكين قدرا هائلا من الطاقة الكامنة في داخلك، ثم تنفجر هذه الطاقة على الشاشة.

  •  هل تعتقدين أن الأدب والسينما في فنلندا يواجهان تحديات مماثلة في الوصول إلى الجمهور الدولي؟

نعم، لا يزال الناس لا يعرفون الكثير عن فنلندا. كنت في مهرجان حول أدب الجريمة في هاروغيت بإنكلترا الصيف الماضي، طوال الوقت في المهرجان أخبرت الجميع أنني من فنلندا. ثم قابلت شخصا قال لي: "إذن أنت المؤلفة من أيسلندا". فقلت له إنني من فنلندا، وفي المرة التالية التي التقينا فيها سألني عن المضائق (آيسلندا فيها مضايق، لكن ليس في فنلندا مضائق). وجدت الأمر مضحكا بعض الشيء. والخلاصة أنه يتعين علينا نحن الفنلنديين أن نبذل المزيد من العلاقات العامة للتعريف بأدبنا وفنوننا.

font change

مقالات ذات صلة