هكذا وجدت دمشق بعد ثلاثة عشر عاما

بعد سقوط حلب في ديسمبر 2016، ظننت للوهلة الأولى أن الثوار السوريين قد هُزموا وأن النظام انتصر... لكني كنت مخطئا، وها أنا أكتب من دمشق

Alamy Live News
Alamy Live News
صورة لحافظ الأسد أزيلت ودُهست بالأقدام في مكتب فرع فلسطين التابع للمخابرات السورية السابقة، بعد سقوط النظام في سوريا، دمشق، 18 ديسمبر 2024

هكذا وجدت دمشق بعد ثلاثة عشر عاما

دمشق - زرتُ سوريا لأول مرة سائحا شابا عام 1983، ثم عدت إليها مجددا في عام 1987، وعلى مر السنين ازداد إعجابي بشعبها، بما يتحلى به من كرامة ودفء الضيافة، وبإرثها الثقافي والتاريخي الاستثنائي. وقد تعمق هذا الإعجاب أكثر مع اندلاع الثورة السورية، حين خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين العزل في عامي 2011 و2012، يواجهون الرصاص والاعتقال والتعذيب، بل والموت، على يد جنود النظام وأجهزته الأمنية، في مشهد يُجسد أقصى درجات الشجاعة التي رأيتها في حياتي. لكن وبعد سقوط حلب في ديسمبر/كانون الأول 2016، ظننت للوهلة الأولى أن الثوار السوريين قد هُزموا وأن النظام انتصر.

وفقا لأحد التعريفات، فإن الخبير هو مجرد شخص من مدينة مختلفة. لقد صدمني بالطبع الانتصار السريع الذي حققته الثورة في ديسمبر/كانون الأول 2024، وقبلت بسرور دعوة من منظمة بريطانية غير حكومية للانضمام إليهم في زيارة إلى سوريا الحرة في منتصف يناير/كانون الثاني. واسمحوا لي أن أعرض هذه الأفكار بعد زيارتي تلك، غير أنها ليست أفكارا يقدمها خبير؛ إنها مجرد انطباعات رجل من مدينة مختلفة.

لاحظت أن السوريين كانوا أكثر استرخاء. عندما كنت أشغل منصب السفير الأميركي لدى حكومة الأسد، كان السوريون يترددون في التحدث معي خوفا من اعتقالهم

مفاجآت في المدينة القديمة

أقمنا في فندق صغير جميل في دمشق القديمة وخلال أول جولة لي في أزقة باب شرقي وباب توما وسوق الحميدية لاحظت على الفور أن السوريين كانوا أكثر استرخاء. عندما كنت أشغل منصب السفير الأميركي لدى حكومة الأسد، كان السوريون يترددون في التحدث معي خوفا من أن تقوم أجهزة المخابرات بمضايقتهم أو اعتقالهم. ولذلك لم أبدِ حماسا في خوض الأحاديث مع الناس حرصا على عدم إيقاعهم في المشكلات لاحقا مع الجهاز الأمني. لم تعد الأمور مثلما كانت فقد لاحظت تغيرا لافتا خلال زيارتي في يناير الماضي. لقد تذكرني الكثير من الأشخاص واستقبلوني بحفاوة وأرادوا التقاط صور "السيلفي" معي.

غيتي
يتسوق الناس في سوق الحميدية بعد سقوط النظام البعثي الذي دام 61 عاما في العاصمة دمشق، سوريا، في 5 فبراير 2025

أصابني الذهول في بادئ الأمر، لكن وكما ذكرت سابقا فأنا لست خبيرا في الشأن السوري. وسرعان ما تعلمت الاستمتاع بفرصة التحدث إلى السوريين في المقاهي والمتاجر والمطاعم بطريقة لم أكن أحلم بها بين عامي 2011 و2012. ففي أكثر من مناسبة وبينما كنت أتجاذب أطراف الأحاديث مع بعض الأشخاص في مقهى أو مطعم ما، كان ينضم إلى المحادثة بعض السوريين الذين لا تربطني بهم أي معرفة. إنهم الآن يتمتعون بحرية التعبير التي قمعها البعثيون وعائلة الأسد طوال ستين عاما.

في إحدى الأمسيات في دمشق القديمة كنا نسير باتجاه فندقنا في شارع يلفه ظلام دامس (لا تتوفر الكهرباء في دمشق سوى لبضع ساعات يوميا، وتغرق الكثير من شوارع المدينة القديمة في ظلام مطبق في الليل). مررنا بثلاثة رجال يرتدون بدلات عسكرية ويحملون بنادق كلاشينكوف، وكانت وجوههم ملثمة. أيقظت تجربتي في أميركا حيث معدل الجريمة مرتفع، وتجربتي الدبلوماسية في العراق مع رجال ملثمين مجهولين يحملون أسلحة، مشاعر الخوف داخلي. سمعونا نتحدث باللغة الإنكليزية، وسألني أحدهم باللغة العربية: "هل أنت إنكليزي؟".

التقيت بالكثير من السوريين الذين عادوا إلى دمشق وكانوا يعيدون افتتاح شركاتهم. كان أحدهم يعيد فتح مقر شركته الدولية للخدمات اللوجستية والنقل في دمشق

ترددت لوهلة ثم أجبته باللغة العربية أنني أميركي. صاح على الفور بالإنكليزية: "والدي يعيش في كاليفورنيا! كاليفورنيا جميلة!". وعندما أجبته بالإنكليزية أنني آمل أن يكون والده بخير وأن لا تكون الحرائق في جنوب كاليفورنيا قد تسببت له بأي أذى، لوح بيده اليمنى، وصاح مجددا باللغة الإنكليزية: "إنه بخير. لا مشكلة! أريد أن أزور كاليفورنيا ذات يوم!" لم يكن هذا ما كنت أتوقعه من رجل مسلح ملثم في شارع مظلم في دمشق، لكن وكما قلت سابقا، أنا لست خبيرا في الشأن السوري.

إعادة البناء مهمة صعبة

لقد شعرت بأن ثمة بارقة أمل تنعش السوريين. اصطحبني في إحدى الجولات صاحب أحد المحال التجارية في دمشق إلى متجره الذي يبيع فيه منتجات عالية الجودة المستوردة غالبا؛ كان قد جدد المبنى الذي يعود إلى العهد العثماني حيث يقع متجره. كما التقيت بالكثير من السوريين الذين عادوا إلى دمشق وكانوا يعيدون افتتاح شركاتهم. كان أحدهم يعيد فتح مقر شركته الدولية للخدمات اللوجستية والنقل في دمشق؛ وثمة مهندس معماري تمتد مشاريعه في ثلاث قارات أعاد فتح مكتبه أيضا.

وذات مساء تناولنا العشاء مع رجل أعمال سوري وكنا بحاجة إلى سيارة أجرة. لكن وبسبب العقوبات الأميركية، لا توجد خدمة "أوبر" في سوريا، غير أن رائد أعمال سورياً شاباً كان قد رجع من دبي وأنشأ شركة سيارات أجرة باستخدام الهواتف الذكية تسمى "يللا غو"(Yallah Go)ماذا لو تمكن المزيد من السوريين من العودة حاملين معهم خبراتهم ومهاراتهم الفنية التي اكتسبوها خلال السنوات التي قضوها في الخارج، لا بد عندها أن يعم النفع والفائدة على البلاد.

بالطبع، لا يخلو الأمر من التحديات أيضا. فقد تحدث جميع رجال الأعمال الذين التقيت بهم عن الصعوبات الناجمة عن العقوبات الأميركية، وخاصة على المعاملات المالية. إن العقوبات وفساد نظام الأسد وسوء إدارته الاقتصادية كانت السبب في أزمة اقتصادية خانقة. فمئة دولار أميركي على سبيل المثال تعادل كومة بسماكة خمسة سنتيمترات تقريبا من الأوراق النقدية من فئة الـ5000 ليرة سورية، التي يصعب حملها في جيبك، ولا يمكنك استخدام بطاقات الائتمان بسبب العقوبات. مثل الكثير من البلدان، ترى فرقا شاسعا بين الأغنياء والفقراء. ففي حين تعد المطاعم مثل مطعم "نارينج" وجبات رائعة، يطالعك في الوقت نفسه أطفال وأمهات يتسولون في شوارع المدينة القديمة؛ لا أتذكر أنني رأيت مثل هذا البؤس في عام 2011.

لا أستطيع أن أتجنب السياسة وأنا أفكر في زيارتي. فإلى جانب الأمل، سمعت الكثير من السوريين يعبرون عن مخاوفهم بشأن المستقبل

وإذا توجهت بالسيارة من المدينة القديمة في رحلة لن تستغرق أكثر من خمس عشرة دقيقة نحو أحياء مثل اليرموك أو حرستا، فسوف يصدمك حجم الدمار هناك. أخذنا المهندس المعماري الذي ذكرته آنفا إلى مخيم اليرموك حيث التقينا بأم وابنتها تمكنتا من النجاة من الحروب العنيفة بين "جبهة النصرة" و"داعش"، ثم بين النظام و"داعش"، بيد أن شقتهما تعرضت للقصف والنهب من قبل الجيش السوري. لم يترك الجنود أي أثاث، ولا أنابيب، ولا معادن، فقد سرقوا كل ما أمكنهم سرقته وتركوا البيت مدمرا ومنهوبا.

في حي كان يقطنه أكثر من 150 ألف فلسطيني وسوري، لم نصادف خلال زيارتنا التي استمرت تسعين دقيقة، سوى حوالي أربعين شخصا في الشوارع التي تتراكم على جانبيها الأنقاض. عثرت تلك الأم بين أنقاض شقتها على فنجان شاي غير مكسور. وعلى الرغم من كل هذا البؤس والدمار كانت تأمل في إعادة بناء منزلها في الحي. لكن السؤال الحقيقي الذي يفرض نفسه في ظل الصعوبات الهندسية والتكاليف المالية الباهظة هو كيف ستتمكن تلك السيدة من إعادة بناء منزلها. وعلى نحو مماثل، عندما مررنا بمعرة النعمان في طريقنا إلى حلب، كانت المدينة التي كان يسكنها ذات يوم 80 ألف نسمة مدمرة بشكل كلي ولم نصادف سوى عدد قليل من الناس في الشوارع. لقد حطمت ثلاث عشرة سنة من الحرب الأهلية حياة ملايين السوريين الذين سيحتاجون إلى مساعدات ضخمة لإعادة بناء منازلهم ومدارسهم وأماكن عملهم واسترجاع حياتهم. وحتى الأشياء الأساسية مثل إيجاد الموارد اللازمة لدفع رواتب موظفي الحكومة سوف يشكل تحديا حقيقيا.

غيتي
منظر لأنقاض المباني المدمرة في مخيم اليرموك، الذي يقطنه فلسطينيون، بعد سقوط نظام البعث الذي دام 61 عامًا في دمشق، سوريا، 1 فبراير2025

وفي حمص، كانت الأنقاض الصامتة لحي بابا عمرو غارقة في الظلمات عندما مررنا بالحي الخالي من أي نوع من الأضواء. غير أن اللافت والمثير للدهشة هو أن ترى على بعد خمس دقائق من بابا عمرو صالة عرض تسطع فيها الأضواء تعرض سيارات "مرسيدس بنز" و"تويوتا لاند كروزر" جديدة للبيع. أعود وأؤكد أنني لست خبيرا، ولكن يبدو جليا أن هناك بعض المال في سوريا وهناك الكثير من السوريين الأذكياء ورجال الأعمال الطموحين. ولكن هل يستطيع السوريون الحصول على المساعدة المالية والفنية التي سيحتاجون إليها لإعادة البناء؟

المخاوف السياسية وسوريا المشرقية

لا أستطيع أن أتجنب السياسة وأنا أفكر في زيارتي. فإلى جانب الأمل، سمعت الكثير من السوريين يعبرون عن مخاوفهم بشأن المستقبل. وبعد أن اشتريت عدة أزواج من القفازات المزينة بالعلم السوري الجديد والتقطت صور "سيلفي"، أخبرني صاحب المتجر أنه وأصدقاءه المسيحيين يشعرون بالتوتر بشأن نوع الحكومة التي سوف تجلبها "هيئة تحرير الشام" إلى سوريا. لقد تحدثت مع عشرات المسيحيين أثناء زيارتي وكان الجميع يسيطر عليهم نفس النوع من الهواجس. ولم يتعلق الأمر بما كانت تفعله "هيئة تحرير الشام" في ذلك الوقت. بل أشار الكثير منهم إلى حادثة وقعت في حي القصّاع أواخر ديسمبر الماضي عندما ظهر الكثير من السلفيين بمكبرات الصوت والملصقات التي تحث المسيحيين على التحول إلى دين الإسلام وتدعو النساء إلى تغيير ملابسهن.

كيف سيتم في نهاية المطاف إعادة دمج ثلث مساحة سوريا الواقع شرق الفرات- الخاضع حاليا لسيطرة "الإدارة الذاتية" و"قوات سوريا الديمقراطية"- مع بقية البلاد؟

وعلى الرغم من أن عناصر الأمن التابعين لـ"هيئة تحرير الشام" احتجزوا أولئك الرجال، غير أن الحادث ألقى بظلاله على الأشخاص الذين التقيتهم، مؤكدا لهم أن "هيئة تحرير الشام" تضم إسلاميين محافظين وأن الرؤية التي يحملونها لما سيكون عليه المجتمع في قادم الأيام سوف تضع المسيحيين في موقف لا يحسدون عليه. وفي وقت لاحق تحدثت إلى باحث سوري أمضى أسبوعا في السويداء، وأخبرني أن المجتمع الدرزي هناك لديه مخاوف مماثلة. ولا تتعلق أي من هذه المخاوف بما فعلته "هيئة تحرير الشام" منذ سقوط النظام، بل بما قد تفعله في المستقبل نظرا لخلفيتها.

ويبقى أحد الأسئلة الأكثر إلحاحا: كيف سيتم في نهاية المطاف إعادة دمج ثلث مساحة سوريا الواقع شرق الفرات- الخاضع حاليا لسيطرة "الإدارة الذاتية" و"قوات سوريا الديمقراطية"- مع بقية البلاد؟ في الوقت الحاضر، تعمل سوريا في ظل إدارتين متوازيتين– إحداهما في دمشق والأخرى في شمال شرقي سوريا– تعملان من دون تنسيق بينهما. وغالبا ما تجد القوات العسكرية لكل منهما نفسها في مواجهة مباشرة، ما يؤدي إلى اشتباكات دورية، مثل تلك التي تقع بالقرب من سد تشرين جنوب شرقي حلب.

تنبغي الإشارة هنا إلى أن العملية السياسية التي تقودها دمشق، بما في ذلك مؤتمر الحوار الوطني، قد استبعدت حتى الآن "الإدارة الذاتية". وينطوي هذا الاستبعاد على مخاطر كبيرة على المدى المتوسط، لأنه قد يزيد من ترسيخ الانقسام السياسي.

وفي منتصف يناير/كانون الثاني، قمنا بزيارة مقر "قوات سوريا الديمقراطية" في قاعدة عسكرية أميركية بالقرب من الحسكة، حيث تواجه قيادة الإدارة الذاتية و"قوات سوريا الديمقراطية" مستقبلا غامضا، لا يبدو أنه سيتضح قريبا. والأكيد أن موقفهم الآن بات أكثر هشاشة من ذي قبل، حيث لم يعد بإمكانهم الاعتماد على نظام الأسد أو روسيا أو حتى إيران– وجميع هذه الأطراف تعاونت معهم في السابق ضد تركيا والفصائل المتحالفة معها داخل الجيش الوطني السوري. ولا تزال مدينة كوباني الاستراتيجية عرضة للخطر بشكل خاص. ويبقى مدى قدرة "قوات سوريا الديمقراطية" والحكومة التي تقودها "هيئة تحرير الشام" في دمشق على التوصل إلى تسوية سياسية– إن حدث ذلك أصلا– ركنا أساسيا في تحديد ما إذا كانت سوريا ستحافظ على سلام هش أو تنزلق مرة أخرى إلى دورة متجددة من الصراع وعدم الاستقرار.

شكلت هذه الزيارة أول تجربة لي في شرق سوريا، وقد أتاحت لي فهما أعمق لآليات بناء الإدارة الذاتية لهياكل الحكم وإدارة شؤون المناطق الخاضعة لسيطرتها. فعلى مدار السنوات الماضية، أنشأت هذه الإدارة هياكل بيروقراطية ومجالس سياسية تتولى إدارة المدن والبلدات الواقعة تحت سيطرتها. وفي تحول جوهري، أعادت الإدارة الذاتية رسم الخريطة الداخلية لسوريا، إذ ألغت الحدود التقليدية للمحافظات الثلاث التي تشكل منطقة الشمال الشرقي: الرقة، والحسكة، ودير الزور، واستبدلتها بسبع مناطق إدارية أصغر، لكل منها حكومتها المحلية، وأجهزتها البيروقراطية، ومجالسها الشعبية.

من المرجح أن تلعب تركيا دورا غير مباشر، ولكنه مؤثر في تحديد مسار المنطقة. وفي الوقت عينه، تدرك دمشق أن تحقيق السلام ضروري لعملية إعادة الإعمار

وتأمل الإدارة الذاتية– التي يقودها حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي السوري (PYD) في إنشاء حكومة إقليمية، على غرار نموذج كردستان العراق. بيد أن المشهد السياسي في سوريا مختلف اختلافا كبيرا عن نظيره في العراق. فعلى عكس كردستان العراق، الذي تم الاعتراف به رسميا بموجب الدستور العراقي لعام 2005 والمدعوم من قبل الحكومة الأميركية والوجود العسكري الذي كان تعداده 120 ألف جندي أميركي، تفتقر الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا إلى دعم دولي مماثل، وإن يكن قادتها لا يزالون يأملون في دعم أميركي لترسيخ هيكلهم السياسي.

لكن المعادلة السياسية لا توحي بإمكانية استنساخ النموذج الكردي العراقي بسهولة في سوريا. ففي حين حظي إقليم كردستان العراق بتأييد القيادة الشيعية العراقية، التي تمثل أكبر مكونات الشعب العراقي، فإن الوضع في سوريا أكثر تعقيدا. إذ تتميز شمال شرقي سوريا بتركيبة ديموغرافية أكثر تنوعا، حيث يتداخل الوجود الكردي والعربي بدرجة تفوق ما هو عليه الحال في كردستان العراق. وخلال زيارتي، لم أجد دعما داخليا كبيرا للإبقاء على "الإدارة الذاتية" بصيغتها الحالية، ربما باستثناء ما سمعته في السويداء.

أما على الساحة الدولية، فلا يبدو أن الولايات المتحدة، التي كان لها دور فعال في الاعتراف الرسمي بإقليم كردستان العراق، مستعدة للقيام بالدور ذاته في سوريا. وبينما دعمت إدارة جورج بوش، بوساطة من السفير زلماي خليل زاد، مشروع الحكم الذاتي الكردي في العراق، يبدو من غير المرجح أن يخصص دونالد ترمب أي جهد دبلوماسي لانخراط إدارته في مفاوضات الدستور السوري. وإلى جانب ذلك، ليس هناك أي خطط في الأفق لتعيين سفير أميركي في سوريا قريبا، مما يجعل فرص التدخل الأميركي في صياغة مستقبل سوريا السياسي ضئيلة للغاية.

وعوضا عن الولايات المتحدة، من المرجح أن تلعب تركيا دورا غير مباشر، ولكنه مؤثر في تحديد مسار المنطقة. وفي الوقت عينه، تدرك دمشق أن تحقيق السلام ضروري لعملية إعادة الإعمار. والتحديات المقبلة كبيرة جدا– ليس من الناحية السياسية فحسب، ولكن أيضا من حيث البنية التحتية والاستدامة. ومن الأمثلة الدالة على ذلك مشهد شاحنات الصهاريج التي تستخرج المياه الجوفية باستمرار لأحياء الحسكة المتعطشة للمياه، في تذكير صارخ بأزمة البيئة والبنية التحتية في سوريا.

حين غادرت دمشق، كان هناك سؤالان مهمان عالقان في ذهني: هل تستطيع هاتان الإدارتان المتوازيتان داخل بلد واحد التفاوض على تسويات متبادلة والاتفاق على مسار الاندماج العسكري والسياسي؟

 هل ستكون واشنطن مستعدة لتسهيل الانتقال بتخفيف بعض عقوباتها الاقتصادية على الأقل؟

font change