"الحوثيون" نحو المجهول بعد تفعيل تصنيفهم بالإرهاب

تعطيل تدفق المساعدات الإنسانية قد تكون له آثار جانبية كارثية

أ ف ب
أ ف ب
متظاهرون يمنيون يحتجون على قرار اسرائيل وقف المساعدات الانسانية الى قطاع غزة في صنعاء،11 مارس

"الحوثيون" نحو المجهول بعد تفعيل تصنيفهم بالإرهاب

لم تكتف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإعادة تصنيف جماعة الحوثيين في اليمن كـ"منظمة إرهابية أجنبية" بما يشتمل عليه هذا القرار من عقوبات مالية واقتصادية على هذه الجماعة، بل سارعت إدارة ترمب قبل يومين من دخول تلك الإجراءات حيز التنفيذ في الـسادس من مارس/آذار إلى إصدار قائمة بأسماء محددة لعدد من كبار قادة الجماعة قد يتم استهدافهم على نحو مباشر بعقوبات أكثر صرامة من بينها ملاحقتهم بمذكرات اعتقال ومنع من السفر، وربما مطالبة بعض الدول التي يقيمون أو يعملون على أراضيها بطردهم أو تسليمهم، وعلى نحو أخص سلطنة عمان ولبنان والعراق وغيرها.

القائمة الجديدة تضمنت أسماء قادة سياسيين للجماعة تستضيفهم سلطنة عمان وعلى رأسهم كل من محمد عبد السلام، كبير مفاوضي الحركة، ومساعده عبد الملك العجري، وعضو وفد التفاوض إسحق عبد الملك المروني.

كما أدرجت القائمة بعض القيادات السياسية والاقتصادية التنفيذية داخل اليمن وفي مقدمتهم، مهدي المشاط الذي نصبته الجماعة "رئيسا للجمهورية" في مناطق سيطرتها، إضافة إلى محمد علي الحوثي رئيس ما يسمى "اللجنة الثورية" للحوثيين إلى جانب اثنين آخرين من رجال الأعمال يشتبه في أنهما يعملان كوسيطين لنقل وتحويل الأموال بين إيران والحوثيين.

هل تدخل إسرائيل على خط الأزمة؟

بالنظر إلى شمولية الإجراءات الأخيرة ضد الحوثيين، إلى جانب "الحساب المؤجل" بينهم وبين إسرائيل فهناك، في الأخيرة، من يتوقع أن التصنيف الأميركي الجديد "قد يمنح إسرائيل الإذن للقضاء على ما تعده تهديدات من جماعة الحوثي"، وأن إسرائيل وفقا لما قالته صحيفة "جيروزاليم بوست" ربما تتحرك قريبا لاستهداف الحوثيين بشكل أكثر حسما للقضاء بشكل دائم على تهديدات الصواريخ والطائرات المسيرة التي وصلت إلى الأراضي الإسرائيلية مرات عدة".

مبررات القرار

عللت وزارة الخارجية الأميركية ذلك في بيان لها بأن "أنشطة الحوثيين تهدد أمن المدنيين والموظفين الأميركيين في الشرق الأوسط، وسلامة أقرب شركائنا الإقليميين، واستقرار التجارة البحرية العالمية"، حيث نفذ الحوثيون، بحسب الوزارة، مئات الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، إضافة إلى استهداف أفراد عسكريين أميركيين يعملون على حماية حرية الملاحة والشركاء الإقليميين.

الإجراء الأميركي يضع مسقط في حرج بالغ، حيث مثلت العاصمة العمانية "منصة" مهمة لمفاوضي الحوثيين لعقد لقاءات مع الوسطاء الإقليميين والدوليين

ومن الواضح أن ما سينطبق، أميركياً، على إيران من تشديد في العقوبات الاقتصادية أو التصعيد السياسي وحتى العسكري سوف ينطبق على جماعة الحوثيين بهذا القدر أو ذاك، خصوصا إذا تعثر تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة واستأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية في القطاع، وعاد الحوثيون إلى مهاجمة إسرائيل أو خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر وغيره.

ما احتمالات التدخل عسكريا أو أمنيا؟


كان تنفيذ العقوبات الاقتصادية الأميركية قد بدأ بالفعل قبل يومين من تنصيب ترمب رئيسا، أما القيام بأي عمل عسكري أكثر دقة أو تنفيذ عمليات أمنية ضد قيادات الجماعة الحوثية فلا بد أنه يحتاج إلى مزيد من الوقت لجمع المعلومات الاستخبارية اللازمة لمعرفة أماكن اختباء المطلوبين من قيادات الجماعة ومن ثم استهدافهم، وذلك بنفقات أقل من تلك التي كلفها إلقاء مئات الصواريخ في الغارات الجوية الأميركية والبريطانية والإسرائيلية على مناطق تسيطر الجماعة عليها، وقد تلجأ واشنطن إلى تخصيص مكافآت مالية مغرية لمن يدلي بمعلومات تدل على أماكن تحصن القيادات الحوثية المستهدفة المصنفة بالإرهاب في قرار إدارة ترمب.

تبعات الإجراء الأميركي الأخير


التصنيف الأميركي لتلك الأسماء من القيادات الحوثية ينطوي على مخاطر شديدة تحدق بها، ويقطع الطريق تماما أمام أي مسعى لإعادة التفاوض أو الدخول في أي تسويات مع الجماعة أو تواصل لها مع أي طرف إقليمي أو دولي آخر.

تأثير ذلك على سلطنة عمان


لا بد أن الإجراء الأميركي يضع مسقط في حرج بالغ، حيث مثلت العاصمة العمانية "منصة" مهمة لمفاوضي الحوثيين لعقد لقاءات مع الوسطاء الإقليميين والدوليين، كما ظلت مسقط محطة انطلاق لتحركات دبلوماسية وزيارات متعددة للحوثيين، خصوصا إلى العاصمة الإيرانية، طهران وربما غيرها كبغداد ودمشق وبيروت.

في السنوات الأخيرة تراجعت الاستجابة الإنسانية من قبل المجتمع الدولي لملايين اليمنيين المحتاجين إليها لأسباب عدة من بينها جملة العراقيل التي وضعتها جماعة الحوثيين أمام المنظمات الإنسانية ووكالات الإغاثة

ويرى كثيرون أنه من دون "المنصة" العمانية كان مشهد الحرب الدائرة قد اتخذ منحى آخر، ولطالما تكررت اتهامات لعمان بغض الطرف عن استخدام بعض منافذها الحدودية مع اليمن لتهريب السلاح للحوثيين، وهو الأمر الذي نفته مسقط بشدة.
وكان وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، قد أجرى عقب تصنيف البيت الأبيض للقادة الحوثيين بالإرهاب، اتصالا هاتفيا مع نظيره العماني، بدر البوسعيدي، لبحث التطورات الإقليمية، وذلك عقب الإعلان عن إدراج الولايات المتحدة قيادات في جماعة الحوثي، مقيمة في سلطنة عمان، ضمن قوائم الإرهاب.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان لها، إن الاتصال تناول ملفات عدة بخصوص الوضع في غزة وسوريا وعموم المنطقة، مؤكدة أن الوزير الأميركي شدد خلال الاتصال على "أهمية إنهاء الهجمات الحوثية غير القانونية بشكل دائم في البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة"، مشيدا بدور مسقط في الإفراج عن طاقم السفينة "إم في غالكسي ليدر" الذين احتجزهم الحوثيون لأكثر من عام.

ما تأثير ذلك على الوضع الإنساني؟


في السنوات الأخيرة تراجعت الاستجابة الإنسانية من قبل المجتمع الدولي لملايين اليمنيين المحتاجين إليها لأسباب عدة من بينها جملة العراقيل التي وضعتها جماعة الحوثيين أمام قدرة موظفي المنظمات الإنسانية ووكالات الإغاثة على التحرك بسهولة ويسر، حيث وصل الأمر بالحوثيين حد اعتقال كثير من أولئك الموظفين ومن ضمنهم نساء، بتهمة التجسس والعمل لصالح جهات استخبارية أجنبية، ولم تفلح كل المناشدات للحوثيين للإفراج عن العاملين في المجال الإنساني، وليس من المعلوم كيف يمكن أن يزداد الأمر سوءا اليوم بعد بدء تفعيل قرار تصنيف الإدارة الأميركية للحوثيين كمنظمة إرهابية وتسمية بعض قياداتهم في قوائم الإرهاب العالمي.

لا بد أن الحوثيين استفادوا من خبرات إيران و"حزب الله" في التحايل على العقوبات، وإعادة تدوير أموالهم في الداخل ومصادر تمويلهم من الخارج بأسماء أشخاص وشركات وهمية وطرق وأساليب ملتوية

وطالبت الأمم المتحدة باتخاذ تدابير تؤمن استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية إلى اليمن، وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحافي بعد القرار الأميركي، إن "هذا التصنيف يجب أن يقترن بضمانات ملائمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية بشكل فعال، وكذلك تمكين المدنيين من الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية"، حيث يحتاج نحو 19 مليون شخص إلى مساعدات منقذة للحياة، فيما يواجه 17 مليونا خطر المجاعة.
وحذر المسؤول الدولي من أن أي تعطيل في تدفق السلع التجارية والمساعدات الإنسانية قد تكون له آثار جانبية كارثية، خصوصا في بلد يعتمد على استيراد نحو 90 في المئة من احتياجاته الغذائية، سيما مع تراجع سعر العملة المحلية، وتوقف صرف رواتب الموظفين، والارتفاع الحاد في أسعار الوقود والغذاء والدواء.

رويترز
متسوقون في عدن في 25 فبراير

غير أن رئيس وزراء الحكومة اليمنية "الشرعية" أحمد بن مبارك، طمأن مجتمع العمل الإنساني والشركاء الدوليين، خلال اجتماعه بسفراء الاتحاد الأوروبي وأستراليا المعتمدين لدى اليمن، باتخاذ "الإجراءات اللازمة لتوجيه متطلبات تصنيف ميليشيات الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية، مع ضمان تحقيق أهدافه الرئيسة"، وذلك في تفكيك بنيتها دون الإضرار بمصالح المواطنين والمساعدات الإغاثية والواردات الغذائية.

ما هي بدائل الحوثيين؟


الأرجح أن تؤدي العقوبات الأميركية إلى تقليل موارد الحوثيين، وإلى خلق مزيد من العقبات أمام قدرات الجماعة على الاستثمار في "اقتصاد الحرب" الذي أدارته منذ بداية الصراع في اليمن منذ ما يزيد على عقد من الزمن.
لكن في المقابل لا بد أن الحوثيين استفادوا من تجارب وخبرات إيران و"حزب الله" اللبناني في التحايل على العقوبات، وإعادة تدوير أموالهم في الداخل ومصادر تمويلهم من الخارج بأسماء أشخاص وشركات وهمية وطرق وأساليب ملتوية عدة لا تتعذر مراقبتها وكشفها إذا تم تطبيق العقوبات بشكل جاد وفعال.

هل من تعويل على ذلك؟


تتفاوت الآراء هنا، ففي كامل المنطقة وليس في اليمن فقط، من يرى أن الذهاب إلى تطبيق العقوبات المالية والاقتصادية على الحوثيين وداعميهم في الخارج، إلى جانب اغتيال أو اعتقال ومحاكمة قادتهم وسجنهم، دون العودة إلى شن هجمات على المنشآت المدنية ربما يكون الخيار الأنسب لتفكيك هذه الجماعة بأقل قدر من الكلفة والضرر.

حظرت جماعة الحوثيين خدمات الإنترنت الدولية "ستارلينك" في مناطق سيطرتها، وتوعدت بمعاقبة المخالفين لذلك، كما هددت بعودة عملياتها العسكرية لتهديد الملاحة في البحرين الأحمر والمتوسط

وفي موازاة ذلك لا يعلق كثير من خصوم الحوثيين في الداخل أو المنطقة كبير أمل على جدوى العقوبات الاقتصادية على الجماعة ما لم تتواز مع إجراءات عسكرية ميدانية صارمة، خصوصا في ظل عزم الحوثيين على نقل معركتهم مع الولايات المتحدة والغرب إلى الداخل، وذلك عقب ما أخذت الجماعة تقوم به من تحركات عسكرية في بعض جبهات القتال وتحرش أمني متواصل ببعض القبائل وتزايد قمعها لأي انتقادات أو احتجاجات مدنية على ممارساتها في فرض المزيد من الضرائب والإتاوات غير القانونية على ما بقي في مناطق هيمنتها من شركات وصغار تجار.
وإلى جانب هذا فثمة خشية متزايدة من أن تنعكس العقوبات الأميركية سلبا على المواطن البسيط وليس الحوثيين، وتثقل كاهل الغالبية الساحقة من الفقراء في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة بمزيد من الأعباء. 

رد فعل الحوثيين


أمام كل ذلك حظرت جماعة الحوثيين خدمات الإنترنت الدولية "ستارلينك" في مناطق سيطرتها، وتوعدت بمعاقبة المخالفين لذلك، كما هددت بعودة عملياتها العسكرية لتهديد الملاحة في البحرين الأحمر والمتوسط، في حال استمرار إسرائيل في "الخرق المتواصل لاتفاق وقف إطلاق النار (في غزة) وعدم الالتزام بالبروتوكول الإنساني، والإقدام على وقف إدخال المساعدات الإنسانية". لكن هذه التهديدات على ما يبدو ليست أكثر من محاولة لإثبات أن الجماعة لا تزال قادرة على المواجهة، إلا أن تهديداتها لن تخرج، بعد التدابير الأميركية الأخيرة عن كونها نوعا من السجال السياسي الدعائي البائس، وللاستهلاك المحلي لا أكثر.
وفي التحليل الأخير، فإن الأمر يبدو أكثر تعقيدا على كل جانب، أكبر من تخيل إدارة ترمب تطبيقه من العقوبات أو ترجمته لتصنيفها الحوثيين بالإرهاب، أو اعتقاد إسرائيل ببلوغ أهدافها في بلد كاليمن ، وهو كذلك فوق قدرة الحوثيين على تصور ما يخطط لهم، وكذلك خارج استطاعة الحكومة "الشرعية" اليمنية الإفادة منه بأي قدر.
الخاسر الأكبر في النهاية هو اليمن وشعبه اللذان يريدان الخلاص من الحوثيين ونفوذ إيران بأي ثمن كان!

font change