"نشيد إلى البحر" أو "مديح البحر"، هذا هو عنوان المعرض الفردي الأول لمجموعة جديدة من أعمال مجد عبد الحميد الفنية المعاصرة في بيروت بـ"غاليري مرفأ" الذي يشغل واحدا من مبان قديمة في محيط مرفأ بيروت لم يحولها انفجاره في العام 2020 إلى ركام. أعمال الفنان عبد الحميد عرضت سابقا في غاليريهات ومتاحف أوروبية عدة، فاقتنت بعضها مجموعات منها. وهو شارك في تظاهرات "بينالي" دولية للفن المعاصر، منها في مدينة ليون الفرنسية (2024)، وفي كييف الذي استضافته فيينا في العام 2023، بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
المتوسط بلا بشر
عبد الحميد يعرف عن نفسه بأنه من أصل فلسطيني، ومقيم بين بيروت وباريس. وهو يستلهم فن التطريز الفلسطيني على الأقمشة لغة فنية أساسية في أعماله. ويستمر معرضه البيروتي الجديد طوال شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2025. أعماله في المعرض هذا، معظمها حصيلة رحلات فنية - حرفية اختبارية دعته إليها محترفات فنية إلى جزيرة أنافي اليونانية وجزر قرقنة التونسية، فأضاف إليها ما خبره من حياته في بيروت التي يقيم فيها منذ العام 2014، ويتنقل بينها وبين باريس منذ العام 2022.
إلى التطريز على القماش - فن مجد عبد الحميد الأساسي في أعماله السابقة - استعمل الكرتون بدل القماش في بعض أعماله الجديدة، واستدخل فيها منحوتات حجرية صغيرة تشبه أصداف الودع التي تستخدم في العرافة وضروب السحر والتنجيم. قطع صابون من المنتجات الحرفية التقليدية. صور فوتوغرافية صغيرة الأحجام، معاد إخراجها وطباعتها بطريقة "البولارويد" التي تسمح للضوء بإظهار الصور الصغيرة كأنها آتية من الذكريات أو الأحلام. هذا، إضافة إلى أفلام فيديو تصور مشاهد متحركة ببطء من رحلات الاختبار والبحث عن مواد أعماله الفنية، وفي طليعتها الأقمشة والخيوط المنتجة في محترفات محلية تقليدية.
مشاهد هذه الأعمال قد يرى أنها تخالف ما قد يتردد من أصداء مهابة وفخامة شعرية أو رومنطيقية في كلمتي نشيد أو مديح الواردتين في عنوان المعرض. ذلك لأن اللوحات المعلقة على الجدران - وسواها من الأعمال غير المؤطرة والمعروضة على طاولتين خشبيتين كبيرتين في جناحي صالة العرض - أقرب إلى منمنمات مستمدة أو مستلة ومؤلفة فنيا، بمنتهى الرفق والرقة والأناقة الحميمة، من مناخات وأجواء شواطئ وجزر البحر المتوسط، طبيعتها، طقسها، أشيائها الصغيرة، وأجزاء صغيرة من نتاج حرفها التقليدية القديمة.
لكن لا شيء في هذه الأعمال الفنية مصدره ما هي عليه الحياة والبشر والعمران على شواطئ المتوسط، لا اليوم ولا منذ سنوات سابقة كثيرة. والأرجح أن بعضا من هذه الحياة لم يعد له من أثر إلا في ذكريات قديمة وفي عزلات الجزر المتوسطية، مثل التي زارها عبد الحميد في رحلاته البحرية. أما من بيروت - حيث محترفه البيتي للتطريز، الذي هو فن العزلة وتبطيئ الزمن - فتحضر في المعرض صور عدة لطيور بحرية مهاجرة.