وبحسب الدكتور محمد عطية؛ الباحث في الوكالة الأميركية لحماية البيئة؛ فإذا ما نظرنا إلى التركيب الكيميائي لمركبات الـ PFAS باعتبارها مركبات كيميائية فلورية عضوية فيها ذرات فلور متعددة، فسنلاحظ أن لها ذيلا من ذرات الفلور ورأسا قابلا للاتحاد مع الماء. وتعزى خاصية الذوبانية العالية لهذه المركبات وكونها غير متطايرة، إلى ذلك الرأس الشديد القطبية، كما تمنحها الرابطة القوية بين ذرات الكربون والفلور ثباتا واستمرارية في البيئة.
في الوقت الحالي؛ يستخدم الباحثون الكربون النشط وراتنجات التبادل الأيوني الأحادية الاستخدام -مواد لزجة تتحول إلى بوليمرات- كمواد ممتزة -ممتصة- للـ PFAS لمعالجة المياه. لكن هذه المواد التقليدية لها أوجه قصور لا يمكن إغفالها، تحد من فعاليتها مثل انخفاض ميلها الى التفاعل الكيميائي مع مركبات الـ PFAS ذات السلاسل الفلوروكربونية القصيرة، إضافة إلى تأثرها بالمكونات العضوية وغير العضوية في وسط التفاعل.
بعد سحبها من البيئة؛ يجرى التعامل معها وتكسيرها في وسط ذي درجة حرارة عالية؛ وتحت ضغوط عالية؛ وهو ما يؤدي الى صعوبة شديدة في معالجة تلك المواد وتكسيرها.
تفجير المادة
في عام 2016، أجرى باحثون من جامعة "كلاركسون" الأميركية تجارب على مفاعل بلازما مصمم لمعالجة المياه.
تتضمن تقنية مفاعل البلازما التي طورها الباحثون إدخال الماء الملوث بتلك المركبات إلى مفاعل به فقاعات غاز الأرجون. تعمل النبضات الكهربائية العالية الجهد على إنشاء بلازما، توفر الطاقة اللازمة لكسر روابط الكربون والفلور القوية في PFAS. والنتيجة هي انخفاض كبير في تركيزات PFAS إلى مستويات أقل من عتبات الكشف. أظهرت هذه الطريقة، التي لا تزال في مراحلها الأولى حاليا، نتائج واعدة لتوسيع نطاقها لمعالجة كميات أكبر من المياه الملوثة.
كما طورت شركة يابانية ناشئة مقرها تاكوما، نهجا مختلفا يعرف باسم المعالجة القلوية الحرارية المائية (HALT). تتضمن هذه الطريقة إضافة مادة قلوية، مثل هيدروكسيد الصوديوم، إلى الماء الملوث بالـ PFAS وتسخينه إلى درجات حرارة وضغوط عالية بهدف زعزعة استقرار جزيئات PFAS، مما يؤدي إلى تحللها بشكل فعال إلى الفلورايد وثاني أكسيد الكربون. أظهرت تلك الطريقة في البيئات المختبرية نجاحا كبيرا، لكنه لا يرتقي الى التخلص الكامل من تلك المواد.
وقام باحثون من معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا باستكشاف التحلل الصوتي، وهي تقنية تستخدم موجات صوتية عالية التردد لتحليل PFAS. من خلال إنشاء فقاعات في محلول مركز من تلك المادة الملوثة ثم التسبب في انفجارها. تولد العملية حرارة وطاقة مكثفة تعمل على تحطيم جزيئات PFAS. وتشير النتائج الأولية إلى أن هذه الطريقة يمكن أن تحول PFAS إلى مواد أقل ضررا، مثل ثاني أكسيد الكربون والفلورايد.
ومن أجل اتباع نهج أكثر سهولة، قام باحثون من جامعة تكساس بالتحقيق في المعالجة البيولوجية باستخدام الفطريات. تتضمن طريقة داي تعديل المواد النباتية لإنشاء مرشح يلتقط جزيئات PFAS ثم إدخال فطر يقسمها منتجات حميدة. يستفيد هذا النهج من العمليات الطبيعية ويمكن أن يقدم حلاً فعالاً من حيث التكلفة لمعالجة PFAS.
وقد تمكن فريق من جامعة نورث ويسترن الأميركية من ابتكار نهج جديد لتكسير الأحماض الكربوكسيلية المشبعة بالفلور والمعروفة باسم PFCAs -وهي واحدة من أكبر مجموعات مركبات PFAS- باستخدام طريقة منخفضة الطاقة تعتمد على استخدام مسار لإزالة الفلورة -أي ذرة الفلور- بواسطة هيدروكسيد الصوديوم (الصودا الكاوية).
في ظل هذه الظروف، يتحلل حمض البيرفلوروكتانويك (PFOA) تماما مع إزالة أكثر من 90 ٪ من الفلور والحد الأدنى من تكوين المنتجات الثانوية الفلوروكربونية في درجات حرارة معتدلة نسبيا تتراوح ما بين 80 إلى 120 درجة مئوية.
تشريعات وإجراءات
لكن؛ وبحسب عطية، يجب من الأساس منع تلك المركبات من الوصول الى البيئة.
في أكتوبر/تشرين الأول 2023، توقفت وزارة الدفاع الأمريكية عن شراء رغوة مكافحة الحرائق التي تحتوي على PFAS وبدأت بالبحث عن بدائل خالية من الفلور. وفي الاتحاد الأوروبي، تعمل السلطات على تقييد استخدام PFAS في العديد من التطبيقات، بينما وضعت وكالة حماية البيئة الأميركية حدوداً لمستويات PFAS في مياه الشرب وصنفت بعض المواد منها كأخطار صحية.