غموض تركي ما بعد اتفاق الشرع - عبدي

خطة في الاتجاه الصحيح، ولكن هل ستُنفذ؟

أ.ف.ب
أ.ف.ب
أردوغان والشرع خلال مؤتمر صحفي مشترك في القصر الرئاسي في أنقرة، في 4 فبراير 2025

غموض تركي ما بعد اتفاق الشرع - عبدي

مع تصاعد الأحداث العنيفة على طول الشريط الساحلي ذي الأغلبية العلوية والتي تخللتها مجازر بحق المدنيين العلويين، تعاظمت المخاوف من انزلاق سوريا مجددًا نحو الفوضى. ومع ذلك، جاء الإعلان عن اتفاق بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب (SDF/YPG) مظلوم عبدي ليمنح بصيصًا من الأمل.

ينص الاتفاق المكون من ثماني مواد، والذي تم توقيعه في 10 مارس/آذار، على الاعتراف بالكرد كمواطنين متساوين في الدولة السورية الجديدة، مع ضمان كامل لحقوقهم.

وفي خطابه خلال مأدبة الإفطار يوم 11 مارس، علّق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على التطورات، قائلًا: "نعتبر أي جهد لتطهير سوريا من الإرهاب خطوة في الاتجاه الصحيح. إن تنفيذ جميع الاتفاقات التي تم التوصل إليها سيخدم أمن وسلام سوريا، وسيكون الفائزون جميع أشقائنا السوريين".

ويبدو أن أردوغان تعمد جعل تصريحاته غامضة، تجنبا للخوض في التفاصيل، على الأرجح بسبب الحساسيات السياسية الداخلية.

وبينما يمثل هذا الاتفاق بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب خطوة إيجابية نحو إيجاد أرضية مشتركة بين مختلف الأطراف وتعزيز وحدة سوريا، فإنه لا يزال إطارا عاما أكثر من كونه خطة قابلة للتنفيذ الفوري. ومن المتوقع أن تتم مفاوضة التفاصيل خلال الأشهر المقبلة، مع إشارة المادة الثامنة إلى وجوب تنفيذها بحلول نهاية العام.

في المقابل، أوضح مظلوم عبدي ماهية هذا الاتفاق، ما يشمله وما لا يشمله، في مقابلة طويلة أجراها معه إبراهيم حميدي، رئيس تحرير "المجلة." وفيما يلي العناصر الرئيسة لما قاله مظلوم عبدي، بكلماته الخاصة:

1) نحن متفقون على أن وحدة الأراضي السورية، وإنشاء جيش موحد، وإطار مؤسسي واحد، وعاصمة واحدة وعلم واحد هي قضايا سيادية أساسية، لكن الكثير من التفاصيل، بما في ذلك "آليات التنفيذ والجداول الزمنية والمسائل اللوجستية" لم يتم حلها بعد، ولا تزال هناك اختلافات في التفاصيل ووجهات النظر. (بعبارة أخرى، لا تزال المفاوضات حول كيفية تطبيق هذه المبادئ العامة جارية، وهناك اختلافات كبيرة بين الطرفين حول التفاصيل).

ثمة ما يشير إلى أن هذا الاتفاق كان قد وُضِع بصيغته شبه النهائية منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، غير أن الولايات المتحدة ارتأت، لأسباب غير واضحة، أن اللحظة الحالية هي الأنسب لإعلانه

2) شمال شرقي سوريا ذو الغالبية الكردية له ظروف مختلفة وستكون هذه العناصر على جدول الأعمال عند مناقشة تفاصيل دمج المؤسسات العسكرية (أي لا نعتقد لهذه اللحظة أن "وحدات حماية الشعب" ستندمج تلقائيا في الجيش السوري).

3) أنا لا أعتبر المقاتلين من الدول الأخرى الذين انضموا إلى "وحدات حماية الشعب" مقاتلين أجانب. بل هم إخوتنا وأخواتنا الكرد الذين جاءوا للدفاع عن هذه المنطقة وعن أهلنا وأقاربنا. عندما يكون هناك وقف إطلاق نار رسمي، سيعود هؤلاء المقاتلون إلى أماكنهم الأصلية. وأعدادهم ليست بالآلاف، بل بالمئات. (بعبارة أخرى، يطوي عبدي أحد المطالب الرئيسة لتركيا جانبا).

4) يجب أن يكون تقاسم الموارد الطبيعية عادلا وأن تحصل جميع المناطق في سوريا على حصتها العادلة (أي إن النفط في المناطق الكردية ملك لنا، كما هو الحال في العراق).

5) خلال حقبة حزب "البعث"، كانت جميع السلطات مركزة في المركز، يجب إنهاء ذلك وإعطاء بعض السلطات للمناطق وإنشاء حكومات محلية. (وبعبارة أخرى، مهما كانت التسمية، يقول إنه يجب إنشاء نظام إداري على أساس اللامركزية).

6) لقد حُرم الأكراد من أبسط حقوقهم الأساسية، بما في ذلك استخدام لغتهم الأم والتعليم بلغتهم. يجب تضمين حقوق الأكراد السياسية والثقافية واللغة وقضايا الحكم الإقليمي في الدستور. (بعبارة أخرى، يضع عبدي مطالبه ويريد تثبيتها كمواد في الدستور السوري الجديد).

7) ستؤثر العملية في تركيا بين الحركة القومية الكردية بقيادة أوجلان والدولة التركية على الأجزاء الأربعة من كردستان والشرق الأوسط بشكل عام. (بعبارة أخرى، يقول إن التطورات في كل من الدول الأربع التي يعيش فيها الأكراد هي جزء من كل).

إحدى أبرز النقاط التي كشفها مظلوم عبدي في حديثه كانت الدور المحوري للولايات المتحدة في تسهيل هذا الاتفاق. فقد صرّح قائلا: "إن الولايات المتحدة لا تكتفي بتشجيعنا على التفاوض مع حكومة الشرع، بل تمارس دور الوسيط الفاعل، وتدفع الطرفين للجلوس إلى طاولة الحوار". وأردف مفصلا في التوصيات المحددة التي قدمتها واشنطن لضمان استمرارية العملية وعدم تعثرها.

أ.ف.ب
الرئيس السوري أحمد الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي خلال توقيع اتفاق لدمج قسد في مؤسسات الدولة، في العاصمة السورية دمشق في 10 مارس 2025

وثمة ما يشير إلى أن هذا الاتفاق كان قد وُضِع بصيغته شبه النهائية منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، غير أن الولايات المتحدة ارتأت، لأسباب غير واضحة، أن اللحظة الحالية هي الأنسب لإعلانه، وفرضت على "وحدات حماية الشعب" الالتزام بتنفيذه. وفي خطوة تعزز هذا المسار، نشرت القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) في 11 مارس/آذار رسالة على حسابها الرسمي في المنصة التابعة للقوة المشتركة لمكافحة "داعش" (عملية العزم الصلب) جاء فيها: "قواتنا الشريكة في سوريا على أهبة الاستعداد في جميع الأوقات، وتُظهر كفاءة عالية في فن التنسيق والقوة النارية خلال تدريب بالذخيرة الحية". وأرفقت الرسالة بصور تُظهر مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية أثناء تنفيذهم تدريبات عسكرية.

عندما قرأت مقابلة عبدي، كان أول سؤال تبادر إلى ذهني هو: "هل ستُدمج قوات وحدات حماية الشعب والكرد السوريين في النظام السوري الجديد، أم إن هناك كيانا منفصلا يُعد لهم في إطار الشرق الأوسط الجديد قيد التشكل؟"

هاتان مقاربتان مختلفتان تماما، ولكل منهما تداعيات عميقة على المنطقة وتركيا.

هل ستُدمج قوات "وحدات حماية الشعب" والكرد السوريين في النظام السوري الجديد، أم إن هناك كيانا منفصلا يُعد لهم في إطار الشرق الأوسط الجديد قيد التشكل؟

وفيما يلي بعض الأفكار الإضافية حول الاتفاق:

من خلال هذا الاتفاق، اعترفت حكومة دمشق رسميا بمظلوم عبدي وقوات سوريا الديمقراطية باعتبارهم الممثل السياسي للأكراد في سوريا، وهذا ما يرسخ شرعيتهم.

حصلت "وحدات حماية الشعب" على حماية سياسية من الولايات المتحدة وحلفائها، الذين قاموا بتدريبها وتسليحها لسنوات. ويبدو أن واشنطن تحتفظ بهذه القوات ليس فقط كأداة لمكافحة "داعش"، ولكن أيضا كقوة توازن ضد إيران وربما أطراف أخرى.

وضع عبدي شروطا لانضمام الكرد إلى سوريا الجديدة بوضوح تام، وتتلخص شروطه في إنشاء إدارة إقليمية، والحفاظ على قوات سوريا الديمقراطية كقوة قتالية مستقلة، وإدراج الحقوق الكردية في الدستور، وضمان حصول الأكراد على حصة عادلة من الموارد الطبيعية.

وفقا للاتفاق، ستحدد تفاصيله وسبل تنفيذه بحلول نهاية العام، ولكن ليس قبل إعداد دستور جديد لسوريا، وهو ما يبدو من الصعب تحقيقه ضمن هذا الإطار الزمني الضيق.

في كل الأحوال، فإن أي هجوم يستهدف قوات سوريا الديمقراطية خلال هذه الفترة سيعتبر من قبل داعميها بمثابة عرقلة لجهود السلام وإعادة إعمار سوريا، وسيُدان سياسيا.

هناك عملية دستورية متوازية تجري في تركيا وسوريا، إذ يتم العمل على إعداد دستور جديد في كلا البلدين، مع اعتبار المسألة الكردية عنصرا أساسيا في هذا المسار. وبيّن أن التفاعل بين هذين المسارين أمر لا مفر منه.

في نهاية المطاف، فإن تحليل ما يجري في سوريا اليوم هو في جوهره تقييم لما يحدث أو قد يحدث في تركيا غدا.

font change