قال المهاتما غاندي ذات مرة: "ينبغي أن تقاس الحضارة من خلال طريقة معاملتها للأقليات."وهذا مبدأ سليم وجدير بالتقدير، بيد أن الواقع غالبا ما يؤكد لنا عكس ذلك. وفي الغرب، يركّز صناع القرار على الجانب المتطرف من الأمر، فبينما نراهم يولون الأقليات اهتماما أكبر بشكل غير متناسب، ولا سيما الجماعات غير العربية مثل الأكراد وبعض الطوائف المسيحية، نجدهم يتجاهلون الأغلبية في كثير من الأحيان، ومثال ذلك العرب السنة في سوريا.
وليت الأمر يقف عند هذا الحد، فحتى في داخل الأقليات العربية، نجد أن التعاطف انتقائي بشكل واضح، فعلى سبيل المثال، غالبا ما تمرّ محنة المسيحيين العرب الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي مرور الكرام في أعين الغرب. وفي حين أنه من الضروري منح الأقليات الدينية والعرقية حقوقا متساوية مع الأغلبية، لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب تجاهل الأغلبية نفسها.
فمع سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، انتهت هيمنة الأقلية العلوية، وعادت السلطة في المقام الأول إلى الأغلبية السنية – كما كان الحال في حقبة ما قبل وصول حزب البعث إلى السلطة في عام 1963، إلا أن الحكام السنة الجدد المحافظين يختلفون اختلافا كبيرا عن أولئك الذين حكموا قبل حكم البعث، إذ يلعب الإسلاميون الآن دورا أكثر أهمية في الحكم.
يرى الكثير أن نظام الأسد كان نظاما يهيمن عليه العلويون، لكن هذا التوصيف غير دقيق. ففي حين كان للعلويين دور فعال في النظام، إلا أن النظام كان في حقيقة الأمر نظاما ديكتاتوريا يقوده علويون، ولكنه يضطهد جميع السكان. ولئن تمتعت النخبة العلوية بامتيازات خاصة، فإن ذلك كان رهنا باستمرار ولائها للنظام دون قيد أو شرط. وحتى الآن، يبدو التعاطف الغربي مع العلويين السوريين ضئيلا، على الرغم من أنهم أقلية، لارتباطهم إلى حد كبير، على الأرجح، بديكتاتورية الأسد السابقة، حيث يُنظر إليهم على أنهم متعاطفون معها.
أنظمة أقلية
إن الأنظمة الديكتاتورية هي بطبيعتها أنظمة أقلية – سواء أكانت نخبها الحاكمة تنبثق من مجموعة أغلبية، كما كان الحال مع السنة في سوريا ما قبل البعث، أو من أقلية شأنَ العلويين في عهد الأسد. وينطبق القول نفسه على صعود القيادات السنية في ظل "هيئة تحرير الشام"، وهي في الأصل جماعة إسلامية متشددة، فهؤلاء الحكام الجدد لا يمثلون السكان السنة في سوريا ككل. بل هم يشكلون فصيلا سنيا صغيرا ضمن الأغلبية السنية الأوسع.
إن الأيديولوجيات الإسلامية لجماعات مثل "هيئة تحرير الشام" الحاكمة حاليا وجماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا و"أحرار الشام" و"جيش الإسلام" تتعارض بطبيعتها مع مبدأ عدم التمييز الديني، حتى وإن لم تدرك هذه الجماعات التناقض في مواقفها. بل قد تبدي هذه الفصائل قدرا من التسامح تجاه الأقليات، لكن هذا لا يفي بتطلعات الأخيرة التي تنشد الاعتراف بها ومعاملتها كمواطنين متساوين. فالتسامح وحده لا يعني الاحترام المتبادل.