صراع البشرية مع المواد الكيميائية الأبدية

مواد ملوثة يصعب تحللها في البيئة

ويكيبيديا
ويكيبيديا
حريق على متن حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس فورستال (CVA-59) في 29 يوليو 1967 قبالة سواحل فيتنام.

صراع البشرية مع المواد الكيميائية الأبدية

داخل مطابخنا الحديثة؛ تحتل أواني الطهي المصنوعة من مادة "التيفال" مكانة مميزة. اكتسبت تلك الأواني شعبية مهولة خلال فترة قصيرة نسبيا بسبب خصائصها الفريدة؛ إذ تستطيع توزيع درجة الحرارة لتصل إلى الطعام بصورة متساوية؛ وتُقاوم الحرارة بشكل مثالي، والأهم؛ لا يلتصق الطعام إطلاقا بها.

في عام 1938 اكتشف الدكتور روي بلونكيت تلك المادة أثناء عمله في شركة "دو بونت" الشهيرة. كان بلونكيت يحاول ابتكار مبرد جديد؛ لكن اكتشافه العرضي لمادة "البولي تترافلوروايثيلين" أحدث ثورة لم تكن في الحسبان.

للمساعدة في عملية تصنيع "التيفال" بدأت الشركة باستخدام حمض البيرفلوروكتانويك وهو مركب آخر يساعد في عملية التصنيع.

حريق تسبب في انتشار المادة

تسارعت عملية تطوير تلك المادة في أواخر الستينات بعد حريق قاتل على متن حاملة طائرات تابعة للبحرية الأميركية "يو إس إس فورستال" في عام 1967 بسبب إطلاق خاطئ لصاروخ على طائرات مسلحة وخزانات وقود محملة. أدى هذا الحريق إلى تدمير السفينة ومقتل أكثر من 130 شخصا؛ وبعد فترة وجيزة من الحادث المأسوي، طوّر المصنعون والعلماء رغوة تكافح الحريق وتحتوي على مادة "البولي فلورو ألكيل". تسمح تلك المادة للخليط المضاد للحريق بالانتشار، مما يجعله فعالاً للغاية ضد حرائق البترول وغيرها من حرائق السوائل القابلة للاشتعال عند مزجه مع الماء.

المادة "أبدية" وتستطيع البقاء في محيطاتنا وتربة الأرض الى الأبد بمجرد إطلاقها في البيئة، تستقر في الهواء والماء والتربة، وحتى في الأماكن النائية البعيدة عن أي مصدر مباشر للتلوث.

من ذلك اليوم إلى الآن؛ انتشرت تلك المادة الملوثة والمستقرة لتدخل في جميع جوانب حياتنا تقريبا ليصل عددها إلى نحو 10 آلاف مادة تتخذ عدة أشكال مختلفة، فمن الأثاث والمنسوجات والمواد اللاصقة ومواد تغليف العبوات الغذائية إلى سطوح الطهي المقاومة للحرارة والخدوش والأجهزة الإلكترونية والبطاريات ومحتويات طفايات الحريق.

ثم اكتشف العلماء الكارثة. فتلك المادة "أبدية" وتستطيع البقاء في محيطاتنا وتربة الأرض الى الأبد بمجرد إطلاقها في البيئة، تستقر في الهواء والماء والتربة، وحتى في الأماكن النائية البعيدة عن أي مصدر مباشر للتلوث.

يعني هذا التلوث الواسع النطاق أن تلك المواد يمكن أن تدخل السلسلة الغذائية، مما يؤدي إلى تراكم بيولوجي في الحياة البرية والبشر. ويقول العلماء إن الطبيعة المنتشرة لهذه المواد الكيميائية تعني أن كل شخص تقريبا لديه مستوى معين من تلك المواد في دمه.

تمتلك تلك المركبات قدرة مهولة على مقاومة التحلل الحيوي؛ إذ يمكن أن تبقى أبد الدهر في جميع أشكالها الملوثة. تتكون تلك المادة في الأساس من جزيئات الكربون؛ والأوكسجين؛ والفلور؛ والهيدروجين. تتحد في ما بينها برابطة كيميائية قوية تجعل تلك المادة مستقرة وثابتة وراسخة وغير قابلة للتكسير.

ومع تغلغل تلك المركبات في الصناعات المختلفة؛ أصبح تسربها الى البيئة مسألة حتمية.  فتلك المركبات تسللت إلى سلسلة طعامنا وموارد مياهنا وحتى غلافنا الجوي خلال تسعة عقود فقط من ميلادها. وليس من المبالغة بأي شكل من الأشكال إذا قلنا إن مركبات الـ PFAS تسري تقريبا في دماء كل الأحياء على الأرض، بمن في ذلك الحديثو الولادة. ورغم انعدام تأثير تلك المركبات على الطبيعة الفيزيائية لمياه الشرب من لون ورائحة، إلا أن مصادر مياه الصنابير وحتى المياه المعبأة تحتوي عليها دون أدنى شك.

سرطان وأمراض أخرى

حسب المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها؛ هناك علاقات محتملة بين التعرض لتلك المواد والآثار الصحية الضارة على البشر.

تم ربط التعرض لمستويات منخفضة من تلك المادة بمجموعة متنوعة من المشاكل الصحية، ولكن إحدى أكثر هذه المشاكل إثارة للقلق، دورها المحتمل في تطور السرطان.

فقد أظهرت الأبحاث أن بعض مركبات PFAS يمكن أن تعمل كمثبطات للغدد الصماء، وتتداخل مع وظيفة المناعة، وتتسبب بمشاكل في الكبد والغدة الدرقية. ومع ذلك، فإن إمكاناتها المسببة للسرطان هي التي حظيت باهتمام كبير.

وأظهر العديد من الدراسات، بما في ذلك الدراسات الوبائية الكبيرة للمجتمعات التي تتعرض لمستويات عالية من تلك المواد الكيميائية، وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين التعرض لها وزيادة خطر الإصابة بسرطان الكلى والخصية. غالبا ما تركز هذه الدراسات على الأفراد الذين يعيشون بالقرب من المواقع الملوثة، مثل المصانع الكيميائية أو القواعد العسكرية حيث تم استخدام رغوة مكافحة الحرائق المحتوية على PFAS على نطاق واسع.

لا توجد تركيزات آمنة لتلك المادة، ومع الزمن؛ تزيد تلك المركبات احتمال الإصابة بأمراض القلب لا سيما زيادة مستويات الكوليسترول

وأثبتت الدراسات التي أجريت على الحيوانات أن التعرض لمستويات عالية من بعض مركبات PFAS يمكن أن يتسبب بتلف الكبد وأورام الكبد. في حين أن الأدلة المباشرة على البشر محدودة للغاية، إلا أن هناك قلقا متزايدا من أن التعرض المزمن لـها قد يزيد خطر الإصابة بسرطان الكبد.

كما أن هناك أيضا بعض الأدلة التي تشير إلى أن التعرض لـ PFAS قد يكون مرتبطا بزيادة خطر الإصابة بسرطان البنكرياس والبروستاتا. لا تزال هذه الارتباطات قيد التحقيق، لكنها تضيف إلى مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى أن PFAS قد يكون لها خصائص مسرطنة؛ كما يمكن أن تتداخل تلك المواد مع المسارات الهرمونية، مما قد يعطل العمليات الخلوية ويؤدي إلى تطور السرطان.

لم تجر جميع تلك الدراسات على مجموعات الأشخاص أنفسهم، أو على مستويات التعرض نفسها، أو على أنواع مركبات PFAS نفسها، وبالتالي جاءت نتائج هذه الدراسات عبارة عن مجموعة متنوعة من الآثار الصحية المختلفة.

ويعني التعرض في تلك الحالة التراكم على المستوى الزمني، إذ لا توجد تركيزات آمنة لتلك المادة، ومع الزمن؛ تزيد تلك المركبات احتمال الإصابة بأمراض القلب لا سيما زيادة مستويات الكوليسترول؛ كما تؤدي أيضا إلى حدوث تغييرات في إنزيمات الكبد؛ وتؤثر على وزن المواليد؛ وتزيد خطر ارتفاع ضغط الدم؛ ويمكن أن تؤدي أيضا الى تسمم الحمل وتلف المناعة وتليف الكبد وأمراض الكلى.

ويتفاعل البشر والحيوانات بشكل مختلف مع مركبات PFAS، وقد لا تحدث جميع التأثيرات التي لوحظت على الحيوانات في البشر، والعكس صحيح، وبالتالي هناك حاجة الى المزيد من الأبحاث قد تغير فهمنا للعلاقة بين التعرض لـ PFAS والآثار الصحية على البشر.

تكسير المادة

انصب تركيز الباحثين في العقود الأخيرة على إيجاد طرق للتعرف الى هذه المادة وتحديد مستوياتها في البيئة وتطوير تقنيات معالجة فعالة لإزالتها وتكسيرها في المياه، إلى جانب تقنين استخدامها وإنتاجها.

بعد سحبها من البيئة؛ يجرى التعامل معها وتكسيرها في وسط ذي درجة حرارة عالية؛ وتحت ضغوط عالية؛ وهو ما يؤدي لصعوبة شديدة في معالجة تلك المواد وتكسيرها.

وبحسب الدكتور محمد عطية؛ الباحث في الوكالة الأميركية لحماية البيئة؛ فإذا ما نظرنا إلى التركيب الكيميائي لمركبات الـ PFAS باعتبارها مركبات كيميائية فلورية عضوية فيها ذرات فلور متعددة، فسنلاحظ أن لها ذيلا من ذرات الفلور ورأسا قابلا للاتحاد مع الماء. وتعزى خاصية الذوبانية العالية  لهذه المركبات وكونها غير متطايرة، إلى ذلك الرأس الشديد القطبية، كما تمنحها الرابطة القوية بين ذرات الكربون والفلور ثباتا واستمرارية في البيئة.

في الوقت الحالي؛ يستخدم الباحثون الكربون النشط وراتنجات التبادل الأيوني الأحادية الاستخدام -مواد لزجة تتحول إلى بوليمرات- كمواد ممتزة -ممتصة- للـ PFAS لمعالجة المياه. لكن هذه المواد التقليدية لها أوجه قصور لا يمكن إغفالها، تحد من فعاليتها مثل انخفاض ميلها الى التفاعل الكيميائي مع مركبات الـ PFAS  ذات السلاسل الفلوروكربونية القصيرة، إضافة إلى تأثرها بالمكونات العضوية وغير العضوية في وسط التفاعل.

بعد سحبها من البيئة؛ يجرى التعامل معها وتكسيرها في وسط ذي درجة حرارة عالية؛ وتحت ضغوط عالية؛ وهو ما يؤدي الى صعوبة شديدة في معالجة تلك المواد وتكسيرها.

تفجير المادة

في عام 2016، أجرى باحثون من جامعة "كلاركسون" الأميركية تجارب على مفاعل بلازما مصمم لمعالجة المياه.

تتضمن تقنية مفاعل البلازما التي طورها الباحثون إدخال الماء الملوث بتلك المركبات إلى مفاعل به فقاعات غاز الأرجون. تعمل النبضات الكهربائية العالية الجهد على إنشاء بلازما، توفر الطاقة اللازمة لكسر روابط الكربون والفلور القوية في PFAS. والنتيجة هي انخفاض كبير في تركيزات PFAS إلى مستويات أقل من عتبات الكشف. أظهرت هذه الطريقة، التي لا تزال في مراحلها الأولى حاليا، نتائج واعدة لتوسيع نطاقها لمعالجة كميات أكبر من المياه الملوثة.

كما طورت شركة يابانية ناشئة مقرها تاكوما، نهجا مختلفا يعرف باسم المعالجة القلوية الحرارية المائية (HALT). تتضمن هذه الطريقة إضافة مادة قلوية، مثل هيدروكسيد الصوديوم، إلى الماء الملوث بالـ PFAS وتسخينه إلى درجات حرارة وضغوط عالية بهدف زعزعة استقرار جزيئات PFAS، مما يؤدي إلى تحللها بشكل فعال إلى الفلورايد وثاني أكسيد الكربون. أظهرت تلك الطريقة في البيئات المختبرية نجاحا كبيرا، لكنه لا يرتقي الى التخلص الكامل من تلك المواد.

وقام باحثون من معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا باستكشاف التحلل الصوتي، وهي تقنية تستخدم موجات صوتية عالية التردد لتحليل PFAS. من خلال إنشاء فقاعات في محلول مركز من تلك المادة الملوثة ثم التسبب في انفجارها. تولد العملية حرارة وطاقة مكثفة تعمل على تحطيم جزيئات PFAS. وتشير النتائج الأولية إلى أن هذه الطريقة يمكن أن تحول PFAS إلى مواد أقل ضررا، مثل ثاني أكسيد الكربون والفلورايد.

ومن أجل اتباع نهج أكثر سهولة، قام باحثون من جامعة تكساس بالتحقيق في المعالجة البيولوجية باستخدام الفطريات. تتضمن طريقة داي تعديل المواد النباتية لإنشاء مرشح يلتقط جزيئات PFAS ثم إدخال فطر يقسمها منتجات حميدة. يستفيد هذا النهج من العمليات الطبيعية ويمكن أن يقدم حلاً فعالاً من حيث التكلفة لمعالجة PFAS.

وقد تمكن فريق من جامعة نورث ويسترن الأميركية من ابتكار نهج جديد لتكسير الأحماض الكربوكسيلية المشبعة بالفلور والمعروفة باسم PFCAs -وهي واحدة من أكبر مجموعات مركبات PFAS- باستخدام طريقة منخفضة الطاقة تعتمد على استخدام مسار لإزالة الفلورة -أي ذرة الفلور- بواسطة هيدروكسيد الصوديوم (الصودا الكاوية).

في ظل هذه الظروف، يتحلل حمض البيرفلوروكتانويك (PFOA) تماما مع إزالة أكثر من 90 ٪ من الفلور والحد الأدنى من تكوين المنتجات الثانوية الفلوروكربونية في درجات حرارة معتدلة نسبيا تتراوح ما بين 80 إلى 120 درجة مئوية.

تشريعات وإجراءات

لكن؛ وبحسب عطية، يجب من الأساس منع تلك المركبات من الوصول الى البيئة.

في أكتوبر/تشرين الأول 2023، توقفت وزارة الدفاع الأمريكية عن شراء رغوة مكافحة الحرائق التي تحتوي على PFAS وبدأت بالبحث عن بدائل خالية من الفلور. وفي الاتحاد الأوروبي، تعمل السلطات على تقييد استخدام PFAS في العديد من التطبيقات، بينما وضعت وكالة حماية البيئة الأميركية حدوداً لمستويات PFAS في مياه الشرب وصنفت بعض المواد منها كأخطار صحية.

 

الانتقال بعيداً عن PFAS يمثل تحديا معقدا، فخصائصها الفريدة، مثل الاستقرار الشديد وقلة قابليتها للإزالة من الماء، تجعل من الصعب العثور على بدائل فعالة

وقد نفذت ولايات أميركية عدة لوائحها الخاصة في شأن PFAS. على سبيل المثل، وضعت كاليفورنيا وميشيغان حدودًا خاصة بالولاية لـ PFAS في مياه الشرب، وتشاركان بنشاط في جهود العلاج.

أدركت منظمة الصحة العالمية الأخطار الصحية المرتبطة بـ PFAS، وخاصة استمرارها في البيئة وإمكان تراكمها في الأنسجة البشرية. تركز المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية على إدارة PFAS في مياه الشرب وتؤكد الحاجة إلى مزيد من البحث حول آثارها الصحية. في حين أن منظمة الصحة العالمية ليس لديها لوائح ملزمة، فإن مبادئها التوجيهية تعمل كمعيار للسياسات الوطنية وتعزز الوعي العالمي بالقضايا المتعلقة بـ PFAS.

وفي عام 2021، أدخل الاتحاد الأوروبي حدودا جديدة لـ PFAS في مياه الشرب، ووضع حدا قدره 0.1 ميكروغرام لكل ليتر، ويعكس هذا التوجيه التزام الاتحاد الأوروبي الحد من التعرض لـ PFAS وضمان مياه الشرب الآمنة؛ ويدرس أيضًا فرض حظر أوسع على استخدام PFAS في مختلف التطبيقات، بما في ذلك المنسوجات وتغليف المواد الغذائية، كجزء من استراتيجيته الأوسع لمعالجة الملوثات البيئية.

واتخذت أوستراليا نهجا حذرا لتنظيم PFAS، إذ قدمت الحكومة الأوسترالية مبادئ توجيهية لإدارة التلوث بتلك المواد والعمل على تقليل استخدامها في رغاوي مكافحة الحرائق والتطبيقات الأخرى. ووضعت وزارة الصحة الكندية إرشادات في شأن حدود تلك المواد في مياه الشرب، بهدف الحد من التعرض وحماية الصحة العامة، فيما كانت السويد في طليعة تنظيم PFAS في أوروبا بعدما حظرت الحكومة استخدام بعض PFAS في المنتجات الاستهلاكية مع المشاركة بنشاط في البحث وتطوير السياسات لمعالجة تلوث PFAS.

وتعكس الاستجابة العالمية لمكافحة التلوث بـ PFAS الاعتراف المتزايد بالأخطار البيئية والصحية المرتبطة بهذه المواد. تُظهر المبادئ التوجيهية الدولية الصادرة عن منظمات مثل منظمة الصحة العالمية والاتحاد الأوروبي، جنبا إلى جنب مع السياسات واللوائح الوطنية، جهدا متضافرا لتخفيف تأثير PFAS. مع استمرار تطور الأطر البحثية والتنظيمية، من الأهمية بمكان أن تتعاون البلدان وتتبنى استراتيجيات شاملة لإدارة التلوث بتلك المواد بشكل فعال والقضاء عليه في نهاية المطاف.

لكن عطية يقول إن الانتقال بعيداً عن PFAS يمثل تحدياً معقداً. فخصائصها الفريدة، مثل الاستقرار الشديد وقلة قابليتها للإزالة من الماء، تجعل من الصعب العثور على بدائل فعالة. الاعتماد الواسع على PFAS في الصناعات المختلفة، من المنسوجات إلى الإلكترونيات، يعقد عملية التخلص التدريجي، مما يتطلب استراتيجيات شاملة لفهم استخدامات PFAS وطرق التعرض والآثار المجتمعية.

استثمارات مالية ضخمة

تُعرف PFAS بقدرتها الكبيرة على مقاومة التحلل، مما يجعل معالجتها والتخلص منها أمرا في غاية الصعوبة، وتشمل التقنيات الحالية لمعالجة PFAS الطرق الكيميائية والفيزيائية مثل التحلل الحراري، والترشيح بواسطة الكربون النشط، واستخدام البلازما الكهربائية. على الرغم من تقدم هذه التقنيات، فإن فعاليتها تعتمد على التركيزات والمكونات المحددة للمركبات، مما يحد من تطبيقها بشكل عام.

وتعتبر دقة الكشف عن PFAS في البيئات الملوثة تحديا كبيرا أيضا. تنتشر هذه المواد في تركيزات منخفضة جدا، ويصعب أحيانا قياسها باستخدام الأدوات التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، تتنوع أنواع PFAS بشكل كبير، مما يجعل عملية تحديد كل نوع منها ومعالجته بشكل فردي مهمة معقدة.

يتطلب الامتثال للوائح البيئية تحديثات في المعدات والعمليات، مما يضيف أعباء مالية إضافية على الشركات. بالإضافة إلى ذلك، فإن البحث عن بدائل ومواد جديدة يمكن أن يؤدي إلى زيادة في تكلفة الإنتاج.

كما تتطلب عمليات إزالتها من البيئة استثمارات مالية ضخمة. تتراوح تكاليف تنظيف المياه الملوثة من PFAS من ملايين إلى مليارات الدولارات، وفقا لحجم التلوث وطرق المعالجة المستخدمة. يشمل ذلك تكاليف تركيب وصيانة نظم المعالجة، وتحليل العينات، والبحث والتطوير في حلول جديدة. كما أن تكاليف الامتثال للوائح البيئية قد تكون عبئا إضافيا على الشركات والحكومات.

وتؤثر تكاليف التعامل مع التلوث الناجم عن تلك المواد أيضا على الصناعات التي تستخدمها. يتطلب الامتثال للوائح البيئية تحديثات في المعدات والعمليات، مما يضيف أعباء مالية إضافية على الشركات. بالإضافة إلى ذلك، فإن البحث عن بدائل ومواد جديدة يمكن أن يؤدي إلى زيادة في تكلفة الإنتاج.

كما يشكل العثور على بدائل آمنة وفعالة لـ PFAS تحديا كبيرا. تبحث الشركات والعلماء عن مواد كيميائية تستطيع أن تحل محل PFAS في التطبيقات المختلفة مثل المنسوجات، والمواد الغذائية، ومعدات الإطفاء. مع ذلك، يجب أن تضمن هذه البدائل أن تكون فعالة بالقدر نفسه ولكن دون التأثيرات البيئية والصحية السلبية المرتبطة بالمواد الأبدية.

حتى بعد العثور على بدائل محتملة، فإن تنفيذها في السوق يتطلب تغييرات في عملية الإنتاج والتوزيع. قد تواجه الشركات تحديات في ضمان توافق البدائل مع المعايير البيئية والتشريعية، مما قد يؤدي إلى تأخيرات إضافية وزيادة التكاليف. كما أن بعض البدائل قد لا تكون متاحة بكميات كبيرة أو بأسعار معقولة بعد.

وفي حين أظهرت بعض الصناعات إمكان التحول بعيداً عن PFAS، تواجه قطاعات أخرى مثل أشباه الموصلات والفضاء تحديات أكبر يستلزم العمل مع علماء المواد والمهندسين لإيجاد بدائل أفضل قد يستغرق وقتاً طويلاً، ولكن التقدم ممكن في كثير من الأحيان.

ومع ذلك، يظل الأمل في تحقيق تقدم ملحوظ في هذا المجال قائما. يقول عطية إن الأمر يتطلب استمرار البحث والتطوير، والتعاون بين الحكومات والصناعات والمجتمع العلمي.

فمن خلال الابتكار المشترك، والاستثمار في الحلول المستدامة، والتزام الجميع إيجاد بدائل فعالة وآمنة، يمكن أن نضع الأسس اللازمة لمواجهة تحديات PFAS وتحقيق بيئة أكثر صحة وأمانا. يقول عطية إن التصدي لمشكلة PFAS ليس مجرد مسؤولية فردية، بل هو جهد جماعي ضروري لضمان صحة الأجيال القادمة وحماية كوكبنا من أضرار هذه المواد الكيميائية الأبدية.

font change

مقالات ذات صلة