باريس- كثيرة هي الملفات التي تناولتها "المجلة" مع باسكال بونيفاس أحد أبرز المحللين الاستراتيجيين الفرنسيين ومؤسس ومدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في العاصمة الفرنسية باريس (IRIS). من ملف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية التي لم تنته فصولها بعد، تحديدا أهداف إسرائيل من تلك الحرب، إلى ملف الحرب الروسية- الأوكرانية ولاسيما بعد التغيير الجذري الذي أحدثه الرئيس دونالد ترمب على الموقف الأميركي في هذا الملف، وتأثير ذلك على المنظومة الأمنية الأوروبية التي تواجه تحديا غير مسبوق برأيه منذ الحرب العالمية الثانية.
كذلك تطرق الحوار الذي أجري في مقرّ المعهد في باريس لاحتمالات سياسات ترمب تجاه إيران، وكذلك في مجال آخر، سيرورات صعود اليمين في أوروبا وما إذا كان لهذا الصعود صلة بانتخاب ترمب.
وفي الآتي نص الحوار:
* عندما يقول بنيامين نتنياهو إنه يريد تغيير الشرق الأوسط، ماذا تعني تصريحاته بالنسبة إليكم؟
- إنه يريد ضمان هيمنة إسرائيل الكاملة على المنطقة، وإبعاد أي احتمال لإنشاء دولة فلسطينية، كما قال بالفعل. بالتالي، فإن الشرق الأوسط الذي يتصوره، هو ذلك الذي لن تواجه فيه إسرائيل أي صعوبات، حيث تقبل الدول العربية بعدم إنشاء دولة فلسطينية، ويقبل الفلسطينيون هزيمتهم، ويتخلون عن المطالبة بدولة لهم، إما عن طريق التهجير إلى دول أخرى، وإما من خلال قبول الاحتلال طواعية أو قسرا. وهذا، في رأيي، هدف غير أخلاقي وأيضا مستحيل.
*لكن الدول العربية لم تتخل عن الدولة الفلسطينية...
- في الواقع هناك بعض الدول العربية التي وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل، متخلية عن شرط إنشاء دولة فلسطينية، وهو الشرط الذي كان قائما منذ عام 2002 بعد القمة العربية في بيروت. لكننا نرى أنه منذ أحداث ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، تغيرت الأمور قليلا. والآن تعتبر السعودية أنه لا يمكن المضي قدما نحو اتفاق مع إسرائيل، دون وجود منظور واضح لإنشاء دولة فلسطينية.
* هل تعتقدون أن إسرائيل يمكن أن تحقق مشروعها للسيطرة على الشرق الأوسط؟ لقد قلتم إنه مستحيل، لماذا؟
- يمكنهم معارضة إنشاء دولة فلسطينية، لكن هذا سيؤدي فقط إلى إطالة أمد الحروب والمواجهات وتفاقم الإرهاب، وستكون العواقب سلبية على الجميع، وليس على إسرائيل وحدها. لذلك، نعم، يمكنهم دائما معارضة قيام دولة فلسطينية، لأن لديهم الحماية الأميركية، وأيضا بسبب نوع من السلبية الأوروبية في هذا الصدد، بينما لا تستطيع الدول العربية، فرض قيام دولة فلسطينية، لفرض ذلك على إسرائيل، يجب فرض عقوبات عليها، وهو ما لم يحدث. فرضت عقوبات على روسيا بعد ضمها للقرم، لكن لم تُفرض أي عقوبات على إسرائيل، حتى بعد ضمها للقدس الشرقية، وضمها للضفة الغربية أو الجولان. وبالتالي، فإن إسرائيل تواصل تنفيذ خطتها، لكن هذه الخطة لن تؤدي إلى شرق أوسط مستقر وسلمي، بل إلى منطقة يزداد فيها العنف والصراعات.
* في ظل الهدنة الهشة في قطاع غزة، هل تعتقدون أن إسرائيل تريد نقل الحرب إلى الضفة الغربية؟
- هذا ما يقومون به الآن، حيث تم تهجير 40 ألف فلسطيني من الضفة الغربية، وأعلنت القوات الإسرائيلية، أنها ستبقى هناك إلى أجل غير مسمى. نرى أيضا أن سموتريتش يريد ضم الضفة الغربية، سواء بحكم الواقع أو بحكم القانون، وأن الهدنة في غزة تزامنت مع تصاعد العنف في الضفة الغربية، وليس فقط استئنافه بل تصعيده. ويبدو أن إسرائيل تريد السيطرة الكاملة على الضفة الغربية. هذا هو مخطط سموتريتش، والذي لا يعارضه نتنياهو، لأنه يحتاج إلى التحالف اليميني للبقاء في السلطة.
* هل ترون أن الضفة الغربية هي الهدف الرئيس لإسرائيل؟
- كل شيء هدف بالنسبة لهم. القدس الشرقية قد تم ضمها، الضفة الغربية، غزة، وكل الأراضي التي يوجد فيها فلسطينيون، والهدف هو السيطرة عليها جميعا. إنهم يستخدمون كل الوسائل الممكنة لمنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية.
* هل تعتقدون أن ترمب تخلى عن خطته لترحيل سكان غزة؟ أم أنه يناور بشأنها؟
- هل تخلى عنها حقا؟ أم إنه قدم شروطا يعلم أنها مبالغ فيها تماما، حتى يجعل خطة أخرى، كانت ستعتبر غير مقبولة سابقا، تبدو أقل ضررا بالمقارنة؟ أم إنه، في الوقت الحالي، نظرا لرفض الدول العربية، لم يتحدث عن الأمر، لكنه سيعود إليه لاحقا؟ في الواقع، ترمب لا يهتم بالفلسطينيين على الإطلاق.