يبذل الرئيس الأميركي دونالد ترمب جهودا لضبط إيقاع الميزان التجاري وميزان المدفوعات للولايات المتحدة في علاقاتها التجارية والاقتصادية مع العالم. منذ ترشحه فانتخابه ثم بعد توليه الرئاسة في يناير/كانون الثاني الماضي، لم يتوقف عن طرح قرارات لفرض ضرائب أو تعريفات جمركية على الواردات من مختلف دول العالم، مثل كندا والمكسيك والصين ودول الاتحاد الأوروبي. تتناقض هذه التوجهات والقرارات، في طبيعة الحال، مع مبادئ العولمة وقيمها، وشروط التجارة التي اعتمدتها منظمة التجارة العالمية، وقبلها اتفاقيات التجارة الحرة (GATT) للرسوم والتجارة التي سبق أن اعتمدت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ووقعتها 23 دولة في عام 1947، ثم ارتفع عدد الدول الموقعة إلى 100 في عام 1973.
تعتمد التجارة الحرة على الميزات النسبية التي تمتلكها الدول الفاعلة في التجارة وعلى تدفق السلع والخدمات من دون عراقيل سياسية، أو إجرائية أو فرض رسوم أو عراقيل قانونية لحماية الصناعات والخدمات في أي دولة، بما يميز المنتجات الوطنية أو المحلية على حساب تلك المستوردة من الخارج.
العولمة وتحولاتها الدراماتيكية
لا شك أن العالم تغير بفضل التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، بشكل دراماتيكي. لم تعد هناك إمكانات لصناعات في دول معنية أن تنافس منتجات الصناعات القائمة في دول أخرى بفضل التميز النسبي.
كانت الولايات المتحدة، حتى أواخر ستينات القرن الماضي، تتميز بصناعات عديدة، وكانت تغني احتياجات المستهلكين في البلاد وربما صدرت إلى دول أخرى وبقدرات تنافسية معلومة. كان هناك صناعة الإلكترونيات، ويتذكر الكثير من المخضرمين منتجات "آر. سي. إيه." (RCA) و"زينيث" (Zenith) من الراديو والتلفزيون، وكيف كانت المنازل في أميركا تزدان بها وكذلك العديد من المنازل في دول أوروبية، وفي منطقة الخليج. لكن الأمور تغيرت سريعا ولم تعد هذه المنتجات قادرة، في البداية، على منافسة المنتجات المماثلة من اليابان، وبعد ذلك من كوريا الجنوبية ثم الصين. كذلك الأمر بالنسبة إلى صناعة السيارات، حيث لم تعد العلامات التجارية الأميركية الشهيرة مثل "كاديلاك" أو "بونتياك" أو "شفروليه" مطلوبة بعدما زادت المنافسة من اليابان والدول الآسيوية، وتحديدا كوريا الجنوبية والصين.