كان نجاح الجزء الأول من المسلسل الأميركي "مو" دافعا الى إنتاج جزء ثان، حيث واصل المسلسل استكشاف تجربة العائلة الفلسطينية، لكن هذه المرة من خلال التركيز على القلق المشترك للعائلة، والتجربة الشخصية لكل فرد في مرحلة النجاة واللجوء، والحصول على الأوراق التي تمنح حق الإقامة في الولايات المتحدة. في هذا الجزء، توسع السرد التقليدي الذي كان في الجزء الأول، ليجعل من قضية الأوراق، وبيروقراطية العالم الحديث، وقلق الهوية والذاكرة، جزءا رئيسا من العمل.
صناع العمل الكاتب والممثل محمد عامر في دور "مو"، ورامي يوسف وإخراج سولفرين نازاريان، انتقلوا بالجزء الثاني الى مرحلة جديدة في الكتابة والإخراج، فلم تعد القصة تدور فقط حول فقدان الاستقرار، بل أصبحت تتناول تبلور أشكال جديدة للحياة الفلسطينية في العالم، وصعوباتها في أميركا. وعلى خلاف السرديات الفلسطينية التقليدية التي تتمحور حول المأساة، يفتح المسلسل مسارات درامية تتناول التكيف، وإعادة تأويل سرديات الذاكرة الوطنية، وتحديات الاندماج دون الانصهار القسري في عالم مادي ومتسارع. فالعمل ليس مجرد سرد لآثار تاريخ النفي، بل هو قراءة ديناميكية للهوية الفلسطينية في علاقتها بالعالم، حيث يتجسد السرد الدرامي لهوية قلقة تحاول إعادة تجربة كيانها وفهمها لواقعها داخل بلاد جديدة، في صراع مستمر بين السعي للاندماج وتجنب الامحاء الكلي.
يسلط المسلسل الضوء على جدلية التفريد الجماعي، حيث يتقاطع الفردي مع الجماعي في مواجهة دائمة بين الحفاظ على الذاكرة والانتماء، وبين التكيف مع واقع جديد يفرض أشكالا من التفاوض الثقافي والمعيشي لكل شخصية فلسطينية على حدة. يُعرَض العمل على "نتفليكس" في ظل أزمة أخلاقية وإنسانية يشهدها العالم في تعامله مع القضية الفلسطينية.
كيف يتجاوز الإنسان انفعالاته؟
يركز المسلسل على شخصية "مو"، التي تحمل بعدا خاصا يتجلى بوضوح عندما تنتقل المشاهد من واقعيتها إلى تمثلاته الذهنية العنيفة. تكشف مخيلته عن هوية درامية مزدوجة، تجمع بين مظهر هادئ وقلب يغلي بالغضب المكبوت. لكن هذا الغضب لا يظهر كفعل مباشر، بل يتجسد كرسالة ضمنية تعكس معاناة الفلسطيني الذي يصل إلى أقصى حدود الاحتقان لكنه يكبته، مدفوعا برغبة دائمة في التحرر من الرقابة والأنظمة القمعية.