إدلب- تعيش سوريا منذ ليلة الخميس 6 مارس/آذار أحداثا متسارعة وتحديات ومخاطر غير مسبوقة، حيث تعرّض عدد من المراكز الأمنية الحكومية في مناطق الساحل السوري غربي البلاد، لسلسلة من الهجمات المنظمة والكمائن استهدفت دوريات الأمن السوري الجديد، من قبل مسلحين من "فلول النظام" السوري السابق، ما أسفر عن مقتل عشرات من القوات الأمنية والعسكريين.
وتحول المشهد إلى مواجهات عنيفة بعد استقدام الدولة السورية تعزيزات عسكرية ضخمة شملت أربع مناطق ساحلية سورية، هي اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس. وأسفرت المواجهات عن وقوع آلاف القتلى من الطرفين وعدد كبير من المدنيين بينهم شخصيات محسوبة ضد نظام الأسد وأقارب لها.
ويعد الساحل السوري والذي يمتد على طول 180 كيلومترا بمحاذاة البحر الأبيض المتوسط، من أهم المناطق الجغرافية والاستراتيجية في سوريا، فضلا عن أنه المعقل الرئيس للطائفة العلوية التي ينتمى لها أيضا رأس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، وقد ساند في قمع ثورة السوريين منذ بداياتها في مطلع العام 2011 بعد تجنيد أعداد كبيرة من أبنائه في ميليشيات، ما أكسبه أيضا عزلا عن الصراع والدمار والعنف الذي طال معظم المدن السورية خلال سنوات الحرب على مدار 14 عاما.
كيف بدأت الأحداث؟
بدأت الأحداث من قرية بيت عانا في ريف محافظة اللاذقية، بعد منع مسلحين مجهولين دوريات تابعة للأمن العام السوري الجديد من القبض على متهمين بجرائم وإطلاق النار على عناصر الأمن ومقتل أحدهم.
وتكتسب القرية أهمية خاصة، إذ تعتبر مسقط رأس اللواء سهيل الحسن، الذي عرف بـ"النمر"، قائد "الفرقة 25" سابقا، الذي كان من أبرز قادة قوات النظام، وتتهمه منظمات حقوقية، بارتكاب سلسلة من المجازر بحق السوريين، وأبرزها مجازر الغوطة الشرقية بريف دمشق وحمص.
مقتل عنصر الأمن السوري عند بوابة قرية بيت عانا بريف اللاذقية بإطلاق نار من مجهولين في القرية، دفع قوات الأمن إلى إرسال تعزيزات عسكرية رافقتها عربات مدرعة وطائرات مروحية، للسيطرة على الوضع، وسرعان ما شنت مجموعات أخرى يعتقد أنها من "فلول النظام" هجمات منتظمة ومنسقة ضد عشرات المواقع الأمنية والعسكرية وأهمها مقر القيادة البحرية في اللاذقية، إضافة إلى السيطرة ومحاصرة عدد من المراكز الطبية في طرطوس وبانياس الساحليتين في وقت واحد.
ومع تفاقم الوضع الميداني وتصاعد التوتر والمواجهات، بين فلول النظام والقوات الأمنية، تعرضت الأخيرة لسلسلة الهجمات والكمائن على الطرق الرئيسة بريف منطقة جبلة القريبة من اللاذقية في توقيت واحد، ما أدى إلى مقتل 13 عنصرا من القوات الأمنية السورية وجرح آخرين، وحرق وتخريب عدد من الآليات.
أمام هذا التصعيد، أصدرت وزارة الدفاع السورية أوامر بالاستنفار الكامل لكافة الوحدات والثكنات العسكرية في إدلب وحلب وحماة وحمص، وإرسال أرتال عسكرية نحو مناطق المواجهات في الساحل السوري، بعضها تعرض لكمائن منظمة من قبل "الفلول"، وأوقع خسائر بشرية ومادية في صفوف قوات الجيش السوري الجديد وأجبر أخرى على التراجع وتغيير مساراتها باتجاه مناطق المواجهات، ما دفع وزارة الدفاع السورية إلى إرسال طائرات "الشاهين" المسيرة لرصد تحركات الفلول، وتسهيل تقدم القوات السورية نحو أهدافها.
احتقان شعبي واستنفار
مع تصاعد التوتر في المناطق الساحلية بين "الفلول" والقوات الحكومية، ووصول عشرات الجثامين لقتلى من القوات الحكومية إلى مناطقهم، تعالت أصوات الموالين الداعمة للحكومة السورية والجيش السوري الجديد، ودعت إلى "حمل السلاح ومؤازرة القوات الحكومية في مواجهتها مع الفلول". وخرجت مسيرات مؤيدة للجيش السوري في معظم المحافظات السورية، قابلتها مظاهرات حاشدة للعلويين في اللاذقية وطرطوس وجبلة تأييدا للعمليات العسكرية للفلول ضد القوات الحكومية، وسط هتافات طائفية وتحريض على حمل السلاح في وجه الدولة السورية ورفض حكم أحمد الشرع لسوريا، ما دفع بالسلطات الأمنية إلى فرض الحظر.
ومع استمرار هجمات الفلول حتى مساء يوم الخميس، على حواجز القوات الأمنية في داخل اللاذقية وطرطوس ومقتل عناصر في طرطوس، ووصول تعزيزات عسكرية ضخمة للدولة السورية إلى مناطق الاشتباكات، تصاعدت حدة المواجهات يوم الجمعة، وانتهت بالسيطرة الكاملة على مدن اللاذقية وطرطوس وبانياس وجبلة، وانتقال المواجهات إلى القرى المحيطة بالمدن.
تسجيلات وفيديوهات
ودارت مواجهات عنيفة فجر الجمعة بين "الفلول" والقوات الحكومية في قرية المختارية ومحيط منطقة القرداحة بريف اللاذقية، قتل خلالها نحو 230 شخصا من الطرفين. وفي الأثناء بثت صفحات موالية لـ"الفلول" على مواقع التواصل الاجتماعي، تسجيلات مصورة لقتلى مدنيين، قالت إنها "إعدامات ميدانية نفذتها القوات الحكومية"، فيما نفت الأخيرة تلك الأخبار وألقت بالتهمة على ميليشيات مقداد فتيحة الذي يقود جانبا من المواجهات، لرفضهم الانضمام إلى مجموعاته المناهضة للدولة السورية.