في أبريل/نيسان من العام الماضي، جالت "المجلة" في منطقة جنوب نهر الليطاني، كانت الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" حينها قد أكملت شهرها السابع، وكان الطرفان لا يزالان ملتزمين بما عُرف بـ"قواعد الاشتباك"، أي عدم تجاوز رقعة الحرب 5 كيلومترات من جهتي الحدود، وكانت قرى الحافة الأمامية في الجنوب اللبناني، ما زالت موجودة على الخارطة بسكانها وحجارتها وحيواتها.
خلال الجولة، قال لنا مختار إحدى القرى: "إن الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد، وقرانا ستشهد أياما أشد سوادا"، فنعتناه بالمتشائم، لكن الأيام السوداء لم تتأخر بالفعل. ففي أواخر سبتمبر/أيلول من العام ذاته، اتضحت نوايا إسرائيل بتدمير المنطقة بالكامل، وجعلها غير قابلة للحياة، تمهيدا لإحلال واقع جديد، فوسعت حربها على لبنان، وخلال 66 يوما، حولت منطقة جنوب النهر من الناقورة حتى شبعا إلى أرض محروقة.
الأسبوع الماضي، قررت أنا والشابان اللذان رافقاني في الجولة الأولى، زيارة المنطقة مجددا، فعاودنا السير على الطرقات ذاتها، ودخلنا القرى ذاتها، والتقينا ببعض الأشخاص الذين التقيناهم في الجولة السابقة. الفارق الزمني بين الجولتين هو أحد عشر شهرا، لكن الفارق في المشهد العام للمنطقة لا يمكن استيعابه ولا وصفه.
أول صدمة تلقيناها كانت حين وصلنا إلى تقاطع تل النحاس، الذي تتفرع منه الاتجاهات نحو قرى المنطقة، شمالا ويمينا وصعودا ونزولا، لكن كثافة الدمار محت معالم المكان، فتوقفنا قليلا لالتقاط أنفاسنا وحبس دموعنا، ثم هبطنا نزولا، باتجاه بلدة الخيام.
في شرق البلدة حيث ترتفع تلة الحمامص، يلوح العلم الإسرائيلي من بعيد، وعن قرب يتبدى مشهد خرابها العظيم. البيوت في الخيام مبنية على رأس تلة مرتفعة، الطائرات الإسرائيلية مسحتها وسوتها بالأرض، خاصة بيوت الحي الغربي، وقذفت بحجارتها إلى الأسفل. في أحياء أخرى هناك بيوت ما زالت قائمة احتاج أصحابها إلى القليل من الوقت والمال لترميمها، وسكنوا فيها على الفور، لكن الحياة فيها شبه معدومة، فعودة الناس مرتبطة بانسحاب الاحتلال من أطراف البلدة، وبأمور أخرى على رأسها التعويضات.