انتخابات غرينلاند تضيء على صراعات المستقبل

أ ف ب
أ ف ب
قطعة حربية بحرية دنماركية قرب مدينة نووك عاصمة غرينلاند في 8 مارس

انتخابات غرينلاند تضيء على صراعات المستقبل

على خلفية إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاستيلاء على جزيرة غرينلاند، يتوجه الناخبون في الجزيرة الأكبر في العالم الواقعة في أقصى الشمال إلى صناديق الاقتراع يوم الثلاثاء 11 مارس/آذار لاختيار برلمان بلادهم. وعلى عكس سابقاتها منذ حصول الجزيرة القطبية على حكم ذاتي في 1979 في إطار مملكة الدنمارك، تحظى الانتخابات الحالية بتغطية إعلامية واسعة في معظم بلدان العالم، نظرا لتأثيرها في تحديد شكل رد إدارة ترمب على نتائج التصويت، وتأثيرات ذلك على العلاقات بين واشنطن وحلفائها في "الناتو" والاتحاد الأوروبي من جهة، والولايات المتحدة ومنافسيها مثل الصين وروسيا من جهة أخرى.

وتصدرت قضية الاستقلال عن الدنمارك عناوين الحملة الانتخابية بعدما كانت الحملات السابقة تركز على القضايا الاجتماعية والخدمية والاقتصادية والبيئية. ومن المنتظر أن يختار سكان غرينلاند البالغ عددهم 57 ألف شخص- يقطنون في جزيرة يكسو الجليد الأزلي معظم مساحتها التي تتجاوز مليوني كيلومتر مربع- 31 نائبا سيتولون مهمة إدارة الجزيرة وتحديد وجهتها نحو الدنمارك شرقا، المستعمِر السابق، أو الاستقلال مع تحديد التحالفات السياسية والدفاعية والاقتصادية المستقبلية، أو الاستقلال تمهيدا لعملية الانضمام إلى الولايات المتحدة حسب رغبة ترمب الذي لم يستبعد استخدام القوة العسكرية للحصول على الجزيرة لأهميتها الاقتصادية والاستراتيجية للولايات المتحدة.

مع الاستقلال ولكن

كشف استطلاع للرأي أجرته شركة الأبحاث "فيريان" في يناير/كانون الثاني الماضي أن أكثر من 80 في المئة من سكان غرينلاند يؤيدون الاستقلال. وفي المقابل، فإن نصف سكان الجزيرة تقريبا لا يرغبون في الانفصال عن الدنمارك إذا تأثرت مستويات المعيشة سلبا. وتشير هذه النتائج إلى أن العقبة الرئيسة في طريق استقلال غرينلاند تكمن في الاقتصاد ومستوى المعيشة المرتفع في جزيرة تعتمد إلى حد كبير على صيد الأسماك والسياحة والدعم المقدم من الحكومة الدنماركية، والمقدر بنحو 600 مليون دولار أميركي سنويا تنفق على الرعاية الصحية والتعليم المجاني إضافة إلى الأمن والدفاع.

تتشكل الحكومة الحالية من ائتلاف بين حزبي "إنويت أتاكاتيغيت"، و"سيوموت"، اللذين يسيطران معا على 21 مقعدا من أصل 31 مقعدا في البرلمان، وتؤيد كلتا المجموعتين الاستقلال مع فروقات

وعلى خلفية ضخ معلومات مضللة حول الاستقلال عن الدنمارك في وسائل التواصل الاجتماعي، برزت مخاوف من تدخل أميركي كبير في سير الحملة الانتخابية والتأثير في نتائجها. وأقر برلمان غرينلاند في فبراير/شباط الماضي قانونا يحظر على الأحزاب السياسية تلقي مساهمات مالية من مانحين أجانب ومجهولين، وينص القانون الجديد على أنه يجب النظر إليه في سياق "الوضع الحالي حيث أعرب ممثلو قوة عظمى حليفة عن رغبتهم في الاستيلاء على غرينلاند والسيطرة عليها".

أ ف ب
مسافرون يهبطون في مطار نووك الدولي آتين من العاصمة الدنماركية كوبنهاغن في 4 مارس

وفي خطاب ألقاه لتحديد موعد الانتخابات الشهر الماضي، أشار رئيس وزراء غرينلاند موتي إيغيدي، إلى أن بلاده تمر بـ"حقبة لم نشهدها في بلدنا من قبل". ومن المؤكد أن الواقع الجديد في ظل اهتمام ترمب يجعل نتيجة التصويت محورية في تحديد ما إذا كانت غرينلاند ستمضي للحصول على الاستقلال، ومن تختار أن تنحاز إليه في المستقبل. وتمثل الانتخابات اختبارا حقيقيا لعلاقة الجزيرة مع الدنمارك، التي تتلقى منها دعما ماليا يغطي حوالي ثلث موازنتها العامة، ومن المرجح أن تستغل أية حكومة مقبلة في غرينلاند الأوضاع الجيوسياسية للاستفادة من المصالح المتنافسة لكوبنهاغن وواشنطن لصالحها.
وتتشكل الحكومة الحالية من ائتلاف بين حزبي "إنويت أتاكاتيغيت"، و"سيوموت"، اللذين يسيطران معا على 21 مقعدا من أصل 31 مقعدا في البرلمان، وتؤيد كلتا المجموعتين الاستقلال مع فروقات. ويفضل، أكبر الأحزاب- حصل في انتخابات 2021 على 36 في المائة من أصوات الناخبين، حزب "إنويت أتاكاتيغيت" بزعامة إيغيدي- "طلاقا تدريجيا" ولم يحدد موعدا نهائيا للاستفتاء. ويسعى حزب "سيوموت" ( إلى الأمام) الاشتراكي الديمقراطي إلى التصويت على استفتاء الاستقلال أثناء ولاية البرلمان المقبل الممتدة لأربع سنوات، ويدعم الحزب رفع القيود عن التعدين واستخراج اليورانيوم لتأمين العجز المتوقع في حال الانفصال عن الدنمارك. 
ورجح استطلاع للرأي في يناير/كانون الثاني فوز حزب "إنويت أتاكاتيغيت"، لكن شريكه في الائتلاف الحكومي "سيوموت"- ثاني أكبر الأحزب الذي حظي بنحو 29 في المئة في انتخابات 2021- قد يخسر، ما يمهد الطريق أمام حكومة متعددة الأحزاب. 
ويكسب حزب "ناليراك" الذي تأسس في 2014، وهو أكثر المؤيدين للاستقلال، زخما ويتطلع إلى رفع نسبة ناخبيه من 10 في المئة حصل عليها في الدورة السابقة. وحسب برنامج الحزب فإن "الخطوة الطبيعية التالية هي تأمين سيادة الشعب الغرينلاندي على أرضه، وأن تصبح غرينلاند دولة مستقلة على قدم المساواة مع الدول الأخرى في العالم، الكبيرة والصغيرة". 

في خطاب بمناسبة حلول العام الحالي، قال رئيس وزراء غرينلاند إن بلاده يجب أن تعمل على إزالة "أغلال الاستعمار" وأن "التعاون مع مملكة الدنمارك لم ينجح في خلق المساواة الكاملة"

وأشار قادة الحزب إلى أن الاهتمام المتجدد من الولايات المتحدة يعزز حركة الاستقلال في غرينلاند، ويقوي موقفها في المحادثات المقبلة مع الدنمارك. ويسعى الحزب إلى تفعيل قانون الحكم الذاتي لعام 2009، الذي يمنح غرينلاند الحق في التفاوض من أجل الاستقلال الكامل. كما يهدف إلى إنهاء المفاوضات وإجراء استفتاء على الاستقلال قبل الانتخابات المقبلة، مع إمكانية النظر في اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة أو "ارتباط حر" مع الدنمارك أو دولة أخرى.
 وفي قائمة المنافسين حزب "ديموكرايت" (الديمقراطية) الأكثر اعتدالا، وهو حزب ليبرالي حصل في 2021 على تسعة في المئة من الأصوات يدعو إلى تعزيز الحكم الذاتي ضمن إطار المملكة الدنماركية. ويرى الحزب أن الاستقلال هدف طويل الأمد، ولكن يجب التركيز حاليا على تطوير الاقتصاد والبنية التحتية والتعليم قبل السعي نحو الاستقلال الكامل.
ورغم الأغلبية الواضحة لصالح الاستقلال، فإن معظم الغرينلانديين ليسوا مع الانضمام للولايات المتحدة، ولكن الاستقلال بحد ذاته يمنح ترمب فرصة لتوسيع النفوذ الأميركي، والضغط على كوبنهاغن. وأكد إيغيدي أكثر من مرة أن الجزيرة ليست للبيع، إلا أنه أوضح أنها "مفتوحة للأعمال التجارية"، وفي العام الماضي نشرت الحكومة مخططا للسياسة الخارجية يعبر عن رغبتها في إقامة روابط أوثق مع الولايات المتحدة من خلال التجارة والتعاون في مجال الدفاع.
ويدعم معظم الدنماركيين في استطلاعات الرأي بقاء غرينلاند في إطار المملكة الدنماركية، لكنهم لا يعارضون رغبة شعبها في الاستقلال إذا قرروا ذلك. وحسب قانون الحكم الذاتي الموسع المقر في 2009، يحق لغرينلاند الاستقلال، بعد استفتاء على هذه القضية، وموافقة من البرلمان الدنماركي. ولا تعارض الحكومة الدنماركية الاستقلال، وتؤكد تصريحات المسؤولين الحكوميين أن هذا شأن خاص بسكان الجزيرة. 

تراكمات الماضي الاستعماري


في خطاب بمناسبة حلول العام الحالي، قال رئيس وزراء غرينلاند إن بلاده يجب أن تعمل على إزالة "أغلال الاستعمار" وأن "التعاون مع مملكة الدنمارك لم ينجح في خلق المساواة الكاملة". ومعلوم أن الجزيرة عاشت أكثر من 200 عام كمستعمرة دنماركية قبل أن يُعاد تعريفها كمقاطعة تابعة للدنمارك في عام 1953، وحصلت على سيادة محدودة عن طريق "الحكم الذاتي" في عام 1979، عندما تم تشكيل أول برلمان لغرينلاند، وحصلت على حكم ذاتي موسع مع الحق في تقرير المصير في عام 2009. وحتى اليوم فإن كوبنهاغن تقرر في شؤون السياسة الخارجية والأمن والدفاع، فيما يخص غرينلاند و"جزر فارو" المستعمرة الدنماركية السابقة التي تتمتع أيضا بحكم ذاتي موسع ضمن مملكة الدنمارك. 

ومنذ عرض ترمب الأول شراء غرينلاند عام 2019 بدأت الحكومة المركزية في كوبنهاغن في إشراك ممثلين عن المنطقتين في اجتماعات مجلس القطب الشمالي والاتحاد الأوروبي، وتكثيف المشاورات مع حكوماتها بشأن قضايا السياسة الخارجية والدفاع، وحصلت غرينلاند على مقعد مراقب في اجتماعات حلف "الناتو" في العام الماضي. 
وفي الشهر الماضي، قال رئيس وزراء غرينلاند إن الإقليم "ضاق ذرعا" من أن يقال له إن عليه أن يكون ممتنا لكوبنهاغن لكونها "استعمار جيد"، وأضاف أنه "لو عاملت الدنمارك سكان غرينلاند بشكل أفضل تاريخيا، فربما لم يكونوا ليناقشوا مستقبل الجزيرة". وفي السنوات الأخيرة زادت نزعات الاستقلال بعدما طفت إلى السطح فضائح في تعامل السلطات الدنماركية مع سكان الجزيرة الأصليين، من أهمها إجبار الفتيات والنساء في سن القدرة على الولادة على استخدام وسائل لمنع الحمل في ستينات وسبعينات القرن الماضي. وتُتهم السلطات الدنماركية بالتمييز العنصري ضد الغرينلانديين. وفي الشهر الماضي أعلنت الحكومة الدنماركية إلغاء اختبار "كفاءة الوالدين" في الحالات التي تشمل عائلات من شعب الإنويت في غرينلاند، لكن ذكرى الحالات الأخيرة البارزة لأمهات الإنويت اللاتي فُصلن عن أطفالهن ستستغرق وقتا طويلا حتى يتلاشى أثرها. واختبار كفاءة الوالدين اختبار للأم والأب يمنح السلطات فصل الأطفال عن أسرهم.

حسابات ترمب 


عرض ترمب في أغسطس/آب 2019، شراء جزيرة غرينلاند على طريقة الصفقات العقارية، ورفضت رئيسة الحكومة الدنماركية حينها، ميتا فريدريكسن، العرض، وقالت إنه "سخيف". وبعد توليه الحكم أعلن ترمب رغبته في الاستيلاء على الجزيرة، ولم يستبعد استخدام العقوبات الاقتصادية والعمل العسكري للسيطرة على الجزيرة "الحيوية للأمن القومي الأميركي"، ما أثار رفضا واستهجانا في الدنمارك وأوروبا. 
وفي خطابه الأخير أمام الكونغرس في 4 مارس/آذار الجاري أكد ترمب على دعم الولايات المتحدة لحق غرينلاند في تقرير المصير، لكنه أعرب عن رغبته في دمج غرينلاند في الولايات المتحدة، وزعم أن مثل هذه الخطوة ستجعل سكان غرينلاند أغنياء وستحسن أمن الولايات المتحدة. 

في الشهر الماضي، قال رئيس وزراء غرينلاند إن الإقليم "ضاق ذرعا" من أن يقال له إن عليه أن يكون ممتنا لكوبنهاغن لكونها "استعمار جيد"

وشدد ترمب على أن الولايات المتحدة ستستحوذ على غرينلاند "بطريقة أو بأخرى" من أجل الأمن القومي والمزايا الاقتصادية. وجددت الحكومة الدنماركية رفضها خطط ترمب، كما رفض رئيس وزراء غرينلاند ميتي إيغيدي بشدة تصريحات ترمب الأخيرة حول الاستحواذ على غرينلاند، وقال إيغيدي في بيان: "نحن لا نريد أن نكون أميركيين ولا دنماركيين، نحن كالاليت، يجب على الأميركيين وقائدهم أن يفهموا ذلك، نحن لسنا للبيع ولا يمكن أخذنا ببساطة، مستقبلنا سنقرره نحن في غرينلاند".

اف ب
الرئيس الاميركي دونالد ترمب يتحدث الى الصحافيين في البيت الابيض في 7 مارس

ورغم الطريقة الفجة التي عرض بها ترمب الاستحواذ على الجزيرة، فإنها ليست المرة الأولى التي تسعى فيها الولايات المتحدة لشراء غرينلاند من الدنمارك. وبنظرة إلى التاريخ فإن الإدارات الأميركية سعت إلى شراء الأراضي الأجنبية وسط الاضطرابات الجيوسياسية، كما حصل مع روسيا بشراء ألاسكا في 1867 وسط اضطرابات مع بريطانيا. وبخصوص غرينلاند فقد اقترحت إدارات أميركية مختلفة شراء غرينلاند في الأعوام 1867 و1910 و1946 و1955 و2019 وأخيرا 2025.
ومنذ 2019، انطلق قسم من المحللين الأوروبيين من أن فكرة شراء غرينلاند لم تكن أكثر من مجرد تكتيك ضغط لتأمين زيادة الوصول إلى الموارد المعدنية من الجزيرة، وتوسيع العمليات العسكرية الأميركية في المنطقة الحساسة، حيث زادت الصين وروسيا من أنشطتهما البحرية العسكرية والتجارية والاستثمارية. بيد أن المكالمة الهاتفية بين ترمب وفريدريكسن في يناير/كانون الثاني الماضي كشفت أن هذه الافتراض قد يكون خاطئا، وأن اهتمام ترمب يكمن في حسابات تتعلق بالأمن والتوازن الاستراتيجي في العالم والجغرافيا الاقتصادية. 
وترغب واشنطن في تعزيز وجودها العسكري في غرينلاند حيث تحتفظ بقاعدة "بيتوفيك" منذ خمسينات القرن الماضي، وبدا أن واشنطن تسعى لزيادة وجودها العسكري في الجزيرة القطبية للوقوف في وجه النمو المتصاعد للوجود العسكري الروسي في القطب الشمالي بعد الحرب الروسية على أوكرانيا. وحسب تقديرات "الناتو"، ازدادت المنشآت النووية المدنية والعسكرية الروسية في القطب الشمالي من 62 إلى 81 منشأة بين عامي 2021 و2025، ومن المتوقع أن تتجاوز 110 منشآت بحلول عام 2035. وتضم هذه القواعد صواريخ وغواصات وأسلحة نووية أخرى تعمل بالطاقة النووية بدءا من صواريخ بوريفيستنيك إلى طوربيدات بوسيدون، كما أن هذه القواعد أيضا ساحات اختبار للمعدات العسكرية النووية الروسية، ومؤكد أن واشنطن لا تريد أن تبقى روسيا القوة العسكرية المهيمنة في القطب الشمالي، ويمكن أن يكون التصدي للتوسع العسكري والنووي الروسي في القطب الشمالي أحد الأسباب الأمنية التي دفعت الرئيس ترمب إلى السعي لشراء غرينلاند. 
وإضافة إلى العامل الأمني، فإن ذوبان الجليد يجعل موقع غرينلاند استراتيجيا على امتداد طريقين محتملين للشحن البحري: الممر الشمالي الغربي وطريق البحر العابر للقطب الشمالي. وتحتل غرينلاند موقعا استراتيجيا يؤهلها للاستفادة من البنية التحتية البحرية الشاملة المطلوبة لتشغيل هذه الطرق والتحكم فيها والمساعدة في إدارة الطوارئ والوقاية والاستجابة في القطب الشمالي، واليوم، تقوم 500 سفينة برحلات متعددة في القطب الشمالي سنويا، بزيادة قدرها 37 في المائة بين عامي 2013 و2023.
وربما أثارت الموارد الطبيعية في غرينلاند اهتمام الرئيس ترمب أيضا، حيث تسمح المعادن الأرضية النادرة في غرينلاند للولايات المتحدة بتقليل اعتمادها على الصين، التي تهيمن على سلاسل توريد المعادن الهامة العالمية، وتمتلك غرينلاند رواسب هائلة من الليثيوم والغرافيت والإيتريوم والكوبالت الضرورية لتصنيع البطاريات وتقنيات الرياح والطاقة الشمسية والمعدات العسكرية المتقدمة، كما تمتلك غرينلاند أيضا احتياطيات هائلة من النفط والغاز غير المستكشفة في عرض البحر، ومصائد أسماك وفيرة غير مستنفدة، وهو ما يدخل في حسابات ترمب لتحسين الاقتصاد الأميركي. 

وقف الصادرات إلى الولايات المتحدة قد يتسبب في فقدان نحو 100 ألف دنماركي على الأقل وظائفهم. كما أن الأثر يمكن أن يكون مضاعفا في حال فرض ترمب رسوما على التجارة مع الاتحاد الأوروبي

وتمثل السيطرة الأميركية على غرينلاند ثقلا موازنا لوجود الصين المكثف في القطب الشمالي عبر بوابة روسيا وتطوير الموانئ الشمالية والبنى التحتية والنقاط اللوجستية في القطب الشمالي. ويبلغ إجمالي الاستثمارات الصينية في القطب الشمالي الروسي 90 مليار دولار أميركي، مما عزز الشراكة الاقتصادية والأمنية الروسية الصينية في هذه المنطقة الحيوية. 

سيناريوهات


في استطلاع للرأي نهاية فبراير/شباط الماضي قال 85 في المئة من سكان غرينلاند إنهم لا يرغبون في الانضمام إلى الولايات المتحدة، ما يمثل رفضا واضحا لمقترح ترمب. وفي ظل مواصلة ترمب الحديث عن ضم غرينلاند، وعدم استبعاده استخدام القوة الاقتصادية والعسكرية لتحقيق هدفه، تبرز عدة سيناريوهات ستحدد مصير الجزيرة في حال استمرار رفض الانصياع لإرادة ترمب وربما مصير العلاقات الدولية المستقبلية:
الأول: فرض عقوبات اقتصادية ورسوم جمركية على التجارة مع الدنمارك التي تصدر أدوية وأجهوة طبية وتقنيات مختلفة بقيمة تتجاوز 42 مليار دولار أميركي سنويا، وحسب دراسات مركز الأعمال الدنماركي الشهر الماضي فإن وقف الصادرات إلى الولايات المتحدة قد يتسبب في فقدان نحو 100 ألف دنماركي على الأقل وظائفهم. كما أن الأثر يمكن أن يكون مضاعفا في حال فرض ترمب رسوما على التجارة مع الاتحاد الأوروبي لأن الدنمارك عضو في المجموعة الاقتصادية الأوروبية. وقد تجبر التأثيرات المتوقعة الدنمارك على الانصياع لإرادة ترمب. 
السيناريو الثاني: أن يغزو ترمب غرينلاند، ولا يمكن استبعاد هذا الاحتمال رغم أنه غير مرجح، فالدنمارك عضوة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ التأسيس، وحليفة لواشنطن في جميع حروبها في العقود الأحيرة، كما أن الغزو سيحدث شرخا كبيرا، لا يمكن إصلاحه، في التحالف الأميركي الأوروبي عبر الأطلسي، ويضعف الثقة بأهمية الانضمام للحلف والالتزام بميثاقه نظرا لأن أكبر قوة فيه تغزو دولة صغيرة فيه. كما يصب في مصلحة الصين وروسيا وتحالفاتهما العالمية على حساب تراجع الثقة في الولايات المتحدة. 
السيناريو الثالث: ينطلق من تراجع اهتمام ترمب بمحاولة الاستيلاء على غرينلاند والاكتفاء بتعزيز الوجود العسكري فيها، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الحكومة المحلية، ومنع الصين وروسيا من إيجاد موطئ قدم في الجزيرة مع ضمانات بأن تزيد الدنمارك استثماراتها الدفاعية، وعمليا تراهن الدنمارك على هذا السيناريو وقد أقرت الشهر الماضي زيادة بمليارات الدولارت في موازنة الدفاع، وقررت تعزيز الدفاعات في غرينلاند. 
والسيناريو الأخير الممكن، هو أن تحصل غرينلاند على الاستقلال عن الدنمارك وتبني علاقات أوثق مع الولايات المتحدة. وهذا السيناريو بعيد الأجل مع الكثير من العثرات الاقتصادية والدستورية والشعبية، كما أنه قد يدفع القوى الأخرى مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي إلى منافسة واشنطن. 

font change