بإجماع كل المراقبين، بدأ الجيش السوداني في استعادة المناطق التي فقدها في الشهور الأولى من الحرب وتحديدا في مناطق وسط السودان، في ولاية الجزيرة وولاية سنار وفي العاصمة الخرطوم. وظهر الجيش الذي كان يتقهقر وينسحب أمام هجمات "قوات الدعم السريع" ظهر أكثر ثباتا وقدرة على السيطرة باستثناء المعركة في الولايات الغربية في إقليمي دارفور وكردفان والولايات الجنوبية المتاخمة للحدود مع دولة جنوب السودان والتي لا يزال ميزان السيطرة فيها لصالح "قوات الدعم".
وينظر خبراء عسكريون إلى أن اللحظة الآنية من عمر الصراع تشير إلى أن الحرب تجاوزت المعارك الكبيرة وبخاصة من جهة "قوات الدعم السريع" التي تقاتل للبقاء والتشبث بالمناطق الاستراتيجية أطول فترة ممكنة، بينما يسعى الجيش إلى زحزحتها قدر الإمكان من تلك المناطق مهتما باستعادة سمعته لدى المواطن السوداني قبل استعادة الأرض. وباختصار تحول الأمر إلى معركة "عض الأصابع" بامتياز في الوقت الذي ينتظر فيه كل طرف حلولا تكفيه شر مزيد من المواجهات وإن كانا يصرحان بخلاف ذلك.
من جهة أخرى، تدور بين الطرفين- الجيش و"الدعم السريع"- معركة حامية وعنيفة ميدانها "الميديا" يتقدم فيها الجيش بخطوات واسعة مسنودا بخبرة الإسلاميين وأموال النظام السابق- حزب المؤتمر الوطني- وهي المعركة التي صورت للسودانيين أن الجيش حسم المعركة وطرد "الدعم السريع" من الأراضي السودانية وهزمه، وإن لم يكن قد حسمها كليا فهي في نهايتها. وبناء على ذلك- وليس السودانيون وحدهم حتى كثير من المتابعين من غير السودانيين على ذلك- تدافعت أجندات سياسية لحجز مقاعد متقدمة في حكومة ما بعد الحرب.
ما يصرح به البرهان في المنابر والمشاكسات حول تعديل الوثيقة الدستورية وخطوة تشكيل حكومة في مناطق سيطرة "الدعم السريع" وفك الارتباط بين مكونات "تحالف القوى الديمقراطية المدنية" (تقدم) والتحالف المدني الأوسع، صعدت إلى السطح وطغت على أخبار المعارك التي في حال نظرنا إليها من خلال عدسة مكبرة سيتبين أن مرحلة انتصار طرف على الآخر لا تزال بعيدة والحرب على بعد أسابيع من عامها الثاني.
في خطابات البرهان: "لن تعودوا للحكم إلا على أشلاء السودانيين" كانت هذه العبارة الأكثر إيلاما للإخوان المسلمين في السودان وأنصار نظام عمر البشير، أطلقها الفريق أول عبد الفتاح البرهان في وجههم في أحد خطاباته يوم 6 فبراير/شباط 2025 بعد أن بشر بأن "المعركة في نهايتها". ومنبع إيلامها أنها تتوافق مع رؤية مناوئيه من القوى المدنية والسياسية التي قادت "ثورة ديسمبر" التي أسقطتهم والتي ترى في الحرب التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان 2023 أنها حرب النظام البائد وأنصاره للعودة إلى السلطة.