ما دامت دول في الشرق الأوسط تعاني حالة الهشاشة السياسية، فإن إيران سوف تجد وسيلة لنشر نفوذها من خلال استخدام مزيج من أسلوبي الإكراه والإقناع. ولكن لا يمكن إنكار حقيقة أن إيران اليوم هي في أضعف حالاتها منذ ولادة "الثورة" في عام 1979، وهي بالكاد تكون قادرة على البقاء على قيد الحياة، فضلا عن اقتناص نقاط الضعف السياسية لدى جيرانها واستغلال انقساماتهم الطائفية.
لقد أصبحت شبكة الميليشيات التي بنتها إيران بشق الأنفس على مدى عقود من الزمن تعيش حالة من الفوضى بسبب الهزائم العسكرية التي مُني بها كل من "حماس" و"حزب الله" في أعقاب حربيهما الأخيرتين اللتين خاضاهما مع إسرائيل، فضلا عن انهيار نظام الأسد في سوريا– وهو الحليف الوحيد لإيران في المنطقة.
وتثير هذه النتائج سؤالا حاسما: هل تخلق هذه اللحظة من الضعف النسبي المتزايد لإيران فرصة لتشكيل نظام أمني إقليمي جديد؟
والجواب هو نعم، إذا- وهو أمر مشكوك فيه للغاية- تعاونت أميركا وشركاؤها العرب ونسقوا فيما يتصل بالأمن بطرق لم يسبق لها مثيل.
موقف الشركاء العرب
لكن من المهم أولا أن تأخذ إدارة دونالد ترمب في اعتبارها الموقف الاستراتيجي لشركائها العرب في سياستها تجاه الشرق الأوسط. إذ ليس لدى الدول، ومن ضمنها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر أي مصلحة في السعي إلى خوض أي مواجهة مع إيران. وهناك فرصة سانحة لمزيد من إضعاف إيران، وهم يدركون ذلك تمام الإدراك، ولكنهم لن يأخذوا زمام المبادرة. ولم يفعلوا ذلك قط، ومن المحتمل أن لا يفعلوا ذلك لأسباب مفهومة.
لقد انقضت-على الأقل في المستقبل المنظور- أيام الضغط على واشنطن من أجل اتباع نهج أكثر ضغطا تجاه طهران ولا سيما بشأن قضية رعاية "الحرس الثوري" الإيراني للعنف السياسي في جميع أنحاء المنطقة. وقد اختارت الرياض وأبوظبي وغيرهما من عواصم المنطقة طريق التكيف والتقارب مع طهران حتى تتمكن من التركيز على أولوياتها القصوى: ألا وهي التنمية الاقتصادية. وهي تنشد منطقة هادئة ومستقرة يمكن أن تجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تحتاجها لتحقيق الأهداف التي وضعوها نصب أعينهم في رؤاهم الاقتصادية طويلة الأجل.