على مدى الأشهر الأخيرة، منذ فوز دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يهيمن على "الإطار التنسيقي"، أي التحالف البرلماني الشيعي الحاكم في العراق، خليطٌ من قلق وعجز وحيرة عميقة.
برغم العلاقة الباردة عموما، وأحيانا الخطاب العدائي لبعض زعماء الإطار ضد الولايات المتحدة، كان ثمة تواصل بين الدولة العراقية، عبر الحكومة ورئيس وزرائها وصناع القرار في واشنطن، في البيت الأبيض ووزارة الخارجية.
كان هذا التواصل يساعد "الإطار التنسيقي" على فهم أولويات واشنطن، بخصوص العراق والتعاطي مع هذه الأولويات، ولو عبر أنصاف الخطوات العراقية المعتادة، لكن في سياق ينزع احتمالات حدوث الأسوأ بين الطرفين، ويبقي على الشراكة العلنية، المؤطرة عبر اتفاق الإطار الاستراتيجي الموقع بينهما في عام 2008، مفيدة عموما برغم تراجع جدواها. حتى في عهد إدارة ترمب الأولى (2017-2021)، كانت قنوات الاتصال مفتوحة بين الزعامات السياسية في البلدين، لكن مع الإدارة الثانية الحالية لترمب، انقطعت هذه القنوات تقريبا، حتى مع استمرار التواصل بين العراق والمسؤولين الإداريين الأميركيين في سياقات روتينية لا تتصل بالقرار السياسي.
وبعد فوز ترمب في نوفمبر الماضي بالرئاسة الأميركية، حاولت أطراف "إطارية" وحكومية وسياسية عراقية، التواصل مباشرة مع الفريق السياسي للرئيس المنتخب، لكن من دون نجاح، ليستمر الأمر هكذا حتى بعد تنصيب ترمب، إذ بقيت خطوط التواصل مع الزعامة السياسية في واشنطن مقطوعة.
في الحقيقة، حتى يوم 25 فبراير/شباط عند حصول الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي يُعد أول تواصل رسمي بين الزعامتين، كان المصدر الرئيس للمعلومات عن واشنطن التي يحكمها ترمب، المُتيسر للطبقة السياسية العراقية، بحكامها وسياسييها، هو الإعلام، حالها حال العراقيين العاديين، وبعض التصورات العامة و"المعلومات" غير المؤكدة التي كان ينقلها "وسطاء" مفترضون (في العادة، تزدهر مهنة هؤلاء الوسطاء في أوقات الغموض والقلق). حتى عندما جاء ذكر سعي أميركا الصريح لـ"ضمان عدم استخدام إيران النظام المالي العراقي للتهرب من العقوبات أو الالتفاف عليها" في المذكرة الرئاسية التي أصدرها ترمب، في الرابع من فبراير لإعادة فرض عقوبات الضغط الأقصى، على ايران، فإن هذا الذكر لم يسبقه تنبيه أميركي للعراق، من أن نظامه المالي سيكون علنا في دائرة الرصد والضغط الأميركيين، إذ عرف الساسة العراقيون الحاكمون بهذا الأمر من الإعلام كأي شخص آخر.