تزداد المساهمة النسائية في الأدب العربي يوما بعد يوم. ومعها يزداد الكلام عندنا على أدب "نسائيّ" أو"نسويّ" أو"أنثويّ"... أو ما شابه ذلك. إزاء تسميات كهذه نشأت اعتراضات، أهمّها ما يقول إن الأدب هو الأدب، ولا ينبغي تصنيفه إلى أدب نسائيّ وآخَرَ رجاليّ. في هذا الموضوع وبعض متفرّعاته نسجّل الملاحظات الآتية:
أولا: إن التصاعد في مشاركة المرأة في إنتاج الأعمال الأدبية عندنا هو، في حدّ ذاته، ظاهرة إيجابية. ويجعلنا نمعن النظر فيما يعترض المساهمة النسائية في الأدب من عقبات.
ثانيا: إن مراجعة تاريخنا الأدبي تظهر أن النساء لم يقدّمن سوى مساهمة ضعيفة، أو متواضعة، في صناعة هذا التاريخ. ففي الشعر مثلا، وهو الفنّ الأبرز في التعبير عن الشخصية العربية، وله المكانة الأولى في تراثنا الأدبي، لا نكاد نجد امرأة واحدة، نضعها في صفوف الشعراء الأوائل، أي شعراء الدرجة الأولى إذا صحّ التعبير. والخنساء، أبرز شاعرة عربية، لا ترْقى في شعرها إلى مستوى الفحول من الشعراء الجاهليين، الذين تصنَّف من بينهم. وهي معروفة من خلال قصيدة قالتها في رثاء أخيها "صخر". أما غيرها من الشاعرات العربيات، اللواتي عشْن في العصور الإسلامية، فلا تكاد الواحدة منهنّ، تُعرف إلا من خلال أبيات معدودات. ويمكن للدارس أن يعثر على كتاب واحد يتحدّث عن جميع الشاعرات العربيات في القديم، يحمل عنوانا مثل "شاعرات العرب"، أو ما شابه.
ثالثا: إن تصويرنا "المجرّد" لضعف المساهمة النسائية في صنع تراثنا الأدبي، ينبغي أن يقودنا إلى تصوير الأوضاع الصعبة، التي عاشتها المرأة العربية عبْر العصور. فقد عاشت القمع أو الاضطهاد أو التضييق. ولا تزال حتى اليوم تشكو من نقص كبير في حقوقها. وإذا كانت مساهمتها الراهنة قد عرفت شيئا من التحسن، فهذا يعني أن أوضاعها العامة، قد تحسنت نوعا ما، قياسا على الماضي، وأن هامش حركتها قد اتسع، وأن شيئا لم يكن متاحا لها في السابق بات متاحا لها الآن.
إذا كان من واجب أي مجتمع أن يوفّر فُرصا متكافئة للرجال والنساء، فعلينا في مجتمعاتنا العربية أن ننتبه إلى هذا الواجب. وعلينا في المقابل، عندما ننظر إلى أدب المرأة، أن نعطي الأولوية للمعايير الفنية
رابعا: في مجالات الأدب، لا شيء يمنع المرأة- من حيث المبدأ- من مجاراة الرجل، وربّما من التفوّق عليه. وإذا كان من واجب المجتمع، أي مجتمع، أن يوفّر فُرصا متكافئة للرجال والنساء، فعلينا في مجتمعاتنا العربية أن ننتبه إلى هذا الواجب. وعلينا في المقابل، عندما ننظر إلى أدب المرأة، أن نعطي الأولوية للمعايير الفنية، تماما كما علينا أن نفعل عندما ننظر في أدب الرجل. فاحتراما للأدب الذي تنتجه النساء، لا ينبغي لنا، عند تقييمه أو تقويمه، أن نبالغ في تعاطف أو في إجحاف.
خامسا: ما ندعو إليه من تحكيم للمعايير الفنية دون غيرها، في النظر إلى الأدب، ليس متّبَعا في أيامنا هذه، وبالأخص فيما يتعلق بالنساء وكتاباتهنّ. فعندما تصدر المختارات الأدبية أو الأنطولوجيات، وعندما تُعقد المؤتمرات أو الندوات أو الحلقات الدراسية... أو غير ذلك، يتمّ البحث عن تمثيل للمرأة بأية طريقة، بل دون احترام للمعايير الفنية في كثير من الأحيان. وفي هذا ما فيه من عدم احترام لأدب المرأة. لقد بات من الممكن تجنّب الممالأة أو المجاملة في تقويم أدب المرأة، طالما أنها قد تقدّمت في تحقيق مواقعها الأدبية، في الشعر والرواية، ... وغيرهما.
سادسا: لا ينبغي التمييز بين أدب للمرأة وأدب للرجل، وكأنّ كلّ واحد منهما نوع أدبي قائم بذاته. وإنما يمكن الكلام على خصوصية هنا أو هنالك، تماما كما يمكن الكلام على اختلافات بين نصيْن لرجليْن، أو على اختلافات بين نصيْن لامرأتيْن. إلى ذلك، يحسُن بالرجل أن يتوقف عن اتخاذه المرأة مجرّد موضوع له، في الأدب أو في غيره. فالعلاقة بين الرجل والمرأة هي أسمى من أن يكون الواحد منهما موضوعا للآخر.
أخيرا، يحسُن بنا أن نبتعد عن استخدام التصنيفات، التي من شأنها أن تحجب بدلا من أن تكشف، أو من شأنها أن تحجب القيَم الفنية لصالح قيَم أخرى ثانوية في عملية النظر إلى الأدب وتقويمه. والمرأة العربية ليست قاصرة عن مجاراة الرجل في الأدب... أو في غيره من مجالات الإبداع، إذا ما أزيلت من أمامها تلك الحواجز التي أعاقتها زمنا طويلا.