الحوثيون ومصائر اليمنيين

غرست الجماعة أفكارها المتطرفة في أوساط الفقراء

الحوثيون ومصائر اليمنيين

مع تحول السلطة في العاصمة اليمنية صنعاء إلى يد الحوثيين في 21 سبتمبر/أيلول 2014، بدأت حياة اليمنيين تنقلب إلى قهر ودمار. نشأ الحوثيون في محافظة صعدة شمال اليمن كحركة دينية لتتحول فجأة إلى قوة عسكرية، مستهدفة الأمن القومي اليمني سالبة منه استقراره وقراره، بالترهيب. شكّل هذا التحول خطرا حقيقيا على اليمنيين، وأدخلهم إلى نفق معتم لا يعرفون له نهاية.

أكثر من عشر سنواتٍ مرت على اليمنيين وهم داخل نفقهم المعتم هذا تحت رحمة جماعة أقلية تستخدم ضدهم أساليب مروعة لإجبارهم على قبول واقعهم المرير بعد أن ملأوا الشوارع بالحواجز الأمنية، وهدموا المساجد وأجبروهم على خوض الصراع من أجل أهوائهم وطموحاتهم السياسية، ولم تكتف الجماعة بذلك بل ساوت المعترض على سعر الدقيق والغاز بالمعارض لحكمهم، مما خلق مناخا من الخوف والتجويع المستمر داخل مناطق سيطرتهم.

لم يقتصر صراع الجماعة مع الشعب والحكومة الشرعية على مستواه العسكري فحسب، بل امتد إلى حربٍ طائفية استخدم الحوثيون خلالها أدلجة الدين بالسياسة، عبر إطلاق شعار صرختهم "الله أكبر.. الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". وفي المقابل استخدموا اليمنيين كدروع واقية ليصبح شعار صرختهم أقرب إلى: "الموت لليمنيين وحدهم".

نجحت الجماعة في جر الكثيرين من الساسة وشيوخ القبائل خلفهم- وتحديدا الشماليين منهم- بوعود واهية تحت بند أنهم يقاتلون من أجل مصلحة اليمن وتحريره من هيمنة السلطة السابقة والعدوان الخارجي إلا أن واقع الأمور استمر عكس ذلك تماما، فعلى الأرض دمروا البنى التحتية، وحولوا منازل عديدة وسط حشود المجتمع اليمني إلى مخازن أسلحة ما جعل الحياة في المناطق التي يسيطرون عليها أكثر خرابا.

وفرضت الجماعة سلطتها بطريقة وحشية، ولم تترك مجالا لأي شكل من أشكال المعارضة، فانتهكت حقوق الإنسان، ودمرت النظام القضائي، وهمشت دور المؤسسات، ونشرت الفوضى الخلاقة.

حول الحوثيون اليمن إلى ساحة صراع تشكل تهديدا كبيرا للكثير من القوى العالمية التي تعتمد على ممرات البحر الأحمر في حركة تجارتها من خلال الهجوم على السفن التجارية

حاولت الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي استعادة السيطرة على صنعاء، لكن الحرب المتواصلة بين الشرعية والحوثيين المدعومة من إيران وقوى أخرى وسّعت الانقسامات السياسية والاجتماعية وأدخلت البلاد في حالة من انعدام الأمن، حتى أصبح المواطنون لا يعرفون ماذا يخبئ لهم الغد، وهل يستيقظون أم تدمرهم يد الحوثي المصافحة لليد الإيرانية التي لا يهمها غير تدمير اليمنيين، ونزع أطفالهم من أحضان أمهاتهم إلى معارك مجهولة حاملين معهم أكفانهم، وشهادات وفاتهم، وصكوك غفران النصر ودخول الجنة.
لم يتوقف مصير اليمنيين مع جماعة الحوثيين الإرهابية إلى هذا الحد بل تجاوزه إلى تعطيل الجماعة للتعليم إدراكا منها أن النخبة المثقفة التي تملك القدرة على التحليل والتفكير ستكون عقبة أمام المشروع الحوثي، لذلك واجهوا جميع محاولات الانتقاد بالقتل، والدفع بالمعارضين إلى جبهات القتال بالقوة، ما دفع بالكثير من المثقفين إلى الصمت أو الهجرة، أو التوافق مع مشروعهم خوفا من العواقب الوخيمة.
ركزت الجماعة على المناطق الريفية لتتمكن من غرس أفكارها المتطرفة خاصة في أوساط الفقراء والأميين التي لا تملك الوعي الكافي لمناقشة الدوافع الحقيقية وراء تحركاتهم، مستغلين هذه البيئات لنشر خزعبلات خادعة لا تمثل الإنسان اليمني، وجعلوا له أياما جديدة: مثل "يوم الصرخة"، و"يوم الثورة الشعبية"، و"يوم الصمود"، و"يوم الشهيد"، و"يوم الولاية"... وكلها عبارة عن استنزاف فكري ومالي وطائفي يصب في مصالحهم. 
على المستوى العسكري حول الحوثيون اليمن إلى ساحة صراع تشكل تهديدا كبيرا للكثير من القوى العالمية التي تعتمد على ممرات البحر الأحمر في حركة تجارتها من خلال الهجوم على السفن التجارية التي تعبر مضيق باب المندب وسواحل اليمن. 
هذه السفن المرتبط معظمها بالقوى الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل حولها الحوثيون حسب زعمهم إلى أهداف مشروعة ردعا للهيمنة السياسية، ما أثر على التجارة العالمية وغيّر مساراتها بعيدا عن السواحل اليمنية لتفادي الهجمات الحوثية، ما أثقل كاهل الدول المصدرة وشركات الشحن بزيادة تكاليف الرحلات وإطالة وقتها.

جاءت تكلفة فاتورة ولاء الحوثيين وتبعيتهم لإيران باهظة على اليمنيين دون فائدة مرجوة، ولا مستقبل محتملا بحجة أنها شريكتهم الاستراتيجية في معركتهم، سواء داخل اليمن أو في سعيهم للهيمنة الإقليمية الوهمية التي تعكس عمق تأثير الأيديولوجيا السياسية والدينية لدى هذه الجماعة المتطرفة لتجعلهم يرفضون التفكير في السلام والاستقرار اليمني، ما أطال أمد الأزمة المعيشية التي يمر بها اليمنيون.
في النهاية تتولد الكثير من التساؤلات الملحة أبرزها: من الذي يقف خلف تأرجح جماعة الحوثيين بين إلغاء تصنيفها كمنظمة إرهابية عام 2021 وإعادة تصنيفها مؤخرا؟ متى ستستفيد جماعة الحوثيين من القرائن التي أثبتت بيع إيران لأتباعها في سوريا ولبنان والعراق و"حماس"؟ هل سيتمكن اليمنيون من استعادة هويتهم الوطنية من الحوثيين الذين سلبوها منهم؟ 
إجابة هذه التساؤلات الكبيرة تتوقف على قدرة اليمنيين أنفسهم على التوحد مجددا لإنهاء أزمتهم المستمرة والخروج من أنفاق الحوثيين المعتمة.

font change