الاكتشافات النفطية في العالم تصطدم بمساعي التحول إلى الطاقة النظيفة

تضيف مليارات البراميل إلى الاحتياطيات العالمية وتطرح تساؤلات حول الكفاءة الإنتاجية واستدامة الطلب

shutterstock
shutterstock

الاكتشافات النفطية في العالم تصطدم بمساعي التحول إلى الطاقة النظيفة

على الرغم من السياسات المعلنة في عدد من الدول المستهلكة للنفط المتعلقة بتنويع مصادر الطاقة والعمل على تخفيف الاعتماد على الوقود الاحفوري، تبرز بين الفينة والأخرى أنباء عن اكتشافات نفطية أو غازية في العديد من الدول المنتجة للنفط أو الغاز. أعلن في الكويت، أخيرا، اكتشاف حقل نفطي أطلق عليه حقل النوخذة البحري في شرق جزيرة فيلكا وقدرت احتياطياته بـ3,2 مليارات برميل. وسبق أن أعلنت السعودية في يوليو/تموز من العام المنصرم اكتشافات مهمة للنفط والغاز في المنطقة الشرقية من البلاد ومنطقة الربع الخالي. يضاف إلى ذلك أُعلن في أبو ظبي من اكتشاف حقول جديدة تمكن الإمارات من رفع إنتاجها إلى 5 ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2027. إحدى الشركات النفطية العاملة في العراق أعلنت اكتشاف كميات مهمة من النفط في حقل ضخم تقدر احتياطياته بـ2 مليار برميل.

لا تقتصر أخبار الاكتشافات الجديدة على الدول الخليجية والعراق، هناك دول عربية أخرى منتجة للنفط أعلنت اكتشافات وزيادة احتياطياتها النفطية. ليبيا أعلنت فتح المجال أمام الشركات النفطية لاكتشاف المزيد من الحقول ورفع مستوى الاحتياطيات والقدرة الانتاجية في البلاد. كذلك الحال في الجزائر التي أعلنت ثلاثة اكتشافات جديدة للنفط والغاز. وتعمل الجزائر كما هو معلوم لتكون أهم مصدر للغاز إلى دول القارة الأوروبية.

اكتشافات... والبرازيل من الدول المصدرة

لا بد أيضا من الإشارة إلى اكتشافات مهمة جرت في دول نفطية غير عربية، فقد أعلنت إيران مثلا، خلال العام المنصرم، اكتشافات جديدة تضيف 2,5 مليار برميل لاحتياطياتها المعلنة. وأصبحت البرازيل من الدول المصدرة للنفط، إذ أعلنت شركتها النفطية الرئيسة، "بتروبراس"، اكتشافات نفطية مهمة في المياه العميقة (offshore)، وقد وظفت الشركة أموالا كبيرة من أجل هذه الاكتشافات.

AFP
مصفاة بيرنارديس التابعة لشركة النفط البرازيلية المملوكة للدولة بتروبراس، في كوباتاو، ساو باولو، البرازيل، في 4 نوفمبر 2021.

هناك العديد من الشركات التي تعلن بين الفينة والأخرى اكتشافات نفطية وغازية في دول قد تكون من الدول المنتجة أو الدول الحديثة العهد في إنتاج النفط والغاز، مما يؤكد أن العالم غني بحقول النفط والغاز التي تنتظر من يكتشفها ويستثمر فيها ويجعلها منتجة لتغذية العرض والوفاء بالطلب على الوقود الأحفوري.

المنافسة المقبلة ستكون مثيرة خصوصاً عندما تتحول الكثير من الدول المستهلكة بشكل هيكلي للاعتماد على الطاقات المتجددة

لا شك أن هذه الأخبار تؤكد أن المنافسة المقبلة ستكون مثيرة خصوصا عندما تتحول الكثير من الدول المستهلكة بشكل هيكلي للاعتماد على الطاقات المتجددة أو تلك التي لا ينتج من استخدامها تلوث أو انبعاثات ضارة من غاز ثاني أكسيد الكربون.

مسألة تكاليف الإنتاج في الحقول البحرية

لكن هناك تساؤلات مهمة حول هذه الاكتشافات وعمليات الإنتاج المنتظرة، أهمها ما يتعلق بتكلفة الإنتاج، خصوصا في الحقول البحرية أو تلك الواقعة في المياه العميقة، كما هي الحال في البرازيل. منذ زمن ليس ببعيد، كان إنتاج حقول النفط في الدول الخليجية لا تزيد تكلفته على الدولار الواحد للبرميل. تغيرت هذه الأحوال وأصبحت تكلفته الآن تزيد على العشرة دولارات للبرميل في بلد مثل الكويت. أيضا، يعتبر العديد من الحقول الجديدة المكتشفة حديثا من النفط الصخري، ولا بد أن تكون تكلفتها عالية قد تتجاوز في بعض المناطق خمسين دولارا للبرميل، وربما أكثر، فهل تتوافق اقتصاداتها مع السعر الراهن للبرميل الذي تحدده الأسواق؟

AP
"الرئيس دونالد ترامب يلقي خطابًا أمام جلسة مشتركة للكونغرس في الكابيتول في واشنطن، يوم الثلاثاء 4 مارس 2025. الائتمان - بن كيرتس / أسوشيتد برس"الرئيس دونالد ترامب يلقي خطابًا أمام جلسة مشتركة للكونغرس في واشنطن

تؤكد توجهات الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترمب، السعي لرفع إنتاج النفط والغاز داخل الولايات المتحدة، لكن سبق أن أعلنت شركات نفطية تعمل في إنتاج النفط الصخري، أن التكاليف مرتفعة وقد لا تتمكن من مواجهة التزامات سداد الديون وفوائدها التي اقترضتها من المصارف لإنجاز أعمالها في ظل مستويات الأسعار السائدة. غني عن البيان أن تشجيع الاستثمار والإنتاج داخل الولايات المتحدة سيؤدي إلى ارتفاع العرض ويرفع من إنتاج الولايات المتحدة إلى ما يزيد على 13,5 مليون برميل في اليوم، مما يعرض الأسعار إلى التراجع.

عوامل إيجابية

عند احتساب النتائج الاقتصادية للاكتشافات الجديدة في كل بلد على حدة، ستكون الحسابات إيجابية. يعتزم بلد مثل الكويت رفع الإنتاج في ظل حقول متقادمة، ويجد في هذه الاكتشافات بعدا إيجابيا قد يمكن من رفع الإنتاج إلى مستويات تزيد على الثلاثة ملايين برميل في اليوم. ولكن يبقى من المهم مراجعة تكاليف الإنتاج وتحسين كفاءة الأعمال والاستفادة من التقنيات الحديثة، وربما الاستعانة بشركات نفط عالمية مرموقة.

لا يزال الطلب على النفط قويا، وتقدر منظمة "أوبك" أن ينمو الطلب بمقدار 1,5 مليون برميل يوميا في السنة الجارية وقد يرتفع الطلب إلى 104 ملايين برميل في اليوم، كما تذكر تقارير الوكالة الدولية للطاقة

وأكد الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة في السعودية، أن الاكتشافات الجديدة في السعودية، سواء النفط أو الغاز، ستدعم قدرات البلاد على رفع إمداداتها النفطية إلى الأسواق العالمية ورفع إنتاجها من الغاز بنسبة 50 في المئة. لا شك أن القدرات التقنية التي تملكها "أرامكو" ستعمل على ضبط إيقاع الإنتاج وتكاليفه. تظل السعودية من أهم المنتجين في العالم وستلعب دورا محوريا خلال السنوات المقبلة في صياغة أوضاع العرض والطلب. أما الإمارات، فكما أشير سابقا، فتعمل غلى رفع مستوى الإنتاج إلى 5 ملايين برميل من النفط يوميا، كما أنها تعمل من أجل زيادة إنتاج الغاز بما يوفر احتياجاتها ويعزز قدراتها على التصدير.

تحديات متوقعة مع الطاقات البديلة

قد تتمكن الدول المنتجة للنفط من خارج "أوبك"، وربما خارج تحالف "أوبك+"، من رفع طاقاتها من إنتاج النفط والغاز، ومن أن تصبح من المؤثرين في اقتصادات الطاقة خلال السنوات المقبلة. السؤال المهم هو كيف سيتم التعامل مع تحديات الطاقات البديلة والتوجهات البيئية الصارمة التي رسمها مؤتمر "باريس 2015"؟

لا شك أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس مرة أخرى في ظل إدارة ترمب، قد لا يكون ملائما لمتطلبات البيئة النظيفة، لكن إدارة ترمب التي تسعى الى رفع الإنتاج والضغط من أجل خفض الأسعار، سوف تظهر تأثيراتها خلال السنوات القليلة المقبلة. فانخفاض الأسعار قد يكون من النتائج المرسومة في خطط إدارة ترمب، لكن ذلك قد لا يتوافق مع سعي شركات النفط الصخري وهندساتها المالية. بيد أن على المرء أن يقر بأن الطلب على النفط لا يزال قويا، وتقدر منظمة "أوبك" أن ينمو الطلب بمقدار 1,5 مليون برميل يوميا في السنة الجارية. قد تتغير هذه البيانات في 2025 اعتمادا على أوضاع الاقتصاد الصيني المأزوم الذي اتضح أنه يعاني من عمليات التوسع في النشاط الاقتصادي، خصوصا في القطاع العقاري، مما يرفع إمكانات الركود وزيادة المديونية لدى مختلف القطاعات في البلاد.

Alamy
منصة لاستكشاف النفط والغاز في الربع الخالي

تمثل الاكتشافات النفطية تطورا إيجابيا لمختلف الدول المنتجة للنفط والغاز، وترتقي بقدراتها الإنتاجية والتصديرية. يتعين توفيق الإنتاج مع الطلب وتحسين عوامل التكلفة بما يرتقي بالكفاءة الإنتاجية. في الوقت نفسه، لا بد من التكيف مع متطلبات تحسين البيئة وخفض الانبعاثات الكربونية واستخدام أحدث التقنيات من أجل تنقية النفط من غاز ثاني أكسيد الكربون. وهناك مشاكل جيوسياسية كتلك التي يواجهها حقل الدرة المملوك من السعودية والكويت مع إيران، ولا بد من التوصل إلى حلول تمكن البلدين من الاستفادة من المخزون الغازي وتطوير استخداماته في السوق المحلية، وربما تصدير كميات مهمة إلى الخارج.

font change